|| كالينور هيليوڤان ||

By harlxim

1.6K 131 176

- منتصفَ عامِ ١٨٥٥، إنقلبتْ حياة كالينور هيليوڤان رأساً على عقب مُتسببةً برفعِ الستار أمام حدقتيها والكشف عن... More

[ عدمُ إتزان ]
[ مُريب ]
[ السِتارُ الأول ]
[ الجَزْع ]
[ وجهيْن ]
[ الأصواتْ ]

[ ذبلانٌ وإندثار ]

93 9 2
By harlxim

الموسيقى ضروروية.

____________

فتحتْ عينيها مُجدداً على أصواتِ الخدم وهم ينتقلون بأرجاءِ القصر وهمساتهم المشوشة لبعض، لكنها لم تُبدي أية ردة فعلٍ إتجاه عودة الأصوات لرأسها بل تسائلتْ متى غطتْ بالنوم وكمِّ الوقت حالياً.

إستذكرتْ شُعورها الجسيم بإرهاقٍ شديد لم يزر جسدها من قبل وعلِمتْ بسرعة أنهُ كان بسبب شعور الألم الذي كان يغلي بصدرها، إنكمشتْ على نفسها مُحتضنةً نفسها وقد تحررت ذكرياتها مجدداً بعقلها فهي قد إستيقظت.

العقل.

مع أنهُ نعمة معظم الوقت إلا أنهُ أحياناً وفي مواقف مثل موقفها يغدو نقمة. فما هو إلا مخزن لذكريات صنعها أحدٌ ما مع أحبائِه وما إن يختفي شخصك المفضل حتى يشرعُ العقل برسمِ لحظاتك اليومية والسعيدة معه.

لمعتْ خضرواتيها بإنكسار والضيقة الخانقة لم تترك قلبها يرتاح ولو لثانية. وكأن ثِقل الكون كله بصدرها. جسدها إشتعل بحمى أرسلت رعشةً عبر عمودها الفقري وقلبها نبض بسرعة غير طبيعية.

الذكريات. تنهشُها بدون رحمة.

هي حتى إستسلمت عن فكرة الهروب من هنا. ولا ترغب بأجوبةٍ من ليوسايدن. كل ما كانت تريدهُ هو النوم فقط والبكاء كلما سنحت لها الفرصة. تمنت لو إبتلعها السرير وخبئها بداخله كي لا ترى أحداً.

أرادتْ أن يحتويها شخصٌ ما ويُردد بأذنها بأنها بخير.

الوحدة وعدم الأمان كانا متصدرين من بين المشاعر السلبية التي كانت تغمرها. كالينور أحستْ بأنها وحيدة ولا يوجد من تثق به وتعتمدُ عليه ومن جهةٍ أخرى غرقت بشعور عدم الأمان. وكأنها قلعة مهترئة لا يحرسها أحد بينما تُواجه جيشاً عظيماً.

حقيقة أنها لا تمتلك عائلة.

لا تمتلكُ منزلاً لتعود له وتختبئ وراء جدرانه.

كل العالم السفلي يرفض وجودها.

" ما جدوى بقائي على الحياة ، لماذا لا ألحق بوالدتي فقط." همست لنفسها بنبرة خافتة قابضةً على الغطاء ريثما قلبها غمرتهُ رياحٌ باردة جعلته يهدأ ويتوقف عن توليد شعور الألم. وشرعْ شعورٌ آخر بالتغلغل داخل شرايينها.

مرارةُ التخلي عن حقها بهذه الحياة.

" تجربة فاشلة."

إنتفضتْ بخوف حينما همس شخصٌ ما بجانب أذنها فإستدارتْ مُجهزةً نفسها للهجوم لكنها لم تجد أحداً. الحاجز الذي بنتهُ مازال قائماً لكي يحميها فظنتْ أنها كانت هلوسة فقط.

" بلا فائدة. يجبُ التخلص منكِ." إرتجف جسمها بذعر مجدداً ما إن سمعت صوتاً مشوشاً ولكن واضح بنفس الوقت يُهسهس لها من أذنها الأخرى. إبتعدت عن السرير ونهضت تتفقدُ أرجاء الغرفة بجنون.

لا شيء.

لكنها خافتْ. ذُعرتْ من هذه الكلمات التي جائتْ من اللامكان. فتحتْ فمها كي تُنادي أحداً ما ليُشعرها بالأمان لكن لسانها لُجم. إنعقدت أحبالها الصوتية وهُدِمتْ الكلمات التي كانت تبنيها منذ ثواني.

لا أحد بجانبها.

لا يوجدُ من سيتواجد معها قلباً وقالباً فقط من أجلها بدون أية مصلحة شخصية. أحاطتْ بطنها بإحتياج ثم رفعت ذراعها الأخرى ووسعتْ مجال تعويذتها حتى وصولهِ للباب. حينها فقط إستطاعتْ التنفس براحة مؤقتة والإستلقاء مُجدداً لكن هذه المرة إفترشتْ الأرض الباردة بدل السرير الدافئ.

حدقتْ بالسقف شاردةً برسوماتهِ وزخرفاتهِ الكئيبة والتي جعلتها تستفسر حولَ ما إن كانت الرسومات حقاً حزينة أم أنَّ قلبها هو التعيس مما جعل خضرواتيها ترى كل شيءٍ بحالة غائمة مثلما يحدثُ بجوفها. فبالأخير العيون مرآةُ القلب.

رويداً رويداً أمستْ لا تشعر بجسدها.

وكأنهُ غرق بالأرض من ثِقل ما تحملهُ بصدرها.

ركزتْ على عقلها مُحاولِةً جعلهً يهدأ ويتوقف عن إلتقاطِ كل هذه الأصوات، حتى أنها تستطيعُ سماع صوت الهواء وهو يمرُ عبر الممرات بالقصر. صوت الأشجار الرمادية وهي تهتز من النسيم اللطيف.

تيبستْ عظامها بمكانها وبدأت بالسيلان كالمياه، إخترق جسدها الأرض وبدأت جذور القصر بإمتصاصها. سُحبت للأسفل وغطاها الإسمنت والرُخام فإبتسمت بنكد وأغلقت عينيها حينما تناهى لمسامعها صوت والدتها.

" أنتِ نسخة طبق الأصل عن والدكِ، هذا غير عادل." تكلمت أمها بصوتٍ حزين ريثما تُمشط شعر كالينور الصغيرة، جالسةً فوق كرسي منضدة غرفتها بينما والدتها تتكفلُ بتزيين خصلاتها الفحمية.

" معكِ حق ماما، أتمنى لو شعري كان بنفسجياً مثل خاصتكِ. لون والدي ليس جميلاً." وافقتها كالينور الصغيرة وهي تُمرر يدها الممتلئة كالخبز عبر فروة رأسها. ضحكتْ الأم بصخب ثم تركت المِشط جانباً وأمسكتً بيد إبنتها عاضةً إياها بمزح.

إرتجف فكُ كالينور وهي تتذكرُ وجه والدتها المبتسم وشعرها البنفسجي اللامع. ملامحها الطفولية والتي لا تظهرُ إلا عندما تكون معها أو مع زوجها. بشرتها الخمرية وعيونها السوداء.

إنكمش قلبها مُجدداً وضرب الحنين روحها لدرجة أن صوتاً مختنقاً هرب من صدرها. إعوجتْ تعابيرها وتقوس ثغرها غير قادرةً على الكتمان أكثر. فتركتُ نفسها تُناشد سراب والدتها الضبابي.

" أرجوكِ عودي، أنا لا أستطيع العيش بدونك."

تسارع قلبها بعد جملتها المحطمة فشعرت وكأنهُ على وشكِ الإنفجار من سرعته. نهضتْ من على الأرضية مترنحةً ريثما تبكي بهستيرية لم تستطع قمعها بعد الآن. شدتْ خصلاتها الفحمية بقوة، طحنت شفتيها بأسنانها الحادة وضغطت على أعصابها.

الألم.

الألم يجعلها تشعر بالجنون.

عقلها عالمٌ بحقيقة أن والدتها قد رحلتْ ولن تعود لكنها غير قادرةٌ على تقبُّلِ أنها ليست هُنا، أنها إختارتْ نفسها على إبنتها. لو فقط فتحت فاهها وأخبرتها بكمية ألمها وأفصحتْ عن الغِل والخيبة التي تسبب بها والدها لها.

لكنها لم تفعل.

على حُين غرة توقفت، رائحة ليوسايدن إقتربت من الغرفة وصوت خطواته التي حفظتها عن ظهر قلب أكدت هويته. واجهت الباب من بعيد بحالتها المبعثرة ثم أبطلتْ الحاجز الحامي وإنتظرتهُ أن يدخل.

يجب عليها مواجهته على الأقل.

تحتاجُ لأجوبة تُبرِّدُ قلبها قليلاً.

البكاء والنوم لن يفيداها بشيء ، هي فقط ستتحطمُ أكثر.

ظنتْ أنهُ سيتبخر لكنهُ كسر توقعها و دخل بهدوء من الباب وأغلقهُ آمراً الحراس أن يتركوا الجناح، وقف هناك بملابسه الراقية النظيفة وهالته الملكية الصارخة فهربت ضحكة صارخة من كالينور.

" من كان يتخيل ؟ أميرة المشعوذين واقفة أمام خادمها النبيل بملابس مصحة نفسية رخيصة وشعر متسخ وجسد قذر بينما خادمها يرتدي أجود الأقمشة وأغلى المجوهرات تُزين سترته. يالا سخرية القدر !" شرعتْ بالكلام مع نبرة مستهجنة وخصرواتيها كانت ترتعش بجنون.

لم تستطع تقبُل هذا. كيف آل بها الوضع.

حدق بها ليوسايدن بنظرات مجهولة الشعور ثم تقدم قليلاً صوبها فجلست هي على حافة السرير وأمرتهُ وهي تُشير على الكرسي الموضوع بالزاوية كي يأتي به ويواجهها " أحتاجُ لأجوبة، وأنت ستفتح فمك شئت أم أبيت."

أومئ لها ولم يُحضر الكرسي بل ركع أمامها فتفاجئت قليلاً من فعلتهِ والتي لا تليقُ بملك، لكن غضبها وحزنها كانا أكبر من صدمتها بأفعاله الغريبة فأشاحت ببصرها بعيداً.

" الألم... ألمُ فقداني لوالدتي تضاعف وزادت شِدتهُ منذ أن قابلتك وكأنني رجعتُ ليوم إنتحارها. طوال فترتي بالمصحة لم يزرني بهذه القوة هل لك علاقةٌ بالأمر ؟"

تنهد ليوسايدن بعمق بعدها رفع رأسهُ ناحيتها فتصلبتْ من تأثير ذهبيتيهِ عليها. كانتا حدقتيه جميلتان بالنسبة لها وكأنهما مصنوعين من العسل الحُر، كرهت ذلك. كرهت جماله الجذاب.

" خادمتكِ الثانية جوليييت، أقنعتها بأن ترمي عليكِ تعويذة التبادل. كان من المفترض أن يكون أنا من يشعُرُ بذلك الألم ليلة وفاة الملكة ولكن يبدو أن مفعول التعويذة لم يبدأ إلا بعد تفعيلها بيوم. ويتم كسرها حينما ألمسكِ وهذا تفسير الوجع الذي تشعرين بهِ."

" جولييت ! أقنعتها أجل، قُل بأنكَ لربما هددتها أو غسلت دماغها وإلا من العاقل الذي لن يشُك بفعلتك المريبة ؟"

" لقد تحكمتُ بها، عقلياً."

" هكذا أصدقك. لا تُحاول تجميل أفعالك مجدداً." هاجمتهُ بقساوة فومض الإستياءُ والخُذلان عبر عينيه، رمشتْ كي لا يتراجع إستيائها منه ثم وضعت وجهها بين يديها وتنفست بثقل.

" لماذا تفعلُ بي هذا ؟ لماذا تتحمل ألم فقداني لوالدتي طوال هذه المدة وبنفس الوقت تُوكد لي علاقتك بوفاتها يا ليو." إنكسر صوتها عِند نُطقها لإسمه فتوتر ليوسايدن أكثر.

" لستُ المسؤول عن موتها كالينور، لقد إنتحرت هل نسيتِ ؟ أنا لم أقتلها." دافع عن نفسه مُستنكراً من إشتباهها بهِ كقاتلٍ لوالدتها بالرغم من أنها رحلت من هذا العالم مُنهية حياتها بنفسها.

أبعدتً وجهها الباكي عن كفيها وصرخت بهِ " إذاً كيف علمتَ أنها ستنتحر ! كيف واللعنة ؟ أنى لك أن تعرف بأنها ستُقبل على هذه الخطيئة ! ولماذا لم تمنعها من ذلك ؟"

" لقد أخبرتني، ووعدتها بإبقاءِ ذلك سراً وأمرتني بعدم التدخل. وأنا كنتُ خادماً لها كالينور. الرابط المُقدس كان سُيحرقني حياً لو كسرتُ أمرها وأفشيتُ بسرها." شرح لها مع لمعان إستوطن مقلتيه الخائفتين في حينِ يُحاول منع نفسهُ من إحتضانها.

" هذا مستحيل !" صاحت مُجدداً وضربت السرير بعنف، تنفست بقوة وعبراتها إنهمرت على طولِ وجنتيها الشاحبتين.

" أنا أقرب شخصٍ لها  ولم تُخبرني، بينما أنت الخادم ليوسايدن، الجميع يبغضك ويكرهك بالقصر. لا أحد كان يُحبك غيري ليو فلا تلعب بعقلي وتجعلني اُصدق هذه الكذبة."

" إنها الحقيقة أميرتي. رُغم كراهية الملكة لي إلا أنها كانت تثق بي."

" هراء ! أمي لم تثق بك ولو لمرة. أنا من كُنت ادافع عنك دائماً وأظلُ أمدحك عند والدي كي يحترمك أكثر."صمتتْ لوهلة ثم أكملتْ بصوتٍ ينمُّ عن مدى كرهها له " وياليتني وثقتُ بحدسِ والداي وطردتكُ من المملكة."

إتسعتْ عيني ليوسايدن بخفة من كمية الحقد الذي وضُحَ بكلماتها فتحرك نحوها قليلاً وعانق خصرها بشدة. أرسى رأسهُ فوق حضنها ودفن غصتهُ عميقاً كي لا تشمئز من ضُعفه.

لم تدفعه ولم تضع يدها فوق فروة رأسه أيضاً.

" لنقُل أن أمي قد أخبرتك، لماذا غادرت ليلة إنكسار روحي ؟ لماذا تركتني اُعاني وحدي ؟ ألم تُفكر بحالي وأنت أكثر من يعلم بمدى حبي لهما ؟" تغيرت نبرتها من سامة إلئ متحشرجة ومُعاتبة فأغرق ليوسايدن وجههُ أكثر في فخذيها وقد مرت رجفة هاربة عبر جسده الضخم.

" لقد كنتُ مجبوراً، أنا آسف كالينور، أرجوكِ فلتغفري..."

" من أجبرك على تركي ؟ أخبرني وتوقف عن التصرف بغموض."

" قوة كبيرة، أقوى مني." نطق بهذه الكلمات ثم صمت وسحبها نحوه أكثر. قلبهُ الذي يدقُ ست مرات باليوم نبض مليون مرة بجانبها. ولكن ليس حباً فقط بل خوفاً وتوتراً من ردود أفعالها وكلامها.

" لماذا لم تُخبرني عن إمتلاكك دماءاً ملكية ؟ لماذا كذبت علي ؟" إستفسرتهُ مُجدداً وقد رفعت يديها ماسحةً وجهها المُبلل، حملقت برأسه الموضوع بحجرها وربطة شعره التي أهدتها إياهُ بعيد ميلاده مازال يربط بها خصلاتهُ النارية. فإبتسمتْ وسط نحيبها.

" أردتُ إخباركِ حقاً، لكني خُفت أن تشي بي للملك."

" وإذا وشيتُ بك ؟ لن يقطعوا رأسك بل بالعكس سيخافون من قوتك ومنصبك كمرشحٍ للعرش." إمتنعتً عن تحريك لسانها بعدما إستوعبت شيئاً ثم وضعت يدها على فروته وأردفتْ " كُنت تختبئ من الملك السابق."

" إذا عرف مكاني سيقتلني بدون تفكير، لهذا تنكرت كمصاص دماء عادي وتغلغلت بمملكتكم." أعقب بنبرة رخيمة ثم رفع نفسهُ أخيراً وتفقد إمارات كالينور التي تِحاول ربط الخيوط.

" الملك السابق لم يكُن يمتلك وريثاً، وزوجتهُ هربتْ من العالم السفلي مع عشيقها، فلماذا سيُحاول قتلك ؟ هو يحتاجُ لوريث وأنت كمعجزة بالنسبة له !" حادثتهُ مستفهمةً فلم يستطع منع إبتسامته من الظهور وهو يُراقب نظراتها المُستغربة.

" ربما لكوني إبناً غير شرعياً فحتى ولو كُنت مفيداً لمُشكلته أنا بالأخير لستُ من دمه."

طاح قلبها ببطنها عندما نطق بتلك الكلمات فسقط عليها ضميرها يلومها على ماقالتهُ منذ قليل، أطبقتْ جفونها لثانية كي تستجمع أفكارها جيداً وتتحكم بمشاعرها المختلطة والهائجة.

إنهُ ليوسايدن بالأخير، خادمها الوفي. والذي لم يُخيب ظنها أبداً طوال فترةِ معاشرتها له. عرَّض نفسهُ للخطر مئات المرات من أجل حمايتها. تواجد معها بأسوء أوقاتها وساعدها بلملمةِ شظايا نفسها المبعثرة عدة مرات.

وبسببِ خطأ واحد ستتخلى عنه ؟

من المستحيل أن تنسى كل ما فعلهُ من أجلها.

أحكمتْ على ربطة الشعر وسحبتها ببطء، إنسدلت خُصلاته الحمراء الطويلة فوق ظهره ورقبته جاعلةً كالينور تحفر بأصابعها بين فراغاتها. وبينما كانت هي تُفكر بمشاكلها الحالية كان الآخر يبتسمْ.

برقُت ذهبيتيه بمكر وإحتلت إبتسامة سعيدة فمه. كان يعلمُ أنها لن تتخلى عنهُ بهذه السهولة فهي بالأخير أميرتهُ كالينور. مرهفة المشاعر ولا تنسى الخيرَ الذي يُقدَّمُ لها من الغير، ومع قليلٍ من النظراتِ المنكسرة والنبرة المُكتئبة ستنحازُ له وتتجاهل كل الشكوك التي تحومُ حوله.

" حسناً، من الواضح أنك لن تُفضح عن مكانك طوال الأسبوعين الفائتين ولكن مازال هُناك أسئلة يجب عليك الإجابةُ عنها ليو."

" تفضلي."

" كيف علمتَ بمكاني ؟ هل سألتَ نيماڤيد بعد رجوعك ؟ وكيف إستطعتَ التعرف على جيني وما فعلتهُ بي." إنسلتْ التساؤلات من بين شفتيها بدون توقف ومع صوتٍ باهت. يكادُ لا يُسمع.

لم يُرد أن يتكلمَ وهو بحضنها هكذا فصوتهُ سيخونه، الدفئ والحنان الذي ينتقل لهُ من جسدِها ينخرُ روحه ويتسببُ بتحطمها لأشلاء. وجودها بجانبهِ يكسرهُ إنكساراً جميلاً.

تحرك من على الأرض وجلس بجانبها فوق حافة السرير ثم أمسكَ بيدها مُجيباً ببرود " هل تتذكرين ذلك الشيطان الذي حادثتهِ بالمصحة ؟ لقد كنتُ أرى كل شيءٍ عبر عينيه بواسطة قواي كمصاص دماءٍ ملكي."

" لكن من يكون ذلك الشيطان ؟ ولماذا قال أنَّ علاقتنا لن تنجح."

"حسناً هذا لأنهُ يظنني السبب في وجودكِ بتلك المصحة. وحول علاقتهِ بي فهو صديق قديم بيننا عداوة خفيفة لكن رُغم ذلك تركني أرى ما حدث معكُ، يستطيعُ الإستولاء على أجساد الغير." قصّ عليها مختصر القصة بينه وبين الشيطان ثم أخرج القارورة من جيبهِ وأراها لها.

" هذا نفس المحلول الذي شربته بالمصحة، سيُساعدكِ في قمع قوتكِ حالياً إلى حين بداية تدريبكِ."

وضعتهُ كالينور بين أصابع يديها تتفقد محتواهُ الأحمر الفاتح بإستغراب بعدها فتحت العبوة مُبعدةً السدادة، قربتها من أنفها ساحبةً نفساً عميقاً كي تشتم رائحة المحلول لكن الغريب بالأمر أنه لا يمتلك رائحة. وكأنهُ ماء.

" إشربيه، لقد نمتِ ليومين مما يرفعُ إحتمالية إنفجار قواك مِجدداً." همس لها بأذنها كالشيطان فإنصاعتْ لما يقوله وإبتلعتْ محتوى القنينة بكامله بينما تشعرُ بهِ يلُّفُ خصلاتها السوداء حول إصبعهِ الشاحب.

" مذاقهُ مرّ ، من ماذا هو مصنوع وكيف علمت بموضوع القوى هذه ؟ أريد ملخصاً لكن مع مصداقية ليوسايدن."

توقفَ عن اللعبِ بشعرها بعدها حدق بها جانبياً مع ذهبيتيه الناعستين، نظرتهُ المخدرة جعلتها تحبس أنفاسها بالسر وتبلع ريقها غير قادرةً على كبحِ ما يوسوسُ لها عقلها بفعلهِ معه.

" هل حقاً ترغبين بمعرفةِ سر قواك ؟ لأنني إذا أخبرتكِ ساُجبر تلقائياً على الرجوع للماضي، وأقصد بذلك الطفولة أميرتي."

" وماذا في ذلك ؟"

لم يُجب عليها بل إكتفى بالحملقة بوجهها الحائر لعدة ثواني لتعتلي بعدها إبتسامة حزينة فمهُ. تصلبتْ كالينور. مُدركةً تمام الإدراك أن ما رأتهُ للتو يجول بصفحةِ وجهه كان نكداً عميقاً وعظيماً، وكأنهُ قد غرق ببحيرة من الآلام.

أمسكتُ بيدهِ الموضوعة فوق ركبته وسحبتها ناحيتها واضعةً إياها بين يديها ، تفاجأ قليلاً من فعلتها التي جاءتْ من اللامكان لكنهُ إستفسرها عبر نظراتهِ التي رجعتْ لحالتها العادية، باردة.

" لماذا أنت حزين ليو، لماذا أنتَ كتومٌ هكذا ؟" سؤالها خرج قلقاً ومعاتباً مثلما قرر قلبها توجيهَه. هذه كانت المرة الأولى التي تمتنع فيها عن تجاهل حقيقة قلقها من حزنهِ الغير مبرر ومواجهته أخيراً. لكنها تُخفق دائماً بالتعبير عن مشاعرها القلقة والمشتاقة، فبدل أن تسأل سؤالاً صريحاً ومباشراً تقومُ بتجميعِ جملٍ غير متكاملة وترميها بأوجهِ الناس.

عضَّ ليوسايدن لسانه كي يقمعَ تلك الغصة من الإرتفاع لأعلى حلقه وإبتسم من بين إختناقه. إقترب نحو كالينور أكثر وأرسى كفهُ المتجمدة فوق وجنتها مُردفا بنبرة حنونة " أنا حزينٌ لحالكِ كالي، روحي تتمزقُ مثلما يحدث لروحك. لا أريدُ رؤيتك تُعانين من أي ألم. نفسياً كان أو جسدياً."

دمعتْ خضرواتيها مُجدداً من وقعِ كلماته على قلبها وسرعان ما تحركت بسرعة لحضنه دافنةً وجهها بكتفه تشهقُ صارخةً من كمية الألم الذي يتطاير من عُمقها. صدرها إنشق تاركاً جسد الأخر يتضرعُ القليل من الوجع الذي خرج متسرباً من ذلك الشق الصغير.

" لا بأس، أنا هنا. لن أترككِ وحيدة مُجدداً."

" لا تكذِب ! لقد تركتني مرتين ودون البوح بشيء عن سببِ غيابك." تكلمتْ من بين براثين نحيبها متلعثمةً بعض الشيء فمسح الدموع من على وجهها ودارَ الإستغرابُ بتعابيره فأسرَعتْ تُذكره.

" منذ ست سنوات عندما إختفيتْ من المملكة بدون أثر لك لمُدةِ شهرين."

" ذلك كان منذ سنوات ومازلتِ تتذكرين."

" لا تُغير الموضوع ل...." إنخَفضَ صوتها تدريجياً حينما إستوعبت شيئاً ما وربطت الخيوط ببعضها البعض كعادتها منذ الصغر، دفعت ليوسايدن بعيداً عنها وإستقامتْ مُترنحةً تُحاول لملمةً نفسها.

تجمد ليوسايدن حينما أبصرت عينيهِ تعابيرها الشاردة والتي تخلقها حِين تقوم بإكتشافِ سرٍ لم تتوقعه، نهض من على السرير وحاول الوصول لها لكنها صفعت يديهِ بنفور وقد نظرتُ لهُ مع صدمة بحدقتيها.

" منذُ سِت سنوات، تمَّ إغتيالُ ملك مصاصي الدماء بغرفته. أتذكرُ ذلك اليوم جيداً وقد كان بعد ثلاث أيامٍ من إختفائك. العالم السفلي كله إهتزَّ من قوةِ الخبر فمن هذا الذي تغلب على أقوى مخلوقٍ من بعدِ لوسيفر ؟"

أنزل ذراعيه ببطءِ للأسفل وقد إنكسرت مقلتيه مُجدداً، كلما تحسنت العلاقة بينهما يأتي شيءٌ ما ويخلق فجوة كبيرة تُبعدها عنه و وتتسببُ بإفتراقها عنه وعن مشاعرهِ العميقة المُوجهة لها فقط.

" كان يرغب بقتلي كالينور، لقد كنتُ مجبوراً."حاول إيجاد عُذر.

" ومالذي يجعلني اُصدق أقوالك ليو ؟ ماذا لو كُنت فقط مجرد إبن غير شرعي يُريد الحصول على العرش مهما كان الثمن ؟" حينما خرجت هذه الكلمات من ثغرها كالسم صرخ بوجهها قالباً السرير رأساً على عقِب.

" العرش آخر همي كالينور ! لم أكُن أرغبُ بأي من هذا ! اُفضل الموت على العيش كملكٍ لشعبٍ ومخلوقات مُقززة كهاتِه ! لهذا إياكِ والتشكيك بما يبتغيهُ قلبي هل تفهمين ؟" صاح عليها بصوتٍ غاضب وقد طفح الكيل به.

" لقد قتلتهُ ليو....بترت جسدهُ لخمسة عشر قطعة." همست لهُ بنبرة رقيقة ومجنونة وكأنها لا تُصدق ما تقوله.

" وماذا في ذلك ؟ ألم أقتُل من قبل ؟ لقد رأيتني ملايين المرات أمتصُ أرواح الغير من أجلكِ فلماذا أنتِ متفاجئة الآن ؟"

" لأنهُ زوجُ والدتك، التي خانتهُ وتركتهُ ورائها." في هذه اللحظة تحولت عيني ليوسايدن للأحمر القاتم وتوسعتْ هالتهُ من دونِ وعيٍ منه، بانت عروقه من رصهِ لأسنانهِ وتحركت القلعة بفِعلِ زلزالٍ.

لو قال أحدٌ ما هذا الكلام له ماكان تأثرَ بهِ لهذه الدرجة، لكن إنبثاقهُ من حلقِ كالينور كان أكبر من أن يتحمله. لا يُجدر عليها أن تجرحهُ هكذا ولا أن تنظر لهُ بهذا الكُره والنفور الحاد.

طاحت على ركبتيها خاضعةً لهالتهِ القوية ووضعت يديها فوق الأرضية تنوح بصمت بما آل بهِ الوضع. مهما فكرت بالموضوع فليوسايدن مشكوكٌ بخلفيتهِ وكأنهُ يخفي أشياء كبيرة من وراء ظهرها.

سر علمِهِ بإنتحار والدتها، إختفائهُ طوال هذه المدة. حقيقه كونهِ مصاص دماء ملكي وحقيقة كونهِ قاتل الملك السابق ، مهما رمى عليها من أعذار وأجوبة فهي ستبقى حذرةً منه.

فجأةً توقف كل شيء وضاقتْ هالته، بعدها بدقيقة رتَّل لسانه.

" أنتِ قتلتِ والدكِ أيضاً، لا أحد بريء."

عمَّ الصمت. لم يتحرك أي أحد منهما إلا بعد حوالي الدقيقتين. رفعت كالينور رأسها له ومقلتيها ترتعشُ بدون توقف يميناً ويساراً. شمالاً وجنوباً. فتحت فاهها وإستفرغت ماء معدتها لكونها لم تتناول شيئًا غير ذلك المحلول.

إرتجف جسدها بهستيرية وكأنها تتعرض للصعق ، تشبثتْ بفروة رأسها وصرخت بنبرة عالية جرحت أحبالها الصوتية " لا ! لا ! لم أكن أنا ، صدقوني لم أفعل ذلك ، لستُ أنا من قتلته أرجوكم."

تجمّعَ الناسُ من حولها على شكلِ دائرة مانعين ضوء الغرفة من الوصول لها، طغى عليها الظلام مُكمِلاً على سوادِ أفكارها، رفعوا أياديهم يُشيرون بأصابعهم ناحيتها وهم يصرخون عليها بالقاتلة.

" أبي...إنه والدي وأنا اُحبه لا أقدِرُ على إيذائِهِ حتى."

" لم أكُن أنا أرجوكم !"

أسرع لها ليوسايدن كي يُبعد يديها عن شعرها الذي نتفتهُ من كثرة سحبها له ثم مسح ثغرها من القيء وحاول تهدئتها لكنها إستمرتْ بتجاهله وكأنهُ غير موجود وتِكرار كلامها مراتٍ عديدة ، ترتجي الهواء أن يصدقها، تستنجد بليوسايدن أن يُنقذها منهم وكأنه ليس من يحتضنها حالياً.

" ليوسايدن أرجوك أين أنت ؟ لماذا تركتني ؟ إنهم يؤذونني ولكنك غير موجود ، لا أراك ." كلمتهُ بصفة مُبهمة وهي تتمسكُ برقبته وتُتمتِم من حينٍ لآخر تتسائل عن مكانه. وعن سببِ تركهِ لها.

" آسف، أنا آسف. أنا هنا الآن لا أحد سيلمسكِ." قال متحشرِج الصوت ريثما يُشدد على جسمها راغباً بأن يُُدخلها بدنهْ ويحميها بجدران عِظامِهِ ولحمِه، لا أحد سيصِلُ لها لو كانت بداخله، فقط لو يستطيع.

" سأنتقم لكِ كالينور." هسهس مع وجهٍ قاتم. نبرة عازمة.

في حينِ الأخرى تتعلقُ بظهره ورقبته ووجهها بارِد الإمارات عكس ما كانت ترسمهُ منذ ثانية، خضرواتيها ثقبتْ جمجمة من تحتضنهُ وكأنها ترغَبُ بإقتلاعِ رأسهِ عن رقبتهِ . تُخطط ما ستفعله. ماهي على وشكِ القيام بهِ.

نهاية ليوسايدن على يديها.


_________

محد صاحي بالرواية ذا تصريح مني عشان لحد يتوقع شي طبيعي ومنطقي من الشخصيات.

رأيكم بكالينور هالفصل ؟

ليوسايدن وهل تصدقون كلامه؟

والدة ليوسايدن من السلالة الملكية وزوجها الملك السابق نبيل بس مو من دم ملكي لهيك يحتاج لخليفة من الملكة لانه هو مو مو من السلالة الملكية وانما مجرد نبيل، بالمختصر ليوسايدن يحتاجه عشان يتمسك بالعرش.

كالينور :

اتمنى استمتعتوا بالفصل وبالكآبة الي فيه ، الفصل الجاي راح يتغير كل شي ونطلع شوي من جو الحزن هذا بس ستل في سوداوية .

كانت معاكم طرزانة وهارلين 💐.

Continue Reading

You'll Also Like

2.4M 153K 41
في مَنتـصفُ كائنات الصَفاء كَانت هناك قواريرُ ابريَاء لكل مَنهم جَانبً يشـعَ كـ الهلالِ شعورهم بلأمان أصبح كـ خيـالِ.. حاربُ!! لتنجو، لتثبت أنك قوي...
206K 11.1K 51
فتاه يتيمه الاب والام تمت تربيتها عند عمها اخ اباها ولكن بوسط الكره والحقد تذهب أسيرة إلى داع١١ هل يا ترى يأتي شخص ويخرجها من هل عذاب؟ ام القدر لها ق...
ذات ليله By سيلا

Mystery / Thriller

211K 9.4K 36
فتاة من طبقة الفقيرة ذات الالفيين تعيش وتحاول العيش مع اصعب مواقف الحياة تتأقلم مع مشاكل ومفاجئات وحلاوة الحياة ومع مرور الوقت تمر عليها ذات ليله تغي...
1M 58.1K 62
من أرضِ الشجَرة الخبيثة تبدأ الحِكاية.. "العُقاب 13" بقلمي: زاي العَنبري. لا اُحلل اخذ الرواية ونشرها كاملة في الواتباد 🧡.