إليكِ لوسيل. ✓

By Zpaintrogrammer

629 54 27

قصة عن فتاة تُدعى لوسيل... كانت تعيش أيامها حبيسة للألم إلا أن علمت أنه لم يتبق لديها إلا القليل لتعيشه، ما ا... More

《إِهْداء》
٢_ 《الرِضا》
٣_《فُرْصَةٌ أُخْرَى》

١-《نَدَمْ》

179 13 6
By Zpaintrogrammer

استيقظت لوسيل من نومها المتقطع، تحاول أن تمدد ذراعيها، فشعرت بالألم المبرح، صداع يعصف بها، مع شعور الغثيان القميء الذي أصبح يأتيها كثيراً منذ فترة ولكنها تجاهلته، كباقي الآلام التي كانت تغزوها ولم تعيريها أي اهتمام، هذه الآلام جعلتها تتذكر يوم أمس، والذي كان أشد الأيام قسوة وثقلاً عليها.

تنهدت ثم سقطت دمعة حارة، حاولت أن تنهض من الفراش، استندت إلى نهاية السرير، ثم اعتدلت حتى وقفت أمام مرآتها مباشرة، تحققت بملامحها وبشرتها الشاحبة والهالات السوداء التي احتلت ما تحت جفونها وجسدها الهزيل الذي تأثر بسبب تناولها المسكنات وأدوية التنويم، التي كانت تأخذها الفترة الماضية.

جالت بنظرها حتى سقطت عيناها على ورقة التقويم المعلقة على الجدار بجانب المرآة، التاسع والعشرون من ديسمبر لعام ألفين واثنين وعشرين، إن غداً سيكون ذكرى ميلادها الثلاثين، ارتسمت على شفاها شبح ابتسامة، وقالت بنبرة استهزاء:
_أيها الطبيب، ألم تتمكن من كتمان هذا الخبر، حتى يوم ذكرى  ميلادي؟.

ثم سقطت الدموع من عينيها، فأجهشت بالبكاء وتعالت أصوات بكائها حيث تذكرت البارحة.

الثامن والعشرون من ديسمبر
كانت لوسيل تحاول أن تعبر الطريق للذهاب إلى المقهى لشراء قهوتها السريعة، لم تعد قادرة على التركيز، جسدها منهك وعقلها مشوش، كانت تحدق بإشارات المرور للعبور وخلال تحديقها بأضواء إشارات المرور، شعرت بصداع مؤلم يصاحبه طنين عالِ فسقطت بالطريق.

أفاقت لتجد نفسها جالسة على سرير بالمشفى ويديها متصلة بمحلول معلق، نظرت حولها، في محاولة منها أن تفهم ما الذي يحدث حولها.

سقطت عيناها على ممرضة، فسألتها ولكن نظرات الممرضة لها، كانت كلها نظرات شفقة وحزن.

لم تفهم لوسيل، لذا طلبت من الممرضة أن تشرح لها سبب وجودها هنا، فأردفت الممرضة بنبرة حزينة:

_الطبيب سيشرح لكِ كل شيء، لكن سبب وجودك الآن هو أن أحد المارة جلبك إلى هنا، عندما فقدت الوعي بأحد الطرق، وأنتِ تحاولين العبور للجهة الأخرى.

لم تمر ثوان، إلاّ قد نادتها إحدى الممرضات الأخريات لدخول غرفة الطبيب، دلفت إلى الغرفة لتجد أشعة طبية يتم عرضها، فشعرت بوخزة في قلبها، ثم سحبت المَقْعَد، وجلست ثم أردف الطبيب:
_آنسة لوسيل... منذ متى وأنت تشعرين بهذه الأعراض؟.

أردفت لوسيل بنبرة خافتة:
_أشعر بالغثيان والصداع منذ ثلاثة شهور تقريبا، ولكن أنا أشعر بحدة الأعراض منذ أسبوع فقط.

أردف الطبيب بصوت هادئ وعميق ونبرة جادة:
_كما توقعت، حسناً سأخبرك الآن عن سبب شعورك هذا.

ضربات قلبها ازدادت، عقلها يخبرها بالعبارة القادمة، ولكن قلبها لا يريد أن يستمع لذلك الشك، فتنهد الطبيب ثم أردف:
_أنتِ مصابة بورم في الدماغ، وهذا الورم كبر حجمه، حتى تموضع بمكان يُنذِرُ بالخطر.

أغمضت عينيها محاولة التماسك ثم أردفت:
-إذا... هل يوجد علاج لحالتي هذه؟.

فقال بثقة:
_بالطبع هناك العديد من العلاجات كالإشعاعي والكيماوي والجراحي.

تنهدت ثم أردفت بصوت لاح فيه بعض الأمل:
_سأبدأ في العلاج.

فعقد الطبيب ذراعيه وتقرب للإمام، ناظرا على عينيها قائلاً:
_المعضلة تكمن إننا سنحتاج لفحص النسيج لنحدد أي العلاجات يناسبك، وهذه العملية وحدها قد تكون شديدة الْخَطَر.

صمتت وخانتها دمعة سقطت دون إذنها، لطالما كانت تكبح دموعها، حتى إنها تساءلت العديد من المرات عن سبب عدم ذرفها للدموع طوال حياتها، ولكنها أدركت الآن، لا بد أنها كانت تراكم آلامها في مكان آخر، دون أن تنتبه.

أردفت بنبرة بائسة، وكادت عبرة أن تسقط مجددا، حيث أردفت:
-حسناً، إن لم أقم بالعلاج... كم يمكنني البقاء على قيد الحياة؟.

أردف الطبيب بنبرة جادة كعادته:
_من ثلاثة شهور إلى سنة على أقصى تقدير، لكني أخبرك من الناحية العلمية، ولكن تعرفين إن الأمر دائما متروك لله.

ابتسمت ثم تحدثت بنبرة خافتة:
-أجل... أعرف
_سأذهب الآن، وسأراسل المشفى في حال إجرائي للفحص.

وعندما التفت للمغادرة قال الطبيب بنبرة جادة:
_آنسة لوسيل... من فضلك أعطى للأمر أهمية، بالرغم من خطورة الفحص، لكنه أمر حتمي لمعرفة علاجك المناسب.

ارتسمت على شفاها شبح ابتسامة ثم أردفت:
_أعدك أيها الطبيب سأفكر في الأمر.

خرجت من المشفى وعيناها تدمع دموعاً حارة، لم تستطع أن تكبحها ثم نظرت إلى السماء في محاولة للتحكم بسقوط دموعها المتزايد، لتجد أشعة الشمس الدافئة، وقفت ثابتة لهنيهة تحدق بالضوء، ثم احتمت من أشعة الشمس عن طريق بسط يديها أمام الجزء الذي يغطي نصف جبهتها وعينيها، لتشعر بحرارة الشمس على يديها... تتحسس الدفء بليالي الشتاء الباردة هذه، فانطلقت منها ضحكة خافتة ثم أردفت:

_عشت طوال حياتي أحتمي من الشمس، واجلس بالظل دائما، فلم أنعم بالدفء.
_تماما كحياتي التي أمضيتها كلها في الإفراط في العمل، حتى تأكل الوقت ومرت الأيام، حتى إنني لم أهتم بشأن تغييرات بدني... كم انتي بائسة يا لوسيل.

ثم مسحت دموعها بكفيها، وأردفت إلى نفسها قائلة:
_لا تبكي.
_فلتذهب هذه الحياة المثيرة للشفقة، حسنا لما سأحزن فهي بالأصل لم تكن حياة تمنيتها.

أنهت عباراتها هذه والدموع تنهمر من عينيها، ثم آلمها جسدها فأردفت:
_تعبت من كل شيء، حتى دقات قلبي تؤلمني، يا لله لا أستطيع التنفس من الضيق وكأن ثقل العالم كله على صدري.

فجلست بجانب الطريق، جَلسة القرفصاء، تضم ساقيها إلى بطنها، وتحيطهما بذراعيها وممدة لرقبتها إلى الداخل لتخفي وجهها، ثم أجهشت بالبكاء، وتعالت أصوات بكائها، ولكن كانت أصوات الزحام صاخبة، فلم يسمعها أحد.

ثم وجدت من تربت ظهرها حيث أتاها صوت لسيدة مسن، التي أردفت:
_لا تبكي يا عزيزتي
_ هل تعرفين؟ متى يقال على الشخص إنه لم يعد موجوداً بالحياة؟

تنهدت السيدة، ثم أردفت بصوت حنون:
_تعلمين إنه لكل منا أجل، هناك من يموت منذ ولادته ومنا من يصبح خالداً.

رفعت رأسها لترى من السيدة التي لم تفهم حديثها، لم تجد أحدا جانبها، ثم قاطعها نَغْمَة هاتفها حيث وجدت اسم شقيقتها أسيل ظاهراً بشاشة الهاتف، فمسحت دموعها سريعا، وأخذت تسعل لتعدل من نبرتها الباكية، ثم التقطت الهاتف وأجابت:
_ مرحباً... أسيل، كيف حالك عزيزتي؟.

ثم تنهدت وأردفت بنبرة هادئة:
_أختي... لقد اشتقت لكِ.

انطلقت ضحكة من أسيل وأردفت:
_ما بكِ... لوسيل، هل هناك خطب ما؟ هل أنتِ مريضة؟ تشتاقين إلي؟ ماذا يحدث بالعالم؟

مع أنّ حديث أسيل كان من باب المزاح، لكن صمت لوسيل... جعل أسيل تتيقن أن شقيقتها ليست على ما يرام، مما دفع شقيقتها تسألها بنبرة مهتزة:
_ لوسيل... هل أنتِ بخير؟.

توقف الكلام بحنجرتها، لوسيل لا ترغب في إخبار شقيقتها بما يحدث معها، قد كان قراراها منذ زمن، ألّا تقحم أحداً بأمورها حتى وإن كانت شقيقتها!
قلبها يريد أن يخبر شقيقتها بالحقيقة، ربما تجد يد تواسيها التي أبعدتها منذ زمن وعناق دافئ يحتويها، لكن عقلها يخبرها بأن تستمر في إخفاء الأمر حتى تختفي دون أثر.

ثم قررت لوسيل إنهاء المحادثة، تخشى معرفة شقيقتها بأمر مرضها، فتظاهرت بعدم سماعها وقالت:
_أسيل هل تسمعينني... على الذَّهاب إلى العمل إلى اللقاء لنتحدث في لاحق!.

أغلقت الهاتف، ثم قررت أن تزور قبر والديها، وقفت تتمعن منظر القبور أمامها، ثم نفضت بيديها بعض التراب على قبر والدتها وأردفت:
_أمي، أنا قادمة إليكِ اليوم، ليس للتحدث عن كم أنا أتوق لرؤيتك،
لأني بالفعل لدى أيام قليلة؛ وبالتالي سأكون معك هنا.

_لأول مرة أكون ممتنة، وأنا أزور قبرك ليس لشيء فقط،
عندما أفكر إن كنتِ لا تزالين على قيد الحياة، حينها كان سيؤلمك فراقي، ولشخص قد عاش هذا الشعور مسبقا، أرتاح لأنك سبقتني هنا أنتِ ووالدي.

تنهدت وسقطت دمعة ثم تابعت:
_ أنا لست حزينة على الموت، فحياتي انتهت منذ وفاتكما ومنذ حينها وأنا كنت أغرق نفسي بالعمل، حتى مرت السنين، وها قد وصلت إلى الثلاثين.
_ الحقيقة هي يا أمي، إنني لم أستطع تجاوز محنة وفاتكم، حتى الآن.

ابتسمت باتجاه قبر والديها ثم أردفت:
_ أمي... أبي، تمنِ لي يوم ميلاد سعيد

_اشتقت لكم.

Continue Reading

You'll Also Like

251K 10.9K 30
Bart2
124K 2.7K 109
سلام عليكم.. بعد غياب فقصة #أحببت_رجلا رجعت برواية جديدة تحت طلب ديالكم قصة جديدة احداث متنوعة نايضة غيرة وتشوييق عقد كوميديا دراما مواااقف... #جن...
76.4K 3.9K 17
" لن نهتم بلعنة ابنتك، تكفينا حياتنا نحن.. " • تم التخلي عنها من قبل والــدتهــا، و اصبح ملجأها الوحيد * اخوتها *
31.7K 3.8K 26
هويتُ بثنايا الألمِ مُستسلِماً،حتّى أتيتِ أنتِ،فإنتشلتينى مُعيدةً إيّاى للحياه قبل أن تُعانقى روحى طويلاً،جاعِلةً مِنها تستكينُ بين طيّاتِ حُبّكِ.