- يسعدنا أن نقدم لكم المشروب الذي لن تجدوه في أي مقهي آخر، مشروبنا المميز، آمل أن تستمتعوا بإرتشافه.
نطق يوتا الشاب ذو القميص الأبيض والقناع الطبي علي وجهة بصوت هاديء، القناع كان يغطي معظم وجهه، ولكن ذلك المشهد ليس غريبًا علي زبائن المقهي، بسبب إنتشار وباء كوڤيد-19 فالجميع يأخذ إحتياطاته اللازمة، بما في ذلك الشاب الآخر الذي يعمل مع يوتا الذي حالما أنهي كلامه أشار بيده لشوتارو الذي يمسك بعربة الشاي، ليتقدم بها نحو الزبائن، الذين كانو خمس شبان ملئت ضحكاتهم المكان، باشر في وضع أكواب الشاي أمام أصحابها بعناية فائقة، ثم إنسحب بهدوء مع يوتا خلف طاولة صنع المشروبات، وخلسةً كانو يراقبون الزبائن الذين سرعان وما بدأو في إسترجاع ذكرياتهم سويًا مع إبتسامات كبيرة، وهم يرتشفون ذلك المشروب المميز، إنها حفلة لم الشمل لخريجي مدرسة شيزوكو الإعدادية، من النادر إقامة حفلة كتلك للمدرسة الإعدادية ولكن حدث ذلك بالفعل وتم دعوتهم، وقد قبلوا الدعوة بصدر رحب، من لا يرغب بمقابلة أصدقاءه القدامي وتبادل أطراف الحديث معهم؟ وبعيدًا عن اللذين يستمتعون بوقتهم، تبادل يوتا وشوتارو النظرات الهادئة بعد أن إنتهي الشبان من شرب ما في أكوابهم.
- لابد أنكم جميعًا فضوليين بشأن هوية من نظم حفلة لم الشمل هذة، في الواقع نحن من فعلنا، وأنتم رهائننا منذ لحظة دخولكم لهذا المقهي الذي سيشهد علي تنفيذ حكم السماء العادل من خلالنا، مَن قتَل... يُقتَل!
كان صاحب ذلك الصوت هو شوتارو متحدثًا بصوت منخفض، ولكنه كان كفاية ليسمعه جميع من يجلس في هذا المقهي الصغير، ، تبدلت ملامح الخمسة الجالسين علي مقاعدهم، إختفت ضحكاتهم، وتلاشت إبتساماتهم، وحاولوا إستيعاب ما قيل بيأس، أسئلة كثيرة جالت رؤوسهم وهذا ما كان متوقع بكل تأكيد.
- أنا يوتا، ناكوموتو يوتا، وهو أوساكي شوتارو، بينما المفقود اليوم هو ياماتو، لا أظنكم بتلك الوقاحة لتنسوا أسمه، أليس كذلك؟
تحدث الأكبر وهو يقترب من طاولتهم بخطوات محسوبة ودقيقة، بينما شوتارو إكتفي بعقد كلتا يداه إلي صدره مستندًا علي إحدي الطاولات، ساد الصمت لفترة طويلة وتبادل الأصدقاء النظرات بمشاعر مختلطة.
- لقد مرت فترة طويلة.
نطق شوتارو بصوت بارد خالٍ من المشاعر، وهو ينظر في أعينهم، نبرة لم تكن مرعبة بقدر تلك التواصلات البصرية التي كان ينشئها معهم، وأخيرًا قرر شخص ما النهوض عن كرسيه، ولكنه لم يستطع علي أي حال، شعر بجسده يتصلب ولم يقدر علي التحكم به، كل ما كان يستطيع فعله هو فتح فمه والتحدث بكلام غير مرتب بسبب عقله المشوش مما يحدث حوله.
- بدءًا من هذة اللحظة جميعكم تخضعون لما مر به ياماتو في لحظاته الأخيرة، أردنا أن تخوضوا ذات الشعور؛ عله يسامحكم حين تطلبون الصفح منه، وعله يرتاح حين يري حقه يُؤخذ ولو بعد كل تلك السنين، ما تناولوه قبل قليل هو مشروب رائع مستخلص من زهرة الداتورا، التي أنهي بها ياماتو حياته، بـسـبـبـكـم! ذات السم الذي قتله، سيقتل الجانين عليه.
تحدث يوتا بصوت ثابت تخلله بعض الإنفعال المكبوت، والغضب المشتغل الذي حاول إخفاءه،
- لا تخدعوا أنفسكم، الإنتقام للأحياء، الموتي لا يشعرون بالضغينة! أنتم تفعلون ذلك لأنكم تريدون إثبات لأنفسكم أنكم كنتم أصدقاء جيدين لياماتو، ليس لجعله يرتاح كما تدعون، لو كنتم تريدون فعل ذلك، فأين كنتم حين كان يعاني؟
صرخ أحد الرهائن موجهًا نظره نحوهم، شوزو قائد تلك المجموعة في ذلك الوقت، كان ولازال ذلك النوع من البشر، يتلاعب بمشاعر الناس بدون أدني ضمير، ولكن هذة المرة حديثه لم يجدي نفعًا مع يوتا الذي إقترب منه بطريقة أثارت خوف الآخر، لكنه توقف قبل أن يصل إليه وشد علي قبضته بإحكام.
- إليكم آخر كلماته التي لم تسنح لكم الفرصة للإستماع إليها.
قال شوتارو ثم شغّل مقطع صوتي عبر مكبر الصوت الذي صدع صوته في كل شبر من هذا المقهي
- أعرف أن ما سأفعله خاطيء، ولكن ليس بيدي حيلة، أنا أعتذر للغاية لكما، وأعتذر عن كذبي عليكما بإستمرار بأني بخير، في الحقيقة أنا لستُ كذلك، لم أعد أحتمل تلك المضايقات التي تنهال عليّ من كل جانب، لولاكما لكان الوضع أفظع، ولكني قررت أن أتخلي عن حياتي، لا أريد أن أكون عبئًا عليكم أكثر من ذلك، أيضًا لا أريدكم أن تتورطوا في الشجارات بعد اليوم، أنا لم أكن لأمانع أن أُضرب، كما تعلمون لم أعد أشعر بالألم، لكن هناك ألم آخر لا أشعر سوي به، قلبي يعتصر ألمًا، أنا لا أستحق العيش علي أي حال، لماذا يتوجب علي نكرة مثلي الإستيقاظ كل صباح وإستنشاق الهواء الذي لا حقه له به؟ أنا مجرد كتلة عدم، أنا لا شيء، أنا لا أستحق حبكم لي، ولا أستحق العديد من الأشياء، لكنني أستحق أمرًا واحدًا، وهو الموت، هذا هو مصير كل النكرات في هذا العالم، الذين لم يكن يتوجب عليهم أن يولدو منذ البداية، سأستعمل نصيحة المتنمرين المعتادة لي "فقط مت" وسأموت، وليشهد العالم إني أعود لحيث أنتمي، إلي العدم.
كانت تلك أول مرة يفتح فيها ياماتو قلبه لأصدقاءه بكل صدق، ولكنها بكل أسف كانت الأخيرة، كان قد سجل ذلك المقطع ليرسله لهم، ولكنه لم يملك الشجاعة الكافية، ليتم إكتشاف ذلك التسجيل بعد وفاته بفترة طويلة، وهو ما جعل شوتارو ويوتا يقرران الإنتقام من كل شخص شارك في أذيته وتسبب في موته.
- لن تخرجوا من هنا أحياءً أبدًا، وحتي لو حدث وخرجتم فأنتم الفعل قد أستنشقتم عبقها وشربتهم عصارتها، هذا يعني أن نسبة نجاتكم صفر، أتمني لكم دقائق معدودة تعيسة.
كان المتحدث هو يوتا هذة المرة، ولكن علي عكس الهدوء التام الذي كان سائدًا سارعوا جميعًا بالتبرير والنحيب وصنع الضجيج الذي لا فائدة منه، حينها قرر يوتا مغادرتهم والدخول لغرفة تغيير الملابس، ثم لحقه شوتارو بعد أن إنتشل إحدي الأكواب التي تحتوي داخلها مشروب الداتورا ليشربه دون تردد، حين دخل للغرفة وجد يوتا ملقي أرضًا ويجلس غير معتدلا، وجواره كأسًا فارغًا وقناعة الطبي الذي كان مقطوعًا منذ البداية.
- كنت أعرف أنك ستفعل ذلك، هيونغ.
نطق شوتارو وعلت شفتاه أبتسامة ذابلة، رفع يده التي تحمل الكوب ليضعه علي الخزانة، عدا أن رؤيته المشوشة أفقدته القدرة علي تحديد الأماكن ليتلقي الكوب مصيره المحتوم بالسقوط والتحطم إلي أشلاء، كان يتحرك بصعوبة كان منهكًا، وبدا وكأنه يجر أقدامه لا هي التي تحمله، رمي بثقل جسده جوار يوتا أرضًا، وكانت تلك آخر مرة حرك فيها جسده.
- لم نكن علي صواب؛ لكن توجب علينا فعل ذلك.
تحدث يوتا بينما بتنفسه يصبح أبطيء شيئًا فشيئًا، رفع يده ليضع رأس شوتارو علي كتفه، قوته عجزت عن جعله يجلس بإعتدال، لكنها لم تعجز ولا لمرة فيما يخص أصدقاءه، عين شوتارو المفتوحة تناظر الأمام بلا تعبير أسقطت دمعة شقت طريقها ببطيء علي وجنته، ويوتا أسند رأسه علي شعر الأصغر ليطمأنه أنه ليس وحده، عادةً كانت الأحضان هي الوسيلة لتأكيد ذلك، لكن مع أرتخاء أجسادهم لم يكن بوسعه سوي فعل هذا، لطالما كان يوتا قويًا لأجلهم، وشوتارو باكيًا علي حالهم، بينما ياماتو -الذي يراقبهم طيفه في هذة اللحظة- تعلوه ذات التعابير المنهكة، لم يتغير شيء، لم يتغير أي شيء.