ومَر شهرٌ، شَهرين، وثلاثة أشهر
وفِي كُل يومٍ كالعلقمِ يمرُ دونَ رؤيتها
كَان يزداد تَعلقًا بها
عُيونها، بَسمتها، تلكَ الضِحكه الخَجوله التي تَتسربُ مِن بين ثغرهَا في كُل لقاءٍ تَعمدَ إخجالها به
لَا يَدري سَببَ ذلكَ الحريقِ بصدرهِ
الإشتياقِ؟ أم لأنه يدفن حُبه؟
وبالأولِ مِن كَانونَ الثانِ بداياتٍ لعامٍ جَديد
وذلكَ الحفلُ الكَبير بالقصرِ
وقرع الكؤوس أصواته تصدع وأصوات الموسيقى تعلو
والعائلات الكُبرى يتحدثون
تركَ هو هَذا التجمع الكَبير وإنسحب بأكس النبيذ خَاصتهِ للخارج
فلحقتهُ أحد بناتِ ملكٍ من الملوك
كان يجلسُ في مقعد الحديقة الخشبي
" هل تسمح لي بالجلوس معكَ؟" تحدثت الفتاة
" أكيد مَريان تَفضلي"
جلست قُربهُ" أنتَ بخير؟ أشعرُ أنكَ حَزين"
" كُنتُ أنتظرُ شخصًا ولكن عَلى مَا يَبدو أنه لن يآتي "
" هذا مؤسف، ولماذا لم تبقى في الداخل معنا؟"
" لا أحبُ التجمعات الكبيرة، يمكنكِ البقاءُ هُنا إن أردتي "
" سأبقى معكَ "
جلسوا في صمت لتقرر هي كسر هذا الصمت
" السماء جميلة."
"نَعم، وأظنها سَوف تُثلج"
أمسكت هي بكف يده فشعرَ برغبة في سحبِ يدهُ لكنهُ لم يَفعل
_____________________
كَانت هِي تُراقبهم بعدَ دخولَ الحديقة
نِيرانٌ بقلبها، وزادت إشتعالًا عندما رأتها تُسند رأسها فوق كتفه وهو يبتسم لها
كانت تسيرُ عائدةً حيثُ أتت لكنها تعثرت بغصن شجره فسقطت أرضًا خلفَ الشجرة مما أصدرَ إزعاجًا
ولفتَ إنتباهه
تركَ مَريان وذهبَ يبحث عن مَصدر الصَوت
ليجدها جالسه تُمسك كاحلها ووجهها منكمش من الآلم
جثىٰ على ركبته اليسرىٰ وأمسك كفها
" أنتِ بخيرِ آليماند؟ "
سحبت يدها " ليسَ من شآنك"
رفعَ حاجبهُ مستعجبًا أسلوبها الجديد هَذا
" ماذا بكِ آليماند؟ لقد كنتُ أنتظركِ"
" تنتظرني، في أحضانها وكفك في كفها، يالهُ من إنتظار"
ولكن بعدَ أن قالت حديثها لاحظت ما قالته فنظرت بعيدًا
" أعتذر عن طريقتي يا مَولاي"
" هَل تغارين؟"
" أغ.. أغار؟.. لا لم أقصد ذلك"
ضحكَ وهو يتفحص كاحلها
" لماذا .. لماذا تضحك"
" تَبدين ظَريفه عِندما تغَارين بالمناسبة"
" لم أغر، هذا حديثٌ خاطئ"
" بالطبع، بالطبع أَعلمُ هذا " نهض يمدُ لها كفهُ يُساعدها على النهوضِ
جلسوا في ذات المقعد الخَشبي
" عامٌ سعيد آليماند"
" عامٌ سَعيد يَا مَولاي"
" ألن تَقولي يُونجي؟"
" لَا يُمكنني "
" أريدُ سماع إسمي بصوتكِ العذبِ آليماند"
" رُبما لاحقًا"
" سأنتظر آليماند"
" ربما سوفَ تنتظرُ كثيرًا"
" لأجلكِ يطولُ الإنتظار "
صمتٌ بينهم لخجلها، ولكنه قطعهُ
" ما أمنياتكِ للعامِ الجَديد"
" السعادةُ للجميعِ، وأن أجد حُبًا حَقيقيًا"
" مثير للإهتمام، أتمنى أن تتحققُ أمنياتكِ في القريبِ العاجلِ "
" يجب أن أذهبُ الآن"
" ولكننا لم نَجلس سويًا بَعد، علىٰ الأقلِ دَعينا نتشاركُ رقصةَ بدايةَ العام"
إبتسمت" موافقه"
نَهضَ يمدُ لها كَفه فأمسكت بهِ
يداهُ تتمركزُ فوقَ خَصرها النحيل ويديها فوقَ كتفيه العَريضين
" تَعلمين آليماند كيفَ مرت الأشهر الثلاث المَاضيه على قَلبي؟"
" كيفَ يَا مَولاي"
" مرت وكأنهَا عقُود، ولَن تنتهي"
" ولكنني هُنا"
" لَا تُطيلي الغياب آليماند"
" لم يَكن بيدي يَا مَولاي"
" أعلم، ولكنَ الشوق مُضني آليماند"
" لَن أغيب"
" كُل يومٍ نلتقي به، وكأني أراكِ لأول مره، وكُل مرة تُودعينني وكأنها آخر مرة سوف نلتقي بها
لا تُودعيني آليماند، أتركي الوصلَ مفتوحٌ بيننا"
" لديَ عِتابٌ لكَ يَا مَولاي"
" عَاتبيني كَما تَشائين أسمعكِ"
" لقد وعدتَ آن تآتي لحانتنا مُجددًا لكنكَ لم تآتي"
" آخذتني الحياةُ في أمواجها ولَم أتمكن من المجيئ لكِ لكنِ أعدكِ بالمجيئ"
" وعودُ الرجالِ كالسيفِ، سأنتظركَ"
" ولن أخلفُ بالوعد أيتها الخَمرية الجَميلة"
سماعها لصوتِ الحُراس أربكها فذهبت وأفلتت كفها من كفه إستدارت تنظر له تودعه بعيونها ثم رحلت
رحلت لبيتها دونَ أن يُخبرها كَم يهوىٰ عيونها
يتمنىٰ إقترابَ اللقاءِ الجديدِ بينهم.
يتبع-