|| كالينور هيليوڤان ||

By harlxim

1.6K 131 176

- منتصفَ عامِ ١٨٥٥، إنقلبتْ حياة كالينور هيليوڤان رأساً على عقب مُتسببةً برفعِ الستار أمام حدقتيها والكشف عن... More

[ مُريب ]
[ السِتارُ الأول ]
[ الجَزْع ]
[ ذبلانٌ وإندثار ]
[ وجهيْن ]
[ الأصواتْ ]

[ عدمُ إتزان ]

789 51 121
By harlxim

_________

منتصف عامِ ١٨٥٥.

خطوةٌ تلاها خطوة، مشتْ بوتيرة بطيئة ومُترددة ريثما تَشُدُّ قبضتيها بقوة وتُحاول قمعَ دموعها من الإنهمار قبل تأكدها من ما سيحدُث. كانتْ عالمةً بماهيةِ ما ستراهُ لو أكملتْ مُلاحقة ذلك الباب. مهما كانت عدد المراتِ التي هربت فيها منه....المصيرُ نفسُه.

ورُغم عِلمها لم تتوقف.

لأنهُ سبق وحدث. لأنهُ القدر.

تمكنتْ من الوصول إلى البابِ الخشبي ذو الدفتين فتسللتْ شهقة من صدرها الذي ينبِضُ بسرعة. أرستْ يدها فوق المُقبض ولم تستطع منع بكائها بعد الآن فتركت قطراتها تنسدل فوق وجنتيها بحرية.

فتحتهُ بهدوء ودفعتهُ مُقتحمةً الغرفة الملكية. لم يسرق نظرها الأثاث الذهبي ولا الزخرفات التي مستْ كُل إنشٍ من السقف والحيطان بل ذلك الستار البنفسجي الشفاف الذي كان يتحركُ بخفة جراء الرياح اللطيفة.

إتخذتْ خطواتها نحو الشرفة بينما شهقاتها قد إزدادتْ علواً ونحيباً. وضعت يدها على قلبها كي تواسيهُ على ما سيشهدهُ ثم سحبت الستار جانباً ووجدتُ والدتها هُناك. جالسةً فوق حافة الجدار النصفي الذي من المفترض أن تكونُ ورائهُ لا فوقه.

تقدمتْ صوبها وحاولت إحتضانها لكن ذراعيها مرتْ عبر جسمها مرور الكِرام. أعادتْ الكرة مُجدداً ومُجدداً وكأنها لم تُجرب من قبل وفشل. رغم خيباتها لم تتوقف عن المحاولة لكن هذه المرة لم تقدِر على التمسُكِ بأملٍ زائف.

إنزلق جسدها للأسفل وجثت على ركبيتها باكيةً بصخب كطفلٍ تم ولادته للتو. رفعت خضرواتيها نحو والدتها وصرخت عليها بسخط " ارجوكِ توقفي. إنزلي ماما."

لم تلتفتْ لها ولم تستمع حتى. وكأنها شبح.

سمعتْ صوت مقبض البابِ وهو ينفتح فعضتْ على شفتها السفلية وإستقامت مُتحركةً صوب زواية الشرفة . وقفت هُناك وإنتظرتْ الزمن يُعيد نفسه.

" ماما ! مالذي تفعلينه ؟" رنَّ صوتٌ أنثوي قلق ومستغرب بالأنحاء فإنهارت كالينور مُجدداً تنوح بصمت، مسحتْ وجهها وحدقتْ بوالدتها وهي ترمي بنفسها من على الحافة بعدما إستدارتْ وتفقدتْ وجهَ إبنتها للمرة الأخيرة.

صدحتْ صرخة قوية من داخل الغرفة بعدها بثانية بانتْ تلك الفتاة التي تكلمتْ منذُ قليل. خصلاتٌ فحمية تُنافس إبليس بلونِ قلبه، بشرة شاحبة وحدقتين خضرواتين بهُتتْ من صدمةِ ما رأتهُ.

أحكمتْ الفتاة على الحافة وألقتْ نظرة على جسد والدتها بالاسفل فإتسعتْ مقلتيها وإقشعر شعر بدنها. تراجعتْ بضعة خطواتٍ للوراء وكادتْ أن تسقط بسببِ فستانها المخملي.

أدارتْ الفتاة رأسها لكالينور المُختبئة بالزاوية فخافتْ الثانية. لم يرها أحدٌ من قبل بالأحلام فكيف إستطاعتْ نفسها أن تُلاحظها ؟

إرتعشتْ كالينور ما إن بدأت الأخيرة بالإقتراب منها وخضرواتيها برقتْ من عظمةِ غضبها الذي كان يغلي بصدرها. ما لبثت أن تفتح ثغرها وتقول شيئاً حتى خنقتها نفسها الثانية.

" أنتِ السبب ! لقد قتلتِ والدتنا. "

وبهذه الجملة إهتز جسمها المُتعرق من على السرير، طاح شعرها على كتفيها الهزيلين وهربت تنهيدة ثقيلة من حلقها المجروح. سحبتْ شعيراتها للوراء ثم مسحت وجهها مع يدٍ مُرتجفة.

يبدو أنها نامتْ ريثما تنتظرُ دورها.

تربعتْ فوق سريرها المُهترئ وحاولت تهدئة نفسها ونسيان حلمها الذي لا ينفكُ عقلها عن إعادتهِ ملايين المرات كلما وضعت رأسها على الوسادة وحاولتِ إراحةِ روحها.

دقائق مرتْ تخلتْ فيها عن جلستها وإضطجعتْ على الحافة.

راقبتْ الباب بتوتر وهلع تمكنا من إستعمارِ جسدها والتحكم بتحركاتها مما جعل أرجُلها ترتفعُ وتهبِطُ بسرعة فائقة ، توسع بؤبؤ مقلتيها بسبب تركيزها الشديد على الباب الحديدي ولم تسمحْ لعينيها أن ترمِشَ من شدةِ الخوف.

سمعتْ خطواتهم تقترب رُويداً رويداً من غرفتها فإرتعش جسمها بهستيرية وجنون وقد نزلت تلك العبراتُ من خضرواتيها الباهتتين، غمرها ضيقٌ جعل من قلبها ينقبض كشخص مظلوم حُكم عليه بالإعدام.

جنحتْ ممرضتين ذات حجمٍ متفاوت إحداهما ذات خصلات شقراء وملامح حادة في حين الثانية تمكن اللون الكستنائي من تلحُفَّ شعرها، تقدمت الشقراء نحو كالينور ريثما الأخرى كلمتها بهدوء " إنهُ وقت العلاج كالي."

" أرجوكِ جيني لا أريدُ ذلك، انا حقاً سليمة صدقيني." ترجتها كالينور بصوت مكسور ذا بحة من كثرة نحيبها هذه الأيام فتنهدت جيني ومشت نحوها مُردفةً بغيرِ مبالاة من هذا السيناريو المُعتاد " أفهمُ من كلامكِ أنكِ تريدين الطريقة الصعبة؟"

عضت كالينور على شفتها السفلية بقسوة وقد كرِهتْ كيف يُجرح كبريائها هكذا ، حملقت بجيني بغضبٍ حاد وهذه المرة لم تستطع الصمت عن ردِّها المُهين فإندفعت موجهةً باطن كفيها ناحية جيني مستعملةً قوتها كمشعوذة.

طارَ جسدُ جيني مرتطماً بالحائط ليُغمى عليها من الإصطدام القوي والمباغت فجذبت الشقراء خصلات كالينور الفحمية بسخط من فِعلتها، شتمتها الأخيرة وحاولتْ ركلها لكنها صرخت راكعةً بالأرض على ركبتيها.

لمست ذلك الطوق الكهربائي الذي صعقها منذ ثوينات ثم وضعت يدها على قلبها الذي ينبض بسرعة جراء الصعقة القوية ، جسدها ضعُف لدرجة أنها لم تقدر على النهوض وعلى حين غرة إنبثقتْ آهة متوجعة منها ما إن قامت تلك الشقراء بجرها عبر شعرها غير مهتمةٍ لشيء.

" سأقتلك بيدي أيتها الحقيرة." حادثتها كالينور بقهر وهي تحاول إبعاد يدها التي تجرها لكن الصعقة قد أضعفتْ جسدها بالكامل وأنزلت مستوى قواها لأدنى درجة.

حينما وصلتا لغرفة العلاج رمتها الشقراء بعنفٍ بالأرض وأمرتْ الرجل الذي كان واقفاً بجانب السرير " إربطها جيداً، سأنادي على الطبيب."

" اللعنة عليكِ وعلى الطبيب." اردفت كالينور بحنق  لتنظر لها الأخيرة بإستمتاع وترحل تاركةً إياها مع الرجل الضخم الذي رفعها بخفة ووضعها فوق السرير حابساً رسغ يدها اليمنى بالرباط الجلدي السميك.

" انت معجب بها صحيح؟ لقد رأيت الطبيب شارلمان يُقبلها فوق مكتبه." صرحت كالينور بصوت ثابت فتوقف الرجل لوهلة لكنه تجاهلها وأكمل ربط رجليها ورسغها الأيسر.

" صدقني أنا حقاً سليمة، لا أعلم لماذا تفعلون هذا بي ؟"

" أدخلتِ خنجراً بعنق والدكِ وتقولين سليمة ؟ إذاً هل أنا المجنون هنا ؟" لمس الوتر الحساس لترص على اسنانها ويرتجف رأسها دلالةً على قوة ما أغضبها قوله.

" مجنون بحب الشقراء التي تُعاشر رئيسك بمكتبه بينما أنت تجري وراء السليمين أمثالي." تكلمت ناطقةً بنبرة ساخرة وساخطة فضغط على ذراعها بقبضته المُتحجرة.

" كالينور خاصتنا معنا اليوم." تردد صوت ذكوري لطيف في ارجاء الغرفة لتغلق كالينور عينيها غير قادرة على النظر له ولنظراته الشهوانية لها لكن إقترابهُ من السرير كسر ملامحها القوية.

كانت خائفة منه، وجودهُ يجلِبُ ذكريات سلبية رسمها هو وأفعالهُ الحقيرة إتجاهها ، لم يترك انثى بالمصحة لم يلمسها أو يضع يديهِ الزلقتينْ عليها. كان هذا هو الطبيب شارلمان المسؤول عن مصحة مخلوقات العالم السفلي.

" لنبدأ بدون مماطلة ، حدد 0,9 امبير." بصق الطبيب كلمته لتنفجر كالينور باكيةً بحرقة وقد خالجها رعبٌ كبير لم تستطع تحمله، شعرت بالظلم والوحدة وكيف أن حياتها إنقلبت بين ليلة وضحاها.

" لا تبكي يا عزيزتي، هذا من أجل مصلحتك." واساها شارلمان بحنان مزيف فتقوس ثغر كالينور أكثر وزدات شهقاتها لكن ذلك لم يمنعها من الترجي بذل " أرجوك توقف، سأفعل أي شيء فقط توقف أرجوك، أنا آسفة لهذا توقف."

" أي شيء ؟ لا تُغيري كلامكِ إذاً."

إبتلعتُ الغصة المتكورة بحلقها بعد إستوعابها لمحتوى كلماتهِ ثم فتحت فاهها كي تقول شيئاً لكنها بالأخير إكتفتْ بإغلاقهِ والتحديق بالممرض، إستنجدتْ عبر خضرواتيها إلا أن الأخير أبعد بصرهُ بعيداً مُتجاهلاً نداء روحها.

" تباً لكم جميعاً !" صرخت بنبرة غاضبة تذبذبتْ جراء الوجع الذي تغلغل عبر أحبالها صاعداً من جوفِ قلبها.

في تلك الثانية تفاجئت من تفكيرها. لوهلةٍ كادت أن تُرحب بعرضِ الطبيب شارلمان وتتركهُ لكي ينتهِك جسدها البارد، حقيقةَ أنها كانت مُستعدة أن تتخلى عن عِفتها لرجلٍ قذر من أجل تجنُبِ الصعق.

الغثيان.

تمنتْ لو تستطيعُ إستفراغِ أفكارها.

لم يُجب الطبيب وشرع بوضعِ أسلاكٍ على جبهتها الشاحبة فبدأت كالينور بالصراخ مستنجدةً  بإسم ليوسايدن وكأن ظنها لم يخب، وكأنها لم تناديه طوال الأسبوعين ولم يأتِ. وكأنهُ لم يهجرها.

كانت تأملُ أن يأتي وينقذها كما إعتاد أن يفعل. لكنهُ لم يفعل.

ضاق قلبُ الرجل الذي ربطها وقد رجع ذلك التساؤل برأسه من جديد، من المفترض أن يتم تخدير المريض قبل العلاج بالصعقة الكهربائية كي لا يشعر بالألم عبر عضلاته وجسده لكن هذه المصحة لا تمتلك حتى مختصاً بالتخدير وكأنهم يتلذذون برؤيتهم يتعذبُون.

أومئ الطبيب للرجل فتحرك ضاغطاً على الزر ليمر ذلك التيار الكهربائي عبر الأسلاك نحو رأسِ كالينور صاعقاً أنسجة دماغها، تقلصت عضلاتها لثواني وتصلبت ممتصة ذلك الألم الذي مس الدماغ فبانتْ عروق رقبتها وكفيها من التيبس.

تحررت عضلاتها من التصلب لترتجَّ أطراف جسمها وتهتز كل عظمة نحتت جسدها، تخبطت فوق السرير بعنفوان لثواني داخلةً بنوبة صرع شديدة لينزل خط أحمر من أنفها راسماً طريقهُ نحو صدعِ شفتيها.

بعدما هدأتْ وتشوشت رؤيتها غيرَ قادرةً على تمييز وجوههم أمرهم الطبيب بفكِّ قيدها لتشرع الشقراء والمُمرض بتحريرها، تبادلا مع شارلمان عدة أحاديث قصيرة لم تسمعها كالينور.

كانت تحدق نصفياً بالسقف وهو يدورُ من حولها وكأنه دوامة غير متناهية لو قفزت فيها ستهرب من هذا الواقع، حاولت رفع يدها كي تلمس الدوامة لكنها لم تستطع. عظامها إحترقتْ وعضلاتها لا تستجيبُ لها.

رفعها الرجل كالعروس وغادر الغرفة تاركاً الطبيب مع الممرضة وقد رمى نظرات متشككة نحوهما، مشى بهدوء داخل ذلك الرواق الأبيض الطويل الذي يحتوي على حوالي عشرين غرفة تُحيطهُ من الجانبين.

إقتحم غرفة صغيرة الحجم ووضعَ التي ترقُد بين ذراعيه برفق على سريرها ثم دفئها عبر الغطاء الخثين فملابس المصحة خفيفة السُمك ولا تحمي الشخص من البرد القارس الخاص بهذا المكان.

إبتسمت كالينور بخمول وسعادة في حينِ تنظر لسراب والدتها وهو يصرخ عليها كي لا تجري بأروقة القصر، وهنا تعاتبها على طريقة أكلها الغير لائقة لأميرة مثلها.

إشتاقت لها كثيراً. كالينور إشتاقت لوالدتها لحدِّ الجنون.

" أمي لا ترحلي. أنا سأغفو قليلاً." همستً مُغلقةً عينيها غير قادرةً على المقاومة أكثر فسمحت للنوم أن يُتوج نفسهُ ملكاً على عرش الإدراك ويتمكن من إفقادها الوعي بالواقع.

_______

تسللت اشعةُ الشمس من بين زجاج نافذتها الصغيرة فإنعكس على إمارات وجهها النائمة، تيقظت حواسها فإنفرجت جفونها عن بعضها البعض سامحةً لخضرواتيها أن تلمع تحت الضوء البرتقالي.

رفعت جزئها العلوي بعناية وببطء لكن ذلك لم ينقذها من الشعور بتلك الآلام، جسمها كانَ يصرخُ بكل ما يبتغيه التمزق الذي حدث بعضلاتها. أطلقتْ عدة أصواتٍ مُختنقة و متحشرجة جراء إحساسها بالضيق، ضيقٌ لازمها منذ فقدانها لوالدتها.

قضمت باطن فمها كي تقاوم تلك الغصة وتحبس شهقاتها فهي تكره هذا. كل شيء يخص حالتها الحالية تتقزز منهُ فهي لطالما لم تبكي مهما تضايقت أو حدث لها موقف يخلق هذه المشاعر السلبية.

لأنها آمنت أن كالينور الأميرة لا يُجدر بها الإنهيار والبكاء طوال الوقت. الأميرة لا تبكي بل تكتم وتحاول إيجاد حلولٍ لما تُعاشره. الأميرة قدوةٌ لشعبها فإذا كانت ضعيفة فالمملكة ستغدو مثلها.

لكن لا حل لمشكلتها. تم جرُها لهذه المصحة بدون أي محاكمات أو تدخلات من مجلس الشيوخ، وكأنهم إنتظروا هذا الفعل منها بفارغ الصبر فلم يحاولوا حتى محاكمتها بالرغم من أنهُ من حقوقها كشخصٍ خرق قوانين المملكة.

أطاحت برجليها الشاحبتين على الأرضية الباردة فحاولت رفع جسدها والتحرك هنا وهناك كي تتخلص من هذا الضعف لكن إنتهى بها المطاف صارخة من الحرق الذي تشعرُ بهِ يحومُ بشرايينها ويلتفُ حول عظامها كالثعبان.

شعرت بالغرابة من هذا الوجع، فقد إعتادت على الإحساس بالتحطم والتعب الشديد وليس حرقاً، حتى أنها تتذكر زيارتهُ لها بحصة البارحة. وكأنَّ ناراً تلهُب بروحها.

إفترشت السرير من جديد بعد فقدانها لأمل نهوضها منه وفجأة قفز لبالها خادمها الوفي ليوسايدن ، هو الآخر كانت لهُ يداً في إنكسار قلبها لدرجة أنها تشكُ في قدرتها على إكمال حياتها بإعتيادية.

ليلة إنتحار والدتها كان غائباً ولم ترى وجههُ منذ ذلك اليوم وكأنهُ أيضاً كان ينتظر هذه اللحظة . مهما حاولت إيجاد حجج لغيابه خاصةً بداية كل شيء لم تقدر على إختلاق عذرٍ.

أمرتْ بالبحث عنه قبل إفتعالها الجريمة لكن الحراس لم يجدوا له أثراً بالعالم السفلي ، مُحي من الوجود، لم يرهُ أحد ولا توجد رائحة كي يتِمَّ تتبعها، وهذا زاد الشكوك حوله.

لكن دائما ما تُكسر هذه الشكوك عندما تتذكر كمية حبهِ لها، كان يتصرف وكأنهُ لا يستطيع العيش بدونها، قادرٌ على التضحية بكل شيء فقط من أجلها هي فقط. حتى أنها كانت تخطط لجعله ملكاً بجانبها بعد تتويجها وتغيير الدستور الخاص بالخلافة.

فلماذا تصرف بتلك الطريقة طوال حياتها ؟

" الرجال من نفس القالب، أثقُ بكلب ولا أثق بهم." حادثت نفسها بنبرة ساخرة مع لمعة تشكلت بمقلتيها وقد شعرت بالغباء.أكثر رجلين أحبتهما بحياتها كسرا ثقتها وخدعاها عبر إعطاء مشاعر حب وحنان تقبلتهم بإحتياج كبِر في كل مرة أغدقاها بهذا الوهم. لهذا هي غبية.

سمعت الباب يُفتح لتجد جيني واقفةً بجانب سريرها فتنهدت بإرهاق وناظرتها بدون أية مشاعر معينة. أما الثانية فلم تتمكن من إخفاء كرهها الكبير لها.

" الطبيب شارلمان يرغبُ برؤيتكِ حالاً." وبقولها لهذه الجملة إبتسمت بحقارة فهي قد نجحت في كسر ذلك الجليد الذي إعترى وجهها بواسطة ذِكر الطبيب المتحرش.

" ولكن ! الفطور ؟ وحصتي معه مازالت بعيدة." تلعثمت كالينور بصوتٍ شابهُ الهلع ، إستقامت من السرير متجاهلة ألمها وقد رقت نظراتها ليجعلها تبدو مثيرو للشفقة.

" هذا جزاءُ عبثكِ معي كالي، لكل فعلٍ رد فعل." هسهست بإستخفاف فإتسعت خضرواتي كالينور بخوف وبدون وعي منها تمسكت بملابس جيني وقد خرج صوتها مرتعشاً " أنا أعتذر جيني، إضربيني بدلاً من ذلك، كل ما ترغبين به إلا هذا."

حملقت بها جيني بإستحقار بعدها أبعدت يديها عن ملابسها وهمت بالمشي نحو الباب آمرةً بجدية حادة " إتبعيني وإلا سيتم صعقك."

أطلقت الأخيرة تنهيدة مرتعشة كصوتها منذ قليل وهي تشعر بصدرها يهتز من شدة رعبها وخوفها، في تلك الغرفة البنية الصغيرة مع مئزره الأبيض وعينيهِ التي تشعُ خبثاً وإنحرافاً.

إتخذت خطواتها وراء جيني بذلك الرواق وكانت تحركاتها بطيئة وكأنهُ يتم جرها للمقصلة، إلتقطت جيوبها الأنفية روائح باقي المخلوقات التي تبيتُ بالغرف فكادت تتقيأ حين اشتمت رائحة مصاص دماء،

كان يُجدر به أن ينقذها ، لو كان بجانبها لما كانت لتتعرض لهذه الجلسات العلاجية بالصعق وما كانت لتتعرض للتحرش من الطبيب وما كانت لتكون متواجدة هنا حتى.

" مصاص دماء لعين !" صرخت بقهر فجفلت جيني ملتفةً لها لكنها صُدمت عندما تجاوزتها مندفعةً تضرب قدميها الحافيتين بغضب ، راقبتها بذهول بينما تدخل لغرفة الطبيب وتُغلق الباب بعنف.

" لم أكذب عندما قُلت أنها مجنونة." علقتْ جيني بمزاح ثم إستدارت متوجهةً ناحية الأدراج كي تسرد لباقي الممرضات ردة فعل كالينور على إنتقامها البسيط وتتشمت فيها.

بينما في الجهة الأخرى حيث ما إن دخلت كالينور له حتى أدار كرسيه لها متلبساً دور اللطيف بإبتسامته المريبة ونظاراته المستديرة.

" مرحباً بكِ كالينور، تفضلي بالجلوس."

" لماذا طلبتني ؟ ألم أقل لك أنني أشمئزُ من رؤية وجهك ؟ فما بالك بأن أجلس معك لمدة ساعة ؟" هاجمتهُ بدون أي تردد لكن الخوف بان في صوتها إزاء إرتجافه.

" لا تظني نفسكِ مميزة كالينور فأنتِ مجرد عاهرة مختلة لا تختلف عن باقي المرضى الذين هنا. لم تعودي أميرة بعد الآن ولا تمتلكين أي والدين يحميانك من الوحوش، أنتِ وحيدة وستبقين طوال حياتكِ وحيدة." إستغل مواضيعها الحساسة والتي تجلد ذاتها فرصت على أسنانها وحدقت به بحقد.

عندما لم تجد أي جواب ترميه عليه أكمل بسرعة مستغلاً خبرته كطبيب نفسي كي يُحطمها داخلياً " من المفترض أن يكون الملك رجلاً وليس مرأة، لكن والديكِ رزقا بكِ، حتى أنني سمعتُ بانكِ ولدتِ مريضةً وجسدك كان ضعيفاً، حاولتِ إثبات وجودكِ وكفائتك كملكة مستقبلية لكنكِ فشلتِ، أنتِ ضعيفة كالينور ولا بأس بذلك، انتم النساء عاطفيات تجرون وراء مشاعركم."

" وأنتم كالحيوانات تجرون وراء شهواتكم. نحن على الاقل لا ندع شهوتنا تتحكم بنا، بعكسكم نحن نمتلك عقلاً." إستطردت مقاطعةً إياه فوجدتهُ يقترب منها مبتسماً.

" لا تقترب أكثر !"

تجاهل تحذيرها فتحركت مبتعدةً عنه لكنه حشرها بمكان ضيق حيث وُضع سرير المرضى ففهمت خطته بسرعة ومالبثت أن تتحرك حتى ثبتها ممسكاً بكتفيها.

" هل تشعرين بالوحدة ؟ وأن لا أحد يستمعُ لكِ ؟ والدتكِ إنتحرت غير مهتمة لمشاعركِ بفقداتها ؟ والدكِ وخداعهُ لكما ؟أنا موجود كالينور. حدثيني عن مشاعرك وما عانيته...سأحتويكِ واُحررك من الألم الذي تُعايشينه."

إبتسم داخليا وهو يرى خطته النفسية كيف تنجح فهاهي تبكي بصمت وقد صدقت كلامه ولامس نفسيتها المرهقة. حاليا هي تحتاج للحنان والإحتواء وهو تربص بها.

وبلحظة بكائها رفعها بسرعة كالريشة ليحبسها بالسرير مقيداً يدها اليمنى بالرباط الجلدي فصرخ لاعناً حين جذبت شعرهُ الأسود وسددت ضربة رافعة ركبتها لوجهه.

إلتقط الطوق الملتف حول عنقها حركة غير طبيعية فصعقها جاعلاً جسدها يتصلب بثانية ويخمد بوهن، مسّد الطبيب أنفهُ متوجعاً لكن رؤيتها وهي بلا قوة مستسلمة أنساهُ فعلتها.

" أحب رؤيتكِ هكذا، مستسلمة لي." أعقب سعيداً ريثما يربط باقي أجزاء جسمها فإرتفع ضغط كالينور وعبراتها بدأت بالإنهمار بعدما تم تقييدها وقد علمت مالذي سيحدث.

" لتلعنك السماء أيها الوغد."

" دعيني أستمتع كالينور."

شعرت بيده التي دخلت تحت قميص المصحة فصاحت بقوة واختلط صراخها مع شهقاتها ، عاد الحرق لينبض بعظامها ليجعل كل شيء يختلط ببعضه البعض.

وجع قلبها مع ألم الحرق ، إحساسها بالظلم والوحدة والحزن الشديد ، الشعور بالضعف والتقييد ريثما جسدها يتم إنتهاك حرمته. كل هذه المشاعر والآلام الجسدية إلتقت بنفس اللحظة لتشعر بجلدها يحترق من قوة الحرارة التي غمرتها.

" ماللعنة ! " نطق الطبيب بصدمة مُخرجاً يده من تحت قميصها وحرارة بطنها العارية كادت أن تُذيب يده إذا تركها أكثر.

" مالذي يحدث لي ؟" صرخت كالينور بصوت متحشرج ومتألم ودموعها التي كانت تنسدل على وجنتها تبخرت من قوة لهيب جسدها، رفعت رأسها قليلاً تنظر لنفسها فدُهشت برؤية أن أصابع رجليها بدأت بالتيبس والتحول بما يُشابه الصخر .

ووسط ما يحدث فُتح الباب لتتحول صدمتها إلى صدمتين، بهندامه الأسود وذهبيتيه الحادة ، الدماء تسيل من كفيه واخرى متناثرة على وجهه وباقي جسده.

ليوسايدن قد أتى.

___________

تنويه ⛔️⛔️:

الرواية سوداوية مثلما تعودنا من قبل، تحتوي على مشاكل عائلية، كره الذات، إكتئاب وإنتحار، ألفاظ نابية ومشاهد دموية حادة ، وتحرش، وفوق ذلك اشياء تمس بديننا.

تذكروا أنها مجرد رواية خيالية ولا تمت بشيء لديننا ومن يتحسس ما يقرأ بدال لا تجي تكفرني.

مين يصدق اني رجعت كالينور، حتنا منصدم من نفسي.

لكن بعد تفكير طويل قررت أرجعها لأنه بصراحة هي اقوى رواية من بين الروايات الي كتبتهم وفيها أحداث وشخصيات رسمتهم صدق فقلت اوه ليش ما ارجعها وخلاص.

رأيكم بالفصل الأول؟

كالينور مو شخصية ضعيفة، تحتاج احد ينقذها من المصحة عشان قوتها كمشعوذة مربوطة بسبب الطوق ذاك والا هي كانت قادرة تحرق المصحة من تعويذة وحدة، ولا تنسوا حالتها النفسية وشكراً.


كانت معاكم هارلين

Continue Reading

You'll Also Like

204K 9.2K 39
_هلي أحن أليكم ثم أتذكر أنكم ظلمتوني فأصمت وجعآ _ماكنت أحسب هلي يرجون لي ألمآ لاكن رموني بسهمآ هد أركاني *********** _هل انته عوضي عن كل أحساس وحش حس...
220K 11.9K 52
فتاه يتيمه الاب والام تمت تربيتها عند عمها اخ اباها ولكن بوسط الكره والحقد تذهب أسيرة إلى داع١١ هل يا ترى يأتي شخص ويخرجها من هل عذاب؟ ام القدر لها ق...
487K 19.4K 22
🔹أنا لها شمس🔹 دوائر مُفرغة،بتُ أشعرُ أني تائهة داخل دوائر مُغلقة الإحْكَام حيثُ لا مَفَرّ ولا إِدْبَار،كلما سعيتُ وحاولت البُزُغُ منها والنأيُ بحال...
1.1M 52.8K 68
سنكتشف الحقيقة معآ...🤝