بـومـة مينـرڤا

By Die-Nacht

18.7K 1.9K 8.6K

حقـبة جديـدة بدأت ما أن تم الاعتـراف بسحـرة الظـلام كجزء لا يتجزأ من عائلة حـراس التـوازن، لكن هذا وحده لم يج... More

-1- ذكرى II
-2- موسم الهندباء
-3- نورا
-4- الأيّم الشقراء
-5- لأجل أحدهم
-6- أدنى الهرم
-7- إرادة
-8- ضياء نجم مسائي
-9- جرع زائدة من السكر
-10- الـ منطقة
-11- السُخام الأسود
-12- لا تثق بالفراشات
-13- فنون الدم
-15- أجنحة وريش
-16- أوتار الشفق
-17- إنذار من الأومورا
-18- في مكعب جليدي
-19- ندوبه الغير مرئية
-20- غريق
-21- أرشيف الذكريات
-22- لعنات عابث
-23- أطياف
-24- ظلال البرق الأرجواني
-25- البحث عن الحكمة
-26- تلك الساحرة
-27- رافيتوس ليلوي
-28- محاكمة
-29- الدم بالدم
-30- عهود غير منسية
-31- أبدي
-32- بومة مينرڤا
الكتاب الثالث

-14- نوكتوا

448 66 231
By Die-Nacht

شعرت بالحر والظمأ الشديدين فتململت في مكاني عل الشعور يختفي لكنه لم يتلاشى، بل واستفحل، كنت أغرق في عرق ملابسي الساخن وأرى بعض الهلوسات الغير مفهومة تتراقص بظلال هائلة من خلف جفني المغلقان، ورغم إدراكي أن هذا يحدث فقط لأنهما كذلك لم أستطع أن أفتح عيني.

استعدت شيئاً من وعيي على ما حولي مع إحساسي بجسدي الذي كان صرخ بي بأن أخرج من جحيم ذلك النور الحارق المتموضع أعلى رأسي وكأنه نواة الشمس تلتصق بي لكن مجدداً جسدي لم يأبى الحراك.

"إنها تستيقظ يا جدتي."
سمعت صوتاً أنثوياً مألوفاً بالقرب يتبعه كلام الجدة باتريشا التي حفظت نبرتها المتمهلة المتحشرحة.
"جيد، هذا يعني أنها في طريقها للنهوض قريباً."
أعلنت بهدوء.

"لكن نبضها يتسارع فوق الطبيعي وتتعرق بشدة، قد تصاب بجلطة إن استمرت حالها لبضعة ساعات أخرى على هذا المنوال."
أضافت الشابة لأدرك أخيراً أنها ريالين. الهدوء ساد للحظات وحسب فالجدة جمعت أفكارها سريعاً ووضعتها ببعض الكلمات المبهمة سريعاً.
"لا بأس يا حفيدتي، أبقها دافئة فالمقاومة يجيدها كل كائن حيّ. ما أن تجد نفسها قادرة على الحراك سندرك آنها بتيقن أنها لن تحتاج هذا النور وأن حياتها بمأمن."

"ماذا نفعل بشأن... الريش؟"
ريالين سألت أما أنا فشعرت بضربات خفيفة ضد باطن كفي، حيث أصبت بالتحديد إذ استشعرت الألم المألوف يلسع جسدي بأكمله مجدداً وكل ما خرج من فاهي كان صوت أنين خافت.

"لا نستطيع استعمال السحر بتهور لشفائها ويبدو أن هذه الريش الصغيرة تساعد بطريقة ما لذا سندع الأمر لصديقها المجنح."
الجدة باتريشا أجابت أخيراً منهية سيل الأسئلة الجارفة.
"سنتحدث عندما تصحو بشكل صحيح."
استطردت مختتمة.

"ماذا عن نورمانوس؟"
سألت ريالين بصوتها القريب بقلق لم أستشفه يوماً في صوتها لأسمع تنهيد من الجدة يتلوها اللاشيء.
"هو لا يعلم عنها."
نوهت الشابة بشيء من التحذير.

"هو ليس بحال تسمح له بأن يكترث الآن."
صوت رجولي صدح في الخلفية مع قرقعه الباب لأستشف على الفور بأنه الطبيب يوناس، حين غطّا ظله شيئاً من النور ما أن اقترب حتى شعرت بالراحة للبرودة التي وصلت أحاسيسي.
"وجهها استعاد لونه على ما يبدو أخيراً، كادت أن تتجمد حتى الموت."
تكلم من بقعته أعلى رأسي وصوته لقربي تردد صداه في أذني أما أنا فرغم كل إنزعاجي رحت أفقد ما استعدته من وعيي مجدداً واستسلم لغفوة جديدة لم أعلم كم طالت إذ أخذ عقلي يريني صوراً مما حصل مراراً وتكراراً حتى فقدت العد.

سمعت صوت ضبح غلاكوس فشهقت وأهدابي تباعدت أخبراً ليقابل بصري سقف غرفة مألوفة، استفقت وكأنه تم صعقي بالكهرباء إذ أن أطرافي كانت ترتعش من حولي بطريقة مؤلمة.

استقمت على مهل فوجدت طائر البوم يقف لعامود مصباح الإنارة الغريب الذي تمثل بكرة مشعة طوافة، ظله لفعلته ينتشر على الجدار فيبدو مخيفاً.

دفعت الغطاء الثقيل من على جسدي وحدقت بأصابع يدي المحمرة الخدرة. كان يتم طهوي أسفل هذه الأداة السحرية لفترة طويلة.

نهضت على ساقي لأقف فأتمايل للصداع المزعج الذي ركل رأسي، حاولت تجاهلته واقترب باشتياق غريب لم أشعر به قبلاً من موقع غلاكوس.
حدق الأخير بي بعيونه الصفراء المشعة بتركيز صامت.

"ما أنت؟"
سألت والطائر مال برأسه ليلمس وجهي فتنهدت بارتياح وأخذت أمسد على ريشه بامتنان وحب. غلاكوس فجأة بدا أغلى كائن على وجه الأرض لعيني.

"أياً كنت يا غلاكوس، أنت أنقذت حياتي."
شردت بتفكيري وأنا أمسح ريشه بكلتا يدي عندما تذكرت ما عايشته قبل أن أفقد الوعي مرة جديدة.
"لم يكن كل ذلك بحلم، صحيح؟"
أضفت ناظرة لعينيه وكأنني أسأله.

الكرة الكهرومغناطيسية السحرية بقربي خفت ضوءها وبهت حين حططت بيدي عليها. كانت دافئة جداً، قادرة على حرق الجلد. يوناس قال سابقاً شيئاً عن التجمد حتى الموت ويبدو أن هذه ما حال بيني وبينه.

"نورمانوس!"
همست باسم شريكي، صحوتي تصبح أكثر صفوة.
لقد كان متأذياً بشدة بوضوح! أين هو الآن وكيف حاله؟!
اتجهت بخطواتي البطيئة المتعثرة اتجاه الباب. كنت حافية وأرتدي منامة بسيطة لكن هذا ليس بالوقت بالمثالي لأهتم لمظهري الآن بالذات.

وطأت الممر وما أن فعلت حتى ألفت آيجل يقف بجذعه فارع الطول في وجهي.
"عودي لغرفتكِ مينا."
حدثني بنبرة خافتة وكأنه لا يود نطق تلك الكلمات الجلفاء من الأصل.

تجاهلت حروفه وأمسكت بساعده لأستند له وفي الآن ذاته أحدثه بوضوح.
"لا أستطيع..."

"لستِ بخير بما يكفي للسير حتى مينرڤا."
حدثني آيجل من فوق رأسي بقلق، انحنى بجذعه قليلاً وأحاطني بذراعه الحر مستعداً لإلتقاطي حين ضغطت كفي ضد صدري وأخذت أشهق وأزفر بتعب. جسدي يعاني من جهد بدني بسيط، هذا لا يمكن أن يعني سوى أنني كنت طريحة الفراش لأيام.

نظرت للريش الأبيض الذي سكن باطن كفي، كان يتساقط ببطء، ما أسفله من جلد غدا سليماً بشكل كامل. أياً كانت هذه الطريقة في التعافي فإني أشعر بأنها تستهلكني.

"مينا..."
ضغط آيجل بلطف على كتفي الأيمن فتأوهت لفعلته فرغم كون لمسته رقيقة إلا أنها حطت على جرح لم يتعافى بعد.

تراجع الشاب بحركة سريعة عني متجنباً هجوم غلاكوس الذي زعق في وجهه وضرب بأجنحته بقربي وكأنه يطالبه بعدم إيذائي أكثر.

"لابأس عليك يا غلاكوس."
جمعت شتات نفسي واستقمت على مهل محدثة الطائر الذي لم يحاول الوقوف على كتفي كما اعتاد.

"عودي للراحة أرجوك."
طلب آيجل من بقعته البعيدة أما أنا فوجهت ناظري نحوه لأسال بتعب:
"أين هو نورا؟"
أصوات محادثة الجميع عادت للصدوح في رأسي لأشعر بقلق أعظم يعتريني.
"يجب أن أراه."

آيجل ضغط أسنانه، استطعت سماع اصطكاكهم في فاهه.
"سأرشدكِ لمكانه، أتستطيعين السير؟"
سأل بنبرة خافتة، لم يبدو مستعداً من الاقتراب من غلاكوس المستاء مجدداً وهذا كان خياراً حكيماً من قبل حارس القصر.

قمت بشد كتفي وأجبت دون تلكؤ:
"أجل."

آيجل دون أي إطالة استدار وبدأ بقيادتي عبر الممرات حتى باب حجرة الطبيب فشعرت بعقدة غير مريحة تتكون في معدتي. أحال نورمانوس سيئة لتلك الدرجة التي تتركه ليمكث في المستوصف؟
"سأنتظركِ هنا."
تحدث آيجل بلطف أما أنا أومأت له برأسي.
"أشكرك."

دفعت الباب وغلاكوس حلق سريعاً نحو الستائر المفتوحة حول السرير الذي رقد نورمانوس وحده أعلاه فوقف لتاجه وبدأ يهدل بخفوت في مناجاة حزينة.

اقتربت من السرير فرأيت الشاب يشهق ويزفر من أسفل قناع الأوكسجين وكأنه يركض مارثوناً. يصدر أنيناً متألماً كل بضعة لحظات وكأنه يرى كابوساً بشعاً، جسده المتصلب بأكمله موصول لأسلاك تغذية عدة وأسنانه تتصادم في فاهه.

"نورا..."
همست لقبه بألم ورحت على مهل وبأطراف أناملي أتلمس بشرة وجهه المحترقة. درجة حرارته وصلت حد الغليان بالفعل!

وضعت كفي ضد الفراش وأصابعي تجمدت على الفور لبرودته فحلقت بعيني حول السرير لألمح أخيراً ذلك الأنبوب الموصول بالفراش ينتهي بجهاز بث يقوم بإعادة تدوير ما يتبين على أنه نيتروجين سائل.
رغم كل هذا التبريد...جسده مازال يعاني من الحرارة. ما نوع السم الذي أصابه بحق؟!

"ألا يمكننا علاجه؟"
سألت غلاكوس ونظرت في وجهه الأبيض، كان البوم يحدق بي بلا تعابير ولم يظهر أي ردة فعل تذكر. ريشة جديدة وقعت من على جسدي أرضاً فشعرت بالذنب يأكلني.
كان يهمل نفسه لأجلي وأنا الآن أخضع لعلاج لا يبدو وكأنه يستطيع الحصول عليه.

ضربت باطن كفي ضد جبهتي وقضمت شفاهي في محاولة لمنع شهقات متحشرجة من ترك فاهي لكن ما تبقى من رباطة جأش لدي ينهار.

ابتلعت رغبتي بالبكاء عندما أحسست بأنامل حارة تتسلق معصمي الحر وما أن أزحت يدي عن وجهي حتى رأيت عيون نورمانوس تطل من بين أهدابه المتقاربة علي، فتح شفاهه لينطق بأنسام اسمي بابتسامة منهكة قبل أن يرفع سبابته ضد القناع وكأنه يهشهش لي.

دموعي كانت قد إنزلقت بالفعل في هذه اللحظات على وجهي ففركت عيناي. رفعت سبابتي المرتعشة ضد شفاهي بالمثل وأشرت له بأنه يجدر به أن يكون الشخص الذي يتم طمأنته الآن.
عيناه فقدتا النور وجفونه تثاقلت لتنخفض مجدداً عندما عاد للنوم سريعاً.

لا وقت للتحسر الآن، يجب أن نبحث بشأن السم لنجد ترياقاً يستطيع علاجه، حقيقة أن يوناس ليس هنا تعني أنه غالباً في مختبره يعمل على ذلك.

انحنيت بجذعي أعلى وجهه وركزت قناعه على فاهه ثم قبلت جبهته لبضعة لحظات وهمست بأذنه وكأنه يسمعني:
"هذه الساذجة تأسف على كونها فظيعة كشريكة."
مسحت وجنته حتى فكه وأضفت مودعة:
"تعافى بسرعة أيها الغالي."

خرجت من الغرفة بخطوات متمهلة، كنت مازلت أحدد وجهتي القادمة وحسب ومع ذلك الصوت الرفيع الذي أمرني بالتوقف جذب بصري.
"توقفي مكانكِ."
استدرت بكسل نحو ريالين التي كانت تحادث آيجل وتقدمت عنه نحوي، وجهها الذي جزمت بأنه كان متقضباً تغبش على الفور لبصري الفقير. كنت قد اعتدت على رؤية الوجوه والآن مجدداً أدرك أن لا شيء تغير هنا في ريغان.

"مينرڤا."
لمحت الشخص الذي حضر من خلفها ونادى باسمي، كان ينتمي لجدتي باتريشا. حفيدها الذي لم يواجه مشكلة بحملها بين ذراعيه كان حاضراً بالمثل. يبدو أن صحتها تدهورت أكثر من أخر مرة رأيتها فيها فلم تقبل يوماً بمساعدة في الحركة أكثر من مسك اليد.

"أخبرتكِ بأنني سأحضرها لكِ يا جدتي بنفسي ولا داعي للقدوم."
ريالين أمسكت بكفي الجدة باتريشا وحفيدها وضعها أرضاً حين طلبت منه ذلك بخفوت لتقف على ساقيها مستندة لعصاها بشموخ حاولت الحفاظ عليه رغم إرهاقها الواضح.

"كيف لي ألا أحضر بنفسي؟"
قهقهت باتريشا بتعب وأضافت أخيراً مناظرة إياي أنا بلا أي أدنى شك:
"خاصة وأنها لا تبدو مهتمة بالدردشة معنا بحق."
كنت قد قطبت حاجبي بالفعل. اقتربت من موقعهم ببطء فشعرت بتوترهم المفاجئ مني. حتى آيجل اعتذر مني بخفوت وتراجع لصفهم، أحس بشيء مختلف هنا.

غلاكوس هبط على الثريا أعلى رأسي وفتح جناحيه على مصراعيهما ليبدو أكبر وأكثر إخافة وكأنه يؤازرني بوجوده أما ريالين فرفعت كفاً منيراً للأعلى باستعداد.

"نورمانوس أصيب بسم مبهم في ساقه لكننا متأكدون من أنه إما صُنع على يد عابث أو سحرة الظلام لذا اقترح الرجوع لعائلة مودياس سريعاً ومراجعة أطبائهم أو كتبهم التي تم ختمها في الأرشيف."
تحدثت بهدوء. الأمر الأهم واضح لي الآن وأتمنى أنه كذلك لهم الآن فبعد سماعهم لكلمة عابث نور سحر ريالين بهت والجدة أمسكت بمعصم حفيدها لترتكز له.

"ما الذي فعلته به؟"
سألت ريالين فجأة بنفس حاد وآيجل غمغم باسمها بطريقة عتابية بحتة.

"فعلته... به؟"
كررت ما تلفظت ريالين به باستغراب.
أتظن أنني قمت بإيذائه؟! رغم أن ما حدث له هو خطأي البحت إلا أنني لم أظن بأنه سيتم التشكيك بأنني أذيته بعد أن تم فعل العكس سابقاً مع نورمانوس.

شعور ضبابي غريب تربع على قلبي، أهذا ما كان يشعر به الشاب طوال الفترة التي كانت ترتفع فيها أصابع الإتهامات الطويلة نحوه؟

"لقد عاد بكِ بين يديه والريش البيضاء تتأكل جلدك، بسبب السم الذي ينخر في جسده فقد ما جمعه من وعي حتى الآن فلم يستطع فتح عينيه حتى."
شرحت ريالين ما حصل. لقد كان من أعادنا هنا في النهاية بالفعل مع أنه كان يعاني ومازال.
"ما الذي حصل مينرڤا؟"
سألت الشابة بشك.

"بشأن ذلك..."
تمتمت لكنني تذكرت وعدي لنورمانوس. لا أستطيع الجلوس والحديث بشأن كل ما أطلعني عليه برعونة ودون موافقته.
"لا أستطيع إخباركم."
استأنفت كلماتي بنهي أخير.

"ماذا؟!"
لم أحتج لأن أرى وجهها لأدرك أن تعابيرها قد تبدلت كثيراً، نبرتها ليست مصدومة وحسب إنما غاضبة.

"مينرڤا أطلعتنا على ما تستطيع بالفعل..."
الجدة باتريشا أخيراً تحدثت بعد أن طال صمتها فأشارت لحفيدها بكفها أن يذهب مضيفة:
"أطلع يوناس على ما سمعته هنا عله يتقدم ببحثه عن حل لحالة نورمانوس المستعصية."
ما أسمعه ليس مبشراً لأي خير إذ يعني بأننا تأخرنا عن السم، فقدنا الوعي لأيام غالباً.

الحفيد تراجع سريعاً دون جدال وذهب في طريقه أما أنا فاستمررت بالتحديق بالجدة حتى تنهدت الأخيرة مخاطبة إياي بود:
"يبدو أنه مازال هناك بعض الكلام في فاهكِ يا حفيدتي."

"بشأن هذا..."
رطبت شفاهي وهرشت بضعة ريش آخريات تعلقن على مؤخرة رأسي كن قد قمن بإيقاف النزيف القاتل سابقاً.
"لا أظنني حفيدتكِ."
خرجت الكلمات رغم وقعها القاسي بسيطة من فاهي، بطريقة لم أظنني قادرة يوماً على قول مثل هذه الحروف بها.

"أما آن لكِ أن تزيلي تعويذتكِ الصغيرة وتعيدي لي بصري؟"
سألت بابتسامة ودودة رغم أنني أدركت أخيراً ماهية الشعور في صدري، أنا غاضبة، شعور لم أكن قد ألفته، كنت ومازلت حليمة لكن الآن لم أستطع الكتمان وبحت بما توجست عنه منذ زمن بصوت عال.

"تعويذة؟"
غمغمت باتريشا مدعية الجهل لأرفع كفاً أمام وجهي وأقارن هيئة كفي المثالية لعيني بوجوههم الغابرة للحظات تساعدني على إجابة تساؤلها.
"أنا لا أرى الوجوه لسبب وكأنني أنسى المعاني في ذات اللحظة التي انظر فيها لمحدثي فيبدو الأمر طبيعياً لكنني اكتشفت الفرق مع الأيام والسبب لم يكن اضطراباً او مرضاً أعاني منه، هذا أكيد الآن بوضوح فلا داعي للالتفاف والدوران..."
أخفضت يدي.
"أم تخافين أن أتي خلفكِ للإنتقام؟"
سؤالي خرج متمهلاً وخافتاً من بين شفاهي فتم حبسي سريعاً كما توقعت مع غلاكوس بين جدارين من نور وغبار سحري مضيء.

"على الأقل حصلت على جواب صريح من أحدكم."
نظرت نحو ريالين فضغطت أسنانها مستدركة أن استعجالها كان الدليل الأكبر على صحة ظنوني. لا يمتلكون فرصة للنفي أو الإنكار الآن وكم هذا حزين لقلبي.

روحي مستيقظة ووعيي حاضر بنسبة مائة والإعلان عن كل ما دار في خلدي يوماً بدا كفكرة جيدة الآن. فالأرمي تلك الأفكار على البساط، تلك الهواجس التي تجمعت بين لفائف دماغي لتقرر النطق بما أرقني اليوم وكل يوم منذ أن تفتّح وعيي على هذه العائلة.

غلاكوس ضرب بجناحيه الهواء وقام بالنئيم صارخاً بصوت حاد رفيع لم أسمعه قبلاً وكأنه ينذرها من أذيتي لترفع كفها الحر اتجاهه فأهمس له بطلف:
"لا تتعب نفسك وتزجرها، إنها لا تفهم أنك لا تود أذيتهم فحسب."
جمع البوم جناحيه وهدل بخفوت، نظر في عيني فأدركت أنه يفهمني بلاشك. شعرت بالحماسة لقرب غلاكوس والطريقة التي تواصلنا بها لأول مرة.

"أنتِ تهددين."
أعلنت ريالين لأشعر بحدقتي تتوسعان في محاولة التركيز على صورتها وأعلن بدوري:
"أنا كنت أمزح بسؤالي، وقع قافيته أغراني فانسلت الكلمات من على لساني."
تحدثت بابتسامة بسيطة فسمعت أسنان ريالين ترتطم ببعضها البعض في فاهها لفعلتي التي كررتها دون قصد.

وجهت كلامي للجدة التي كانت شبه مختبئة خلف آيجل الذي آثر الصمت.
"إننا ببساطة نشير لظنون مثيرة للشفقة، هل اختطفتم إياي طمعاً بمزيد من الدماء المتميزة أم بالقوة التي ستكتسبونها منها؟"
سرت بضعة خطوات نحو الحاجز الذي فصل بيننا مضيفة بعملية:
"بصراحة كلا الأمرين مغري."

"ما الذي يجعلك تجزمين بأنه تم اختطافك يا ترى؟"
سألت الجدة بهدوء رزين، بدت متحضرة كفاية لتناقشني بكيف وصلت لاستنتاجي العظيم.

"التكتم والحرص الزائد والكثير، لكن التعويذة كانت كالإبرة في الحلق. قمتِ بوضعها علي في حال انقلبت ضدكم واضطررتم لتسريحي بحفظي لذكرياتي كي لا أجرؤ على إيذائكم أو يضيع الأرشيف الاحتياطي."
سردت، ولأول مرة تمنيت أنني لو لم أحب العلم والمعرفة، مهارتي الوحيدة وهوايتي المفضلة وما جعل شخصي يبرز في هذه العائلة كان لي كالسم الحلو الذي أتجرعه بسرور.

"أعلم عنكم لكن لا أدري من أنتم. الأمر كلعب القمار، وأنتم اتخذتم القرار بالخوض في مستنقع إما أن تصيب أو تخيب."
هذا ما أظنه على الأقل، أفضل سبب قد يمكن أن يكون عليه الأمر.
"رأيت وجه كلايمنت لسبب كما خاصة نورمانوس أيضاً للسبب ذاته. أردتم أن أتعلق بشخص واحد فقط، لأجلكم."
أنا تم تضليلي والتلاعب بي، لو كنت أنتمي لهم حقاً لربما كانت طريقة معاملتهم مختلفة، لا، ليست 'ربما' بل 'بكل تأكيد' كانت لتكون مختلفة.

"لم تريدوا أن أتقرّب من أي أحد، خاصة الأطفال، حتى وبصفتي مدرستهم تم استبعادي من إنشاء أبسط علاقة طبيعية بهم."
حركت عيني نحو ريالين وابتسمت نحوها.
"هذا يفسر فزعكِ من ما قلته المرة السابقة، لم تكوني حذرة مني حتى فترة قريبة لذا أجزم أنه تم إطلاعك على سري منذ فترة قريبة وحسب، أولست محقة؟"
عقدت ذراعي أمام صدري وانتظرت ردها لكنها لم تجب، مرة أخرى، نقطة صائبة لي لكن بعد فوات الآوان.

"يا للأسى لم يتم منحي ولا قطرة ثقة رغم أنني فعلت."
هززت برأسي للجانبين، مشاعري تبرد بسرعة فاضطر للإدعاء. لما أشعر وكأنني لا أهتم؟ ألحبي لهم كالعائلة التي نشأت بين أفرادها أم لأجل أفرادها أنفسهم؟ ألم أغض البصر عن هواجسي في المقام الاول لكيلا أرى الحقيقة؟ أولم لم أخبر نورمانوس عن أمر بصري فقط لكي لا يتوجس بدوره مني وأمري؟ لأنني أردت مكاناً لنفسي رغم أنني لا أنتمي؟!

دموعي تعلقت على أطراف أهدابي.
"أنا...وثقت بكم رغم أنكم كنتم قد أخذتم أغلى حواسي وختمتموها، يا للأسف."
أضفت بإحباط مختتمة حديثي، الجدة باتريشا كانت أول من تحرك، أخذت بضعة خطوات للأمام ثم فرقعت فجأة بأصابعها لتتحرك أطراف خصلاتي برياح سحرية خفيفة، ومعها...استطعت رؤية وجوه الجميع لأول مرة بحق.

كانت للجدة ملامح طيبة، بشرة بيضاء مجعدة وعيون بنية لامعة. ريالين تضع تعبير حاد ضيّق عيونها الزرقاء الداكنة أما آيجل فخصلات بنية داكنة أكثر مما تصورت ببعض النمش الذي يزين أسفل عينيه البندقيتين الحزينتين.

"أرجو أنكِ لا تنتظرين شكري، لا أقصد أن أكون وقحة لكن هذا الأمر الوحيد الذي لن اعتذر بشأنه."
تنفست كلماتي بهدوء وريالين اشتد عرق أزرق في جبهتها حين حدجتني بعلو:
"احفظي لسانك فمازلت أمام أعظم حراس التوازن!"

جدرانها تحطمت فشهقت الشابة مدهوشة، لم يبدو بأنها تكسرت بسبب غضبها الخاص بل بسبب ذلك السحر المعاكس الذي انبثق من اللامكان واحتوى خاصتها.

ألقيت بنظرة لما فوق كتفي فوجدت شقيقتي المزعومة مايبل تتخذ جانبي. شعرت بالهم والغم والألم والحزن يجتمعون على مرأى من ظننت أنني تشاركت الدم معها.
"كنتِ تعلمين؟"
رحت أعاتبها ما أن أصبحت بقربي غير مكترثة لأي ألم جسدي، قلبي ما كان ينزف بحق.

"ألم تخبريها كما يجب أيتها الجدة؟"
سألت مايبل برزانة ترفض النظر في وجهي مباشرة. قراطها السحري لمع في أذنها بشدة دليلاً على فيضان سحرها لاهتياج مشاعرها الخاصة والأرض بين الفريقين تحطمت لقطع حين لم تجبها باتريشا سوى بإسدال أهدابها.

"اهدأي مايبل، مثل هذه التصرفات قد تدمر القصر فوق رؤوس قاطنيه."
طلب آيجل وهو يتخذ من نفسه درعاً بيننا وبين ريالين والجدة، لم يبدو مستعداً لأن يتخذ أي طرف لكنه مجبر بوضوح على حماية سيد ريغان.

"يبدو بأن سوء الفهم الذي قد حصل هنا يستفحل يا أطفالي."
نطقت الجدة وهي تجذب كلتا يديها لتستند لعصاها الثقيلة مضيفة:
"تظن مينرڤا أننا اختطفناها من أهلها."

حدقتا مايبل الزرقاوان اتسعتا بذهول وضغط سحرها ضد خاصة ريالين زال فجأة لتجثو الأخيرة أرضاً وتتنفس الصعداء.

لم أفكر كثيراً بما إن كان كل هذا تمثيلاً أم لا فحين أمسكت مايبل بكتفي الاثنين بلطف انحنت أمامي طالبة بترجي:
"لا مينا، أرجوكِ لا تظني السوء بنا."
شعرت بالدوار، ظننت أن ما في صدري غضب وحسب لكنه الآن يشتد وكأنه سكين تغرس في لحمي.

ماذا أريد أن أعرف؟ بل ماذا أعرف بالأصل؟

"استمعي لما لدينا أولاً ثم سيكون لكِ كامل الحق بالحكم."
ضغطت أختي بلطف على كتفي أكثر وتحدثت برجاء تحثني على إبداء أي اهتمام بالقصة التي تود سردها. رأيت الدموع تلتمع في عينيها على صمتي فوجدت نفسي أسأل الواضح وكأنني مازلت أحاول التحرر من صدمة:
"أنا لست أختكِ؟"

دموعها إنزلقت على وجنتيها.
"ليس بالدم، لكن في قلبي... فأقسم أنني لم أراكِ سوى شقيقتي وابنه مثلي لأمي!"
لا أذكر متى بكت شقيقتي القوية أخر مرة بهذه الطريقة المثيرة للشفقة لأنها لم تفعل ذلك قط، ليس أمامي.

"كانت قد وجدت تولين ريغان والدتكِ الحقيقية في غياهب كهف مهجور لغابة كانت تراقبها دورياً تعاني من المخاض."
بدأت فجأة الجدة باتريشا بالسرد فوجهت أبصاري نحو ملامحها التي شردت في حكاية من الماضي. تحركت بعيداً عن آيجل وضغطت كتف ريالين لتفسح لها الشابة المجال بالاقتراب منا.
"كان المستذئبون يلاحقون رائحة دمائها. كانت دخيلة على أراضيهم ورغم ذلك أنقذتها، مع أنها تعلم أن هذا ممنوع والسبب كان بكل صراحة الفضول البحت فلم نرى يوماً كائناً هشاً كالبشر لكن ذو أجنحة كبيرة لا تماثل أكبر الطيور حتى."

"وضعتكِ بصحة كاريثية إذ كانت مصابة بتسمم جرثومي في دمائها أدى لعجز جسدها عن استكمال الحمل حتى الموعد المنشود، وتوفيت بعد إنجابك بأسابيع قصيرة بسبب استفحال حالها، لم تعرّف عن نفسها سوى على أنها رحالة وتدعى باسم آلوي."
استطردت الجدة بهدوء ولم تبدو الدهشة على ملامح أي شخص في الردهة عدا إياي.

"آلوي."
نطقت باسم والدتي الحقيقية لأحفظه، لم تروادني أي مشاعر معينة اتجاه سماع اسمها. لا أستطيع أن أتذوق طعم الاشتاق لشخص لا أعرفه وكم شعرت بالأسف على عليها، ابنتها لا تستطيع أن ترثو على موتتها المأساوية.

تولين ريغان ليست والدتي الحقيقية وبالتالي فإن غوثر ليس والدي بالمثل. عائلتي أياً كانت رحلت منذ زمن.

"هكذا انضممت لعائلتنا مينا. ليس كينونتك ما أهمت بل حقيقة أن والدتكِ البيولوجية كانت أقرب شخص لوالدتي حين إئتمنتها عليكِ. جعلتكِ ابنتها وشقيقتي."
مايبل تحدثت أعلى رأسي وكأنها تطلب أبصاري التي انخفضت تحدق بالأرض بشرود.

"وددت لو تسمعي أكثر من فاه تولين لكن مع الآسف... المنية وافتها قبل أن تكتشفي نفسكِ التي ظهرت على حقيقتها منذ أيام وحسب. نحن لم نعلم ما كانت والدتكِ آلوي لأنها رفضت إخبارنا أما أنت فلم تظهري لسنوات طويلة أي غرابة قد تشير لماهيتكِ فحفظناكِ بيننا كواحدة منا."
هزت الجدة باتريشا برأسها، رأيت القليل من ملامح الحزن في تقاسيم وجهها.

"فقط؟"
همست بلسان مرتعش. أحسست وكأنني بلا قيمة ككائن ذو شعور.
"آثرتم الاحتفاظ بي وخلط دمائي بخاصتكم دون أدنى محاولة ليس فقط لمعرفة أين أقربائي أو ما أنا بحق بل وأخفيتم الأمر عني حتى؟!"
حين بدأ جسدي بالارتعاش قبضت أناملي بشدة. شعرت ببرودة صاقعة تكتسح مفاصلي وعروقي، تصل قلبي لتتباطأ نبضاته في صدري.

"هذا كان سيؤرقكِ وينغص من راحتكِ بالعيش معنا فحسب."
مايبل بررت تصرفهم لكنني دفعت بنفسي بعيداً عنها بتلقائية وغلاكوس حط على كتفي يمنعهم من الاقتراب دون قتال.
"شكي بذاتي على الدوام على أني كائن أدنى كان الثمن، عن أي راحة تتحدثين؟"
عاتبتها.

"ما أنا؟"
سألت حين لم يجب أي شخص سؤالي الأول. أقدامي غدت واهنة ورأسي راح يلف ويدور بوعيي بعنف. مواجهة الأمر أقسى مما ظننت.

"ألا يعرف أحد؟"
أريد أن أخرج من هنا لأن هذه الجدران غدت ثخينة فجأة ولا أستطيع التنفس بعد الآن.

الأضواء أعلى رؤوسنا رمشت عندما هب نسيم قوي في الردهة وعصف كيان ذو ظل مهيب بجناحان ضخمان خلال النافذة فحطم زجاجها لقطع بلورية صغيرة.

"دخيل!"
أعلن آيجل متخذاً خطوة للأمام بهدف حماية باتريشا لكنني لمحت الجدة ترفع عصاها بمعنى أنه لا ضرورة للهلع.
"بل يبدو لي أنه ضيف طال انتظاره وحسب."
نطقت بهدوء وابتسامة شبحية على محياها.

صوت كلماتها تزامن مع هبوط الهيئة البشرية المجنحة أمامي. كان شاباً طويلاً ذو منكبين عريضين وملامح وجه مرسومة بفرشاة رفيعة كادت تكون شبحية لبشرته البيضاء الناصعة. عيناه الزرقاوان بدتا وكأنهما قد تشكلتا من صفوة الجليد حين نظر في خاصتي دون أن يرمش من بين أهدابه الرمادية الفاتحة.

أجنحته البيضاء تخللها ريش رمادي بخط أفقي منتظم كما خصلات رأسه التي حملت لون شبورة الصباح. بدا شفافاً وغير حقيقي وكأنه إنعكاس أنوار يوم مثلج على مرآة مسطحة.

"من أنت وكيف وصلت هنا؟"
مايبل سحبتني من كفي وخبأتني خلفها وهي تطرح أسئلتها بجفاء. ذراعها راحت تنير بسحر حياتها أما الشاب الدخيل فأسدل أهدابه وكأنه لا يعبأ بتهديدها ليتحدث أخيراً بصوت رزين إنسيابي:
"لا داعي لكل هذا الهلع يا حراس التوازن، النوكتوا يعلمون عنكم منذ دهور نهايات الحرب الكبرى."
أغلق أجنحته وكأنه يعلن أنه لا ينوي الأذى ثم رفع كفه أمام صدره مستطرداً:
"قوانينكم وطريقة تسييركم للأمور رغم افتقاركم للمعرفة الكاملة والحكمة اللازمة تُحترم لكن عندما يتعلق الأمر بأحد أفرادنا أخشى أننا لا نتناغم على ذات الموجة."
أخفض بصره لينظر في وجه أختي ما أن نطق بعبارته الأخيرة ثم لي أنا التي لم تستطع إبعاد بصرها عنه.

غلاكوس دندن بأنغام شجية على كتفي ثم رفع جناحيه وأطرق برأسه وكأنه يقوم بتحية الضيف الذي أسدل أهدابه لهنيهات جديدة وكأنه يبادله التحية.

"من تكون؟"
سألت وأنا أخرج من خلف أختي التي حاولت إمساكي مجدداً لكن وحين صفع الغريب الهواء بجناحيه مايبل إنزلقت على الأرض لشدة الموجة التي خلفها باتجاهها وحاولت مقاومتها بوضع ذراعيها أمامها ليبعدها عني وكأنه ينفض الغبار عن آثر هش قد يتحطم بسهولة إذ لم أشعر بنفسي سوى بنسيم خفيف.

تقدم نحوي بطوله الفارع لأتراجع خطوة خائفة وحين جثى على ركبة واحدة توقفت مشدوهة.

"أيتها الروح الشابة..."
حدثني مباشرة فبصره لم يتحرك عني.
"كنت تناشدين العون وبوضوح وصلني طلب استغاثتك لأننا ننحدر من ذات السلالة."
خاطبني بنبرة مختلفة، بدا وكأنه متعاطف معي. رغم أن صوته بارد إلا أنني شعرت بالدفء الغريب يطبطب على صقيع روحي.

عرض كفه علي.
"أترغبين بالعودة لقومكِ؟"
سأل وقلبي ارتعش بين أضلعي.

"ألست هنا لتأخذها غصباً؟"
التفتت برأسي نحو مايبل التي بدت مدهوشة بدورها من خلفي لكن مرتاحة بطريقة تركت سحرها ليندثر.
"النوكتوا لا يصنعون قوانين خاصة، نحن أرواح حرة لا تفرض رغباتها الأنانية على الآخرين."
الشاب أمامي أعاد انتباهي به عندما أجاب.

"من دون قوانين ستعم الفوضى."
تحدث ريالين ليثني عنقه نحوها ويعلق ببرود:
"ليس في أرض شعوب الحكمة."

أمسكت بيده التي امتدت أمامي دون أي تفكير وكأن غرائز عدة تقودني لكن حين تعلقت مايبل بذراعي الحرة وجدت نفسي ألتف بجذعي لأنظر لها.
"مينا؟"
دموعها كوت وجنتيها. مظهرها أحزنني. لقد اعتنت بي كأخت حقيقية وفي نظرها أنا أتعرض للإختطاف من حضنها الآن لكن إن كان قد تبقى لي أي أنانية وبعض التفكير بالذات في حياتي فسيتوجب بي استعمالهم الآن فهذا الشاب وبوضوح يشبهني، يعرض علي بلطف أن يأخذني لأهلي. والدتي توفيت لكن ماذا عن والدي؟ أشقاء حقيقيون ربما؟ ناس يماثلونني؟

"لا أستطيع كبح رغبتي..."
تحدثت بنبرة متماسكة بصعوبة ودون أن أحيد عن بصرها الذهبي أردفت بابتسامة طفيفة:
"ممتنة لعنايتك بي لكنني لن أتخطى كتمانكم ومحاولتكم صهري في ريغان بتلك الطريقة الملتوية."

"أنا سأذهب معك."
نظرت نحو الشاب الذي قبض على أناملي بلطف ثم أومأ برأسه ما أن أضفت:
"أريد أن أرى ملامحي التي طمست في الجهل."

"ماذا عن..."
ريالين نطقت حين انتشلني الشاب بلطف من على الأرض ورفعني بين ذراعيه. قمت بعقد ذراعي حول عنقه أبتلع مفاجأتي أما هو فاستدار نحو محدثته.
"معرفتها؟"
أكمل سؤالها وكأنه يقرأ ما في رأسها.

ريالين عقدت حاجبيها وكورت كفيها أما الجدة باتريشا فضحكت وأعلنت ساخرة على مهل:
"هؤلاء القوم يعرفون عنا بالفعل ويتجاهلوننا وكأننا ذباب في الهواء."

"إنه الوداع إذاً."
نطق الشاب وفي رمشة عين كنا نطفو في الهواء.

"مهلاً، أنت لم تعرف بنفسك أو تخبرنا أي شيء عن قومك!"
مايبل رفعت كفها في الهواء. عيناها سارتا بين وجه الشاب ووجهي بأمل.

"نوكتوا."
نفض أجنحته بنسمة جديدة عاتية.
"لم نتسبب بأي مشاكل لهذه الأرض يوماً بل نحن نخدمها كما تفعلون لذا فالنبقي الأمور على ما عليها. لا تبحثوا عنا، لا نحب الغرباء."
دفع بنفسه من النافذة التي استعملها مسبقاً للدخول ونحو الأعلى حلق باتجاه القبة البلورية السحرية التي كانت تحمي القصر وقبل أن أتساءل كيف عبر في المقام الأول كان قد أحاط جسدينا بجناحيه ثم نفضهما بريش ناصعة تسببت بتذبذب سحر النور وتلاشيه لبضعة لحظات كانت كافية لنا بالعبور.

الريش الرمادية الداكنة عادت لتتصل بأجنحته الكبيرة سريعاً والبيضاء تساقطت من حولنا لتتلاشى مع الرياح أما أنا عندما وجدت جوابي أخذت أحدق بما حولي مبهورة بشدة فعالياً في السماء التي أشار لها كلايمنت تواجد شيء داعب أحاسيسي بشعور مختلف.

**********


كل عام وأنتم بخير❤️✨
متأخر أعلم لكن مشاغل الحياة تهرسنا كالعادة

مبدأياً اسمحوا لي بالقول وبكل تواضع أن النوكتوا كائنات من اختراعي. ذكر في المثيلوجيا عن أنصاف الطيور، كإنسان برأس صقر أو مخالب عصفور او .... لكن لا وجود لأنصاف البوم 'تقريباً' -النوكتوا ليسوا حقاً بأنصاف بوم أيضاً-
أياً كان
إن وجدتم أخبروني.

كيف وصلت للفكرة؟

قرأت في مقالة منذ وقت قريب عن رجل عجوز يعيش في مزرعة ويدعي أنه رأى إنساناً بأجنحة وعيون كالبوم، طبعاً كان مقال ساخر أما أنا ففكرت، تباً سأجعل هذا العجوز سعيداً.

لما البوم وليس الصقور أو النسور؟
لأنني أحب البوم كطائر يرمز للحكمة

الاسم نوكتوا noctua ببساطة يعني بومة وهم نوع من أنواع الكائنات التي تعيش في هذا العالم الخيالي المتواضع بالمثل
المزيد سنعرفه في الفصول القادمة
أراكم على خير

ناخت❤️

Continue Reading

You'll Also Like

10.7K 926 19
"لكلاً منا جانبه المظلم أما هي فلا تمتلك غيره" **** الفكرة اصلية تماماً اي تشابه بينها و بين اي قصة أخري فهذا محض صدفة ، جميع الحقوق محفوظه لي انا ال...
61 2 1
في عالم تجتمع فيه الأساطير مع البشر حيث البقاء للأقوى والحرب للأذكى وفي وسط كل تلك المعمعة تنشأ قصة حب محرمة لا ليست كأي قصة مبتذلة، بين مستذئبة هجين...
145 56 7
زَهرَةُ عَبَادِ الشَمسِ ، لقد كانت سبب لقائنا و وقوعنا في الحب كما انها الشئ الوحيد الذي يذكرني بكَ أفتقدكَ هارولد * * * * * اذا وُج...
1.2K 66 7
كان صباحاً جديداً يتمنى فيه كالعادة أن يرى ما حوله كما يراه الآخرون. و لكنه كان بداية جديدة لحياته إنه كفيف يرى بقلبهً