بـومـة مينـرڤا

By Die-Nacht

13.9K 1.5K 8.6K

حقـبة جديـدة بدأت ما أن تم الاعتـراف بسحـرة الظـلام كجزء لا يتجزأ من عائلة حـراس التـوازن، لكن هذا وحده لم يج... More

-1- ذكرى (II)
-2- موسم الهندباء
-3- نورا
-4- الأيّم الشقراء
-5- لأجل أحدهم
-6- أدنى الهرم
-7- إرادة
-8- ضياء نجم مسائي
-9- جرع زائدة من السكر
-10- الـ منطقة
-11- السُخام الأسود
-12- لا تثق بالفراشات
-14- نوكتوا
-15- أجنحة وريش
-16- أوتار الشفق
-17- إنذار من الأومورا
-18- في مكعب جليدي
-19- ندوبه الغير مرئية
-20- غريق
-21- أرشيف الذكريات
-22- لعنات عابث
-23- أطياف
-24- ظلال البرق الأرجواني
-25- البحث عن الحكمة
-26- تلك الساحرة
-27- رافيتوس ليلوي
-28- محاكمة
-29- الدم بالدم
-30- عهود غير منسية
-31- أبدي
-32- بومة مينرڤا

-13- فنون الدم

321 51 298
By Die-Nacht

رحت أتلمس الجدران بأطراف أصابعي وأنا أسير على مهل خلف ظل نورمانوس الطويل، جسدي موجود لكن عقلي تائه بسبب ما حصل سابقاً. لم ينبس ببنت شفة منذ أن وبخني وأنا لم أستطع فعل سوى المثل. كل المفردات التي تعلمتها في حياتي حلّقت من رأسي فغدا كبالون هواء فارغ.
اعتذار أم عتاب؟ ما الذي يجدر بي قوله؟

المكان كان هادئاً مثلنا طوال فترة تجولنا والغرف الواسعة التي احتوت بيوتاً يوماً كانت فارغة بطريقة مريبة جعلتني أتمنى بحق ألا نواجه فخاخاً أخرى.

"ابقي بقربي."
تحدث نورمانوس فجأة لأنتفض في مكاني، صوته ارتد في الممر الذي أظلم لغروب الشمس فلم يبقى من أثارها سوى ضوء شمعة أحمر شحيح يصلنا من نهاية النفق.

رطبت شفاهي وتعجلت بخطواتي المتكاسلة لألحق به ما أن لاحظت أنني كنت قد تخلفت عنه بالفعل.
"وتوقفي عن السرحان."
نظر نحوي بطرف عينه التي استعادت لون العقيق الداكن من فوق كتفه ثم أشاح.
"ما فعلته سابقاً لم يكن بقصد تقبيلك، لا داعي لصنع مثل هذا الوجه الكئيب."
توقفت مكاني... بل تعثرت. أنا أعلم ذلك بالفعل لكن ما الذي يعنيه بحروفه هذه الآن؟ هذا لا يعني بأنه يشعر بالقرف من فكرة تقبيل شفاهي صحيح؟! أم يفعل؟ أفعل؟

استجمعت شتات نفسي ولحقت به حين رأيته يستمر بالسير دون أن يتوقف.
"مهلاً..."
التففت حوله وجعلته يتوقف.
"أتشعر بالقرف مني؟"
سألت بشيء من العتاب فبدا مصدوماً عندما نظر نحوي أخيراً.
"ماذا؟! لا!"
أجاب بسرعة، كدت أن استفسر أكثر لكنني أغلقت فاهي ما أن أمسك بكتفي بقوة ولاحظته يصب كل تركيزه على القاعة التي وقفنا أمام بوابتها المقوسة.
"اشتم رائحة كريهة."
نبس وهو يكرمش ملامح وجهه بإنزعاج، عيونه تسير بنظرات احتدت بشدة حولنا.

ضغطت أناملي بجانبي بقوة عندما نظرت حولي بتكعن أخيراً لأرى أن الممر كان قد انتهى لحجرة واحدة مهولة. شابهت كل حجرة مررنا خلالها لكن هذه كانت ذات سقف عال ومنيرة بطريقة باهرة لبركة المياه العذبة التي إمتلأت بالطحالب المشعة باللونين الأزرق والأخضر.

نورمانوس تركني بلطف وتقدم للداخل بخطوات صامتة اتبعتها بدوري بهدوء شديد لأدرك سبب تبدل ملامحه أخيراً فترتعش أطراف أناملي بقربي. كان منظر القاعدة ليكون رائعاً لولا تلك الدماء الداكنة الجافة التي لوثت الجدران.

حاولت تجاهل المادة وركزت على المحتوى إذ لم تبدو مجرد لطخات.
"إنها حروف الرون القديمة..."
نبست بذهول عندما ألفت أن تلك الرسوم الدموية ليست عشوائية.
"ربما هذا ما يسعى خلفه العابثون!"
بحماس أضفت مقتربة. لا يمكننا تجاهل الغرفة المريبة خاصة بعد أن وصلنا هذا الحد.
"قد تكون طلاسم مشفرة لشيء مهم أو جزء من تعويذة مندثرة أو ..."
سلسلة أفكاري إنقطعت على صوت نورمانوس يلهث باسمي فجأة بخفوت.

"تراجعي!"
هتف ودماؤه الداكنة التفت حولي لتبعدني نحو نهاية الحجرة أما كل ما رأيته أنا فتمثل بشريكي يتم سحب جسده من قبل ظل أسود مهول كان قد خرج من ظلمات الممر الذي أتينا منه. قيّد نورمانوس بمجسات هلامية ثخينة بقوة حين وجد مقاومة عنيدة منه وكأنه يحاول أن يبتلعه في ظلاله على مهل.

سقطت على ركبتي أرضاً عندما تركتني دماؤه أخيراً ورحت أحدق بعيون زائغة بالشاب يعافر في محاولة للفرار من ما يقيده أياً كان.

"فالتعودي مينرڤا!"
هتف نورمانوس وهو يرمي قطعته الأثرية التي كان يستعملها للتنقل نحوي أرضاً ليصدر معدنها قرقعة لم تدم طويلاً قبل أن تسكن.
لحظة!
أيريدني أن أتخلى عنه؟!

الأطراف الهائلة سحبته بعيداً نحو الظلام وعندما هممت لألتقط الأداة كرد فعل لا إرادي من الخوف شعرت بشيء يلتف حول قدمي.
صرخت مفاجأتي عندما رحت أُجر على الأرض، لكن ما أن تم سحبي في الهواء انتهت اللحظة بجذعي يتم ضربه ضد أقرب جدار.

الألم لإكتساح الصخور عظامي كان لا يطاق فإنبثقت الدموع من عيني وشهقت وجعاً لم أختبره يوماً كأنني أحتضر.

الجسد الأسود الهائل علقني في الهواء رأساً على عقب بعد أن زمجر في وجهي من رأسه الضبابي، لم يمتلك فاهاً أو عيوناً، بدا ككتلة لحم محترقة ضخمة لكنني علمت أن يزجرني وكأنني أدوس منطقته المحرمة.

أحسست بحرارة غريبة تسري على عنقي فاستنتجت سريعاً أن دمائي كانت تقطر من مؤخرة رأسي فكل هذا ترافق بصداع وخمول في أطرافي.

جسده فجأة تمايل فاقداً توازنه ليلوح بي مرة جديدة لم تساعد سوى على جعل وعيي ينزلق لثوان. الكائن بدا وكأنه يذوب والسبب لم يكن سوى خيوط دماء نورمانوس الرفيعة التي كانت تحاول حمايتي بقص أطرافه التي تمسك بي بلافائدة إذ أنه يعيد وصلها بجسده مجدداً بسهولة.

عضلات جسدي ارتخت بلا حول أو قوة، أنا عبء حقيقي على شريكي بحق.

أمسكت رأسي بعد لحظات من الراحة ثم فتحت عيني رغماً عني مجدداً وهمست لنفسي:
"فكري، فكري..."
لا أملك من القوة شيئاً لكن لدي دماغي ومعرفتي. إن فقدت الوعي فسأصبح عالة بشكل كامل وقد لا أتسبب سوى بمقتلي الآن وحدي بل ما هو أسوأ، أيضاً يجب ألا أضيع الجهد الذي يضعه نورمانوس بإبقاء هذا الشيء مشغولاً عن تحطيمي، ضربة واحدة أخرى ضد الجدار قد تفتح جمجمتي وتنهي أمري.

قرأت عن أن العابثين يستدعون وحوشاً من بقايا الأموات باستعمال فنون الدم المحرمة وهذه تتم عبر رسم طلاسم الرون على بقعة معينة لا يسمح للوحش مغادرتها. إن كان هذا الكائن شيء كهذا فلابد أن تكون الحلقة السحرية في مكان قريب أسفل رأسي.

ثنيت عنقي للخلف ووجهي أصبح موازياً للأرض التي ما أن تحرك الجسد الأسود بتمايل أعلاها مجدداً حتى توضحت حروف الرون الدامية أسفله، كانت تشع كلها بنور واضح، لكن أحدها أخذ يخبو ثم ينير على مهل مجدداً والسبب كان تلك الدماء الجديدة التي انسكبت أعلى الطلاسم فخربتها، دمائي أنا.

رفعت أناملي المتخدرة لأمسك بحجر الزريكون الذي تحول لنصل عريض، جمعت ما تبقى لي من عزم وقمت وبحركة واحدة لا تتلوها ثانية من يدي بقص طرف الكائن الذي علقني في الهواء.

سقطت أرضاً بقوة والوحش زمجر بغضب لكنني لم أضيع وقتي بالهلع أو الاستسلام للألم بل زحفت نحو حروف الرون المشتعلة. بللت كفي بدماء رأسي التي أغرقتني ومسحت الطلاسم التي كانت ساخنة بطريقة حارقة بها لأشعر بجلد باطن يدي يذوب من شدة الحرق.

الدماء اختلطت وحروف الرون خفت نورها أما الوحش فابتلعته الأرض بعد أن كان يتسلقني وعلى وشك إغراقي بجسده ليخنقني. قمت بتخريب الحرف الثالث ثم الرابع والأخير ليختفي ضغط الكائن الميت وصوته نهائياً.

استلقيت على ظهري بتعب محدقة حولي، الخوف من كون وحش ثاني موجود بقربي لم يساعدني على تنظيم أنفاسي ولا الإصابات المؤلمة التي تركتني غير قادرة على الأنين حتى، إن فعلت ستؤلم أكثر، خاصة رأسي.

"سانغويس آرتيوم!"
نطقت لاهثة وأنا ألقي بصري نحو الجدران. هذا اسم الكتاب المشؤوم الذي تحتفظ به عائلة حراس التوازن وتطلعنا على شيء بسيط من عمل العابثين.

"فنون الدم!"
لطالما تساءلت عن كيف يبدو العمل بسحر الدم والآن أدركت لما هو محرم.

استقمت ورحت أحاول الوقوف متجاهلة رعشة جسدي بسبب البرد الكاسح الذي عصف بأطرافي، لابد أنني أفقد دمائي بسرعة، أحتاج لخياطة عاجلة لكن أولاً علي إيجاد نورمانوس ومساعدته، لابد أن حلقة الكائن الآخر في مكان مختلف إذ سحبه نحوه عن طريق مجساته تلك سابقاً. هذه الوحوش لا تموت ولن تتراجع ما لم نخرب الطلاسم التي صنعتها.

تناولت حجر الزريكون خاصتي من على الأرضية وحشرته في جيبي ثم ناظرت أداة نورمانوس التي تمثلت بقطعة نقدية معدنية منحوتة ذات وجوه برسوم نافرة. طلب مني الرحيل بها وربما إحضار المساعدة لكن ما لا يعرفه أنني فاشلة باستعمال الأدوات السحرية وكأنها تسخر من طاقة حياتي الغير كافية. فقط حجر الزيركون الذي صممه كلايمنت لأجلي ما أستطيع استعماله وقدرة التنقل لا تندرج بين قدراته.

حشرت القطعة في جيبي بالمثل ثم وقفت على قدمي أخيراً بطريقة صحيحة بعد عدة محاولات سمعت فيها أصوات عظامي تتداخل ببعضها البعض.
نظرت حولي فلم ألمح خيوط دماء نورمانوس، لابد من أنها عادت عندما تلاشى الخطر.
أتمنى أن يدرك ذلك، لكن لا خيارات أخرى لي الآن، إن أردت أن أعود قبل أن أنزف حتى الموت من أجل العلاج فيجب علي إيجاد نورمانوس.

حسمت أمري وخطوت خطوة أولى مؤلمة وما أن تأهبت لثانية حتى وجدت ظلاً يتقدم لأجلي من الظلام فوقفت باستعداد حتى توضح لعيني الغائمة صاحبه.
"نورا!"
نطقت بدهشة، قلبي نبض بين أضلعي بفرح والألم تلاشى لوهلة.

في لحظات أصبح أمامي على بعد خطوة. نظر في وجهي ونطق بهدوء:
"مصابة، دعيني أخذكِ للأمان."

"أجل، لكن ليس قبل أن نهدم هذا المكان!"
هتفت وحين حاولت إمساك كفه تراجع لأنظر له بغير فهم، لما يفر مني وهو من كان يود إمساك يدي طوال الوقت؟ أمازال مستاءً؟

"لاحقاً، هيا بنا الآن."
أعلن وهو يتحرك نحو البركة المضيئة ويشير بكفه نحوها مضيفاً:
"من هنا."

يوجد شيء ما خاطئ هنا وليس في مكانه الصحيح.

أخرجت أداته السحرية من جيبي وعرضتها عليه بلا أي تعليق فرفع حاجباً متسائلاً نحوي.
ردة فعله هذه تكفي...
قمت بإخراج الزريكون ولوحت بالسيف الذي صنعته بحدة في وجهه الفاتر لأنطق بجسد مرتعش وأنامل متقهقرة:
"من أنت!؟"
هذا ليس نورمانوس بلا شك، أنا أنزف من كل جانب لكنه تجاهل الأمر، رفض لمسي ويدلني لبركة مدعياً أنها الطريق في حين أن أداته للتنقل بحوذتي.

بدا المكان هادئاً سابقاً، مسالماً وعادياً لكن ما الذي يجري الآن بحق؟ ابتلعت لعابي بصعوبة وشعرت بالخوف يخدر أطرافي بغرابة. لم أتعرض لموقف كهذا قط، خطأ واحد وقد أغرق في أفعال السحر المحرم.

جسد من أمامي بدأ بالذوبان بطريقة جعلت كل خلية في جسدي تقشعر. ضغطت أسناني عندما تحول لهلام أسود وما أن إنزلق نحوي سريعاً حتى قمت بلا تفكير بمحاولة طعنه بسيفي ولكنه وعكس الوحش السابق انشطر لقسمين واستطاع ببساطة الإنسلال خلال النصل وتسلقي من الجذع حتى العنق.

جثوت على ركبتي وصوت متألم خرج من جوف حلقي حين أغرقني ومنعني من التنفس، شعرت به يحاول دخول جسدي من بين أسناني وأذني وحتى عيوني. حاولت إنتزاعه بكفاي لكن أصابعي كانت تنغرس في الهلام وتنزلق خلاله وحسب.

"نورا..."
حاولت مناداة شريكي بصوتي الغائر، لم أملك أي خيارات أخرى، لن أستطيع هزيمة هذا بوضوح أياً كان فهو أقوى مني وإنه يقتلني حالياً كما تخنق الأفعى فريستها.

كنت قد شعرت بفخر مؤقت بنفسي واعتداد غريب. كان شعوراً لطيفاً معاكساً للألم والدوار اللذين أشعر بهما الآن بل ربما كان ما حركني في المقام الأول لأهب باحثة عن شريكي.

سقطت أرضاً، ارتداد رأسي ضد الطين والصخور تسبب بفقداني لوعيي جزئياً لكن الراحة لم تدم فما أن ارتاح الضغط عن حلقي حتى شهقت كغريق. لمحت من بين أهدابي أظفاراً حادة تقوم بتمزيق الكائن الهلامي من على جسدي وبتدرج استعدت شيئاً من وعيي الذي قد أخذ بالتلاشي مجدداً. أنا منهكة من كل هذا، أشعر بقلبي سيتوقف قريباً عن النبض.

"لا تغلقي عينيكِ يا مينرڤا!"
هتاف نورمانوس من أعلى رأسي باسمي جعلني انتفض بعيون مفتوحة على مصراعيها لألحظ أن الكائن الهلامي الذي تحول لأشلاء صغيرة كان قد بدأ بالتبخر لرماد.

سحبني نورمانوس لصدره لأشعر بحرارة جسده تعانقني، إنه الحقيقي. قمت بالتمسك بقميصه وتنفست الصعداء في حين راح هو يلف قطعة قماش بيضاء كان قد انتزعها من طرف قميصه حول رأسي معتذراً بطريقة كانت أسنانه تصطك ضد بعضها في فاهه:
"آسف مينا، تبجحت بتهور أنني قادر على حمايتكِ من كل شيء."

رفعت وجهي نحوه لأجد أن حاله مزرية كخاصتي، وجهه غارق في التراب وممتلئ بالعناقيد السوداء. نحن لا نفقه شيئاً عن تلك الكائنات وبالتأكيد لم ننتظر مواجهتها قي هذا المكان المهجور. بالصدفة نجوت ويبدو أن نورمانوس اكتشف نقطة ضعفهم بالمثل بعد عناء إذ كان يتنفس بصعوبة.
"يبدو أنك فقدت بعض دمائك."
خبأت باطن كفي الدامي عنه بضغطي أصابعي في قبضة.

"مقارنة بكِ، لا شيء يذكر."
لهث وهو يعقد الخرقة ضد رأسي بقوة فأكرمش عيني بألم. إنه يكذب لكن...
"سعيدة أنك بخير."
نطقت وأنا أتلمس وجنته بلا تردد. أفكار سوداوية راودتني سابقاً، أن نورمانوس قد تأذى على يد ذلك المسخ الهلامي الذي اتخذ هيأته سابقاً بسبب إنشغاله بحمايتي.

"هذا المكان فاسد حتى النخاع يا نورا، يجب أن يتم ردمه."
بصعوبة لكن على استعجال، يمكننا التفاهم لاحقاً لكنه شتت تركيزي عما حولي عندما راح يمسح على وجنتي، أنامله كانت مزرقة وباردة بغرابة شديدة ضد بشرتي. ناقوس الخطر أخذ يدق في صدري.

"سنتعامل مع المكان لاحقاً أما الآن فدعيني أعيدك لبر الأمان."
نطق بلسان ثقيل فسارعت بجذب أداة التنقل لأسلمه إياها، بدا متعباً بشدة وأنا أصدقه.
"فالنخرج من هنا."
طلبت فأومأ بحركة متثاقلة من رأسه قبل أن ينهض ويخطو للخلف بتمايل تاركاً القطعة لتسقط من بين أنامله.

"نورا؟"
تمتمت بقلق فمرر كفاً على وجهه ورسم ابتسامة ناعسة عندما أجاب على مهل:
"على أتم ما يراــ..."
كلماته انقطعت حين أسدلت ستائر عيناه وفقد الوعي ليقع في تلك البركة خلف قدميه قبل أن أتحرك من مكاني حتى.

"هذه ليست مياه!"
تلعثمت حين لم يتناثر السائل أو أسمع أي صوت طرطشة عندما سقط في الحفرة التي من المفترض أن تكون غارقة بالماء. جسده لم يطف على السطح فوجدت نفسي أجثو أمام البركة وأنظر فيها، لم ألمح جسده والنور الذي صدر منها كان باهراً. مددت ذراعي في قلبها فشعرت بأناملي تلامس فضاءً مختلفاً عن ذلك الذي استشعره هنا بحواسي.

"نورمانوس!"
هتفت بهلع وحين لم أجد أي رد فعل منه شعرت بنفسي على وشك أن أفقد ما تبقى في رأسي من رزانة. الوحش الروني والمسخ المتقمص والآن هذه الحفرة التي تقود للامكان! ما الذي يحصل؟ أهذا ما يواجهه أقراني بين كل فنية وحين؟!

نظرت لكفي الدامية والتي حملت أداته المعدنية فضغطتها بين أناملي وحشرتها في جيبي مجدداً لأقفز بدوري في الحفرة خلفه، من دون نورمانوس لن أعود لأي مكان ليس لأنني لا أستطيع بل لأنني لا أريد ترك شريكي خلفي.

سقطت خلال الفجوة والجاذبية تغيرت على الفور لأشعر بجسدي يطوف في الفضاء. الهواء كان ثقيلاً وكلما هبطت للأسفل ازداد المكان ظلاماً وأكثر خنقة، وكأن الأوكسجين سينقطع إن استمررت بالسقوط وإن فعلت فسأقع للأبد فلم أرى أي قاع للحفرة، أو بداية ونهاية.
الضوء اختفى من عيني وكل ما رأيته كان غبار نجمي أبيض وكأنني أصبحت بعيدة عن الأرض، خارج حدود الزمان والمكان.

رفعت رأسي لألمح أن فوهة تلك الحفرة اختفت عن ناظري فأدرك أنها أياً كانت لم يجدر بها أن تتواجد من الأصل. بدأت أفقد وعيي مجدداً لإنقطاع الهواء وقبل أن استسلم الإرهاق وجدت نورمانوس يغرق بقربي في الظلام الذي أنير بالنجوم اللامعة البعيدة. ضربت ما أستطيع من الفضاء حولي للوصول له.

أمسكت بذراعه فشعرت ببرودة كاسحة من جسده تجعلني أرتعش بالمثل.

"نورا!"
هتفت لكن صوتي كان غائراً وكأنه خرج من حلقي ولم يصل شفاهي.

أحطت رأسه بذراعي حين لم أجد أي رد وسمحت لدموع متأسفة بترك عيني، ما كان علي اقتراح أي من ما فعلناه اليوم. لم يكن علي أن أترك مكاني في القصر، ها أنا ذي أشهد موت شريكي بين يدي...مجدداً.

"آسفة كلايمنت، لست قوية كما كنت تخبرني."
نطقت ومعظم أحرفي كانت مجدداً بلا صوت لانقطاع الهواء. أمنياتي بالموت معه يومها تتجدد اليوم بقرب نورمانوس، لكن الأمنية ستتحول لحقيقة فلا مفر لي اليوم.

"ولك نورمانوس، لم أتسبب لك سوى بالهموم."
أسندت جبهتي لرأسه بعد أن تأملت وجهه للحظات طويلة، لم يبدو وكأنه يعاني من أي ألم يذكر، يا للراحة.

"نورا."
غمغمت متأسفة وأسدلت أهدابي عندما أخذ الضغط يبدأ بطحن رئتي. تألمت بصمت، الأنين والبكاء لا يساعدان سوى بجعل كل هذه الأوجاع لا تطاق الآن، كما أنهما بلا فائدة ففي هذه الحفرة المبهمة لا يمكن للمرء سماع نفسه حتى.

الفكرة المؤسفة جعلت الكثير من الأمور تتبادر لذهني، أصوات لأشخاص كثيرين ومنهم....
"غلاكوس."
اختنقت الأحرف في حلقي.
كنت أرى ظلال جناحيه حول القصر طوال الأيام الماضية، لابد أنه سيهلع لفترة بحثاً عني ثم سيستسلم للحزن وأخيراً سيرحل. تماماً كما تمنيت دوماً له فلا خير يأتي من التسكع حولي أنا، الكائن الضعيف على الدوام. لا أستطيع حماية نفسي أو من أعزهم، أضعف من ولد بين ريغان يوماً.

صوت ضبح مألوف داعب أذني ففتحت عيني لأرى قطرات دموعي تطوف في الفراغ من حولي، خيالات سكرة الموت تتمكن مني على ما يبدو.

تكرر الصوت المكتوم مرة ثانية تتلوها ثالثة أوضح، الأمر جعلني أرفع رأسي للأعلى لألمح من بين أهدابي المبللة أجنحة عريضة ذات لون أبيض ناصع تصفع الفضاء لتشق طريقها عبره.

قام بالصراخ مجدداً وكأنه يناديني لأشهق بلا صوت صدمتي:
"غلاكوس؟!"
عيونه الذهبية كانت تتركز علي، حلق خلال الفضاء الوعر كالسهم وكأنه حر وبلا قيود مفروضة.

رفعت ذراعي مستعدة لإلتقافه لكن ما أن لمس بشرتي حتى انصهر جسده ضدها. ريشه الأبيض الناصع سار على طول ذراعي فشعرت وكأن كل ما يحدث مجرد حلم وكابوس سأستفيق منه قريباً لكن الأمور تصعدت بغرابة حين تغمد جسده أجزاءً من خاصتي.

أحسست بشيء حاد يخترق ظهري فيمزق ملابسي والوعي الغريب الذي حل على روحي قبل بدني توضح أكثر ما أن انبثق جناحان عظيمان من ألواح أكتافي....

"لكن ما هذا؟!"
اختنقت بحروفي حين خرج السؤال من بين شفاهي لا إرادياً.
الجناحان... أمسكت بإحداهما وحاولت نزعه لكنني اكتشفت أنهما حقيقين ولي...؟ متصلان بجسدي، منصهران في لحمي وريشهما يتطاير من حولي.

أشعر وكأن عقلي سينفجر في أي لحظة بسبب كل ما يحدث الآن مرافقاً للآلم.

لهثة غير مصدقة تركت صدري، لابد أنني أهلوس لكنني ما أن سمعت الضبح في رأسي مجدداً حتى تحركت أجنحتي فجأة وضربت الفضاء الفارغ لأتلوى بخوف وأتمسك بجسد نورمانوس بقوة خوفاً من إضاعته.

الضباب انجلى شيئاً فشيء عن بصري والجروح المختلفة في جسدي تجمعت عليها كتل متفرقة من الريش الأبيض وكأن هذه الريش الصغيرة تحاول إيقاف النزيف وإصلاحي.

سمعت صوت نبضات قلبي تدق في أذني ومعها طرقات قلب نورمانوس المتباطئة وأخيراً كيان ثالث قريب وكأنه يشاركني وعيي، كيان أعيه بنفسي.
"غلاكوس."
نبست باسمه.

سحبت نورمانوس بين يدي وعانقته بكلتا ذراعي بقوة لصدري، هذه المرة سأخرجه بحق من هنا. جدفت بقدمي وحاولت تحريك الأجنحة لكنني شعرت أن الإرادة التي امتلكتها عليهما لفترة ضاعت.

"غلاكوس!"
ناديت مجدداً صاحبي الذي إلتحم بجسدي وأهداني أجنحته.
"هلا ساعدتني من فضلك؟ أنت لا تريد أن نفقد نورمانوس كما فقدنا كلايمنت، أتفعل؟"
غلاكوس افتقد كلايمنت إذ كان الطائر الصغير يمضي معه الكثير من الوقت بل كان الشاب يتسلل من حجرته ليقدم الخبز لغلاكوس الذي كان حاضراً ليتناوله منه بسرور. لا أعلم كيف تبعني ووصل هنا بالضبط لكنه لا طالما تمكن من اللحاق بي وكل ما يهم الآن بالذات أنه حضر لإنقاذنا الآن وسيفعل.

جناحاي تحركا أخيراً وبضربة واحدة قاسية كنا قد بدأنا نرتفع باتجاه الفجوة التي التمعت كشهاب ساقط أمام عيناي.

ضربة ثالثة وأخرى رابعة وأخيراً استعدت أنفاسي ما أن ولجنا العالم الحقيقي واختفى الغبار النجمي.

تدحرجت أرضاً مع نورمانوس إذ أن الجاذبية الحقيقية لم تساعدني على حمله فسقطنا كلانا. شعرت بدوار قاسي وأحسست بحرارة تسيل على وجهي لأدرك أنني أصبت بالرعاف على مرآى الدماء تقطر من فكي على الأرض.

هذا ليس مهماً الآن. أخرجت الأداة السحرية وتسلقت هيئة نورمانوس لأضغط وجنتيه بين كفي وأحدثه بما تبقى لي من قوة:
"إن كنت تسمعني نورا فقاتل، استيقظ، أنت الوحيد القادر على إخراجنا من هنا الآن لذا فالتستفق رجاء."

دفنت القطعة المعدنية في باطن كفه وأسندت رأسي لصدره استمع لدقات قلبه الخافتة، الأجنحة التي منحني غلاكوس إياها قامت بتغطية ما تستطيع من أجسادنا وأنا سمحت لنفسي بالغياب عن الوعي أخيراً.

.
.
.

استمتعت بنسيم الربيع يداعب وجهي وتهويدة خافتة من صوت غير مألوف لكن حنون جعلت فكرة النوم لفترة أطول تبدو عظيمة لكن النور الذي دخل في عيني أيقظني أسفل تلة في منتصف مرج أخضر واسع.

الحشائس تمايلت أمام ناظري فبدت كأمواج بحر واسع، بحر لم أره يوماً. شعرت بجسدي خفيفاً فنهضت بسهولة ومع قيامي بالحركة نغم التهويدة تلاشى على صوت ضبح غلاكوس حين هبط من نور شمس التي انتصفت السماء وحط على كتفي.
مسح وجهه ضد خاصتي فقهقهت لدغدغة ريشه الناعمة.
"سنتأخر."
نبست وكأن لساني ليس ملكي، أذكر أنني أحتاج لرؤية أحدهم سريعاً لكنني غفوت رغماً عني.

"مينرڤا!"
استدرت بجذعي كاملاً للخلف حين سمعت صوتاً مألوفاً يناديني فوجدت آخر شخص قد يتجول خارجاً يقف أعلى تلك الهضبة، أسفل الشجرة الخضراء الضخمة العالية.

"دورغيلد؟"
نبست وشيء من الاشتياق تمكن مني على رؤية مدرسي فعدوت نحو العجوز بلهفة، لم أتعب ولم أشعر بأنفاسي تضيق حين تسلقت تلك الهضبة.

"كيف هو حالكِ؟"
سأل بابتسامة تبسط شفاهه. وجهه مشوش لكن لحيته الرمادية وعباءته مع الصوت الرخيم كانوا ذاتهم.

"أفضل برؤيتكِ يا معلمي."
أجبت بسعادة حقيقية فضحك وهو يمد كفه المجعدة نحوي لأضع يدي ضد باطن كفه فيمسح بلطف على بشرتي.

"لقد كبرت بشكل جميل أيتها الفتاة."
نطق الأرشيف السابق والملقب بحافظ الأسرار -دورغيلد ريغان- بابتسامة راضية استشعرت فيها شيئاً مألوفاً من الحنان.
"لم أتغير منذ...وفاتك..."
نطقت بأسى وأنا أشيح عنه بشيء من الأسف. صحيح، دورغيلد توفي منذ زمن.

ضحكت بسخرية أخفي فيها حزني وأضفت:
"وكأن رثائي على فراق الأحبة لم ينتهي وأوقف الزمن بي."

"مينرڤا يا أنيستي العزيزة لا تقولي هذا."
ربت على كفي بين أنامله الخشنة عدة مرات ثم أسدل أهدابه برثاء جعل رأسه ينخفض.
"لا أريدكِ أن تذكري أي غالي فتبكي بل هذا هو العكس تماماً مما قد يوده أي عزيز منكِ."
نطق بتلطف فشهقت أنفاسي المتحشرجة.

"أفتقدك كثيراً."
هتفت وأنا أغطي وجهي بكفي لأبكي كطفلة. اختلط الحزن بالسعادة ومشاعري خرجت على شكل دموع غزيرة من عيني.
"رحلت مبكراً مع والداي ثم كلايمنت والآن...."
عاتبته وضاعت الكلمات من فاهي فهززت رأسي بشدة، ما الذي نسيته؟

قهقه دورغيلد ورفع وجهي بين كفيه لأرى لأول مرة وجهه بوضوح، عيون مشفقة ظهرت من بين تلك التجاعيد الكثيرة على وجهه الحنطي.
"اعتذر منكِ مينرڤا لكن كلنا مقدر لنا أن نعبر الحياة، أعمارنا تتفاوت لكن جميعنا نحصل على النهاية والبداية ذاتهما."
مسح الدموع بإبهاميه وهو يحدثني لكنني فقدت عاندت.
"لا داعي للاعتذار عن أي شيء وقد اجتمعنا مجدداً."
هززت رأسي يمنة ويسرة فارتسمت ملامح الصدمة على ملامح دورغيلد الذي سرعان ما أعاد صنع ابتسامة رقيقة صامتة بعد هنيهات قليلة.

سحب كفيه لنفسه ثم تراجع للخلف، إلتف حول جذع الشجرة وتلاشى كسراب في رمشة من عيني.

"أتفقدين عقلكِ؟"
شهقتُ حين سمعت صوت شاب مألوف فوجدت نفسي أدور حول جذع الشجرة بدوري لأجده يستند بجذعه لعودها المتين. كان يمضغ ساق سنبلة بين أسنانه عندما رفع بصره نحوي وأضاف ساخراً:
"لما تتحدثين مع الموتى؟"

"كلايمنت!"
هتفت بدهشة، نسيم حاد عبر جعلني أكرمش عيني بشدة.

فتحتهما مجدداً على مرآى سنابل الحقل الذهبي تتطاير من حولنا، بدا وكأن فصل الربيع قد تحول صيفاً والحقول افترشت بسنابل القمح. مظهر لم أره يوماً لكنه مألوف.

نظرت نحو كلايمنت بسرعة مجدداً لأتأكد مما أراه، خصلات داكنة معقودة خلف رأسه وعيون عسلية حيوية لم أنساها.
"أنا أراكم وأسمعكم."
اقتربت أكثر وسألت:
"ألا يعني هذا أنني مت بالمثل؟"

"ما أدراني، ربما على شفير الموت غالباً."
أشاح ببصره عني وتذمر، بدا بخير، مختلف بالمظهر عن كلايمنت المريض الهزيل الذي عرفته لكن الطباع الطفولية ذاتها.

"لا تحاول تجاهلي وحدثني."
جلست أمامه، ثوبي الأبيض الذي غطى جسدي يستلقي بحريره حولي والشاب نفث السنبلة جانباً قبل أن ينطق:
"هيا مينرڤا، أنتِ أذكى من ألا تكتشفي ذلك بعد."

أنا أرى أماكن حلمت بزيارتها بعد أن قمت برؤيتها في الصور قبلاً، وحدثت دورغيلد والآن أجالس كلايمنت
"حلم."
نبست فصفق كلايمنت بكفيه على مهل بطريقة ساخرة.
"أحسنتِ."
أفصح.

"حلم إذاً..."
تمتمت فلوح بكفه ليشرح أكثر:
"عقلكِ الفذ ما يحاول إبقائك على قيد الحياة بتذكيرك بمن تحبين..."
قبض أصابعه وعقد حاجبيه.
"أو هكذا تسري الأمور عادة."
أضاف.

"أتظن أنني لا أحبك؟"
حاجبا كلايمنت ارتفعا بنظرة مستهجنة.

"ماذا؟"
صوته غار.

"أمزح!"
حين نطقت أحرفي بابتسامة وضع يده على صدره ناحية قلبه ثم راح يتمتم بطلاسم غير مفهومة الفحوى حتى أضفت مشاكسة:
"لما تشكك بذلك من الأصل أيها السخيف؟"

حدق كلايمنت بالفراغ أمامه بنظرة غدت جادة فجأة ثم تنهد.
"أود لو ندردش لكن هذا ليس بوقت جيد على الأغلب."

استقام من عن جذع الشجرة ونظر لي من بين أهدابه الداكنة بإنزعاج متأمراً:
"فالتستيقظي."

"أنا ميتة، لما قد لا أرى سوى الأموات في حلمي إن كنت حيّة بحق؟"
سألت ليرفع احد حاجبيه وكأن السؤال قد أفحمه وحين ابتسمت بنصر تذمر موبخاً:
"ربما لا تحبين أحداً من الأحياء، أنا ساحر نور ولست عرافاً، توقفي عن فعل هذا."

ضحكت باستمتاع وكلايمنت تنهد بقلة حيلة مجدداً وهو يعقد ذراعيه أمامه.
"لكن إن لم أخبركِ فغالباً لن تحاولي الاستيقاظ."
نطق بهدوء فشعرت به يزيح المزاح جانباً حين استطرد:
"السبب غالباً يعود لحجر الزريكون. كنت قد صنعته بمساعدة من معارف دورغيلد، إنه أداة سحرية قادرة على فعل الكثير من الأمور بهدف العناية بكِ كنشر الحرارة وامتصاصها، أمور لا تقوم على طاقة الحياة كما لدى السحرة وقوة الجسد كما أي فرد من نوع أخر."

"هذا يعني..."
غمغمت في محاولة لاستيعاب الأمور وكلايمنت هب واقفاً على ساقيه ليناظر الأفق ويكلمني:
"ركزي مينرڤا... هذا يعني أن ما ترينه حالياً من صنع الحجر، لستُ حقيقياً ولا دورغيلد، إنه يستعملنا كصانعيه على التواصل معكِ علكِ تدركين الحلم وتستعيدين وعيكِ من الغيبوبة المميتة التي دخلتِ فيها."

حدقت به من نقطتي على الأرض بتفهم، حقيقة أن كلايمنت هذا كان غير طبيعي ودورغيلد قد اختفى كالغبار أكدا على أنهما محض خيالات صنعتها أداة لم تعرف سوى القليل عن صانعيها لأجل تحقيق هدفها ألا وهو حماية حاملها.

"هذا مذهل، أنت مذهل بحق كلايمنت."
ابتسمت في وجهه لينظر لي من الأعلى يستمع لي أضيف بابتسامة ممتنة:
"حتى بعد أن رحلت مازلت تعتني بي رغم أنك رفضت مراراً في البداية."

رياح عاتية هبت فرفعت شعري في الهواء، شعرت ببرودة غريبة ودفء كبير في قلبي.
"لما يا ترى؟"
سألت بأسف.

كلايمنت تحرك بضعة خطوات وجلس القرفصاء أمامي. نظر في عيني بحدقتيه الفاتحتين بلا تعابير معينة ثم تلفظ بضعة كلمات باردة:
"كلايمنت أشفق عليكِ."
هذا قاس لكن...كيف لهذا الخيال أن يعلم أي شيء عن مشاعر كلايمنت؟

فتحت فاهي في محاولة لقول أي شيء لكنه أسند وجنته لكفه وأضاف بابتسامة جانبية:
"جل ما أراده هو حمايتكِ لأنكِ ضعيفة كالحمل في عرين الذئاب، حتى..."
سحبني من على الأرض عنوة لأنهض واقفة، شعرت بالنسيم يحملني بلطف وكلايمنت رفع سبابته عالياً في الهواء وحدق بالأعالي بعيون متسعة نطق هاتفاً:
"حتى تحصلي على أجنحتكِ الخاصة وتحلقي!"
الريش الأبيض تساقط من حولنا كالمطر وكأن غلاكوس الذي كان يقوم بالضبح أعلى رؤوسنا ينشره بنفسه، أما أنا فتذكرت أن ما تفوه به كلايمنت للتو ليس مجرد حلم بل واقع.

*********

من يستطيع تلخيص الفصل؟
استنتاج معنى كل ما حدث أو أي مما حدث؟

الفصل القادم عنوانه
"نوكتوا noctua"
أراكم
ناخت ♥️

Continue Reading

You'll Also Like

87.3K 6.8K 22
" لا بأس بالنسبِة لي ، ربما سيبدو ما أرويِه لكَ مستحيلاً أو ضربًا من الجنون ، أتفهمُ أنكَ بعدَ سماَع هذا سوفَ تحكم عليَ بالمبالغة أو الدرامية ِ المبت...
362K 17.3K 55
"كنتُ في خصُومةٍ مع الحياة حتى رأيتُك؛ فتصالحتُ معها"
5.7M 303K 41
لكل شخص جانب مظلم ،عتمة تغطي جانباً من شخصيته مهما كان نقياً، لكن ماذا لو كان هو الظلام بذاته !! خُلق منه ،ينتمي اليه ،يعيش في داخله ،كُلاهما وجهين ل...
4.7K 731 22
لن أقول شيئ هنا،فلا أريد بعثرة جمال القصة. سيتحتّم عليكم عدم غلق أعينكم حتى تكملونها حتى النهاية. لأنكم ستستمتعون كثيراً.