سينابون .. ج 1 .. ج 2 .. للكا...

By salahkareem

28.3K 756 19

ليس الحب أن ترجح كفتي في الميزان... الحب أن أكون أنا الميزان! ليس الحب أن يوافق شخصي مزاجك... الحب أن أكون أن... More

الشخصيات
القطعة الاولى
القطعة الثانية
القطعة الثالثة
القطعة الرابعة
القطعة الخامسة
القطعة السادسة
القطعة السابعة
القطعة الثامنة
القطعة التاسعة
القطعة العاشرة
القطعة 11
القطعة 12
القطعة 13
القطعة 14
القطعة 15
17
19
18
20 نهاية الجزء الاول
القطعة الاولى ج2
القطعة الثالثة ج2
القطعة الرابعة ج2
القطعة الثانية ج2
القطعة الخامسة ج2
القطعة السادسة ج2
القطعة السابعة ج2
القطعة الثامنة ج2
القطعة التاسعة ج2
القطعة العاشرة ج2
القطعة الحادية عشر ج2
تكملة القطعة الحادية عشر القسم الاول
تكملة القطعة الحادية عشر القسم الثاني
القطعة الثانية عشر ج2
القطعة الثالثة عشر ج2
القطعة الرابعة عشر ج2
القطعة الخامسة عشر ج2
القطعة السادسة عشر ج2
القطعة السابعة عشر ج2
القطعة الثامنة عشر ج2
القطعة التاسعة عشر ج2
القطعة العشرون ج2
القطعة 21 ج2
القطعة 22 ج2
القطعة 23 ج2
القطعة 24 ج2
القطعة 25 ج2
القطعة 26 ج2
القطعة 27 ج2
القطعة 28 ج2
القطعة 29 ج2 القسم 1
القطعة 29 ج2 القسم 2
القطعة 30 ج2
القطعة 31 ج2
القطعة 32 ج2
القطعة 33 ج2 الاخيرة
الخاتمة

16

457 12 0
By salahkareem

                                   
                                         

القطعة السادسة عشرة   

                     

************   

                     

_دي بنت هبلة !   

                     

قالها معتز لصديقه وهو يمسك هاتفه ملوحاً به مع استطراده :   

                     

_الحلوة طلعت خوافة وابن خالتها قِفل ومحوط عليهم ...تقلت عليها شوية وبعدين شاورت لها بالفيلم والبطولة...لكن المفاجأة إنها طلبت مني نخللي تصوير المشاهد في السر بعيد عن الاعلام لحد ما نحطهم قدام الأمر الواقع لما الفيلم ينزل !   

                     

قهقه صديقه ضاحكاً وهو يخبط كفيه هاتفاً:   

                     

_في السر؟! وكمان صدقت بجد إنها هتبقى بطلة الفيلم ....عملتها إزاي دي؟!   

                     

_دي الخبرة بقا.   

                     

قالها معتز بغرور وهو يقلب في هاتفه باحثاً عن صورها التي أطال التفحص فيها مردفاً:   

                     

_صاروخ! حلوة...خوافة...مغرورة...يعني صيد ممتاز...بنت الإيه بتلبس الحجاب وتقلعه بمزاجها...تقريباً خوف من ابن خالتها برضه...النوع اللي يخاف ما يختشيش ده بقا لعبتي!   

                     

أطلق صديقه ضحكة مستمتعة وهو يخطف منه الهاتف قائلاً:   

                     

_بس ينوبنا م الحب جانب...لقمة هنية تكفي مية .   

                     

ضحك معتز ضحكة ظافرة وهو يستعيد منه الهاتف ليقول بغرور:   

                     

_طب شوف بقا الخطوة الجاية ...هتعجبك !   

                     

قالها وهو يتلاعب بهاتفه ليتصل بها وما إن سمع صوتها حتى تنحنح ليقول باحترام خادع:   

                     

_آنسة داليا...آسف لو بزعجك في وقت مش مناسب.   

                     

صوتها المرتبك يأتيه بعبارة مجاملة تقليدية ليصمت لحظة قبل أن يقول متصنعاً الأسف:   

                     

_هو فيه خبر مش حلو...المنتج عنده اقتراح لبطلة تانية...ورافض إنه يدي الفيلم لوجه جديد...خصوصاً إنك رافضة تبذلي معنا مجهود في الدعاية عشان موضوع عيلتك وكده .   

                     

_يعني خلاص مش هاخد الدور؟!   

                     

الإحباط الملتاع في نبرتها يرضيه فيصمت للحظات قبل أن يقول بلهجة مدروسة:   

                     

_أنا عندي اقتراح...إيه رأيك تقابلي المنتج بنفسك...أنا متأكد إنه لو شافك هيغير رأيه .   

                     

غمزته الماكرة تلتحم بضحكة صديقه المكتومة ليصله ردها الحائر:   

                     

_طب فين ...وامتى؟!   

                     

_بكره عندنا حفلة صغيرة كده ع الطريق الصحراوي...نظام سافاري...خيم ورقص شرقي وغنا بدوي...إيه رأيك تيجي وتقابليه بنفسك ؟!   

                     

صمتها القصير يفضح ترددها ليبادر بنصيحته:   

                     

_الحفلة هتبدأ متأخر ...وأنا ممكن أوصللك بعد ما نخلص لو قلقانة .   

                     

ولما طال صمتها أكثر اضطر لقوله :   

                     

_لو مش هتقدري خلاص...بس مااضمنش ألاقيلك فرصة تانية .   

                                 

             
                   

_خلاص جاية.   

قالتها بلهفة أرضته ليعاود غمز صديقه قبل أن يغلق معها الاتصال ...   

وفي غرفتها كانت هي تنظر لهاتفها بقلق ...   

إنها فرصتها الذهبية ولن تضيعها !   

آن الأوان أن تخرج من عباءة يامن التي تطوقها هذه !   

ستثبت له وللجميع نجاحها وقدرتها على الاستقلالية...   

ستكون نجمة حقيقية مثل بيللا بل...أفضل!   

هي فقط تحتاج للتأني حتى لا يفسد عليها يامن الأمر في مهده ...   

لهذا اشترطت على معتز أن يتكتم على أمر التصوير ولا يظهرها في الدعاية...   

لكن الآن...ماذا ستفعل؟!   

زفرت بسخط ثم استلقت على فراشها لتهمس بعزم:   

_هقابل المنتج ده وأقنعه...محدش غيري هياخد الدور ...دي فرصتي وجت لحد عندي .   

صوت وصول رسالة جعل ابتسامة حقيقية ترتسم على شفتيها ...   

ابتسامة لم تعد تعرف معناها إلا معه ...هو فقط...   

الحبيب المجهول الذي يضفي على حياتها الباهتة بعض البريق ...   

"افتقدت مشاكستك اليوم يا شقية"   

لايزال يصر على محادثتها بالفصحى رغم أنهما قطعا شوطاً كبيراً في تعارفهما الغريب هذا ...   

رغم أنها صارت تحكي له الكثير عنها ...كما فعل هو...   

حتى باتت تشعر وكأنها تعرفه منذ زمن !   

والغريب أنها صارت تتلذذ بتبادل محادثاتها معه بالفصحى هذه كأنها بها تدخل معه عالماً جديداً كعالم الروايات والأساطير ...   

لا عالماً حقيقياً كواقعها الذي تعيشه !   

لهذا تحركت أناملها لتكتب له بسرعة :   

"أنا الأخرى افتقدتك يا عنيد "   

_"عنيد؟!"   

_"لأنك ترفض إخباري المزيد عنك...اسمك...عملك...عنوانك...ألا يحق لي معرفة ما يعرفه الآخرون؟!"   

_"ومالك وللآخرين؟! دعي لهم ظاهري ولكِ أنت الباطن!"   

_"إذن...حدثني عن ماضيك...عن النساء في حياتك"   

_"النساء في حياتي؟!"   

تأهبت حواسها لما سيكتبه وهي ترى النقاط تتراقص على الشاشة بما توحي بأنه يكتب شيئاً...   

ثانية...اثنتان...عشرة....   

هل تأخر أم هي من تتعجل الجواب؟!   

هل سيتباهى بكثرة مغامراته ؟!   

أم سيدعي أنه لم يعشق قبلها؟!   

لن تصدقه ...لن...   

_"أنتِ...أنتِ....وأنتِ...أنتِ كل نسائي"   

           

             
                   

ابتسامتها تتحول لضحكة نقية...وهي تجد نفسها رغماً عنها تقبل الهاتف حيث كلماته ...   

كلماته التي تمس جانباً بروحها لم يمسه أحد قبله ...   

هل ظنت أنها يمكن ألا تصدقه؟!   

كيف وقلبها يكاد يقسم :هذا العشق ليس بكاذب!   

لقد بدأ الأمر ب"لعبة" ...لتجده يتملك من قلبها يوماً بعد يوم...   

ربما هو إحساسها بصدق شعوره...   

ربما هو غموض صورته الذي يضفي عليه المزيد من الجاذبية...   

وربما السبب فيها هي ...   

هي التي تفتقد اهتماماً خالصاً كاهتمامه...   

دون غاية أو غرض!   

إنه حتى لا يحاول طلب لقائها !   

وعند الخاطر الأخير تذكرت ما جعلتها تكتب له بذهن مضطرب:   

_"الغد يومٌ مصيريٌ عندي...ربما أقترب من تحقيق حلم طالما تمنيته"   

كان معتاداً على تجاهلها لمشاعره وإن كان يدرك أن سهامه البطيئة الواثقة قد بدأت تؤتي ثمارها معها ...   

لكن عبارتها الأخيرة أقلقته ليكتب لها بسرعة...   

_"وماذا سيحدث غداً؟!"   

ابتسامتها العابثة تعاود غزو شفتيها ...لتكتب له منهية المحادثة :   

_"سأخبرك في الوقت المناسب."   

========   

(لو الست في نظرك وش حلو وقميص نوم رخيص فانت اخترت المرة دي الست الصح اللي تليق بيك...ست ماتقدرش ترد إيد راجل تتمد عليها ...وابقى اسأل عن تاريخها القذر قبل ما تديها اسمك ...مع جوز أمها وجيرانها وزمايلها ....واللا أقوللك بلاش تسأل انت ما تستاهلش أحسن من واحدة زيها !)   

كانت الكلمات السابقة تتعاقب في قذفها لصدرها كنصال حادة يعرف كل منها طريقه لقلبها الذي ما عاد يحتمل...   

مستلقية على "بقعة أمانها" الوحيدة في هذا العالم...   

"فراش أحمد" ....   

محتضنة لوسادته ...   

أناملها تداعب دبلته في إصبعها ...والتي لم تكن مجرد حلقة ذهبية...   

بل كانت "شارة طهارتها" الوحيدة التي منحها لها القدر وسط كل الصرخات التي كانت تنادي بدنسها ...   

رائحة الغاز "النفاذة" تحتل أنفها فينفر منها جسدها بردة فعل تلقائية لكنها مع هذا كانت تشعر بارتياح غريب مدركة قرب الخلاص...   

ستموت الآن هنا...   

على فراشه ...وسط بقاياه الوحيدة التي منحتها انسانيتها وسط هذا العالم القبيح...   

ستلحق به مادام قد عجز هو عن البقاء معها ...   

طالما كرهت الموت واعتبرته عدوها في هذه الحياة...   

           

             
                   

ليس فقط كونه قد حرمها من أحمد...   

بل منذ اختطف أباها وهي لا تزال طفلة صغيرة ليتركها أسيرة أمّ لا تستحق هذا اللقب...   

لكنها الآن قررت مهادنته ...قررت الخضوع لسلطته...   

ربما لا يكون الموت قاسياً قسوة حياةٍ كهذه التي تعيشها ...   

ربما يكون فقط بوابتها لعالم آخر ...أكثر عدلاً...أكثر رحمة...!!   

رائحة الغاز تزداد ضراوة فتغمض عينيها مشددة ضغط ذراعيها حول وسادته...   

الآن يستريح الجميع...   

تستريح أمها من حملها الذي طالما أشعرتها بثقله...   

وتستريح هانيا من وزر هواجسها عن علاقتها هي بزوجها ...   

وتستريح هي...منهم جميعاً!   

ابتسامة شاحبة تزين شفتيها وهي ترى نفسها أخيراً تأخذ قراراً ما في حياتها وحدها ...   

ربما يكون صائباً...ربما ...لا...   

لم يعد الوقت مناسباً للتراجع على أي حال ...!   

=========   

_بعتلها كل حاجتها خلاص؟! كده ارتحت؟!   

قالتها والدته بعتاب ساخط وهي تدخل عليه شقته التي صار يقيم فيها وحده ...والتي باتت الآن خاوية على عروشها بعدما أعاد لهانيا كل متعلقاتها بما في ذلك أثاث الشقة !   

فزفر بقوة ليجيبها بينما يكمل ارتداء سترته:   

_لو سمحتِ يا ماما ...مش عايز أتكلم في الموضوع ده ...من النهارده هانزل أبات معاكِ تحت.   

_كان معاه حق أخوك يقوللي أأخر جوازك لأنك متهور ولسه مش مستعد تتحمل مسئولية .   

كانت تعلم أنها تضع المزيد من الحطب فوق نيرانه المشتعلة لكنها كانت تعرف ابنها جيداً...   

تعرف أنه سيبقى حبيس قوقعته مالم تستثره بأي حديث ...   

لكنها تعجبت ردة فعله عندما لم يغضب كما توقعت بل أشاح بوجهه ليقول ببرود:   

_فعلاً ...كان معاه حق!   

عقدت حاجبيها بأسى وهي تسمع نبرته التي اكتست رغماً عنه بالكثير من الندم...   

منذ ذاك اليوم الذي طلق فيه هانيا وهو يتحاشى الحديث عن الأمر ...   

يكتفي بقضاء يومه كله خارج البيت ولا يعود إلا للنوم ...   

ليفاجئها اليوم بقراره إعادة كل حاجيات هانيا إليها !   

وكأنما هذا هو ما سيعيد حياته لسابق عهدها !   

_عايزة أتكلم معاك شوية عندي تحت قبل ما تخرج وما ترجعش إلا وش الفجر زي كل يوم.   

قالتها وهي تجذبه من كفه نحو الباب لتردف بنبرة ذات مغزى:   

           

             
                   

_بص كويس على المنظر ده قبل ما تنزل عشان تفهم إن خراب البيوت مش بالساهل .   

قالتها وهي تشير بعينيها لصالة المنزل الخاوية على عروشها والتي بدت كئيبة موجعة ...   

فانسابت عيناه هو الآخر على المكان تمشطانه بأسى وهو يقاوم شعوره بالخسارة...   

لا ...ليس سهلاً...   

ليس سهلاً أبداً!   

لهذا أغلق الباب ببعض العنف متجاهلاً الرد على عبارة أمه ليهبط معها الدرج نحو شقتها لتحين منه التفاتة نحو الشقة المقابلة التي كانت تشغلها غادة يوماً...   

غادة التي نسيها تماماً منذ ذاك اليوم لينخرط في حزنه الخاص ...   

ربما تذكرها بضع مرات راودته فيها نفسه أن يطمئن عليها باتصال بعدما نالها من قسوة صديقتها ...   

لكنه لم يستطع!   

شعوره بالذنب نحوها كان أعظم من يقاومه في هذه الفترة بالذات ...   

هو أدخلها رغماً عنها في حربه الباردة مع هانيا التي ذبحتها بسكين ثلم ...   

وليته ما فعل!   

انقطعت أفكاره عندما وصلا لشقة والدته التي دخلت ولاتزال تجذب كفه خلفها كطفل مذنب ...   

قبل أن تجلس جواره على الأريكة لتواجه ملامحه المرهقة بعينين آسفتين قائلة:   

_لما كنت لسه صغير وتعمل عملة...كنت بترفض تعترف إنك غلطان...تستحمل العقاب من سكات لحد ما الموقف يعدي...تفتكر هتحل مشكلتك دلوقت بنفس الطريقة ؟!   

_أنا خلاص...ماعادش عندي مشكلة ...كل حاجة كانت متعلقة حطيت لها نهاية.   

لايزال يكابر بنبرته الباردة التي تفهم هي ما خلفها لتتنهد قائلة :   

_لما مراتك جابت صاحبتها وسطكم ما كنتش رافضة وجودها عشان مش عايزة أساعدها ...لكن عشان كنت شايفة الصورة من بعيد وحاسة ان الوضع هينتهي بيكم كده ...ابني وعارفة ذوقه في الستات ...مراتك مكبرة دماغها وعايشة في دور المسترجلة...ووسط ده تحط واحدة زي صاحبتها دي تبقى كأنها بتقدم لها جوزها على طبق فضة!   

_غادة مالهاش ذنب ...مفيش أي ذرة شك في أخلاقها ...انا اللي بغبائي ورطتها معايا اليوم ده .   

قالها بضيق وهو يطرق برأسه مسترجعاً مشهد غادة الموجع وهي تتلقى اتهامات هانيا بصدمة وقتها ...   

لقد كانت قبل بضع دقائق فقط تدافع عنها أمامه...تناشده التشبث بها والصبر عليها ...   

لينقلب الوضع كله في ساعة غضب !   

_عايز الحق وما تزعلش؟!   

انتزعته بها أمه من شروده ليرفع عينيه إليها بترقب فتردف بنظرة ثاقبة:   

           

             
                   

_انت عمرك ما كنت هتخترع كذبة زي عرض الجواز ده إلا إذا كنت فعلاً فكرت فيها وشغلت عقلك .   

زفر زفرة حارقة وهو يشيح بوجهه ليصمت للحظات سبقت قوله المنفعل:   

_مش غادة نفسها ...لكن صفاتها ...أنا ما كدبتش لما قلت يومها إني كنت عايز ست زيها .   

_ولما انت عايز ست زيها اتجوزت واحدة بمواصفات هانيا ليه ؟!   

لاتزال أمه تحاصره بأسئلتها التي تحشره في زاوية معينة لا يريد الوصول إليها ...   

ربما لأنها تشعره بالمزيد من الذنب...المزيد من العجز...المزيد من الخسارة !   

لهذا عاد يطرق برأسه دون رد لتجيب هي سؤالها بنفسها:   

_زيك زي أي شاب لف ودار ولما جه يستقر اختار واحدة زي الألِف عشان يبقى ضامن أخلاقها ...عقلك قاللك بعد الجواز تتغير وتطوعها على كيفك...المشكلة إنك وقعت في واحدة ما بتطوعش...هي كمان كانت عايزة تشكلك على مزاجها ...انتم الاتنين حوّلتم جوازكم لاستعراض قوة...لعبة ...كل واحد فيكم كان عايز يكسبها ...والنتيجة انكم انتم الاتنين خرجتم خسرانين!   

هز رأسه عاجزاً عن الإنكار أمام تعريتها للحقيقة بهذه البساطة ...   

لتربت هي على كفه مردفة:   

_انت بتحبها وعايزها ...إيدك لما بتوجعك ما بتقطعهاش ...بتعالجها...ليه شباب اليومين دول مستسهلين خراب البيوت قوي كده ؟! على أيامنا كانت كلمة الطلاق دي عيبة كبيرة قوي.   

_على أيامكم كان فيه ستات بتحافظ على بيوتها .   

قالها بحسرة ساخرة وكأنما ساءه أن تحمله المسئولية كاملة لترد هي مؤكدة :   

_قلت لك قبل كده ...الراجل هو عمود البيت .   

_خلاص يا ماما انتهينا ...أنا مش أول واحد يختار غلط ويندم.   

هتف بها بغضب أججه شعوره المختلط بين ندم وعجز ثم انتفض مكانه ليغادرها بخطوات مندفعة...   

فعادت تتنهد بيأس لتتمتم في نفسها:   

_ياريتك تقتنع فعلاً إنك اخترت غلط...مشكلتك إنك متأكد إنك اخترت صح.   

بينما تركها هو ليستقل سيارته التي جاب بها الشوارع على غير هدى محاولاً تجنب التفكير في حديث أمه الذي بدا له شديد العقلانية لكنه شديد التحيز !   

لماذا تحمله هو العبء كاملاً؟!   

لقد صبر كثيراً على طبع هانيا الصعب واحتمل ما لم يظن أن رجلاً غيره يحتمله !   

جفاؤها...تباعدها...اهتمامها المغالي بدراستها...إهمالها لمظهرها...حتى قرارها المنفرد بمنع الإنجاب !   

كل هذا لم يلقَ لديها أي صدى!   

حتى رد فعلها على ما كان يوم طلاقهما والذي كان شديد البرود ...   

           

             
                   

ألا يعني كل هذا أنه لم يكن شيئاً لديها؟!   

زفر بسخط عند الخاطر الأخير الذي أعاد تمزيق كبريائه...   

ليصرف عنه ذهنه قهراً بالتفكير في غادة...   

غادة التي لم تعد تأتي للشركة منذ ذاك اليوم حتى صارت مهددة بفقد عملها الذي يدرك هو كم تحتاجه !   

آه...لقد ظلمها كثيراً!   

وكأنما وضعه القدر في طريقها ليكون لعنتها ...   

في البداية كان سبباً في حرمانها من زوجها ...والآن صديقتها وعملها!!   

كز على أسنانه بقوة وشعوره بالذنب يمزقه ...   

ليتناول هاتفه باحثاً عن رقمها ...   

سيعتذر منها ويطلب منها العودة للعمل حتى لو تركه هو...فلا يظنها ستقبل النظر في وجهه بعد ما كان !   

رنين الهاتف الرتيب لا يمنحه ما يريحه فيعيد الاتصال مرة بعد مرة...   

لاريب أنها لا تريد إجابة اتصاله ...ولا يمكنه لومها!   

لكنه لابد أن يتحدث معها !   

هنا انعقد حاجباه بتصميم وهو يتخذ طريقه نحو بيتها ...   

ركن سيارته ليغادرها نحو بنايتها حيث رمقه بواب العبارة بنظرة ماكرة لم يكترث لها وهو يصعد الدرج نحو شقتها ...   

رن الجرس بضع مرات حتى يأس من إجابتها وكاد يرحل لولا...   

تلك الرائحة!   

عقد حاجبيه بتركيز تحول للكثير من الهلع وهو يميز هذه الرائحة النفاذة !   

لا ...ليس ثانية !   

ليس ثانيةً!   

لن يحتمل هذا الذنب من جديد !!   

====   

_واااو ...شاليه على البحر ؟! عشان كده كنت بتقول هتبيع مبادئك؟!   

هتفت بها ياسمين بسعادة وهي تتبين وجهة سيارته التي استقرت بهما جوار الشاليه المنعزل الذي بدا لها كأنه قطعة منفصلة عن العالم ...   

ثم تعلقت بذراعيها في عنقه لتردف بفرحتها الطفولية:   

_كده أنا هاخطفك للأبد .   

ضحك لسعادتها التي توقعها وإن لم يقلل هذا من رضاه بهذا الشعور الذي يغمره عندما يرى ابتسامتها ...   

ليطوق خصرها بذراعيه قائلاً:   

_واحد صاحبي بيتحايل عليّ أشتريه منه بقاله كتير وأنا متردد ...بس أخيراً حسمت الموضوع واشتريته.   

_عشان عرفت إني بحب البحر!   

همست بها بدلال في جواب أقرب منه للسؤال فانفرجت شفتاه عن تلك الابتسامة التي تمزج مكرها بخجلها بينما يشيح بوجهه...   

           

             
                   

هذه الابتسامة التي تكاد تذيب أوصالها رغم أنها تعلم أنه يخفي بها شعوره نحوها ...   

لكن مرحباً بهكذا إخفاء يكاد يصرخ بكل الذي تود سماعه!!   

لهذا شددت ضغط ذراعيها حول عنقه لترسم شفتاها طريقها الشغوف على ملامح وجهه بينما تهمس بدفء عاطفتها:   

_كنت فاكرة اني عمري ماهاقدر احبك اكتر من زمان بس كل يوم بحس اني بحبك بطريقة مختلفة.   

_أنا عن نفسي عاجباني قوي الطريقة دي ...اثبتي عليها !   

غمزها بها مشاكساً وهو يضمها إليه أكثر متنعماً بشعوره بالرضا عما آلت إليه علاقتهما -الحسية- التي تدرج منحناها لديها من ذعر لنفور لتردد...   

وأخيراً لشغف متوهج كهذا الذي يراه الآن ...   

شرقيٌّ هو في غيرته وتملكه لأبعد حد ...   

ربما لهذا السبب يشعر ببعض السلوى عندما تجعله يحس أنه رجلها الأول الذي تمكن من فك شفرة أنوثتها ليمنحها ما لم يمنحها إياه غيره...   

حتى ولو لم يكن حقاً الأول!   

أشعره الخاطر الأخير بمزيج من ضيق وغيرة لكنه جاهد نفسه ليقاوم هذا الشعور بقوله :   

_تحبي نقعد على البحر شوية؟!   

_ما بحبش البحر بالليل!   

قالتها ببعض الحرج وهي تخفض ناظريها عنه ليرفع ذقنها نحوه بسؤاله:   

_لسه بتخافي من الضلمة ؟!   

فتصمت للحظات تسبق همسها :   

_ماعدتش بخاف من حاجة وأنا معاك.   

عيناه تلتمعان بوهج عاطفته ليمنحها هدية ناعمة على شفتيها قبل أن يقول بمرح:   

_خلاص نأجل البحر للصبح ...ياللا عشان تتفرجي على الشاليه من جوه.   

تراقص الحماس في عينيها وهي تغادر معه السيارة ليتوجها نحو الشاليه الذي فتح بابه ليقول بنفس النبرة المرحة :   

_ادخلي برجلك اليمين يا شابة.   

ضحكت ضحكة عالية أودعتها كل انفعالاتها وهي تتقدم للداخل متفحصة المكان الذي بدا وكأنه أعد خصيصاً لها هي ...   

كان يشبه بيته في القاهرة في كونه ذا طابقين ...   

لكن الفارق هاهنا كان في ديكوراته التي اختارها مشابهة لتلك التي في مطعمها ...   

بألوانها التي مزجت رقة ألوان الطيف بنصاعة الأبيض...   

بأناقة الأثاث الذي حمل الطابع الغربي الذي تفضله ...   

وبهذه البالونات المبهجة التي كادت ترقص مكانها في استقبالها ...   

_الله...مش ممكن يا يامن...أنا حاسة إني بحلم.   

           

             
                   

هتفت بها بصوت مرتجف وهي تجد نفسها تتشبث به بقوة وكأنما تخاف أن تتسرب منها كل هذه السعادة في غمضة عين ...   

ليحتويها هو بين ذراعيه قائلاً :   

_خللينا في المهم...الدور اللي فوق...أوضة النوم!   

قالها بوقاحته المعهودة التي ما عادت تثير حفيظتها ...بل على العكس...   

صارت تشعرها بأنوثتها أكثر وهي ترى ولعه بها ...هي ياسمين وليس كونها مجرد امرأة !   

هذا الإحساس الذي عوض بشاعة إحساسها القديم مع رامي ...   

وحتى الذي عرفته مع زين!   

زين؟!   

عادت ذكراه تثير المزيد من غضبها وضيقها و...خوفها!   

خوفها المحموم الذي يقبض قلبها ويحرمها اللذة الكاملة لهذا القرب يعود ليسيطر ...   

حتى وهو يجذبها ليصعد معها الدرج نحو الأعلى ولايزال ذراعاه يتشبثان بها ...   

حتى وهو يغمرها بالمزيد من تعليقاته العابثة عن خططه لهذه الليلة...   

وحتى وهي ترى بعينيها كيف اهتم -كعهده- بكل تفاصيل غرفة نومهما بما يناسب ذوقهما معاً ...   

شموع التفاح...ستائر الغرفة وشرشف الفراش بألوانهما الطيفية كما تحب هي...   

لون الأثاث الأسود المميز كما يحب هو ...   

والهواء المعبق بشغف عاطفتهما كما يحبان معاً !   

_عجبك؟!   

_كل حاجة بتعملها عشاني بحبها معاك مرتين ...مرة عشانها ومرة عشان بستطعمها من جديد معاك ...كنت فاكرة إنك رجعتلي عمري اللي فات...لكن الحقيقة إن كل يوم معاك عمر جديد .   

همست بها وهي تتعلق بعنقه ليشعر بأناملها تتشبث بقوة بقميصه من الخلف بحركة بدت له ذات مغزى ...   

فجازاها عنها بأخرى عندما اعتصرها بين ذراعيه وكأنما يبادلها تشبثاً بتشبث...   

_دايماً تغلبيني في الكلام .   

_الكلام بس؟!   

غمزته بها بدلال ووجنتها تعانق وجنته فضحك ضحكة راضية سبقت قوله العابث:   

_تنكري إن حواديتي تغلب حواديتك؟!   

_تؤ...ماانكرش!   

همست بها ضاحكة وهي تتفلت من بين ذراعيه لتخلع حجابها فاقترب منها ليحل رباط شعرها متفحصاً إياه بقوله:   

_شعرك طول شوية...ممكن يتعمل ضفيرة صغيرة.   

_اعملهالي!   

قالتها وهي تعطيه ظهرها بدلال ليجيبها بفظاظته المعهودة :   

_بتهزري؟! ما بعرفش طبعاً .   

_أعلمك!   

قالتها وهي تجذبه من كفه لتجلس معه على الأرض التي افترشتها سجادة أنيقة انتهى طرفاها بجدائل رفيعة طويلة من صوفها ...   

           

             
                   

هذه التي تناولتها هي الآن بين أناملها لتقول له بنبرتها الحماسية :   

_شوف يا سيدي ...فيه طريقة للضفيرة العادية...لكن اللي بعملها اسمها "السنبلة"...الضفيرة العادية بنقسم الشعر فيها ثلاثة أجزاء...لكن السنبلة بنقسمه لنصين بس ...وناخد من كل نص خصلة كده ...وكده...   

كانت تتحدث بينما تطبق ما تفعله عملياً على جدائل الصوف أمام عينيه ...   

نفسه تراوده بتعليق ساخر فظ على ما تفعله ...وما تريد منه فعله...   

لكن الغريب أنه كان مستمتعاً حقاً بمراقبتها...   

كل ما تفعله مهما بدا له -بقناعاته- القديمة تافهاً بسيطاً يجده يكتسب قدسية خاصة نابعة منها هي نفسها ...   

لهذا لم تكد تنتهي مما تفعله حتى أدار هو ظهرها نحوه ليتناول شعرها بين أصابعه...   

أنامله تداعب منابت رأسها برقة قبل أن يبدأ في تطبيق ما تعلمه منها ...   

متعة غريبة تجتاحه وهو يرى جديلته رغم قصرها وضعف إتقانها ...   

متعة جعلته يرفعها نحو شفتيه يقبلها برقة جعلتها تلتفت نحوه لتهمس بتأثر:   

_للدرجة دي شكلها حلو؟!   

فأدارها نحوه ليحتضن وجنتيها بكفيه هامساً :   

_لسه مش بالطول اللي أنا عايزه...مش زي ما أنا فاكرها ...بس هافضل وراها لحد ما اشوفها زي زمان.   

_اشمعنا ؟!   

_عشان دي الحاجة الوحيدة اللي فاكرها في شكلك زمان...عشان بتفكرني بفترة عملت المستحيل عشان أنساها ...بس انتِ خلتيني أرجع أتقبلها...وأحبها.   

همس بها بانفعاله الحار الذي تعشقه إذ يخرجه من طور فظاظته وتحفظه المعهود إلى هذا البوح النادر الذي قلما تسمعه منه بأذنيها لا بقلبها ...   

لهذا مدت أناملها تزيح أصابعه من على وجنتها لتضعها على صدرها في موضع قلبها تماماً ثم همست بصوت مرتجف:   

_مش عايزاك تقوللي إنك بتحبني...هاكتفي مؤقتاً إنك تقوللي إنك مصدق إني بحبك...وإنه مهما حصل مش هتشك يوم في ده .   

انعقد حاجباه بانفعال وحديثها يعاود نبش هواجسه...   

لماذا تطلب منه هذا الليلة بالذات؟!   

لا ...لا ...   

لن يسقط في هذه الهوة من جديد ...   

لن يعاود التأرجح بين شك ويقين ...   

سيختارها هذه المرة...   

سيغامر بالثقة لأنها تستحق!   

_يامن!   

همسها الذي مزج قلقه برجائه انتزعه من أفكاره ليفتر ثغره عن ابتسامة اتسعت رويداً رويداً ...قبل أن يهمس لها بكلمة واحدة :   

           

             
                   

_مصدقك.   

كلمة واحدة مقتضبة لكنها منحتها الكثير من الارتياح لتتنهد بعمق هامسة:   

_طيب قوللي أمارة...عشان لو في يوم من الأيام شكيت في كده...أفكرك بيها.   

ورغم أنها كانت جادة تماماً فيما تطلبه ...   

مدفوعة بخوفها من أن تسلبها الظروف هذه السعادة الصافية التي تعيشها معه ...   

لكنه ظنها مجرد مزحة دلال فأمال رأسه بعبارته الساخرة:   

_عايزة كلمة سر يعني؟!   

ابتسمت وهي تمد كفها الآخر لتحتضن أنامله على صدرها بهما معاً ...   

فشرد ببصره ليقول بجدية :   

_تعرفي ؟! أيام كتير كنت بصحى من النوم أفضل في السرير ...ماليش مزاج أقوم...أقوم ليه ؟! أشتغل ليه ؟! أقابل ناس ليه ؟! أعيش أصلاً ليه ؟!   

ثم ابتسم ليصمت لحظة سبقت استطراده:   

_مؤخراً بس بقيت لما أسأل نفسي الأسئلة دي ...ما بلاقيش غير إجابة واحدة بتخليني نفسي مفتوحة إني أقوم من السرير وأكمل يومي ...   

قالها ثم رفع إصبعه الذي يحمل خاتمها ذا الفص الأسود أمام وجهها في إجابة غير منطوقة...   

إجابة جعلتها تندفع لتحتضنه بكل قوتها هامسة:   

_خلاص..يبقى كلمة السر هي الخاتم بتاعي ...يوم ما تنسى هافكرك بيه.   

_مش هانسى!   

قالها وهو يعدل وضعها ليرقدها في حجره كطفلة رأسها مستقر على أحد ذراعيه ...   

ثم ألصق وجنتها بوجنته بينما ذراعاه يطوقانها ...   

فتأوهت بخفوت وهي لا تدري بماذا تصف شعورها الآن...   

إنها سعيدة...سعيدة كما لم تعرف من قبل...   

سعيدة حد الألم!   

الألم من أن تفقد كل هذا الذي تعيشه الآن فتموت دونه !   

هل من الأصوب أن تصارحه بما تخفيه كي تتخلص من هذا الوزر؟!   

أم أن الستر هاهنا أولى؟!   

آآه !   

آهة عميقة غادرت صدرها كقذيفة لتجده يرمقها بنظرة متسائلة حملت حنانه هذا الذي يغريها بالاعتراف...   

يامن العاشق لن يخذلها ...   

سيتفهمها...يحتويها ...يتجاوز عن خطيئتها ...   

ربما هذا ما منحها الشجاعة لتهمس له بتردد غريب عن طبيعتها الواثقة:   

_بمناسبة الليلة المهمة دي ...كنت عايزة أتكلم معاك في حاجة من فترة ...بس ...   

_حاجة إيه؟!   

نظرة الشك في عينيه تعاود قصفها بالخوف ...   

تنتزع منها يقينها لتتراجع...   

           

             
                   

فتزدرد ريقها ببطء لتلقي كرتها في مرمى آخر:   

_هانيا ...مش عاجبني موقفك من طلاقها.   

هنا يزفر هو بقوة فلا تدري ارتياحاً لأنها خالفت هاجساً يملؤه نحوها...   

أم ضيقاً من هذا الأمر بالذات ...   

حسناً...مضى وقت التراجع ...فلتكمل في هذا الطريق...   

_أنا قلت لها قبل كده ...الخيانة ما بسامحش فيها...في الموضوع ده بالذات اللي اتكسر ما بيتصلحش...اللي اتكسر يترمي ورا ظهرنا وننساه.   

هتافه المنفعل يعزز يقينها بصحة قرارها فيما تخفيه ...   

يامن لن يتقبل الحقيقة هاهنا...   

ليس من الحكمة أن نواجه لهب النار بصدور عارية...   

أحياناً يكون الانسحاب محض انتصار ...!   

وبهذا اليقين أخذت نفساً عميقاً لتربت على صدره برقة قائلة بهدوء خادع:   

_الجواز مش لعبة عشان تتهد في يوم وليلة...الموقف كله مش داخل دماغي...مفيش واحد بيخون مراته مع صاحبتها بيعترف لها كده بصراحة زي ما هو عمل ووسط الناس ...تصرف رامز مش تصرف واحد خاين ...ده رد فعل واحد مجروح ضرباته طايشة في أي اتجاه .   

_مفيش واحد بيقول لمراته إنه هيتجوز غيرها إلا لو كان عايز يهد البيت!   

لازال يزأر بكلماته بحدة حمائية ...   

ولازالت تربت على صدره مهدئة بقولها:   

_مش شرط...يمكن عايز يخلليها تغير ...تتغير ...يمكن كان عايز يسمع منها إنها باقية عليه ومش هتسمح لواحدة تانية تاخده منها ...صدقني الموقف كله غريب ...أنا شفت رامز مع هانيا أكتر من مرة...وأقدر أحكم إنه فعلاً بيحبها .   

_حتى لو قلتلك إنها سمعت بنفسها إشاعات عنهم قبل الموضوع ده !   

_وإنت ليه ما صدقتش الإشاعات اللي طلعها رامي علي؟!   

سألته بما بدا كاستنكار عاتب لكنها كانت حقاً تترقب جوابه في هذه اللحظة ...   

هذا الذي هتف به وهو يشدد ضغط ذراعيه لا إرادياً حولها:   

_مش قلت لك قبل كده ماتجيبيش سيرة الحيوان ده تاني؟! دي حاجة ودي حاجة...أنا لولا إني لقيتك كتاب مفتوح قدامي ما كنتش فتحت لك طريق معايا .   

صراخه الغاضب جعلها تنكمش بين ذراعيه والخوف يلون نظراتها التي أخفتها عنه عندما دفنت وجهها في صدره...   

قلبها المذعور يشعر بقبضة الماضي تطوقه ...فلا الصراحة تنجيه...   

ولا الإخفاء يريحه !   

لكنها لا تزال تتشبث ببقايا أمل في قلبه الذي -بالكاد- بدأ حبوه الوليد نحوها...   

هذا الذي -حتماً- سيشفع لها يوماً !   

           

             
                   

_آسف عشان اتعصبت...بس دي عندي مسألة مبدأ ...لو شكيت ما تكملش...اللي يخون مرة يخون عشرة ...واللي يسامح مرة هايعيش طول عمره يتنازل.   

قالها بعد صمت قصير وهو يربت على ذراعها باعتذار صامت...   

فرفعت إليه عينيها بهمسها:   

_مش لايقة عليك القسوة يا طيب.   

_دي مش قسوة ...ده الدرس اللي دفعت كتير عشان أتعلمه.   

همس بها بإصرار وعيناه تناظران عينيها ببعض الجمود فأغمضتهما بقوة عاجزة عن جداله...   

هذا هو يامن ببساطة ...فهل تدعي مفاجأتها بطباعه؟!   

لهذا عادت تتشح بصمتها مكتفية بعناقهما الصامت في هذا الوضع الذي تعشقه منه...   

ربما لأنه يمنحها شعوراً نادراً معه ب-أبوته- لها ...   

هي التي اعتادت أن تكون له أماً !   

_إيه بقى؟!   

سألها بنبرة عاد إليه عبثها مقاطعاٌ صمتها الذي طال فابتسمت لترد سؤاله بسؤال:   

_إيه ؟!   

_يعني أنا صارف ومكلف وشاليه وبحر وبلالين عشان آخرتها نقعد على الأرض؟!   

ضحكت بمرح وهي تداعب أنفه بأنفها هامسة بترقب:   

_امال عايز إيه ؟!   

_حدوتة ...بس من بتوعي!   

همس بها بمكر تعرفه عندما يقرر شن هجومه اللذيذ عليها ...   

لتجيبه بدلال عابث:   

_هي حواديتك دي ما بتخلصش؟!   

والجواب يأتيها كما تتوقعه...وكما تريده أبداً ...أبداً...   

_أبداً!   

========   

استيقظت جواره صباحاً لتتأمل ملامحه النائمة بحنان ...   

ثم مدت أناملها برفق تتلمس خصلات شعره الناعمة التي يحرص أن يبقيها طويلة نوعاً لتمنحه ذاك المظهر العابث الذي تدرك أنه لا يناسبه ...   

لكنها لا تنكر إعجابها ب"قَصته " هذه على أي حال!   

همهمته الناعسة تداعب أذنيها فتبتسم وأناملها تنتقل لوجنتيه تلامسان لحيته بتلك الطريقة المميزة بين حميمية وقدسية...   

فيفتح عينيه أخيراً ليهمس بصوت لم يغادره نعاسه:   

_أصحى؟!   

_أيوه طبعاً اصحى...هو أنا خاطفاك عشان تنام!   

هتفت بها بتنمر مصطنع أطار ما تبقى من نوم في عينيه ليجذبها بين ذراعيه قائلاً بعينين ملتمعتين:   

_معك حق...أما أنا مخطوف قليل الذوق صحيح !   

ضحكت بمرح لتتنهد بعدها بينما عيناها تعانقان ملامحه مع همسها:   

           

             
                   

_بحب أشوفك لما تبقى لسه صاحي من النوم...شعرك منكوش ...وصوتك متحشرج ...وعينيك نص مفتوحة.   

_اشمعنا؟!   

_يمكن عشان بحس وقتها إنك على طبيعتك قوي...أكتر حاجة بتخوفني من الناس لما بيبدأوا يخالفوا طبيعتهم.   

همست بها بشرود استرعى انتباهه فتفحص ملامحها باهتمام ليتذكر شيئاً جعله يسألها:   

_والدك ما كلمكيش من زمان؟!   

تنهدت وهي تريح رأسها على صدره لتجيبه:   

_كلمني يبارك لي على المطعم الجديد امبارح ...بس طبعاً كان زعلان لأنه عرض عليّ أكتر من مرة أني أشاركه في شغله وكنت برفض.   

_وليه كنتِ بترفضي؟!   

كان يعرف الإجابة لكنه كان يريد الاستماع منها عن دواخل نفسها التي تشاركه فيها بكل بساطة...   

_عشان أنا يمكن أسامح بس مابنساش...ودي حاجة بتضايقني من نفسي جداً ...علاقتي ببابا بقت غريبة...لا قادرة أقرب ولا عارفة أبعد...ماخبيش عليك...ساعات بحس إني بنجح عشان أعاقبه بنجاحي...   

_تعاقبيه بنجاحك؟!   

همس بها مستغرباً لتجيبه بانفعال:   

_عشان أقولله إني كويسة جداً من غيره ومن غير أي حد...لكن في نفس الوقت ببقى عايزة أشوف نظرة الفخر في عينيه...نفس النظرة اللي شفتها زمان لما علمني أكتب اسمي...لما رسمت أول رسمة لوحدي...لما كان بيشوف نجمة في كراستي...لما حضر حفلة تكريمي على حفظ القرآن...لما اخدت أول شهادة...   

ثم صمتت لحظة وكأنها تستوعب مشاعرها المتناقضة هذه لتردف بينما تلوح بكفيها :   

_علاقة متلخبطة...متناقضة...مابفهمش نفسي معاه...يمكن عشان كده واقفة في النص.   

_وإيه ممكن يخليكِ تقربي؟!   

سألها باهتمام لتجيبه بابتسامة حملت طعم البكاء:   

_معرفش...بس أعتقد اللحظة الوحيدة اللي ممكن ألجأ له فيها لو حسيت إني اتكسرت...وإني خلاص ماعدتش قادرة أسند نفسي بنفسي زي مااتعودت طول عمري.   

كلماتها اعتصرت قلبه بقبضة خانقة ليرد سريعاً بحميته المعهودة بينما يقربها منه أكثر:   

_طول ما أنا عايش مش هاسمح إنك تعيشي الإحساس ده ثانية واحدة.   

_شكراً يا طيب.   

همست بها ومشاعره تصلها كاملة لتجزيه عنها بهدية ناعمة على شفتيه ...   

قبل أن تسأله بتردد :   

_ممكن أفاتحك في موضوع شاغلني من فترة ؟!   

رمقها بنظرة مشجعة لتردف متفحصة ملامحه باهتمام:   

_قلت لي مرة إنك بتكره الأطفال ...لسه عند رأيك ؟!   

تغيرت ملامحه فجأة وسؤالها يعيده لجحيم هواجسه الذي يصطلي به كل ليلة...   

           

             
                   

صور ابنه -المزعوم- تتوالى في ذهنه تباعاً مع عبارة سيلين كأنه يسمعها بصوتها المسموم ...   

_هاخلليه يكبر وهو بيكرهك!   

هل يكره الأطفال حقاً؟!   

نعم....طالما صرح بهذا ..لكنه لا ينكر هذا الشعور الذي يجتاحه كلما رأى صورة ل(ابن سيلين) رغم شكه في نسبه له!   

نسبة الصدق الضئيلة في أبوته له تجعله يعرف إحساساً لا يجد له وصفاً...   

إحساساً يود لو يعيشه كاملاً دون أي رواسب من شك أو نفور...   

هو لا يريد طفلاً فحسب ...   

هو يريد طفلاً منها هي !   

_أطفال يعني إزعاج...مسئولية ...وجع قلب...   

قالها أخيراً بنبرة مستاءة لتشحب ملامحها التي لم تتوقع رداً كهذا ...   

قبل أن يبتسم ليردف :   

_بس لو منك انتِ معنديش مانع أستحمل كل ده !   

صيحتها الفرحة كانت جوابها مع قبضتها التي هوت على صدره بخفة عاتبة قبل أن تعانقه بقوة لتهتف بصوت ارتجف انفعالاً:   

_مش بمزاجك على فكرة....ماكنتش هاسيبك إلا لما أقنعك...انت بس قصرت على نفسك الطريق!   

ضحك بمرح وهو يربت على ظهرها مستشعراً قوة انفعالها الذي بدأ عاتباً لينتهي دافئاً آملاً مع كلماتها :   

_متعرفش أد إيه بحلم بابننا أو بنتنا...يااااه يا يامن...عمري ما اتمنيت حاجة في حياتي أد ما بتمناه .   

الحرارة المشعة في كلماتها فعلت به الأفاعيل ليجد أمنيتها تنتقل لصدره هو ...   

يحلم بها بنفس القوة...   

حتى أنه يكاد يرى بعين خياله طفلة تشبهها تعدو في حديقة بيته ...   

تقطف أزهاره فيعنفها ...ثم يصالحها بأن يرفعها لأرجوحتها هناك ...   

تقبله شاكية خشونة ذقنه...فيتوعدها ألا يحلقها كما فعل يوماٌ مع أمها !   

_سرحت في إيه؟!   

همست بها ببعض القلق ليواجهها بعينين ضاحكتين مع قوله :   

_متخيلك بتجري ورا العيال بشعر منكوش وفردة شبشب في إيدك وصوتك الرقيق ده واصل للجيران .   

فضحكت بدورها وهي تشعر بالكثير من الارتياح لتنهض قائلة بنشاط :   

_طب ياللا نقوم...عايزة أشوف الشاليه بالنهار ...المنظر تحت أكيد تحفة .   

لكنه جذبها من كفها ليسقطها فوقه محتوياً إياها بين ذراعيه هامساٌ بخشونته الحارة:   

_لسه بدري ...انتِ قلقتيني من النوم وأنا عايز تعويض .   

ضحكتها العابثة تختم الحوار الذي تحولت كلماته لمشاعر عاصفة اعتاد كلاهما ثورتها وجنونها ...   

           

             
                   

جنة عامرة وجدها كل منهما في صاحبه...   

جنة يخشى كلاهما أن يُطرد منها بخطيئته في أي وقت !   

متى إذن ذاق أحدهما الشجرة المحرمة ؟!   

أم أن كليهما قد فعل؟!   

دعونا نرى....!   

=======   

_عايز حاجة تانية ؟!   

قالتها سكرتيرته الخاصة وهي تتناول أوراقها من على مكتبه ...   

تميل بجذعها نحوه عارضةً معطيات أنوثتها بسخاء عبر فتحة قميص أحمر مثير...   

يرفع عينيه النافذتين نحوها متأملاً جمالها "الصدئ" بنظرة زاهدة !   

صدئ؟!   

أجل...نظريته الخاصة أن جمال المرأة إما غالٍ نفيس أو زهيد صدئ!   

وهو يصنف نفسه دوماً ك"صائد كنوز"!   

لا...لم يكن زير نساء بالمعنى المعروف لكن حياته لم تخلُ من علاقات...   

تطرف يوماً ووصف بعضها بالحب...   

لكنه الآن يدرك أن قلبه العصيّ لا يزال ملك يده !   

واحدة فقط هزت عرشه!   

لكنها تسربت من أصابعه كخيط دخان !   

صمته المتفحص مع نظرته العميقة أربكت أنوثتها أمامه لتظن نفسها قد أحرزت هدفاً ...   

تعاود الاستقامة بجسدها في وقفة استعراضية لتزيح خصلة من شعرها خلف أذنها قائلة :   

_كده احنا خلصنا الشغل ...هتحتاج مني حاجة ؟!   

ابتسامة ماكرة تتسرب لشفتيه وهو يفيق من شروده ليعود بظهره للوراء قائلاً بصوته الرخيم :   

_عارفة إيه سر نجاحي ؟!   

فترسم أروع ابتساماتها على شفتيها لتقترب منه أكثر هامسة بغنج مثير:   

_إيه يا مستر زين؟!   

يصمت قليلاً ليعطي كلماته الأثر المنشود قبل أن يقول لها ببطء :   

_إني بعرف أقرا اللي قدامي كويس...ما بمشيش سكة إلا وأنا عارف آخرها ...   

وعند كلمته الأخيرة تسرب طيف ياسمين لذهنه ليعاود الشرود اجتياحه وهو يتذكر كيف لم يقاوم إرسال باقة زهوره لها ...   

ربما ستكره تصرفه...   

سيذكرها بليلتهما العاصفة معاً...   

وربما ستفهمه -كما أراده- أنه اعتذار ورغبة صادقة لها بالسعادة التي تستحقها ...   

وربما لن تراها أصلاً ...   

لكن يكفيه أنه فعلها !   

ليس منطقياً؟!   

ومنذ متى كان يتعامل معها هي بالذات بأي منطق؟!   

هو الذي طالما رسم حياته ب"المسطرة" لكنها هي فقط ظلت خطاً -منحنياً - يعاند يده !   

           

             
                   

لقد جمع معلوماته عن هذا الرجل الذي تزوجته ...   

والتي علم منها أي شخصية معقدة هو ...   

ابن مشتت بين أب قروي متشدد وأم ك"بيللا"...   

تزوج من قبل وطلق زوجته رغم أنها تحمل طفله ...   

الجميع يصفونه ب"الوسوسة"...   

عيبٌ خطير مع امرأة كياسمين ...   

هي التي تفعل كل شيئ بحدسها مستجيبة لرغبة قلبها ونداء روحها دون تعقل أو منطق!   

فهل يفلح هذان معاً؟!   

ظنه أن لا!   

لهذا يريد عندما تحين هذه اللحظة أن يدخل الميدان بخير جياده ...   

ولن يرتضي ساعتها عن الفوز بها بديلاً.   

_وقريتني إزاي؟!   

همسها المغوي يقتحم شروده ليلتفت نحوها فتتسع ابتسامته وهو يشبك أصابعه أمام وجهه قائلاً :   

_لا ...الخط بتاعك ده عيني ما تقراهوش...تعدي عليه بسرعة كده بس.   

اكفهر وجهها فجأة مصدومة بقسوة عبارته التي أتبعها بقوله :   

_خليكي ذكية وقدّري مكانك في ملعبي.   

قالها ليقوم من مكانه متناولاً سترته قبل أن يغادر المكتب تاركاً إياها خلفه تكاد تذوب خجلاً وارتباكاً لاعنةً اليوم الذي اضطرت فيه للعمل مع رجل مثله !   

=========   

وقفت أمام مرآتها تتأمل شكلها في ثوبها الذي اختارته للمقابلة...   

الثوب الذي تعمدته مبهراً بلونه الثلجي وقد تميز نسيجه بلمعة ماسية ...   

ملتصقاً بجسدها ليبرز منحنياتها بسخاء تحتاجه الآن...   

ينحسر عن أحد الكتفين ليظهر بياض بشرتها الناعمة ...   

بينما يغطي الآخر مفسحاً المجال للمزيد من الخيال ...   

ابتسمت برضا وهي تضع آخر لمسات زينتها بطلاء شفاه قاتم ناسب اللمسة الدخانية لتبرجها الذي تعمدته كي يعطيها الطابع الغامض الواثق إذ هو بالضبط ما تحتاجه الليلة...   

دارت حول نفسها أمام المرآة وهي تشعر بمزيج من الرضا والثقة جعلها تراقب الساعة بلهفة...   

لقد حان موعدها مع معتز ...   

منتصف الليل؟!   

موعد مناسب إذ خرجت بيللا كالعادة بعدما غادرهم يامن بعد موعد زيارته اليومي للاطمئنان عليهن...   

أما هانيا فغارقة كعهدها في غرفتها المغلقة ما بين تجرع خيبتها على فقدان زوجها أو تشاغلها بمذاكرتها ...   

ارتدت حذاءها وهي تلقي على نفسها نظرة أخيرة ...   

ووسط كل أفكارها الشغوف بما ينتظرها هذه الليلة تسللت ابتسامة نقية لشفتيها وهي تعدل خصلات شعرها متذكرة عبارة "الحبيب المجهول"...   

           

             
                   

_ليس أصدق من شعر امرأة يروي تاريخ عاشقها.   

ابتسامتها تتراجع وهي تحاول تخيل ردة فعله لو علم بما تنتويه...   

هل سيعترض على امتهانها التمثيل ؟!   

أم سيؤيد قرارها؟!   

لو كان يحبها حقاً كما يزعم فسيدفعها للحلم الذي تريد تحقيقه !   

بهذا الخاطر الأخير أخرست صراع نفسها لتأخذ نفساً عميقاً وهي تغادر البيت نحو الشارع المجاور الذي اتفقت مع معتز أن يلتقيا فيه كي يقلها بسيارته لمكان الحفل !   

وفي سيارته التمعت عيناه بنظرة جائعة وهو يراقب تقدمها الواثق نحوه ...   

قبل أن يشيح بوجهه متعمداً مظهر اللامباليّ...   

غزاله مطمئن ساذج ولايريد إثارة ذعره قبل أن يلقي نحوه سهم صيده !   

استقلت السيارة جواره لتلقي تحية عابرة ردها بنبرة متحفظة قبل أن ينطلق بها...   

ردة فعله الباردة رغم أنها تطمئن خوفها الفطري لكنها تثير حفيظتها...تزلزل ثقتها بنفسها ...   

هل هي حقاً دون المستوى الذي يريدونه ؟!   

هنا تشبثت أناملها بهاتفها وهي تود الآن لو ترسل ل"المجهول" رسالة تسترد بها بعض شتات نفسها !   

لكن صبراً...   

عندما تعود ستحمل له خبر انتصارها ...   

حلمها الذي كادت تمسكه بيديها !!   

أخذت نفساً عميقاً لتسأله بعدها بترقب:   

_هنتأخر؟! مش هاقدر أقعد أكتر من ساعة !   

مط شفتيه باستياء ليقول لها بنبرته الرزينة التي خالطها الآن بعض الاستهجان:   

_بلاش شغل التلامذة ده قدام المنتج...ماقدرش أتأخر ...أهلي صعايدة...مابخرجش...ما بشربش...مش عايزين الراجل يتخنق!   

_هو فيها شرب خمرة ؟!   

شهقت بها مستنكرة ليعاود مط شفتيه قبل أن يلتفت لها قائلاً بحماس مصطنع:   

_انتِ عارفة أنا عايز أعمل منك إيه ؟! نجمة الموسم...قنبلة ...مصر كلها تتكلم عنها...وانتِ عايزة تبوظي كل ده بأفكارك الرجعية دي ؟! ده انتِ خالتك كانت ولازالت نجمة من نجوم المجتمع...وأنا متوقع إنك هتبقي أحسن منها كمان ...ناقصك بس حد يوجهك للطريق.   

انتقل حماسه منه إليها لتشرد ببصرها وهي تتصور نفسها كما يقول ...   

نجمة الموسم...   

حديث الإعلام والصحافة..   

...   

تسابق المعجبين ...   

ستكون مثل "بيللا"...بل وأفضل!   

التهم شرودها مسافة الطريق حتى انتبهت لوصولهم للطريق الصحراوي فانقبض قلبها ببعض الخوف وهي ترى نفسها معه وحدهما في العراء في هذا الليل البهيم...   

           

             
                   

لكنها طمأنت نفسها بقولها لنفسها :   

_ده مخرج مشهور مش هيخاطر بسمعته ويعمل فيكِ حاجة...وبعدين شكله محترم جداً...ده حتى ما بصلكيش من ساعة ما ركبتِ...ماتخلليش خوفك يضيع منك الفرصة ...هو انتِ كنتِ طايلة إنه يرضى يديكي الدور؟!   

بينما اختلس هو نظرة إليها ...   

نظرة واحدة لجانب كتفها المكشوف وما خفا تحته من ثوبها جعلت الدماء تفور بجسده لكنه أخفى هذا بمهارة صياد محنك ...   

تراها عذراء؟!   

جرأتها وتحررها وطريقة حديثها...كل هذا يجعله يشك في هذا ...   

سيخيب أمله حقاً لو لم تكن كذلك ...   

فالجميع ينتظرونها هناك ليكملوا "حفلهم"!   

لكن ...ما يضيره هو؟!   

امرأة مجرّبة خبيرة أكثر متعة بكثير من عذراء سخيفة تصرخ مطالبة بالستر!   

لهذا ارتسمت ابتسامة ظافرة على شفتيه وهو يقول لها بنبرته المتحفظة التي تدحض مخاوفها:   

_قربنا نوصل ...ماتخافيش أنا مش هاسيبك هناك...بس أهم حاجة تقنعي المنتج .   

أومأت برأسها في طاعة وهي تسترجع بعض حديث "بيللا" معها عندما كانت تتفاخر أمامها بتاريخها "الفني"...   

_مخرج مين اللي كان يمشيني؟! أهم حاجة المنتج كان يكون معايا ...وكلهم كانوا زي الخاتم في صباعي...عشان كده كنت بحس نفسي ملكة الفيلم ...أنا أقول إيه اللي يتعمل وإيه ما يتعملش.   

لهذا هتفت بما أرادته واثقاً متحمساً:   

_ما تقلقش ...أكيد هاقنعه.   

_وريني شطارتك...واثق فيكي!   

قالها بنفس اللهجة المجردة عن كل ما يملأ شعوره الآن نحوها من رغبة خالصة...   

قبل أن تلتمع الأضواء من مكان بعيد أمام ناظريهما ليردف :   

_شكلهم بدأوا الحفلة بدري؟!   

_بدري؟!   

هتفت بها باستنكار ليرمقها بنظرة مستهجنة قبل أن يعاود التركيز في الطريق ...   

بينما عاد الأمان يتسلل إليها تدريجياً كلما تقترب الأضواء أكثر ...   

أجل...   

الأضواء وسط كل هذا الظلام بدت لها كإسقاط بعثه القدر لها مصادفة ...   

مرحباً بالأضواء...بالنجومية ...بالنجاح الذي أضاعته بيللا لكنها هي ليست بزاهدة فيه !   

تبتسم ابتسامتها المرسومة التي تعلم أنها تزيد جاذبيتها وهي تراه يغادر السيارة ليفتح لها الباب ...   

مشهد الخيام التي أوقدت حولها النيران مع صوت الموسيقا الصاخبة ...   

رائحة الهواء المميزة في هذا الفضاء الشاسع حولها ...   

           

             
                   

ماركات السيارات الفخمة التي تراصت جوار سيارته...   

كل هذا منحها شعوراً هو مزيجٌ من التحرر والفوضوية والترقب !   

البعض يرقص...والبعض يغني بصخب ...   

والبعض يتسامرون ضاحكين ...   

الجو كله يناسب خيالاتها عن العالم المتوهج البراق "الحر" الذي تريده!   

لكنها لا تعرف أحداً ممن هنا...   

هل كلهم وجوهٌ جديدة مثلها ؟!   

تساؤلها الأخير غاب عن عقلها عندما شعرت بنظراتهم تتركز حولها ...   

ما بين فضول وإعجاب أذكى غرورها أكثر ...   

معتز يقدمها لهم بنبرته التي قل تحفظها ليحل محله بعض المرح الذي أذاب المزيد من خوفها ...   

قبل أن يتحرك بها نحو أحد الخيام حيث جلس أحدهم متكئاً على إحدى الوسائد يجري مكالمة تليفونية ليدخل بها معتز للخيمة قائلاً بنبرته المرحة :   

_جبتهالك تشوفها ...يمكن تغير رأيك ...ونتفق.   

نظرات الرجل تخترقها من أسفل لأعلى ...   

تتركز عند مفاتنها التي حرصت على إبرازها ...   

فليقل إنها "جيدة"...   

فلينبهر بجمالها ...   

فليعتذر عن سابق رأيه معلناً فوزها على منافستها...   

فليفعلها الآن ...الآن!   

أفكارها المتحمسة التنافسية "الساذجة" كانت تشغل ذهنها عما يُفترض أن يؤرق فتاة بوضعها ...   

حتى أنها كادت تصرخ فرحاً عندما أغلق الرجل الاتصال الذي معه ليبتسم لها قائلاً:   

_معك حق...شكلي هاغير رأيي.   

ابتسمت بسعادة حاولت إخفاءها كي لا تبدو "محدثة نعمة"...   

لتسير نحو متكئه الذي أُعدّ له ببعض الوسائد الكبيرة بدوية التصميم التي ناسبت المكان ...   

ثم جلست على إحداها دون إذن لتتحدث لأول مرة منذ بدأ اللقاء:   

_أنا مش غريبة عن الوسط...بيللا تبقى خالتي ودايماً تقول عليّ موهوبة.   

ارتفع حاجبا الرجل بما بدا لها كتقدير أكسبها المزيد من الثقة لتحتضن ركبتيها بساعديها مردفة باعتداد:   

_أنا مكسب لكم...زي ما أنتم مكسب ليّ.   

الرجل يتبادل نظرات لم تفهمها مع معتز الذي ضحك ضحكة قصيرة بينما ظل واقفاً مكانه ...   

قبل أن يلتفت الرجل نحوها ليقول بنبرة جادة:   

_نجرب!   

كلمته المقتضبة أثارت الكثير من ضيقها مع تزعزع ثقتها نوعاً ...   

           

             
                   

هذا الذي ذهب ببعض تركيزها عندما شعرت به يناولها كأساً من الشراب قائلاً بنفس النبرة الجادة:   

_الدور مش سهل...وفيه تطورات كتير للشخصية ...مش وش حلو وخلاص.   

تناولت منه الكأس بتردد ليرمقها معتز بنظرة محذرة جعلتها تتجرعه كاملاً دون حيطة...   

تسعل لمذاقه الحارق نوعاً لكنها تحاول تمالك نفسها لتقول له بسرعة:   

_قرأت السيناريو وعارفة إن الدور فعلاً صعب بس أنا أده.   

هنا ابتسم معتز وهو يأخذ مجلسه بينهما ليقول بنبرته الجادة :   

_ممكن نناقش شوية تفاصيل .   

ظهر الاهتمام في ملامحها وهي تتابع حديث معتز عن قصة الفيلم...   

دقائق مضت وهو يتحدث بحماسته المصطنعة التي لم تنتقل إليها هذه المرة...   

لماذا يبدو لها حديثه كأنه ثرثرة بلا معنى؟!   

أم أنها هي من فقدت التركيز بأثر الكحول؟!   

ياللخجل!   

هل ثملت من كأس واحد ؟!   

صوت رنين هاتفها برقم غريب يخترق الضباب الذي يغيم على عقلها ...   

لتشعر بمعتز يسحبه منها قائلاً بحزم:   

_مادام بنتكلم في الشغل نقفل الموبايلات .   

لم تستطع مجادلته وهي تراه يغلقه فعلاً قبل أن يمد لها الرجل يده بكأس آخر قائلاً:   

_اسم خالتك هيفيدنا كتير في الدعاية...بس معتز بيقوللي إنك عايزة أكبر قدر من السرية في التصوير ...وده هيبقى صعب إن ماكانش مستحيل.   

تتناول الشراب مرغمة وهي تحاول التظاهر بالتركيز في ما يقول ...   

لن تبدو بمظهر الخرقاء الساذجة عديمة الخبرة ...   

_بس ...ده....شرطي!   

بحروف متقطعة تقولها والضباب حول عقلها يزداد ليتبادل معتز مع الرجل نظرة ذات مغزى قبل أن يقول الأخير ساخراً:   

_شرطك ؟! يظهر إنك مش فاهمة كويس...   

ثم مال عليها درجة الخطورة مردفاً بهمس مسيطر:   

_أنا هنا صاحب الليلة...يعني أنا اللي أقول شروطي مش انتِ.   

ابتعدت بحركة غريزية مفاجئة جعلتها تفقد توازنها لتسقط على ظهرها مستندة على مرفقيها ...   

هذه الحركة التي بدت شديدة الإغواء مع ثوب كهذا الذي ترتديه ...   

فالتمعت عينا الرجل ببريق خطر وهو يقول لمعتز ونظراته ملتصقة بجسدها هي:   

_سيبني معاها شوية...يا اقنعها...ياتقنعني .   

_بس ده ماكانش اتفاقنا .   

           

             
                   

يقولها معتز ببعض الضيق فلم يتفقا أن يسبقه هو لنيل غزاله الذي تعب في اصطياده طوال هذه الأيام حتى يأتي بإرادته إلى هنا ...   

لكن الرجل هتف به بنفاد صبر:   

_اخرج دلوقت يا معتز ...هناديك لما نخلص.   

كز على أسنانه مغتاظاً وهو يراقب عينيها الزائغتين بسخط...   

قبل أن يغادر الخيمة ليسدل ستارها خلفه...   

بينما صارت هي مشوشة تماماً وهي تشعر بالرجل يقترب منها أكثر ليهمس بصوت أجش:   

_فيه مشهد واحد حابب أشوف تمثيلك فيه.   

_مشهد إيه ؟!   

تمتمت بها بما بدا كالهذيان قبل أن تشعر بثقله فوقها مع استطراده الحار:   

_ده !   

=========   

_ردي يا زفتة...يا حيوانة....هاطلع روحك في إيدي أول مااشوفك!   

صرخ بها مروان بغضب ذبيح وهو يركن سيارته على الطريق جوار سيارة معتز ...   

لقد صدق حدسه !   

عندما أخبرته بالأمس أنها على وشك تحقيق حلم مصيري توقع أنها كارثة جديدة من كوارثها ...   

لكنه لم يتوقعها بهذه الجرأة !   

لقد ظل واقفاً يراقب مدخل بيتها عقب خروج يامن في موعده الليلي المعتاد موقناً أنها لو كانت تنتوي شيئاً فلن تفعله إلا بعد خروجه !   

وقد صدق ظنه عندما وجدها تخرج في منتصف الليل مرتدية هذا الثوب الكارثي لتستقل مع ذاك المخرج سيارته ...   

معتز الشريف؟!   

الحمقاء ؟!   

هل هذا هو حلمها الذي تنتظر تحقيقه بهذه اللهفة؟!   

ألا تعلم أي سمعة سيئة تطارده ؟!   

لكن...ربما ليست حماقة !   

ربما هي حقاً كما يزعمون ...   

لعوبٌ منفلتة بلا رابط!   

لا!   

حبيبته التي يعرفها ...التي منحها قلبه منذ سنوات ...   

هذه التي تشاطره تفاصيل حياتها عبر رسائلهما ببراءة مهلكة...   

هي نفسها من تكذب هذه الصورة التي تفرض نفسها الآن على الوضع!!   

تباً!   

من تكون حقاً هذه الفتاة ؟!   

هل هي البريئة التي تبادله مشاعره بنقاء ...باحتياج قلب يتيم يفتقد المؤازرة؟!   

أم هي اللعوب المتراقصة بفجر على أوتار الرجال؟!   

لا يهم!   

فليجدها الآن وفقط !   

لكن ...كيف ؟!   

اقتحم الحفل لتطالعه وجوه الحاضرين بمزيج من فضول وازدراء لزيه الكلاسيكي فقير الأناقة الذي لا يناسبهم...   

           

             
                   

لكنه لم يهتم وهو يبحث عنها بعينين مشتعلتين غضباً حتى وجد معتز يخرج من إحدى الخيام فجذبه بقوة صارخاً:   

_فين داليا؟!   

توترت ملامح معتز ليصمت للحظة عاجلته فيها لكمة مروان الذي ما كاد يعيد سؤاله حتى سمع صراخ استغاثتها من الداخل ...   

دفع معتز بعنف ليسقطه أرضاً لكن البعض تكالبوا حوله ليتحول الأمر لشجار غير متكافئ...   

_داخل خناقة بنضارة ؟! ده انت هتتنفخ يا معلم!   

عبارة ساخرة من أحدهم لكنه لم يكن يسمع وسط هذا الضجيج سوى صوت صراخها هي ...   

يالله!   

فلتكن بخير حتى ولو فقد هو حياته في المقابل!!   

دقائق لا يدري كيف مرت به وهو يتلقى الضربات محاولاً التماسك بين ألم جسده وقلبه...   

ويبدو أن أبواب السماء قد انفتحت لدعائه عندما ظهر الخلاص في صوت سارينة الشرطة ...   

===========   

_كانت فين دي ؟! باللبس ده ؟!   

صرخ بها يامن بجنون وهو يدخل غرفة الحجز في قسم الشرطة ليستقبله مروان مهدئاً:   

_اهدا يا يامن ...الحمدلله هي بخير ...ماحصلش حاجة.   

لكنه بدا وكأنه لم يسمعه ...   

كل ما كان يدور بباله أن يستر عريها هذا فخلع قميصه دون تردد ليلبسها إياه هاتفاً بحدة مخاطباً صديقه:   

_إيه اللي حصل وإيه اللي وصلك انت ليها؟!   

تردد مروان قليلاً قبل أن يحكي له ما كان محاولاً تهوين التفاصيل قدر المستطاع...   

بينما كانت هي تراقبهم بوجه تلطخ بمزيج أصباغها ودموعها ...   

كانت بالكاد قد استعادت وعيها كاملاً لتجد نفسها في سيارة الشرطة مع مروان "القبيح" الذي زادته آثار الضرب قبحاً !   

ورغم ما يُفترض أن تشعر به من امتنان لهذا الذي أنقذها من فخ معتز الحقير ...   

لكنها على العكس كانت تشعر بمزيج من خزي وسخط وهي ترى نفسها معه في هذا الموقف من جديد !   

هل يراقبها هذا المعتوه ؟!   

هل وصلت سفاهته إلى هذا الحد؟!   

لا بأس!   

حماقته هذه أنقذتها هذه المرة من مصير لا تعلم أين كان سينتهي بها !   

وعند الخاطر الأخير رمقت معتز القابع في زاوية الغرفة بنظرة نارية قابلها بابتسامة ساخرة ...   

ليقطع أفكارها المشتتة صراخ يامن الهائج:   

_كل ده بيحصل من ورا ظهري وانت مخبي عليّ؟!   

التفتت نحوه بخوف وهي تدرك أن الدور القادم عليها وقد صدق ظنها عندما التفت يامن نحوها مكملاً صراخه :   

           

             
                   

_وانتِ يا سافلة يطلع منك كل ده ؟! قسماً بالله ما هاخلليك تشوفي نور الشمس بره البيت بعد النهارده !   

صراخه الهائج تزامن مع اندفاعه نحوها يهم بصفعها ليقف مروان بينهما فيحول دون ذلك ...   

_بطل زعيق يا أستاذ...مش في الشارع احنا.   

قالها الضابط المسئول وهو يدخل الغرفة ليلقي عليهم جميعاً نظرة عابرة قبل أن يجلس على مكتبه ليقول بلهجة عملية:   

_مين صاحب بلاغ الخطف؟!   

_أنا.   

قالها مروان بحرج متجنباً النظر لوجه يامن الملتهب بغضبه ليقول معتز ببرود واثق:   

_خطف إيه يا سعادة الباشا؟! الآنسة داليا جت بمزاجها معانا...وعندي شهود على كده .   

_ولما هو بمزاجها كانت بتصرخ ليه وقت ما وصلنا؟! عندنا آثار لمقاومة اعتداء.   

شحب وجه يامن فجأة وهو يتوقع الأسوأ ليلتفت نحوها بنظرة مرتعبة بينما رد معتز بنفس اللهجة الواثقة:   

_دلع بنات .   

اندفع نحوه يامن يهم بلكمه ليقف مروان بينهما بينما الضابط يقول بصرامة:   

_حركة تانية وهاطلعك بره خالص .   

كز يامن على أسنانه بغضب وهو يتابع التحقيق كالمغيب!   

لا يتصور أن داليا...ابنته التي لم ينجبها ...تعرضت لكل هذا خلف ظهره !   

هو الذي ظن أنه يحميهن جميعاً تحت جناحه !   

ما بال حبات العقد تنفرط هكذا من بين يديه واحدة تلو الأخرى؟!!!   

_أنا شايف إننا نحفظ التحقيق ونحلها ودي ...بلاش شوشرة لمصلحتكم انتم الاتنين .   

انتزعها بها الضابط من شروده ليهتف بانفعال:   

_ودي إيه وبتاع إيه؟! دول عايزين الشنق!   

لكن الضابط رمقه بنظرة مستهجنة ناسبت قوله:   

_قريبتك راحت معاه بمزاجها ...لو عايز الحق...المفروض أتهم الأستاذ بتهمة البلاغ الكاذب...   

قالها مشيراً لمروان الذي استنزفه إرهاقه الجسدي بعد الشجار إضافة لنزيف مشاعره العميق بعد أحداث الليلة الصاخبة...   

فاكتفى بإطراقة رأس بينما يامن يرمقه بنظرات نارية خاصة عندما أردف الضابط بحزم:   

_نفض المولد بقا من سكات ...عشان مصلحتكم كلكم ...   

ثم أكمل عبارته مهدداً:   

_واللا نعمل للآنسة كشف عذرية ونكمل التحقيق؟!   

=======   

خرج بهما من قسم الشرطة بعد الفجر ليستقلا سيارته وما إن ابتعد بها قليلاً حتى توقف بها ليلتفت نحو مروان الذي استلقى بإنهاك على المقعد الخلفي قائلاً بغضب مكتوم:   

           

             
                   

_أطلع بيك على المستشفى؟!   

قالها وغضبه يخالطه مزيج من الامتنان والشفقة على مظهر صديقه ...   

واللذيْن لم يشفعا كثيراً خاصة عندما قال مروان بتماسك:   

_لا مش مستاهلة...أنا كويس.   

هنا هتف يامن بحدة ساخطة:   

_أنا عايز أفهم انت عرفت إزاي إنها رايحة هناك ...وليه ما قلتليش أصلاً إنك رايح.   

_وأنا كمان عايزة أعرف.   

قالتها داليا بترقب ليصرخ بها يامن بعنف أجفلها:   

_انتِ تخرسي خالص ...مااسمعش نفسك...حسابك معايا في البيت.   

بينما صمت مروان وهو لا يدري كيف يخبر يامن عن الأمر ...   

طوال هذه السنوات وهو يخفي مشاعره نحو داليا عن صديقه خشية طبيعته المتشككة ...وانتظاراً للتوقيت المناسب ...   

والآن تنفضح مشاعره بهذه الطريقة المفجعة ...   

يامن لن يمررها له أبداً...   

لكن صوت انهيار داليا الباكي يقاطع أفكاره :   

_ما كنتش أعرف إن معتز ده زبالة كده...أنا كان عندي حلم ولقيتها فرصة....اشمعنا كل واحد فيكم اختار طريقه؟!...ليه أنا كمان مااختارش...أنا عايزة أبقى زي بيللا...وانت مصرّ تطلعني زي ما انت عايز.   

_لسه ليكي عينك تجائري وأنا جايبك م القسم الفجر...عايزة توصلي لفين بعد كده ؟!   

صرخ بها يامن وهو يقاوم رغبة عارمة في صفع تلك المتمردة حتى تفيق من عنادها وغبائها المستحكم هذا ...   

بينما رمقها مروان بنظرة طويلة من الخلف وبكاؤها هكذا يذكره بصورتها القديمة في عينيه...   

نفس الطفلة الباكية على درج السلم تحتضن ثوب عيد لم يقدّر لها ارتداؤه !   

ربما هذه هي مشكلته معها!   

أنها -بكل مصائبها - لا تستطيع محو هذه الصورة عن عينيه !   

هو مريض بها!   

مريض بحبها الذي لا يدري أين سيوصله بعد كل هذا !   

منذ ساعات فقط كان سيقتلها نكالاً بفعلتها والآن يود لو يضمها لصدره...   

لو يلم شعث شعرها هذا بأنامله...يغسل ما لطخته أصباغها من وجهها...   

يقبلها...ويقبلها...ويقبلها ...   

حتى تذوب عشقاً بين ذراعيه كما يفعل هو منذ سنوات !   

_عايز أخطبها.   

قالها مروان أخيراً ملقياً آخر أوراقه لتشهق هي بارتياع هاتفة :   

_مستحيل...لو آخر راجل في الدنيا مستحيل أتجوزك انت.   

           

             
                   

_ممكن تخرسي!   

صرخ بها يامن وهو يخبط بقبضته على مقود السيارة لكنها لم تكن لتصمت !   

ما الذي ستخسره أكثر؟!   

لهذا اندفعت بكل أسلحتها الرخيصة لتهتف :   

_لازم تعرف حقيقته كويس...ده بني آدم مجنون...ما بيبطلش يجري ورايا في كل حتة أروحها وآخرها الليلة دي ...بيفرض نفسه عليّ بالعافية...هددته كذا مرة أقوللك بيقوللي ما يهموش لأنك صاحبه ومش هتصدق عليه حاجة...ده طلب مني أروح له شقته لوحدنا...ولما رفضت هددني إنه يفضحني بأي كذب عشان ....عشان عمه دكتور عندنا في الكلية .   

كانت عينا يامن تتسعان بارتياع مع كل كلمة تقولها ...   

مروان حقاً أخبره عن تكاسلها في دراستها بعد شكوى عمه منها !   

هل فعل ما تقوله حقاً؟!   

لا لا!   

مروان صديق عمره !   

من يأتمنه على كل أسراره !   

هل يكون حقاً بهذه الخسة ليغرر بقريبته من خلف ظهره؟!   

لكن سلطان وساوسه يعاود إذكاء النيران في صدره ...   

ولمَ لا؟!   

لو لم يكن يطاردها حقاً فكيف علم عما حدث الليلة ؟!   

ولماذا لم يخبره بكل ما يعرفه عنها؟!   

ولماذا لم يصارحه برغبته في خطبتها إلا الآن بالذات عندما انكشف ستره؟!   

_لو وافقت عليه والله أموت نفسي...الموت أرحم عندي من صاحبك البشع ده !   

كانت تهتف بها بين عبراتها الحارة لا تدري أن كل حرف...   

كل حرف خنجر يطعن في صدر عاشق لم يرجُ من النساء سواها !   

كل حرف يجلد رجولته التي لم تستنفرها أنثى غيرها ...   

كان يتوقع منها تفكيراً في عرضه...   

أو حتى رفضاً مهذباً !   

لكن أن ترفضه بهذا الإصرار ...بهذا اليقين...وبعد ليلة عاصفة كهذه أنجاها فيها من مصير مهلك ؟!   

أن تكذب بهذا الجحود فقط لتتخلص منه!!   

هذا هو ما أصاب قلبه في الصميم!!   

لقد تحمل حماقاتها ...رعونتها...طيشها...جياد تمردها التي تأبى الاستقرار بأرض...   

لكن كلماتها هذه أقوى من أن تحتملها أعمدة رجولته !   

عيناه الذابلتان تراقبانها بجمود وهو يدرك أن جرحها هذه المرة لم ينل من قلبه فحسب...   

ولا من كبريائه...   

بل من صداقة عمره كذلك !!   

_ردك إيه ع الكلام ده ؟!   

هتف بها يامن كالمجنون وهو لا يدري من يصدق ومن يكذب ها هنا!!   

           

             
                   

كل الخيوط تفلت من يده وما عاد يثق في أي شيئ ولا أي أحد !!   

هذه "الفوضى" تثير جنونه وتنتزع من عقله أي منطق عندما يشعر باهتزاز عرش ثقته...   

ليرفع مروان رأسه قائلاً بنبرة ميتة:   

_الحاجة الوحيدة اللي صدقت فيها هي أد إيه بتكرهني...أفتكر مش محتاج بعد كده رد على طلبي.   

قالها ثم غادر السيارة بسرعة قبل أن يسمع المزيد من يامن ...   

كلاهما كان يدرك أن صداقتهما -رغم قوتها- لن تصمد أمام طغيان الموج الأخير..   

=========   

وقفت نبيلة تراقبهما بعينين دامعتين خلف باب غرفة داليا المفتوح...   

داليا التي استسلمت للنوم أخيراً بين ذراعي هانيا التي لم تقل عن يامن قسوة ...ولا حناناً !   

كيف تسامح نفسها هذه المرة ؟!   

كيف تتجاهل أن داليا كادت تضيع بسببها هي ...   

بسبب رغبة طائشة في أن تحذو حذوها ...   

طريق ضياعها الذي سارته خطوة خطوة لم يعد يهلكها وحدها مسيراً...!   

أغمضت عينيها بألم وهي تتذكر كلمات يامن التي صرخ بها في وجهها منذ قليل ...   

_مش قلت لك قبل كده انت اللي هتضيعيها ؟! كانت هتروح في داهية عشان عايزة تطلع زيك ...أنا مش عارف هتفوقي امتى ؟! مستنية إيه عشان ترجعي عن طريقك ده ؟! حقي وسامحت فيه لكن البنات ذنبهم إيه ؟!   

سالت دموعها غزيرة على وجنتيها وهي تشعر بمزيج من الخزي والألم...   

يظن التراجع عن الطريق سهلاً هكذا؟!   

حصاد عمرها الذي يشعرها بقيمتها ؟!   

هي تركت التمثيل من أجله ...   

لكن ألا يحق لها الفرح بثمار نجاحها...   

بالتحليق في نفس السماء التي أمطرتها عطايا ؟!   

بالشعور بأنها لا تزال حية...تتنفس...   

تنال من نظرات الإعجاب ما يطفئ حسرتها على عمر ضاع بلا ثمن ؟!   

صوت أنين داليا في نومها يمزق قلبها أكثر فتقترب من السرير تراقب وجهها الملتهب بدموعه...   

لتصطدم عيناها بتلك الآثار والخدوش على رقبتها وكتفها وما ظهر من صدرها فتشعر بالدم يفور في عروقها ...   

تخرج من الغرفة بخطوات حذرة لتتناول هاتفها وما إن سمعت الاتصال يفتح بترحيب الرجل:   

_بيللا بنفسها بتكلمني؟! يارب تكوني وافقتي على اقتراحي وهترجعي بالفيلم بتاعي؟!   

صوتها الذي يجيد مزج كبريائه بأنوثته يأتيه واثقاً:   

_بفكر !   

           

             
                   

الرجل يسهب في عرض مزاياه لكن ذهنها مشغولٌ عما يقول ...   

فتسمعه مضطرة قبل أن تقول له بنفس النبرة :   

_خلاص...قلت لك بفكر...كنت عايزة منك طلب.   

_تؤمريني يا نجمة .   

_المخرج اللي اسمه معتز الشريف والمنتج (.......) ...عايزاك تبعت لهم "هدية" من بتوعنا بتوع زمان ...فاكرهم ؟!   

يضحك الرجل مجلجلاً وهو يتذكر ما تحكي عنه من ذكرياتهما المشتركة قديماً قبل أن يقول لها بين ضحكاته:   

_يا مغيث ...عملوا إيه دول عشان يضايقوكي كده ؟!   

_من غير تفاصيل ...انت عارفني ما بحبش الكلام الكتير.   

تقولها باقتضاب لم تغادره نبرة دلالها ليجيبها بودّ:   

_عُلم وينفذ يا فندم...استني أخبار حلوة في خلال يومين .   

تغلق الاتصال معه وهي تشعر ببعض التشفي ...   

هذا الوسط له ميزاته على أي حال!   

قبل أن تعود لغرفة داليا ...   

تتردد قليلاً قبل أن ترفع الغطاء لتأخذ مكانها بين النائمتين ...   

تضم كلاً منهما بذراع كاتمةً آهة لوعتها ...   

ليس أصعب من أن تدرك خطأ خطواتك ...دون جدوى..فلا أنت قادر على الرجوع ولا تملك شجاعة التوقف!   

========   

جلست رانيا على الأريكة في مدخل الشقة تنتظر عودته ...   

قلبها يكاد ينفطر بعدما حدث لشقيقتيها ...   

واحدة خسرت زوجها ...والثانية كادت تخسر شرفها !!   

ضميرها يخزها بشدة وهي تحمل نفسها المسئولية لأنها ابتعدت عن داليا كثيراً بعد انشغالها بزواجها ...   

صداقتهما رغم ضعف موقفها هي فيها لكنها كانت تمنح داليا مزية "الفضفضة" ...   

داليا التي ما تبدو به من نزق ...عناد...غرور ....لكنها تعلم أي ضعف يختفي خلف كل هذا !   

كيف غفلت عنها إلى هذا الحد حتى كادت تضيع؟!   

ليست هي فقط...   

أشرف كذلك !   

حاله غريب ولا تعلم السبب ...   

منذ متى؟!   

هي لا تعرف بالضبط...   

كل ما هي واثقة منه أنها قضت معه أجمل "شهر عسل" قد تعرفه عروس...   

وأن "أشرف الحبيب" لا يفوقه روعة سوى "أشرف الزوج"!   

لكنه قد بدأ يبتعد تدريجياً عنها ...تحجبه عوالم خفية لا تعلم أسرارها ...   

وتجبن أن تسأله عنها!!   

أجل ...لايزال خوفها يمنحها الذريعة لتختفي داخل شرنقتها مكتفية بالأمل أن يصلح الحال وحده !   

           

             
                   

ربما تكون طبيعتها غريبة لكنها لا تملك تغييرها بهذه السهولة !   

انقطعت أفكارها عندما سمعت صوت الباب يفتح فانتفضت مكانها لتسأله بلهفة:   

_اتأخرت ليه يا أشرف؟!   

عيناه المحمرتان أثارتا خوفها خاصة مع تلك الهالات السوداء التي استوطنت جفنيه مع شحوب بشرته...   

هل يرهقه العمل إلى هذا الحد؟!   

وكأنما سمع أفكارها ليأتيها جوابه الجاف:   

_ما انتِ عارفة الشغل كله على دماغي.   

انعقد حاجباها بدهشة وهي تشعر بالمزيد من الغرابة ...   

منذ متى يشكو أشرف أي شيئ ولأي أحد ؟!!   

منذ متى يرد بهذه اللهجة نافدة الصبر ؟!   

أين دلاله...حنانه...رقته...أين حبه؟!   

اغرورقت عيناها بالدموع عند الخاطر الأخير فزفر بقوة هاتفاً بنفس النبرة:   

_يوووووه....كل حاجة عياط ونكد...أنا خارج تاني!   

قالها دون أن يمنحها الفرصة للاعتراض ليخرج صافقاً الباب خلفه بعنف ...   

رأسه يكاد يقتلع من مكانه بهذه الضربات التي ما عاد يعرف لها سوى علاج واحد ...   

هو ليس بهذه السذاجة كي لا يدرك الفخ الذي استدرج نحوه...   

ذاك الxxxx الذي وصفه له مساعده لم يكن مجرد مسكن ...   

وهذا يعني أن الرجل الذي منحه ثقته ليس سوى الرأس المدبر لكل هذه المصائب ...   

وعند الخاطر الأخير ابتسم ساخراً وهو يصل لسيارته التي استقلها ليقودها بسرعة جنونية افتقرت للكثير من الرشد...   

_برافو يا أشرف...عرفت الحقيقة ...بس متأخر ...متأخر قوي!   

قالها لنفسه وهو يفتح تابلوه السيارة أمامه ليستخرج منه شريط الدواء...   

لقد حاول المقاومة...   

صدقاً قد حاول ...   

لكن الوقت يمر والألم يكاد يفقده عقله ...   

فليذهب العالم كله للجحيم ...   

لكن فليحظَ بهذا القرص قبلاً !   

شعر بالسيارة تخرج عن سيطرته لتتسع عيناه بصدمة وأضواء السيارة أمامه تسطع ببريق الموت ....   

========   

ذهنه مشوش بالكامل حتى أنه لم ينتبه لسيل السباب الذي انطلق من فم السائق الذي تجاوزه...   

قبل أن يستعيد بعضاً من وعيه ليكمل القيادة حتى أقرب مكان رصف فيه سيارته ...   

لاتزال أنامله متشبثة بالأقراص في يده ورأسه يستند بإعياء على مقود السيارة...   

           

             
                   

ربما كان ما حدث منذ قليل رسالة القدر له ألا يستسلم...   

ألا يفرط في أمانة منحها الله له...   

أن يقاوم كل هذا بكل قوته حتى ينهض من جديد ...   

صوت الآذان يصدح حوله وكأنه إشارة أخرى فيغمض عينيه بألم وهو يدعو الله أن يلهمه القدرة على المقاومة...   

ليس فقط لأجله...لكن لأجل أمه...شقيقته...ولأجل رانيا...   

رانيا التي يوقن أنها الآن تبكي وحدها!   

أطلق آهة عالية وهو يحاول رفع رأسه عن المقود رغم هذه المطارق التي تدق كل خلاياه تكاد تهشمها...   

لم يدرِ بعدها كيف تمكن من القيادة ...ولا بأية معجزة عاد إلى بيته ليجدها كما توقع منهارة في بكائها ...وفي نفس المكان!   

هذه هي رانيا التي يعرفها ...   

هل يلومها الآن على ضعفها وخنوعها الذي طالما كان جزءاً أصيلاً من شخصيتها؟!   

هل يعترف الآن أنه ما عاد يحتملها عبئاً جديداً فوق أعبائه؟!   

هل ضاق قلبه بها؟!!   

لا...لا...   

لو ضاق القلب بها هي فلمن يتسع إذن؟!!   

لهذا رفع رأسه للأعلى محاولاً التماسك قبل أن يقترب منها ...   

كان يعلم أنه لن يحتاج لأكثر من عناق كي تسامحه، وهو ما منحه لها الآن بكل قوة احتياجه لها...   

ذراعاه كانا يطوقانها بمزيج غريب من قوة تشبثه بها وضعف جسده الذي كان يئن ألماً...   

_ما تزعليش...عشان خاطري بطلي عياط...أنا آسف.   

كانت كلماته تخرج متقطعة لاهثة وهو يحاول قدر استطاعته مداراة وجعه عنها ...   

عندما أحاطت وجنتيه براحتيها لتهتف بين دموعها:   

_أنا مش زعلانة منك...أنا بس عايزة أفهم...قوللي مالك...فيه إيه؟!   

مسح دموعها بأنامل مرتجفة وأنفاسه تغادر صدره لاهثة بالألم ...   

فعادت تهتف بأقصى ما وصل إليه عقلها:   

_انت خلاص ماعدتش بتحبني؟! ندمان على جوازنا؟!   

ابتسامة ساخرة تنامت على شفتيه حولها انفعاله لضحكة مريرة سبقت همسه الصادق:   

_مهما حصل بيننا إوعي تشكي في حبي ليكِ...مهما اتغيرت أنا أو اتغيرتِ أنتِ...حبنا عمره ما يتغير.   

ألقت رأسها على صدره وهي تضمه بكل قوتها صارخة:   

_يبقى ريحني وقوللي مالك.   

زفر زفرة حارقة وهو يسند رأسه إلى كتفها ...   

ليتها تفهم!   

ليتها تفهم أنه يود لو يستند إليها الآن حقاً لا رأساً لكتف بل ...   

           

             
                   

مصيراً لمصير !   

ليتها تدرك حاجته الآن لقوة لا يدري حقاً هل تمتلكها أم أنه يظلمها بتحميلها ما يفوق قدراتها ...   

هي -هُريرته- الناعمة الهشة التي طالما أغدق عليها تدليله حتى نسيت وجود مخالبها...   

والآن ...هي سبيله الوحيد للنجاة ...فهل تخذله؟!!   

لهذا صمت لدقائق قبل أن يواجهها بقوله:   

_لو قلت لك إني تعبان ومحتاج علاج...هتروحي معايا بكرة من غير أسئلة ومن غير ما تقولي لحد ...أي حد ...حتى يامن ؟!   

شحبت ملامحها أكثر وعيناها تزيغان بخوف كان هو أكثر من يدركه لكنه لم تكن له حيلة فيه...   

أسئلتها كلها جففها الرعب في حلقها وذراعاها يعتصران جسده أكثر بينما تومئ برأسها في إجابة لسؤاله بالطاعة...   

فاغتصب ابتسامة باهتة على شفتيه ليردف مطمئناً إياها:   

_ما تخافيش كده ...حاجة بسيطة...   

هو يكذب ...!   

كل ما فيه يكذب ...!   

الألم في ملامحه يكذبه...ارتجافة جسده تكذبه...لن تنخدع بهذا الهدوء الذي يدعيه...   

لأول مرة تكره حنانه هذا الذي يحاول حمايتها به!!   

_أنا معاك خطوة بخطوة بس لازم أعرف كل حاجة...   

غمغمت بها بإصرار فأشاح بوجهه عنها لتعاود هتافها بنبرة أقوى:   

_ما انا لازم...   

رنين هاتفه قاطع عبارتها خاصة عندما عقد حاجبيه وهو يتبين الوقت ليفتح الاتصال بسؤاله القلق:   

_خير يا نشوى ...ماما ...   

والصرخة المقابلة من الجانب الآخر للاتصال منحته الحقيقة قاسية قاطعة !   

=======   

_مش هنرجع بيتنا بقا؟!   

همست بها بتردد وعيناها الحزينتان معلقتان بجسده المتهالك على ذاك الكرسي الذي اعتادت أمه -الراحلة- الجلوس عليه ...   

ليجيبها دون أن يفتح عينيه :   

_خللينا هنا مع نشوى شوية...مش عايز نسيبها لوحدها وهي مش هترضى تيجي معانا .   

صوته المتحشرج الكسير يخدش جدران قلبها وهي تشعر بالفجوة بينهما تزداد يوماً بعد يوم...   

منذ وفاة والدته وهو يهوي أكثر وأكثر في بئر حزنه وشتاته الذي لا تفهم سببه...   

والذي يهرب منه في كل مرة تسأله عنه ...   

_أشرف...افتح عينيك وكلمني!   

قالتها وهي تجثو على ركبتيها أمامه لتحتضن ساعده بأناملها ففتح عينيه ببطء لتطالعها نظراته الجامدة ...   

           

             
                   

ازدردت ريقها ببطء وهي تسأله بصوت مرتجف:   

_من يوم الوفاة وأنا مش قادرة أسألك...كنت قلت لي إنك تعبان...ومحتاج علاج.   

نظرته الجامدة تطول ليجيبها بعدها بلهجة غريبة :   

_ماتشغليش بالك...ما طلعتش تعبان ولا حاجة...كان تحليل غلط.   

قالها وهو يخفي عنها خيبته باضطراره للرجوع لهذه الأقراص!!   

خبر وفاة والدته دك ما بقي له من حصون مقاومته ليجد نفسه يستسلم بلا أي عزيمة ...   

لقد ظن أنه يملك من القوة ما يحمي به الجميع ...   

لكنه الآن يدرك أنه حتى عاجز عن حماية نفسه !   

عالمه ينهار حوله وهو لا يملك إلا المراقبة...والتحسر!   

بينما رمقته هي بنظرة تشكك قائلة :   

_طب كان تحليل إيه ؟! وعرفت منين إنه غلط ؟!   

زفرة عميقة كانت جوابه مع إشاحته بوجهه لتحتضن هي عضديه بكفيها هاتفة برجاء:   

_عشان خاطري يا أشرف ما تخبيش...قل لي الحقيقة عشان ...   

_عشان إيه ؟! فاكرة نفسك ممكن تعملي إيه ؟!   

صرخ بها بثورة مفاجئة لم يكن لها ما يبررها في نظرها لكنه حقاً كان يحترق بداخله !   

دور "البطولة" الذي أصر على ممارسته وحده منذ البداية صار مهلهلاً على كيانه الذي يزداد ضآلة يوماً بعد يوم ...   

وها هو ذا يهوي...   

ومن بعده سيسقطون جميعاً بلا داعم !   

بينما انكمشت هي مكانها لتضم كفيها نحو صدرها بخوف ...   

خوف حقيقي صار يجتاحها بلا رحمة وهي تشعر أنه يتحول لشخص آخر غير هذا الذي عرفته طوال عمرها ...   

دموعها تسيل على خديها بعجز وهي لا تدري ماذا تفعل!   

هل هو مريض حقاً ويخفي هذا عنها؟!   

كيف تعرف الحقيقة مادام هو مصراً على إخفائها؟!   

يامن؟!   

هل تستشيره؟!   

لا...هي وعدت أشرف ألا يعرف يامن شيئاً عن الأمر ولن تخلف وعدها...   

إذن...ما الحل؟!   

_بتزعق ليه يا أشرف؟!   

هتفت بها نشوى شقيقته وهي تدخل عليهما الغرفة لتجدهما بهذا الوضع ...   

فانتفض أشرف مكانه وقد عز عليه أن تراهما شقيقته ورانيا جاثية تحت قدميه بهذا الوضع الذي قد تسيئ فهمه...   

ليمد ذراعيه فيرفع رانيا نحوه ليضمها بذراعه مخاطباً شقيقته :   

_معلش...أعصابي فلتت .   

           

             
                   

نقلت نشوى بصرها بينهما للحظات ثم تقدمت منه لتقول بنبرتها العملية :   

_عارفة إن الوقت مش مناسب بس كنت محتاجة فلوس...قسط العربية ومصاريف ريما .   

أومأ برأسه وقد ارتسم الهم جلياً على ملامحه المنهكة ...   

لتتوجه نشوى ببصرها نحو رانيا قائلة :   

_تعالي معايا...عايزاكِ في كلمتين.   

رفعت رانيا عينيها الواهنتين نحوها بارتباكها المعهود ليشدد أشرف ضغط ذراعه حولها مطمئناً قبل أن يقول لشقيقته بحزم:   

_قولي اللي انتِ عايزاه هنا....هو فيه أسرار بيني وبينكم ؟!   

لكن نشوى جذبتها ببعض الرفق لتحررها من ذراعه قائلة بابتسامة حرصت أن تكون لطيفة :   

_ده كلام ستات مالكش فيه .   

قالتها لتسحب رانيا المستسلمة خلفها غير منتظرة لإذنه قبل أن تخرج من الغرفة لتغلق بابها خلفها ...   

وما إن جلست جوار رانيا على أريكة الصالة حتى سألتها بنبرة خفيضة:   

_أشرف ماله ؟! وإياك تخبي عليّ.   

هزت رانيا رأسها بما يوحي بجهلها لتزداد نبرة نشوى عصبية باستطرادها:   

_ده مش أشرف أخويا...لا ده شكله ولا دي صحته ولا ده طبعه...حتى من قبل وفاة ماما الله يرحمها وهو فيه حاجة متغيرة...ولازم أعرفها.   

_سألته كتير...مش راضي يقول.   

قالتها رانيا بنبرتها قليلة الحيلة لترد نشوى بغيظ:   

_وبعدين ؟! سبتيه كده خلاص؟! عملتِ اللي عليكِ يعني؟   

شعرت رانيا بالارتباك أكثر كعهدها عندما يوجه أحدهم لها اتهاماً بالتقصير لتكتفي بفرك أصابعها بينما استمرت نشوى بأسئلتها :   

_من امتى وهو كده ؟! راح لدكتور؟! بياخد دوا معين ؟! بياكل كويس؟! بينام كويس؟!   

كانت رانيا تهز رأسها بجهل مع كل سؤال لتتمتم أخيراً بنفس النبرة :   

_معرفش...هو بيقعد وقت كبير بره البيت ...ولما بيرجع بيبقى خلقه ضيق ...تقريباً شغل المصنع بيخلليه...   

_مصنع إيه ؟! جوزك بقاله ثلاث أسابيع ماعتبش المصنع وكلموني هنا يسألوا عليه !   

قالتها نشوى بغضب لتتسع عينا رانيا بصدمة مع همسها :   

_إيه ؟! امال بيروح فين كل يوم؟!   

_بتسأليني؟! هو جوزك انتِ واللا جوزي أنا؟!   

كانت تعلم أنها تقسو عليها بردة فعلها لكنها كانت حقاً مستفَزة !   

ليس فقط حزنها على والدتها ...ولا قلقها على أشرف ...   

ولا مسئولية ابنتها التي تتحملها وحدها بعدما هجرها طليقها ...   

لكن ضعف رانيا الخانع كان يؤجج انفعالاتها...   

هي التي لا يثيرها شيئ كضعف امرأة في موطن يُفترض لها فيه القوة !   

هكذا علمها أبوها وربتها أمها -كما فعلا مع أشرف- أن تتحمل المسئولية تحت أي ظرف ...   

لقد صدق ظنها في رانيا كما كانت تراها من البداية...   

لن تكون سوى حِمل آخر فوق ظهر أشرف الذي ضج بما يحمله !   

لهذا زادت دموع رانيا من استفزازها -لا العكس- لتجد نفسها تقول بما بدا قاسياً:   

_دموعك مش هتحل المشكلة...لازم نفهم فيه إيه ...حتى لو اضطرينا نراقبه من غير ما يحس...لو انتِ قليلة الحيلة وهتقعدي تعيطي جنب الحيط فأنا مش هاسيب أخويا يضيع.   

رمقتها رانيا بنظرة ضائعة وهي لا تعلم بماذا ترد ...   

لكن القدر كان يدخر لهما مفاجأة أقسى عندما فتح باب غرفة أشرف فجأة ليظهر هو منه ممسكاً بهاتفه بوجه ممتقع جعل نشوى تنتفض لتتوجه نحوه هاتفة بقلق:   

_فيه إيه يا أشرف؟! حاجة حصلت ؟!   

فيرفع الهاتف ليخبرها بالفاجعة بعبارات متقطعة مصعوقة :   

_كلموني دلوقت...المساعد بتاعي اتقبض عليه في شحنة مخدرات...والمصنع ...المصنع هيتحجز عليه .   

======   

           

Continue Reading

You'll Also Like

27.7K 1.6K 98
أديل، ماسحة أحذية من الأحياء الفقيرة. إنها في وضع يمكن بيعها لأنها لا تستطيع دفع رسوم الحماية الخاصة بها، لذا تلتقي بسيزار، الذي تلتقي به بالصدفة، وي...
30.7M 2.1M 99
( قاسي لايعرف الرحمة) لولا انك لم تكسر شيئاً ما بداخلي لولا إنك لم تضيعني بين طرقاتي لولاقسوتك علي انانيتك واحتجازي لما مات الشعور داخلي
97.2K 6.4K 49
بحكم عاداتـهم وتقاليدهم ضْلمت وردة، هـل سيجبر الله قلبـها بما كُتب لها، سنشاهد ونعـيش مع ابطال قصتي "ورده"و "سلام " قريباً