حَتى تُشرِق مِن مَغرِبها

By is17rr

196K 16.1K 12.8K

يؤسِفُني انه في الوقت الذي كُنتُ انظر لكَ فيه على انك مُعجزةً ما جميعُ الاهلِ والاصدقاء الشمسُ والقمر الفجرُ... More

1-طيفٌ زائِل
2-البريد
3-طريحُ الشوق
4-رفيق الباب المجاور
5-قائمة الامنيات
6-لائحة امنياتي
7-سمكتي ذهبية اللون
8-نفحات مِن الماضي
9-تَنمُر
10-هدية مرفوضة
11-نادم
12-البصارة والفتاةُ الصهباء
13-اُمنيتي الأُولى
14-إرسُمني جونغكوك
15-عِراك
16-سجين
17-هروب
18-نَفس
19-نَدبة
20-كفالة
21-فريزيا
22-مُقلتاي
23-لأنَك أحببتني
24-عِناق
25-مُحاكمة
26-حتى الأزَل
27-خائِب
28-تجاهُل
29-آخِرَ مكاتيبي
31-كاذِب
32-أَنانِيّ
33-خَشبة المَسرح
34-عَبَقُ ذِكراك
35-دَنِف
36-انتَ وأنا
37-عَتيقُ ليلانا
38-تَلاَق
39-ثَمِل
40-ليلَ قَلبِهِ وغَيثُ عيناي
41-تَهْويدة
42-مَنسي في كَنَف الشجون
43-لنهايتنا بداية يا شَمسي وقَمري
آراء..

30-الحَقيقة

3.1K 334 486
By is17rr

احم لا تنسون الڤوت والكومِنت بين الفقرات 3>..

-

مرحباً لنفسي والسلامُ عليها بعد سنيناً كثيرة مِن ثورة الأحزانِ وِنزاع الحقيقة مع الباطِل

اطلبُ مني السماح فهل لي به؟
اظُن بأن اكثر ما يحتاجه الانسان هو ان يسامح نفسه لظُلمِهِ إياها
وانا احتاج لهذا كثيراً

اشعر بأن لدي فرصةً مع نفسي وأُريدُ مِنها إعطائي إياها
وإن فَعَلَت؟سأنتهِزُها كأنها كُلُ الفُرص

لا اُريدُ ذِكر الماضي فأشعرُ بِلوعةٍ في قلبي

اريد ان ابدأ من جديدٍ وكأن شيئاً لم يحدث
ان ابدأ من حيثُ توقفت فَلم يفُت الاوانُ بعد
اليس كذلك يارفاق؟

لستُ أعلم إن كان احدهم يستمعُ إلي او لا
ولكنني دائماً ما شعرتُ بأن احدهم يقفُ في ضهري
يشجعني على التخطي والبدأ من جديد
ويريد مني ان احيى حياةً افضل من هذه
حياةً استَحِقُها

ولاجل هذا الشخص الذي دائماً ما اِهتَمَ لأمري
سأحكي لهُ عن ما غير هيئةِ قلبي
من شخصٍ يركضُ خلف ظلِ احدهم دون كللٍ او تَذمُر
الى شخصٍ يجلِسُ هُنا
وإن اخبروه ان من ركض وراءه طوال هذه السنوات يجلسُ بجانبه..
لن ينظُر إليهِ بِطارِفِ عينه

قبل مُدةٍ مِن اليوم
واقِفٌ عند صندوق البريد ،مُمسِكاً بظرف الرسالةِ أنظرُ اليه وكأنهُ حبلُ نجاتي

امدُ يدي الى الحياة اصافحها كونها سمحت لان يصلني شيئاً انتظرتُه طويلاً
وسريعاً ما بترت يدي التي امُدها جاعِلةً من آمالي تسقطُ ارضاً تزامناً مع ابتسامتي

فَمِن شدةِ لهفتي وتعب انتظاري ، نسيتُ ان أقرأ الاسم الذي يُكتبُ على المظروف ، وقد ظننتهُ لي في بادئ الأمر ، الى ان قرأتُ ما كُتِب عليه لِتُخسف فرحتي
"الى والدتي ايليت"

ظللتُ انظُرُ الى المظروف بعيناي الخائِبة لوقتٍ بدى طويلاً
اقوسُ شفتاي بِخفةٍ دون قصدٍ مني واُميلُ رأسي بانكسارٍ فاضح
فقد كُنتُ حزيناً بِحقٍ آنذاك

تنهدتُ زافِراً هذا الشعور ، ودسيتُ الرِسالة في جيب مِعطفي داخِلاً بِنايتي
وقفتُ على إحدى درجاتهِ مُفكراً ما إذا كان عليّ قِرائتُها اولاً قبل إعطائِها لِلعمة ايليت ، او ان لا اُعطيها إياها ابداً؟
فكل ما اخشاه هو ان يكون محتواها شيئاً يُعكر صفو قلبها

ولكنني نفيتُ الفِكرة سريعاً مُقرراً إعطائها اياها ومهما كان مضمونها ليكون

وقفتُ مُتردِداً أمام بابِها ، اخذتُ نفساً عميقاً ، قبل ان اطرُق الباب عِدة مرات وأنا اشدُ على الرسالةِ في جيبي

لم تَمُر ثوانٍ حتى فُتِح بها الباب سريعاً وكأنها كانت تنتظر قُربه
نَظرت في وجهي بقلقٍ بادٍ عليها وقالت
"بُني جونغكوك...اين كُنت حتى هذا الوقت لقد قلِقتُ عليك كثيراً!!..لِتدخُل لقد اوقدتُ المدفئة من جديدٍ لحين عودتك"

امسكت بِكفي الحُرة تسحبني بِخفةٍ الى الداخل دون ان انطق بحرفٍ واحد
"آهٍ مِنك ياصغيري كفك قِطعة جليد لِماذا لم تلزم قُفازاتك؟؟"

تركت كفي ماشيةً نحو المِدفئة تزيدها خشباً في حين أني خلعتُ حِذائي اضعهُ جانِباً ومشيتُ عِندها بِمعطفي الذي لم اخلعه كوني اُخبِئ الرِسالة فيه

"لِتخلع مِعطفك سيصبح الجو شائِبً عليك"
اومأتُ لها وخلعتُهُ واضعاً اياه على الاريكة بجانبي وجلستُ قِبالتها اُراقبُ حركتها ، سكبت لي كوباً من الماء وجلست قِبالتي تفركُ يديها المجعدة ببعضها
لتسأل من جديد
"هل كان الطريقُ شاقاً عليك؟"

نفيتُ بِرأسي اُعيد وضع الكأس على الطاولة بعد ان شربتُ منه قائِلا
"على العكسِ تماماً ، استنشقتُ بعض الهواء النقي وفادني ذلك وَقد التقيتُ بِصديقٍ قديمٍ لي ايضاً ، كانت صُدفةً جميلة"

اطالت النظر في وجهي تقول مُبتسمةً
"هذا رائع انا مسرورةٌ لِذلك...لِماذا وجهك شاحِبٌ إذاً؟ هل اُصِبتَ بالبرد ياتُرى؟"

"كلا عمتي..انا بخير"
همستُ لها داعِكاً جبيني بيدي التي استند بها على ركبتي
وانا اُفكر في كُل ما قاله ادريان وعن امر تلك الرسالةِ ايضاً

مدت يدها الدافئة تُريحها على رُكبتي لارفع عيناي اضعها في عيناها ليجري لمسمعي صوتها الرفيع تتحدثُ لي قائِلة
"قُل لي ما يشغلُ عقلك ويرهقه ، لن اُعطيك حلولاً هذه المرة ، سأستمِعُ اليك فقط ، شاركني ما يُخالجُ فكرك لرُبما تجد راحتك في الحديث عنه"

ابتلعتُ ريقي ناظِراً الى نيران المدفئة ، وفكرتُ في داخلي هل اخبرها عما قاله ادريان ام لا ،وقد كان جوابي هو ان التزم الصمت فيما يخصني ، واجِد طريقةً اخبرها فيها عن امرِ الرسالة

"هل يمكنني ان اسألك انا هذهِ المرة إن لم تُمانعي؟"
عقدت حاجبيها بِخفةٍ تسحبُ يدها من على رُكبتي ، ضحِكت بتساؤلٍ تُجيب
"ومالذي تُريد سؤالي عنه ياتُرى؟"

"هل..اعني انه..لِنفترض ان لكِ عزيزاً ، صديقاً او اياً يكن ، وهجرك لامدٍ طويل ، هل تنتظرينه ليعود ام تُكملين حياتك وكأن شيئاً ماكان؟"
لا أعلمُ لِما سألتُ سؤالي هذا وما دخلهُ في أمر الرسالة إلا أن لساني قد نطق دون ان آذن له بتلك الكلمات المُبطنة

نظرت العمةُ ايليت في وجهي تسأل
"هل تقصد إن كُنتُ مكانك هل سأنتظِرُ تايهيونغ او اهجر ذِكراه؟"
لمعت عيناي لإسمهِ حينها وسريعاً نفيتُ في رأسي اجيب
"كلا ، ان الامرُ مختلف"

"وكيف مختلف؟"
اجابت سريعاً تعقِدُ حاجبيها لاقول مُتهرِباً
"مُختلِفٌ وحسب.."

همهمت لي ومدت يديها بِخفةٍ ناحية نار المِدفئة تقول
"كُلٌ لديه عزيز وفقده بِظروفٍ ما جونغكوك ، وهُناك نوعين من البشر ، مِنهُم من تجاوزه ، ومِنهم من صعب عليه ذلك..واما إن كُنت تسألُ عني بشكلٍ خاص فأنا سريعة التجاوز فيما يتعلق بالمشاعر ، إن احببتني بادلتك..كرِهتني تجاهلتك..هجرتني..تجاوزتك!"

ركزتُ بشدةٍ على ما تقوله مُثبِتاً انظاري على تِلك الابتسامة الرفيعة التي نُقِشت على ثغرها قبل ان تُكمِل قائِلة والقوة تنبعثُ مِن كلماتِها
"لدي قناعةً بأن الحياة لا تستحق ان نحزن على أي أمرٍ فيها أكثر من خمس دقائق ، وأنني لم اولد فيها لازهق نفسي بأحزانها وصعابها ، إنني عليها بهدفٍ ما ، ومن المستحيل ان يكون هذا الهدف هو تعاستي!
لا اسعى لأن اكون الافضل في عيون الجميع
ولا أن أكون الصديقة المثالية لاحدهم
لن اُرهق نفسي لامورٍ كهاته
كل همي هو ان احيى بسلامٍ اصنع ما اُحبه بِكُل حب واعيشُ يومي الذي منحني اياه الرب بابتسامةٍ جميلة تبعثُ الامل لقلب احدهم ، إن الحياة بهذه البساطة..اقنع نفسك بالتجاوز..تجد انك قد تجاوزت رُغماً عن انفها"

ابتسمتُ للراحة التي اجتاحت صدري وكأن كلامها مدني بالشجاعة التي تجعلني امدُ ذلك المكتوب لها ، لأسألها قبل ذلك راجياً ان تُجيبني بِصدقٍ تام
"وماذا إن عاد بعد سنينٍ مثلاً مُعتذِراً او نادِماً على ما فعل ، هل تُسامحينه؟"

قوست شفتيها مُفكِرةً قليلاً لِتُجيب
"ليس حِقداً مِني ولكنني لا اؤمِنُ بالفرص الاخرى ، فِلما لا يُحافِظُ المرءُ على خليلهِ مذُ البداية ، لِما يهجره ويمضي وحين يرق قلبه يعود ، وهل القلوبُ لُعبةً نلعبُ بها؟ لهذا جوابي يكونُ لا اُسامحه ، او انني بِبساطةٍ لن اُلقِ لهُ بالاً وكأنه لم يعود ، فيصبح وجوده وعدمه شيئاً واحِداً كما عودنا على هذا بِنفسهِ عند هجرانه لنا"

اخرجتُ المظروف اخيراً ، فَنَظرت إليهِ بِقليلٍ من التفاجُئِ تسأل قبل ان اُقاطعها
"هل مِن تايـ..."
"كلا"

زادت علامات الاستغرابِ على وجهها قبل أن امُد مافي يدي بِرفقٍ ناحيتها اقول بهمس
"إنهُ لكِ..مِن ابنَكِ"

تلاشت التعابير من على وجهِها ، ومدت يدها الرفيعة تلتقط المظروف
نظرت إليه لبعض الوقت دون قول شيء ، لترتسم ابتسامةً على وجهها ، ويتجعد اسفل عينيها بِخفةٍ

ابتسمتُ انا كذلِك لرؤيتها تبتسم ، فبالتأكيد قد اشتاقت لشيءٍ مِن ابنها الوحيد وقد وصلها شيئاً مِنهُ اخيراً

واختفت ابتسامتي فجأةً على عكس ثغرها الذي لا يزالُ باسِماً
عِند إحراقها لطرف الرِسالة مِن نار المِدفئة
فَباتت تتآكلُ شيئاً فشيئاً في يدها!

"عمتي ايليت!!!!!"
همستُ مُنادياً والصدمةُ على وجهي لِما فَعلته
إلا أنها لم تُجِب علي ، وأمالت الرِسالة قليلاً لِتلتهم النيران ما تبقى منها
وعِن وصولِها ليدها ، قامت بإلقائِها في الموقدة ، ونفضت يديها بِبعضها لِما وقع عليها من الورق المحترق

"لِما فعلتي ذلك؟؟"
قلتُ وأشعرُ بي اريد البكاء لِسببٍ اجهله ، وكأن الرِسالة كانت لي انا
وهذا ما اظنه السبب في حزني ، انني أرتجي كَلِمةً واحِدة تُخمِدُ ناري ، في حين أنها تحرقها دون قِراءة ما تحويه حتى!

"من ذا الوقح اللذي يُرسِلُ المكاتيب لـ امرِءٍ أُمّيّ؟"

وكانت تقصِدُ أن ابنها يعلمُ جيداً أنها لا تُجيد القِراءة او الكِتابة وقد قام بارسال رِسالةٍ لها
"ولكنني كُنتُ سأقوم بِقِرائتِها لكِ إن أردتِ لم يكُن هناك داعٍ لِحرقها!"
تحدثتُ بانفعالٍ مُستاءً وانا أنظر الى المِدفئة التي لم تدع من تلك الرِسالة ولو كلمةً واحِدة

"وهذا مالم أُردِه ، لا أرغب في سماعِ أيةِ كلمةٍ خطها بيده
لو كان مضمونها يسُرني ويُبهج قلبي..لكان قد أتى إلي بشحمِهِ ولحمِهِ لا بإرسالهِ رسالةً بصق فيها بعض الاكاذيب ليظهر بِدور البريء في نظري"

آلمني فؤادي لِتلك القسوة ، أم كانت قوة؟
بالتأكيدِ هُناك فرقٌ شاسع بين القوةِ والقسوة
وأيُ صِفةٍ بينهما تنطبقُ على ما قامت بِهِ العمةُ ايليت؟

نظرتُ في عينيها الباسِمة لأقول محاوِلاً جعل قلبِها يرِقُ على ابنها
"ولكِنكِ أُم..اوليست الامهات أكثرُ الناسِ رأفةً بابنائِهن ، اوليس قانون الامهات هو احتواء ابنائهن مهما ارتكبوا مِن أخطاء؟"

اتسعت ابتسامتها تقول
"هُناك اشياءً يا بُني نفقِدُ رغبتنا بِها ، نفقدُ شغفنا وحبنا بِها،لانها تأتينا بعد أن يطيب خاطِرُنا مِنها ، بعد ان تُصبِح في نظرنا شيئاً عادياً دون قيمة ، بعد ان نتجرد من حُبنا لها ،ونعودُ لا رغبة لنا بِها ابداً ،حينها فقط تمُدها لنا الحياة
على طبقٍ من ذهب"

عضضتُ على شفتي كابِحاً حسرتي وانا افكر فيما قالتهُ مِن كلامٍ ارعبني لارفع عيناي من جديدٍ اشابكها بخاصتها حين قالت بِهدوءٍ وهي تلتقط دائِرة وُضِعت على الاريكة مُسبقاً ، رُسِمت عليها بعض النقوشات التي بدأت بالتطريزِ فوقها

"الجفاءُ بالجفاءِ..هذا قانونُ القلوبِ بعيداً عن أي قانونٍ آخر.."

مضت عِدة ايامٍ وظل كلامُ العمةِ ايليت يلوحُ في ذهني جاعِلاً مِني لا اُفكِرُ في شيءٍ سواه ، وتايهيونغ..

امشي في الشوراع وأجِدُها فارِغة من أي أحد ، لأعلَمَ فيما بعد أن الجميع قد اجتمع عِند المحاكِمِ والسُجون يُطالِبون بإعدام المُجرمين ومُعاقبة خائِن الوطنِ أشد عِقاب

أشتري جريدة اليومِ على غير عادتي ، لأقرأ عُنوانُ أولِ صفحةٍ اللذي كُتِب بالخط العريض يقول
"الحُكومةُ قد سكتت عن المُجرمين..وسكتت عن خائِن الوطن الرقيب الأول ابراهام...هل الشعبُ سيسكُت ايضاً؟..وإن سكت متى سيتحدث؟..هل عِند قتل طفله؟أم إفسادُ طبع أخيه..أم عِند اغتِصاب زوجتهِ وأُخته؟..."

ذُهِلتُ لِتلك الجُرئة الفائِقة التي كُتِبت بها هاتهِ الكلمات وما قام بجعلي اُفغِرُ فاهي مُنبَهِراً هو رؤيتي لِصورة وُجِد فيها الرقيب الاول ابراهام يُمُدُ اوراقاً لرجُلٍ يلفُ وشاحاً على وجهِهِ وكأنهُ مُتخفياً وكُتِب اسفلها
"تم رصد الرقيب الاول ابراهام يخونُ امانة الوطن بإعطائهِ أحد رِجال عصابتهِ معلوماتٍ خاصة في الدولة..والى متى؟"

وما جعل من الدم يتجمدُ في عروقي هو رؤيتي لِصورةٍ لـ المُحامي جِيمس يُلفُ كَتِفَهُ بالشاش اللذي ظَهرت عليه بعضُ بُقعٍ مِن الدماء وقد كُتب عليها
"وهل عِقابُ قائِلِ الحق في زمانِنا ان يُقتل؟هذا ما حدث مع حضرة المُحامي جيمس مساء البارِحة في طريق عودتهِ إلى منزله ، محاولةُ قتلهِ مِن قبل أحد الرِجال..فقط لأنهُ طالب بِعِقابٍ لِلمُجرمين والخونة...وجميعنا نعلم من قام بإرسال ذلك القاتل المأجور..الرجل الذي يرتدي زي البطولة وما هو إلا نَجِسٌ خائِنٌ لِلوطن..الرقيبُ الاول ابراهام!"

تركتُ الجريدة من يدي وركضتُ قلِقاً أبحثُ عن سيارة اُجرة تُقِلني الى المُستشفى وقد وجدتُ واحِدةً بعد وقتٍ ليس بِقصير اوصلتني عِند بابها
حاسبتُهُ على عجلٍ ونزلتُ من السيارةِ مُقتحِماً المُستشفى والرعبُ يكسوني
لتستقبلني رائِحة المُعقمات والادوية التي اكرهُها
وابتسامةُ موظفة الاستقبال التي سألتني عن سبب تواجدي هنا

اخبرتها إن كان المُحامي جيمس لايزالُ في المستشفى وقد أجابتني بأنه من الممنوع إعطاء معلومات المرضى لأي أحد غيرَ أقاربه

رجوتُها كثيراً أن تُجيب وقد أعلَمتُها بأنني الآسيوي الذي كان جيمس مُحامٍ له في القضية التي تسببت في إصابته ، وأن عليّ الحديث معه بأمرٍ ضروري

قالت بأن عليه حِراسةً في الوقت الحالي بعد ما تعرض له من غدر
وأنهُ لا يُسمحُ بالزيارات ابداً
ولكنها ستقوم بسؤال المُحامي لاجلي وإن وافق على مقابلتي فستسمحُ لي بذلك

امشي بخطاي الدائِخة ناحية غرفة المحامِ جيمس بعد ان اعلموني انه يرغبُ برؤيتي

كان هُناك رجُلين من رجال الشرطة يقفان عِند بابه واللذان سمحا لي بالدخول بعد أن قاما بتفتيشي

ولجتُ الغُرفة وتلاقت عيناي بِخاصة المُحامي الذي استعدل بِجلسته فور رؤيتهِ اياي،القيتُ التحية وتقدمتُ ناحيته قائِلاً
"حَمداً لِله على سلامتك ، كيف غدى حالك الان؟"

نظرتُ الى هيئته وإذ بهِ مُرتدياً بِذلته فوق جرح كتفه وعلى ما يبدو أنه في أتمِ عافيته
"انا بخيرٍ شكراً لِسؤالك..لقد قاموا بتضميد جرحي منذ مساء البارحة ولكنهم لا يسمحون لي بالخروج من المستشفى الى ان يتم القبضُ على ابراهام خوفاً على ان يُرسِل رجُلاً آخر لايذائي"

طلب مني الجلوس على احد المقاعد وقد فعلت بينما هو جلس بِجانبي
لاسألهُ قائِلاً بِريبة
"الم تقُل بأنهُ لن يؤذيك خوفاً من أن تتحول الشكوك نحوهُ الى يقين؟ لِماذا إذاً ارسل رَجُلاً في محاولة قتلك!"

عقد حاجبيه هو الآخر ينظرُ الى نُقطةٍ وهمية مُفكِراً
"انهُ امرٌ غريب بِحق..ظننته اذكى من ان يفعل هذا ويُثير الشُبهات ناحيته..وهناك امرٌ آخر يُثير الريبة.."
نظرتُ اليه بتركيزٍ شديد لِما ينوي قوله حتى اكمل
"الرجل اللذي ارسلهُ ليلة البارِحة..كانت لديه الفُرصة لقتلي..ولكنه لم يفعل!..اعني انه قام بِطعني في كتفي فقط ، ومِن ثَم ولى هارِباً ،لم يكُن في الشارِعِ احدٌ غيرنا فقد كان الوقتُ مُتأخِراً مِن الليل ، كانت لديه الفرصة في ان يقتلني لِما لم يفعل؟"

عقدتُ حاجباي مُفكِراً فيما قاله لارفع كتفاي قائِلاً
"لرُبما قَد شعر بالخوف وتراجع فيما يفعله وقد قرر الفرار بِجلدهِ خوفاً من ان يُكشف امره"

نفى المحُامي جيمس برأسه قائِلاً
"انهُ لمِن المُستحيل ان يُرسل ابراهام شخصاً جباناً كـ إياه ليقتُل احدهم لِتُفكر في الامر!"

احتدت عُقدةُ حاجبي لِما يحدث من امورٍ غريبة نظرتُ الى الجريدة التي على الطاولة التي يظهرُ بها خبر محاولة اغتيال المُحامِ والتحريض على معاقبة ابراهام ، ومن ثم استرسلتُ سائِلاً إياه بشك

"اذاً هل تعني انه..."
قام بِمقاطعتي دخول احد رِجال الشُرطة قائِلاً بصوته الصارِم يجعلنا نُفغِرُ افواهنا لِما سمعناه
"وردنا انه قد تَم القبض على الرقيب الاول ابراهام بعد محاولتهُ الهروب من العاصِمة باريس صباح اليوم ، انت في امانٍ الآن..تستطيع الخروج"

نظرنا الى بَعضِنا بعضاً بفمٍ مفتوح قبل ان نضحك فجأةً واقفين بِصمتنا
"هَل نجحنا؟"
سألتُهُ ناظِراً في تقاسيم وجههِ ليقول
"نعم فعلنا!!!"
اندفعتُ احتضنه بقوةٍ قبل ان اسمع صوته المُتألم بسبب ضغطي على جرحه الحديث ، لابتعد مُعتذِراً بهمس
فيعاودُ هو سحبي اليه يضمني ضاحِكاً وهو يقول
"تعال يا رجُل ، كل ما حدث كان بِفضلك"

ضجت الشوارع بالهتافات والمباركات عند انتشار الخبر كلمح البصر بين الناس ، نمشي انا والمُحامي جيمس جنباً لجنب
بالجميع يسأل المُحامِ إن كان بخير ويطمئنون على حاله بعد نيله هذه الشهرة الواسعة خِلال مُدةٍ قصيرة بِحق

ودعتهُ مُنسحِباً من تلك الجلبة بِرويةٍ عابِراً سبيلي ، ودائماً ما كُنتُ امقُت الاماكن المُزدحمة وما إن ازدحم المكان انسحِبُ منه بِهدوءٍ دون ان يشعر بي احد
وذات الامر ينطبِقُ على الاشخاص..

-

عَلِمنا مساء الليلة بأن مُحاكمتهُ ستكونُ في صباح اليوم التالي هو والمُجرِمون الذين كان يُخبئهم في أحد السجون القديمة!
لم نُصدق أن الأمر جرى بهذه السرعة وقد كانت السعادة تغمر قلبي بشكلٍ لا يُصدق حينها ، ولكنني خِفتُ من سعادةٍ كهذه ، فأنا أكثرُ من يعلم أن الحياة تُخبئ لي دمعاً وراء كل ضحكة ، ولعنة وراء كُلِ فرحة ، إلا أنني تجاهلتُ هذا الشعور رغبةً في ان اعيش هذه الفرحة

-

طرقٌ على الباب ايقظني ، مددتُ يدي وانا استلقي باحِثاً عن نظارتي التي وضعتها مُسبقاً على الطاولة بجانبي ، ارتديتُها وفتحتُ عيناي ناظِراً الى ساعة الحائِط وإذ بها تُشير الى الحادية عشر صباحاً ، لم اعتد الاستيقاظ مُتأخِراً ولكن يوم البارِحة كان مُرهِقاً جعل من جسدي خائِر القوى

وقفتُ ماشياً بخمولٍ نحو الخارِجِ مُنادياً بصوتي المتحشرج
"قادِم"
توجهتُ نحو المغسلةِ وقُمتُ بِرشق المياه الباردة على وجهي اُعيد وعيي ، وتغرغرتُ عِدة مراتٍ مُجفِفاً فمي بعدها

مشيتُ سريعاً نحو الباب أفتحهُ لاجِد المُحامي جيمس يقِفُ امامه مُبتسماً ابتسامةً واسِعة ، رحبتُ بهِ وطلبتُ منه الدخول وقد فعل

"لِما لم تحظر المُحاكمة ظننتُك اول من يفعل ذلك"
سألتهُ باستغرابٍ وانا اخطو ناحية المدفئة اُشعلها لاسمعه يقول

"بالتأكيد هي مُزدحِمةٌ الآن وستُبثُ على الراديو على اي حال
لذالك فضلتُ ان اسمعها معك بِما أننا فعلنا كل ما فعلناه لاجلها معاً..انا مدينٌ لك بِشُكرٍ جونغكوك ، لن تُصدق ولكن منذ الامس وهُناك ما يُقارب العشرة قضاية التي وكلوني بِها هل انت مُتخيلٌ هذا!!! ، وحتى انهم باتو يُلقِبوني بالمُحامِ الجَسُور!! لم أتخيل يوماً انا يضحك لي الحظُ هكذا ، هذا رائع!!!"

ضَحِكتُ بِخفةٍ فَرِحاً لما سمعته من تطورات في مجال عملهِ لاُجيب
"لقد استحقيتَ هذا اللقب انا سعيدٌ لاجلك"

ابتسم بِودٍ ناظِراً الى الجريدة في يدهِ ليقول سريعاً ماسِحاً ابتسامته
"اوه صحيح..ذالك الشخص المجهول كتب رِسالةً أخيرة في الجريدة يقولُ بها
اذاً ستكون هذه كلماتي الاخيرة لك ايه الرقيب الاول ابراهام
وسأقولُ فيها بأن كُل ساقي سيُسقى بما سقى ولو بعد امدٍ بعيد ، ولو بعد اربعٌ وعشرون عاماً..
وأن من ظَلم سيتشكل ظُلمهُ ذات يومٍ لحبل مشنقةً يُطيح بهِ قتيلاً..دع كلماتي هاته تلوحُ في اُذنك..الى حين اعدامك!"

جلستُ بِجانبه أنظرُ الى الكلماتِ في يده وهُناك تساؤلاتٌ كثيرة تدور في عقلي
"هل تظُنها مسألةٌ شخصية بينهما يا تُرى..الا تشعُر بأن في حديثهِ شيءٌ من الحقد او الضغينة؟"
تحدثتُ بِهدوءٍ اسأل المُحامي وانا اجمعُ الاحداث في عقلي بحيرةٍ شديدة
لينطُق المُحامي يُخرجني من دوامة افكاري قائِلاً بعد ان همهم بخفة
"لا اظُن ذلك ، لرُبما يكونُ من البشر اللذين يمقُتون الفساد والمفسدين لدرجة كبيرة فـ يُحاربونهم ، كالابطال الخارقين مثلاً!"

اومأتُ لهُ مؤيداً رغبةً في ان اقتنع بأقاويله ولا اُشغِلُ بالي بتلك الافكار التي لا تعنيني
دق الباب من جديد لاستأذن مُتجهاً اليه افتحه
وإذ بـ مارسيل ،لونا ،والبصارة يقِفون امامه

ابتسمتُ سعيداً لرؤيتهم وكم أشعرُ بي مشتاقاً لهم ، طلبتُ منهم الدخول وقد فعلوا وهُم سعيدون بمحاكمة اليوم ، طرقتُ الباب على العمة ايليت ادعوها لتستمع معنا على ما يُبثُ في الراديو وقد لَبّت

اغلقت الباب خلفها داخلةً شقتي لاتبعها مُغلِقاً الباب
تلاقت عيناها بِخاصة البصارة التي لفت وجهها فور رؤيتها للعمة ايليت وعلى ما يبدو انهما لا تزالان على خصامٍ حتى الان

اما بالنسبة الى لونا فراحت تتحدثُ هي والمُحامِ بشأن اصابته وحمدت الرب على سلامته في حين انهُ رد عليها شاكِراً بتواضُعٍ شديد

جلستُ اُراقب حديثهم وانسجامهم التدريجي في احاديثهم لاضحك بِخفةٍ حين بدأت البصارة تمدحُ حفيدتها لحضرة المُحامي جيمس كما في اول لقاءٍ لنا
وكانت ردةُ فعل العمةُ ايليت هي قلبها لعيناها على احاديث البصارة

غمزتُ لِمارسيل وانا اُشيرُ بعيناي على لونا والمُحامي جيمس ليفهم مقصدي
وقف بجذعهِ وصفق بيديه كابِساً على زر تشغيل الراديو لِتصدح مُوسيقةً كلاسيكية مُناسبةً للرقص قائِلاً
"قد تبقى نصفَ ساعةٍ فقط لِبدء المُحاكمة لِنستغلها بالاحتفال ما رأيُكُم؟"
وافقت البصارة مؤيدةً الفكرة ، وقد وقف المُحامِ جيمس كالنُبلاء يدعوا لونا الى مشاركته الرقصة وقد وافقت على مضضٍ بعد تردُدٍ وخجلٍ شع من وجنتيها

لم تكُن المساحة واسعةً ولا هي بضيقة وقد كانت مُناسبةً للرقص فيها بِعدة امتار

بدأت البصارة تتمايل بخفةٍ مع الانغام بينما العمةُ ايليت تُهمهم مُنسجمة مع اللحن

ليقول مارسيل هاتِفاً
"على الجميع ان يرقص لـ يُسمى هذا احتفالاً"
وقام بسحب البصارة والعمة ايليت الى مُنتصف غرفة المعيشة وشابك ايديهما قائِلاً تحت نَظَراتهما الغير مصدقة لما يفعله
"ستقومان بالرقصِ معاً بينما انا سأشارك معلمي الرقص ، إن الاعتراض ممنوع!"

قهقهتُ بِخفةٍ على هيئة وجهيهما المُمتعضة إذ حاولتا الجلوس مجدداً إلا أن مارسيل ابى ذالك وراح يتحدثُ بالكثير من الحيل ليقنعهما على الرقص سوياً الى ان فعلتا ذلك مُستمرتان في تمثيل دور الخصام

"لِنرقص معاً"
قال مارسيل مُبتسماً لاقول بِصدق ما جعل من ابتسامته تتلاشى بخفة
"لا رغبة لي بذلك حقاً..ما رأيك ان نصنع القهوة للجميع لنحتسيها معاً؟"
عادت الابتسامة تُحاكُ على وجهه ليومئ بِخفةٍ مُوافقاً لِنقف معاً مُتجهين الى المطبخ

"مُعلمي.."
"همم؟"
نادى مارسيل عليّ لاهمهم راداً عليهِ وانا اسكبُ القهوة في الاكواب ليقول ناظِراً الى الارض
"لقد قررتُ ان اُكمِل دِراستي..اُريد ان اُصبح مُحامياً جيداً واُعيد لك المقهى الذي اخذوه منك بغير وجه حق"

نظرتُ اليه مُبتسماً بِوسعٍ اقول وانا اُحرك يدي على شعره الكثيف ابعثره
"هل حقاً ما تقولهُ يا ازرق العينين؟انا فخورٌ بِك جِداً ، ومتأكِدٌ بأنك ستصبحُ شيئاً كبيراً في المُستقبل وتجعل مني ووالدتك وشقيقتك الصغرى نتباهى بِك بين الناس ،احسنت القرار"

ضحك بسعادةٍ مُندفعاً إلي يحتضنني لابادله ماسِحاً على ضهره واسمعه يُتمتمُ بِـ
"شُكراً لك مُعلمي ، شُكراً كثيراً"

-

جلسنا جميعاً نستمعُ الى الراديو عِند بِدأ المُحاكمة...
الجميع يرتشف من قهوتهِ مُركزين على ما يقولهُ القاضي...
رائحة القهوة التي امتزجت برائحة الخشب المُحترق التي تنبعثُ من المِدفئة تزيدُ الجو سكوناً...
وابتسامات الجميع لبعضهم بين الحين والآخر عِند تعليق احدهم على ما نسمع...

تركتُ الكوب من يدي مُشابِكاً اصابعي ببعضها بعضاً ، أعضُ على شفتي السُفلى بِتوترٍ شديد ، واسمعُ نبضات قلبي المُضطربة تدقُ في صدري بعنفٍ وخوف من المجهول

مُرتبِكٌ مِن أمرٍ ما اجهله ، لا اظنُ ان سبب ارتباكي هو ما سأسمعهُ من حُكم ، انهُ شعورٌ مختلف ، كـشعور ان هُناك امراً سيئاً سيحدث ، ولكنك تجهل ما يكون لِتمنع حدوثه!

اخذتُ نفساً عميقاً مُعيداً ضهري الى الوراء اسنده على ضهر الاريكة ، واسندُ كوعي على كتفها الخشبي مُستمعاً الى حُكم القاضي

"حَكمت المحكمة حضورياً على الرقيب الاول ابراهام بعد ان تم جمع الدلائل التي اجمعت على انه خائِناً للوطن ،فَقد وُجِد في منزلهِ اوراقاً مُزورة ، وهُناك صوراً قد جُمِعت يظهرُ فيها استلامهُ للرشاوي غيرَ انهُ تم التأكيد على انه يتسترُ على المُجرمين ويُساندهم ، لِنحكُم عليهِ حُكماً لن يكون سوى الإعدامُ شنقاً حتى الموتّ! ، هو ومن تم الامساك بهم من المُفسدين على ارض الوطن بعد اعترافهم بعد التعذيب الذي استمر سبع ساعاتٍ مُستمرة..على أنهم قاموا بأعمال القتل والاغتصاب والمتاجرة بالمخدرات وسيكونُ هذا عِقاب كُل من يعمل عملهم ، الإعدام!! رُفِعت الجلسة!"

وقفنا جميعاً مُصفقين بِحرارةٍ لهذا الحُكم اللذي هرِمنا لأجلهِ ، عانقت العمةُ ايليت البصارة فَرِحةً بما سمعته ، وعانق مارسيل لونا في حين اندفعتُ انا مُعانِقاً المُحامي والقهقهاتُ تجري راكِضةً مِن ثغري ، هدأنا من جديدٍ نستمعُ الى صرخات ابراهام اللذي قال بصوته الغاضب المتحشرج

"وإنني لم أخُن الوطن يوماً!!!!!!!!!!!
إنها مُجردُ تلفيقاتٌ لعينة!!!!!
ذاك الوغد اللذي ينشر الشائعات...بالتأكيد هو وراء كُلِ هذا!!
لم اُرسِل أحداً لقتل المُحامي اُقسمُ بهذا ، ولم أكُن اعطي ذاك الرجل أية معلوماتٍ سرية ولم يُعطيني اية رشاوي لقد اشترى مني قطعة ارضٍ ملعونة هذا كل مافي الامر!!!!!وكيف لي ان اعطيهُ معلومات في منتصف الطريق وامام العامة بحق الجحيم!!!!!!!
حتى أنني لم أنوي الهروب صباح البارِحة ولا عِلم لي من اللذي قام بتخديري واصطحاب سيارتي عِند الحدود بجواز سفري وحقيبة ملابس لا تخصُني....وكيف من المعقول أن أهرُب واترُك ابني وزوجتي ورائي لتلعنكم اللعنة جمعاً!!!!!!!!!! !!!"

وبدأ صوتهُ يختفي شيئاً فَشيئاً وكأن الشرطة قامت بسحبه من قاعة المحكمة لفقدانهِ أعصابه

ولا أدرِ لِما شعرتُ بهِ صادِقاً ، هذه المرة على الاقل
انا على يقينٍ أن هُناك لُعبةً تُحاك ، ولكنني حتماً أجهلها

سَمِعنا تصفيقات الحضور على حُكم القاضي اللذي قال بصوته الرزين
"ليهدأ الجميع..المُحاكمة لم تنتهي بعد"

جلسنا من جديدٍ نستمع لِما يقوله
عقدتُ حاجباي مُستغرِباً ، وركزتُ جيداً فيما يقول ، في كُل كَلِمةٍ قالها ، كُل حرف ، وكُل تشكيل

"حَضرة النقيب يود قول كَلِمة لِلشعب..لِتتفضل على المِنصة"

فَرقعتُ اصابعي بِتوتُرٍ وانا اهزُ قَدمي بشكلٍ سريع
اقشعرَ بَدني ليجفل قلبي وتُشلُ حركتي بِلَحظة
عِند تسلُلِ ذاك الصوت المألوف الى مسمعي..

"شَعبي الحبيب..قادتي واسيادي...يَسُر قلبي أن آتي لَكُم بِكُل مُفسدٍ على ارض وطني اللذي افتديهِ بِروحي...وإن كان هذا المُفسِدُ مِن لحمي ودمي!
انا النقيب تايهيونغ ابراهام اللذي سَخر روحه وجسدهُ لتراب وطنه..سِنيناً وأنا أبحثُ عنه لاسلمهُ لِلعدالة لتتخذَ معهُ الاجراءات اللازِمة بعد معرفتي انهُ وللأسف خائِنٌ للوطن!...
لاخبركم بِفعلي هذا أن القانون يمشي على الجميع رُغماً عن انف الجميع!
وإن كان والدي ، شقيقي ، والدتي ، او حتى طفلي!
انا على اتمِ استعدادٍ لرميهم على حبل المشنقة إن الحقوا الضرر بِعصفورٍ صغيرٍ على أرضي!"

وسعتُ عيناي بصدمةٍ كبيرة
واشعر بالدوار الشديد وكأنني قَد وضعتُ قدمي الآن على الارض الساكِنة بعد أن كُنت في دولاب الهواء لِمُدة عَشرٍ من الساعات

اُحاوِلُ رَبط الأحداث ، رَبطُ الماضي بالحاضِر ، احاوِلُ تصديق كُل ما اسمعه
إلا أن خوفي قَد مَنعني مِن كُل هذا ، الجميع ينظرُ الى بعضهم بعدم فهمٍ لما يجري ، سوى من العمة ايليت التي نظرت إلي تحاول التأكُد إن كان شكها صحيحاً ، وان النقيب تايهيونغ ، هو نَفسهُ تايهيونغ صديقي العتيق!

اسمعُ تصفيقات تصدحُ من الراديو وهُتاف الجميع باسم النقيب تايهيونغ ، ومُطالبة البعض بترقيةٍ للنقيب على فعله النبيلِ هذا

أما انا ، وعِند إدراكي لِكُل ما يجري ، وإدراكي لسبب غياب تايهيونغ طوال تِلك السنين ، اجتمع البُكاءُ في حلقي يخنقني ، واجتمعت الشياطينُ في رأسي تُرهقني وتجعلُ مِن الغضبِ العظيم يَقطُرُ مِني

نطقتُ بِصوتي المُتحشرجِ بعد برهةً من الزمنِ قائِلاً وانا اُركِزُ انظاري على جهاز الراديو
"لِتُطفِئوه.."

ولكنهُم نظروا إلي بِعدمِ فهمٍ لِما اقولهُ فقد كان صوتي خافِتاً
ولا تزال المُحاكمة قائِمة بعد يرغبون بالاستماع اليها

لافقد صوابي صارِخاً وأنا أقلِبُ الطاولة أمامي جاعِلاً من أكواب القهوة تنسكِبُ في كُلِ مكان بالجميعِ اشتهق لِفعلي البغيضِ هذا
"لقد.......!!!!!قُلتُ.......!!!!.......لِتُطفِئوه!!!!!!!!!!!!!"
امسكتُ مسجل الراديو بِكلتا يداي وصرختُ بِغضبي قائِلاً ما قُلته وأنا اُلقي بِهِ على نافِذتي لِيتهشم زُجاجها ويتفكك الجهازُ لقطعٍ عديدة مُسقِطاً اصيص زهرة الفريزيا ارضاً لينكسر ويُنثرُ تُرابه على أرض غرفة المعيشة

"مابك يارجُل لِتهدأ!"
قال االمُحامِ جيمس يضع يدهُ على عضدي لأدفعه بِكامل قوتي على الاريكة صارِخاً بهِ في حين راح يُهسهس هو بألمٍ لِوقوعهُ على جُرحه الرطِب
"وما شأنُك ما بي هاههه؟؟؟؟؟؟؟لِتغرُب خارِجاً....لِتغربوا جمعكم خارِج شقتي!!!!!!!!!!!!!!!"

صرختُ بِهم أُشيرُ الى الباب وجميعهم ينظرون لي بعيونٍ خائِفة وأُخرى دامِعة
"هل سيطول امر تِلك النَظرات؟؟؟؟؟؟؟هَل أتحدثُ الأجنبية؟؟؟؟؟
لِتغربوا مِن هُنا!!!!!!!!"

اوقفت لونا المُحامي ومسحت على ضهر البصارة مُنسحبين من المكان باضطرابٍ شديد ، مَشت العمةُ ايليت نحو مارسيل اللذي ترتجف شفاتهُ مُنذرةً على سقوط ادمعه لرؤيتي بِتلك الهيئة المخيفة على عكس ما اعتاد

أومأت العمة لهُ وسحبتهُ مِن رسغهِ خارِجين من الباب مُغلقة إياه جُزئياً ورائهم
لابقى وحدي في وسط تِلك الفوضى وحدي بِتلك الشياطين التي تتقافزُ في رأسي

صرختُ مِن عُمق قلبي أشعرُ بِحنجرتي قد تشذبت
وفي كُل مرة ترنُ تِلك الحقيقة في رأسي أشعرُ بي أتمزق اموتُ واتحطم
وراحت يداي تُحطمُ كُل ما تحط عليه انظاري حتى تحولت غُرفة المعيشة إلى حُطامٍ ورُكام

سِرتُ بِخطواتي المُضطربة الى باب المرسمِ أفتحه ، اصطكت اسناني ببعضها غضباً عِند رؤيتي لِوجهه اللذي لطالما كان نعيمي

شرعتُ دون تفكيرٍ بالامر لِنزعِ كُل تِلك اللوحات ، حملتُها بقبضة يداي التي برزت عروقها عائِداً بِها الى غُرفة المعيشة ونظرتُ لِلحظاتٍ الى نار المدفئة
وبكامِل خيبتي وحرقة قلبي ، القيتُ بها كُلِها في تِلك النار التي التهمت جُل لوحاتي بشراهةٍ كبيرة

ارى وجههُ اللذي يتآكل بِنظراتي المُتألِمة وقلبي اللذي يُشابهها الالم
سِرتُ حامِلاً مجموعة المظاريف اللتي اشتريتُها حديثاً
ومزقتُها بكامِلِ قوتي ، والقيتُ ما القيتهُ على تِلك النارِ لِتلتهب وتجأجج مُنعكسةً على ظُلمةِ عيناي

نظرتُ الى زهرتي الجميلة ، والوحيدة اللتي صمدت هذه المرة ، التي لم افوت يوماً دون ان اسقيها بهِ واداعِبُ اوراقها الرقيقة ، وعقدتُ حاجباي كارِهاً لِكُل ما فعلته ، لكل ما أسرفتُهُ وافسدتُهُ بالانتظار والشوق والحنين

ومشيتُ ناحيتها بقسوة قلبي التي غلفته بِعدةِ طبقاتٍ كهديةٍ بشِعةٍ لاحدِهم
داعِساً على رِقة وريقاتها بكامِلِ قهري افرُكها ارضاً حتى تقطعت مُفسِداً إياها هي الأُخرى

ادركتُ حقيقة ما فعلت ، وحقيقة ما يحدث ، وقفتُ ناظِراً الى زهرتي بعيوني اللتي ادمعت ، وناظِراً الى النار اللتي لم تترك شيئاً مِن لوحاتي الجميله

لم اعرف ما عليّ فعله ، سوى الانهيارُ ارضاً والبكاء بِشدةٍ على حالي

مددتُ يدي المُرتجفة نحو زهرتي اجمعُ اوراقها على أمل ان اُصلِح ما فعلته
وحبوتُ الى زاوية الغرفةِ اجلِسُ عِندها ضاماً الفريزيا الى قلبي وانوحُ عليها وانا اُتمتمُ بالاعتذارات الصادِقة

سقطت دموعي الحارة تحرِقُ وجنتاي ، ابعدتُ النضارة عن عيني ومسحتُ دمعي بِكُم قميصي ، مُعيداً ارتدائها ، إلا ان الدموع اجتمعت من جديدٍ مُعيدةً ذات الكرة لامسحها من جديدٍ بِذات الطريقة الى ان اُرهِقت يداي وذَبُلت مُقلتاي

ياويلتي ويالَ اسفي على نفسي ، يالَ اسفي عليها..

فما كان ذنبي انا لكوني مُحِباً صادِقاً يَظنُ أن قلوب الجميع تُشابِهُ قلبِه؟
واحسرتاهُ على ما قدمتُ مِن جُرحٍ لفؤادٍ لا قوة لهُ بِكُل هذا
واحسرتاه....

بكيتُ كثيراً ايه المجهول اللذي يسمعني ، لانني تألمتُ كثيراً
لقد كانت الغصةُ في قلبي هذه المرة ، وكانت الندوب في روحي
اسنِدُ رأسي بخيبةٍ على الجدار خلفه ، وانا افكر بِكُل شيء حدث
كُل ليلةٍ انتظرتُ فيها ، كل رسالةٍ كتبتها ، وكل دمعةٍ اسقطتُها

أشعرُ بي منبوذاً وكأنني لم اكُن يوماً ، منبوذاً من الاشياء التي اُحب
ومكروهاً مِن كُل رُكنٍ اتواجدُ بهِ
أشعرُ بوحشةٍ كبيرة في روحي ، أشعرُ بأنني اللاشيء !

أملتُ رأسي قليلاً ناحية الباب عِند سماعي اياه يُفتح وإذ بها العمةُ ايليت
راقبتُ عُبورها الحُطام بعيناي الخالية من الحياة

مكثت أمامي بِهدوء ، ورفعت اكُفها تمسحُ ادمُعي بِرقةٍ مُبالغة
هطلت دموعاً غيرها لشعوري بهذا الدفئ المسلوب
قبل ان تقول وهي تُمسك بِذقني تُجبرني على النظر في عينيها
"أولا تتذكر القانون اللذي أخبرتك بِهِ يا بُني؟ الجفاءُ بالجفاء!..
إن كُنت جالِساً هُنا بحالِك هذا مُنتَظِراً ان تعتذر الحياةُ مِنكَ عَمّا بدر مِنها فهي لن تفعل ابداً ، تجاوز!"

ارتجفت شفتاي كالاطفالِ مُكثِفاً ادمُعي ، وبعد تفكيرٍ دام طويلاً نطقتُ بصوتي الباكي قائِلاً اُعيدُ كلامها في ذاك اليوم
"اقنِع نفسك بالتجاوز..تَجِد أنَك قَد تجاوزت رُغماً عن أنفِها..
عَمتي ايليت...كان عليّ ان اُطيع قولكِ ولكن كُل ما فعلتهُ هو التجاهل..
ولكن الآن..إن قلبي يؤلِموني كثيراً...
اظُن بأنه قد حان الوقت بالفعل لزيارتي طبيباً نفسياً"

وهذا ما افعلُهُ مذُ ذالك اليوم ، هو زيارتي لطبيبٍ نفسي ، ابكي عِندهُ واشكي فَيُعطيني هو بعدها نصائِح غبية وادويةً علقمية أجهلُ فائِدتها

قد كانت اوقاتاً صعبةً علي وحقيقةً ثقيلة للغاية يكادُ عقلي يحملها
فليس سهلاً على أحدٍ ان ينتظر عزيزاً لِسنواتٍ طوال ، ثُم يتضح له في نهاية المطاف أنهُ كان أنانياً يعيشُ دور الضحية ويسعى وراء الانتقام نتيجة الحقد اللذي يضمرهُ في قلبه
خائِبٌ أنا ، خائِبٌ جِداً.

-

Continue Reading

You'll Also Like

910K 33.3K 39
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
14.6K 1.2K 13
---------- 🎧 •مغلق الى أشعارٍ أخر. • متجر اغلفة. • جميعُ ما في الكتابِ من تصميمي ولا يعودُ لأي شخص أخر. 𝘤𝘰𝘷𝘦𝘳 𝘣𝘺 𝘻𝘢𝘤𝘳𝘶𝘴 𝘻𝘢cx𝘶𝘳 سا...
3K 349 12
مُكتمله ✅ الإِنْتِقَام المَخْفِيّ مُمِلّ دَّعَنّا نضُفي بعض المُتْعَة عَلَيْهِ. سَبعة أفراد و إثنىٰ عشر ضَحِيَّة. #5 Jimine #5 killed بدأت ~ 10/4...
14.2K 1.5K 10
أين أنتم يا أصدقائي؟ بات المنزل موحشا دونكم! أنا خائف~ -كيم سوكجين -مين يونقي -جونغ هوسوك -كيم نامجون -بارك جيمين -كيم تايهيونغ -جيون جونغكوك ...