MAXIMA

By faith__23

883 46 4

الهاربة، جُزر أولبا. ذكريات تخدش جدارا قد حاوطها محاولة التحرر. وريمي وحشُ سرير خائف. أراه ضلالًا كثيرةً ترقص... More

|0|•مدخل

|1|•ليلة من يوليو

177 23 2
By faith__23




حياتي لم تكن مثالية، لم تكن سيئة رغم تذمري بكونها الأسوأ، كانت عادية ومفرطة الروتينية.

بها شيء من الغرابة، وطفولة ما أعتبرها بائسة، قد عششّ بها تمييز أمقته.

أمّ محبة للعمل تقدسه أكثر من أي شيء، منزل صغير ولكنّها تجيد قلبه وإستمتاع به كما تريد.

جعلت من غرفة شقيقتي البِكْر المتزوجة كمعرض لوحات مصَغر والعليّة مرسمًا لها، وغرفتي كانت الوباء الذي لا تقربه.

وتغوص أمّي في ألوان تبدو لي كوهلة ظلالًا متشعبة تلطّخ بياض اللوحات في لحظة سهوٍ منها، في لحظة ما قد أجدها تزخر بالمعاني وفي لحظة أخرى لا ترى فيها غير الفوضى.

أمي تُجيد الإسْتِمتاع بِحياتها وهذا غير مألوفٍ، إعدْت سماعَ تذمرات رفيقاتي حَول الأمّ المملة، الأم المسَيْطِرَةِ، الأم التقْليدِيّة وطالت القائمة دون أي وجود للأمِّ المجنونة والغريبة.

وليست وحدها في ذلك، فقد تشاركت مع دافينا شقيقتي الكثير من الأسرار التي كنت خارجها.

ولكن غرابة أمي كان روتينيًا أيضًا، لن أقول أني أكره حياتي ولكني لا أحبها، أنا فقط فارغة تجاهها.

تركت الدراسة وأنا في السنة الأولى للجامعة فلم تكن تستهويني، قمت بدورات تكوينية في مختلف المجالات وحاليا أقوم بمنتجة الفيديوهات وجلسات تصوير مقابل ثمن معقول أتدبر به حياتي الرتيبة.

أجمع المال وأعتزم الإبتعاد، حيث لا شريك لي غير نفسي.

أمي لم تكن من المقدسين للدراسة وإحترمت جميع قراراتي وحتى الغبيّة منها.

أرمي فكرة كونها لا تهتمّ في مؤخرة عقلي.

لكن أسوأ قرار إحترمته أمّي كان قرار زواج أختي دافينا.

إدعيت أن حياتي سيئة لأني لم أرى الأسوء.

البشر لا يدركون النعم التي لديهم إلا بفنائها، ولا يعلمون أنهم يعيشون الهدوء ونفحة من السعادة إلا بفقدانهما.

ربما لأنّ الذّي في عقلي جميعه سابقا ليس سوى أفكار مسبقة لم يهتمّ أحد من حولي لتصحيحها.

أدعى أشتاد جريفل، أو أشتاد وحسب دون أيّ كنية فلست أعلم صدقا إن كان هناك شيء آخر أعلمه عن نفسي وسأضطرّ إلى نسيانه قريبا كونه من جملة الأفكار المسبقة.



إن كان أكثر شيء أكرهه خلاف هذا البيت، سيكون الصيف بالتأكيد.

شتمت للمرة الثالثة بسبب الهاتف الذي لا يكف عن الرنين، كنت أحاول فقط تجميع بعض الأفكار المشتتة، تحويلها لبعض القوّة الزائفة، المقاوِمة.

كان وقتي المقدس وتعيّن علي الخروج ومواجهة حرارة الغرفة وهواء الصيف الخانق  بينما تنزلق المنشفة من على جسدي كل خطوة.

الرقم كان غير معروف والرنين صدّع رأسي، كنت فعلا غاضبة وتمنيت لو أرد بفظاظة دون الإهتمام بمن قد يكون.

«أشتاد جريفل تتحدث من معي؟» تكلمتُ بِرسميّةٍ أحاول أَن أبدُو طبيعيّة فقد يَكُونُ عرض شغل أحْتاجُه وبشدّة.

«آنِسَة جريفل يجب أن تأتي الآن، أمر ما يحدث في منزل شقيقتكِ، لقد إتصلنا بالشرطة وهي في طريقها ولكن يتوجبُ قُدومُكِ حالاً» صوت عجوز تحدث ببعض القلق من الجهة الأخرى لأقلبَ عينايَ بسخطٍ.

«حسنا، أنا قادمة بينوبي!» زفرت بحنق لأقفل في وجه العجوز دون إنتظارِ ردّها.

مشاجرات أختي وزوجها هذه الفترة قد زادت عن حدّها، فلتتحمل نتيجة قراراتها الغبيّة.

شقيقتي وقعت في حبّ مسخ عصابات، تزوجته وهاهي تعاني، وها أنا في فوّهة الأمر أتعرّض لشكاوى جيرانها.

كم أمقت زوجها اللعين!

إرتديت ثيابي وجففت شعري القصير، لم أسرع بل كنت أفعل كل شيء على مهل.

هذه لم تكن المرة الأولى التي تتصل بها العجوز بينوبي، فعلت هذا مرة أو إثنتين.

إعتاد جيمي الكهل الأرمل الإتصال بي قائلا أن الوضع لا يحتمل فهو يريد حياة سليمة لأطفاله بعيدا عن الصراخ والشتائم التي تصدر من منزل أختي.

حملت مفاتيح والدتي النائمة على الأريكة بعدما قمت بخفض برودة المكيّف وتغطيتها وإبعاد شعرها عن وجهها.

قدت بين الشوارع الفارغة تقريبا أفكر بالعديد، وأحاول ترتيب أولويّاتي.

وذكرى بعيدة عن طفولتي تصفعني بين الفينة والأخرى كموجات الحرّ تجعلني أختنق.

ضوضاء سيارات الشرطة إستقبلني من بداية الحيّ، أخذت نفسا عميقا وشعرت بشيء من الخوف لأوّل مرّة، الهواء ثقيل وقلبي راح يقرع داخل جدران معدتي.

رنّ هاتفي يجعلني أنتفض وأنا لازلت حائرة في الجمع الغفير المتجمهر أمام بيت دافينا.

«أجل ماما؟» أجبتها بصوت خافت.

«أين أنتِ من هذه الساعة من الليل آنسة جريفل؟ أين أخذت السيارة؟» سألت بصوت معاتب قد طغت عليه بحّة النوم.

كانت منتصف الليل وأربع دقائق، ولكنّ أدارتس لم تعتد الإهتمام بمَا أفعله.

«أنا أمام بيت دافينا، شيء ما حصل... شيء سيء هذه المرّة بالتأكيد» همست بينما أشعر بالثقل بقلبي يزداد.

لست مستعدّة لأيّ من المصائب، والتي بدأت فقط تحلّ بعد زواج دافينا بسنةٍ واحدة.

حلّ الصمت لوهلة بيننا في الهاتف، وظننت أنّها أغلقت لولا النفس العميق الذي أخذته.

«أنا قادمة!» أجابت بإقتضاب.

كانت تعلم بالكثير، ولم أرد أن أحيط بأيّ شيء من أسرار أمّي وأختي شيئا.

ركنت عربة أمّي ونزلت. رحت أحثّ الخطى بينما أتأمل محيطي برهبة.


سيارة إسعاف توقفت بجانب منزل جيمي الواقف أمام بيته بملامح لا تفسر.

كان يراقبني ولا يبعد عيناه عنّي، ورغبة في الصراخ في وجهي كانت تستعرّ داخل عيناه.

لم أستعدّ يوما لأيّ من هذا، كنت بعيدة عن أيّ مشاكل مع الشرطة رغم كوني جامحة في أعين الجميع.

كنت خائفة مما سأراه وأسمعه.


جميع الجيران كانوا هناك، مراهقون يبحثون عن قصّة للثرثرة. الكل يحشر أنفه وقد تعالت همهماتهم التي لم أفهم منها حرفا واحدا كون عقلي يصرخ بأنّك قد تأخرت أشتاد.

في مدخل المنزل كان واقفا، يداه مكبلتان بالأصفاد، نظره مثبت في الأرض.

ديكاردو! زوج دافينا، الفتى المليئ بالأوشام والذّي يغرق بقاذورات العصابات.

تعرقت يداي وإرتجفت أحاول نفي الصور الفضيعة التي صارت تمثّل داخل عقلي.

مشيت بإتجاهه لأرى أحد أعوان الشرطة يتقدم نحوي ليمنعني من الإقتراب أكثر، لم أفهم أي حرف مما يصرخ به في وجهي.

كانت الأصوات مختلطة وغير مفهومة، فقط أريد رؤية أختي.

آخران أمسكا بديكاردو يجرانه نحو أحد السيارات التي قد أثار وميضها اللعنة داخلي.

عندما إقترب نحوي لمحت الدماء قد غطت كامل ثيابه ويداه، شعرت بمعدتي تتقلب ورغبة في التقيئ إجتاحتني.

إبن العاهرة الخسيس، مالذّي قد فعله لها؟ قد تكون الأرض تفصل بيننا لسوء علاقتنا ولكنّي لا أتخلّى عنها.

«ماذا فعلت لشقيقتي أيها الداعر!» صرخت أدفع عني الشرطي وأتقدم نحو ديكار لأقوم بصفعه ودفعه.

هو لم ينبس بحرف واحد، كان تائها، فارغا وحسب.

وجهه منتفخ وكذلك عيناه، هو كان يبكي و لكنه قد آذى شقيقتي، متأكدة من ذلك.

الشرطي أبعدني ولكني كنت كثور هائج، كنت كروح صارخة متألمة، أحاول كسر الظنون داخل عقلي.

أين أختي؟

«أين أختي ؟» صرخت في وجه الشرطي بما يصرخ به عقلي والذّي أحكم على ذراعاي حتى لا أعاود الهجوم على ذلك النجس.

«إهدئي آنسة جريفل، يجب أن تتمالكي أعصابك.» تحدث الضابط محاولا تهدئتي ولكن ذلك لن ينفع معي.

الندم غلّف وجوه كل ظابط وقف أمامي، وليس هناك خير مع هذه الملامح.

سيارة أخرى بيضاء وصلت، تشابه خاصة الإسعاف. نزل منها ثلاثة أشخاص يتلحفون بالبياض، من رؤوسهم لأخمص أصابعهم، وتوجهوا نحو المنزل.

أريد رؤية دافينا ولكن لم يسمح لي أحد بالتقدم.

القلق نهشني ولم أكن قادرة على فعل أي شيء، إلتفت نحو الضابط الواقف عندي وحاولت للمرة الرابعة سحب أي معلومة منه.

«سيدي أرجوك أخبرني بأي شيء بخصوص أختي! هل هي بخير؟ مالذي يحدث؟ لمح لي بأي شيء!» هذه المرة خرج صوتي منكسرا متذللا فما عدت أقدر على تحمل أي مماطلة أخرى.

لازلت أنفي أي أمر سيء، كإحتمال كون زوجها أقدم على تعذيبها، تشويهها، أو حتى بيعها لأحد رفاقه السابقين.

قد أتوقع أي شيء من مسخ مثله، وهو صنع منها مسخا شبيها له.

لا أذكر الكثير عنها من طفولتي، ولكنّي أعلم أنّها شخصٌ رقيق يخشى على غيره أكثر من نفسه.

والآن هي أضحت شخصا غريبا عليّ أكثر من السابق، صارت مستفزة وسريعة الغضب.

هي قد أصبحت إنسانة مضطربة في سنتين.

لقد دنّسها إبن الفاسقة، لقد دمّرها.

«أين أنت ماما؟» إتّصلت بها حينما طالني إنتظارها، فهي وحدها من تقدر على معرفة مالذّي يحدث وكسر عناد الشرطة بعدم رؤيتنا لدافينا.

«لقد إنتهى كل شيء... أنا في طريقي لن أتأخر أكثر، كوني حذرة» صوت أمّي كان متعبا وكئيبا.

كانت تعلم الكثير، كانت تعلم كلّ شيء وطالما فعلت، ولطالما كنت أنا غارقة في الظلام.

«ماما أمر ما حدث مع دافينا، لقد تم إعتقال ديكاردو والشرطة في منزلها وتمنعني من رؤيتها، يجب عليك القدوم!» تحدثت وتعلو مني كل فترة شهقة صغيرة.

لقد سمعت العديد يتهامسون حول كون ديكاردو قام بقتل دافينا وذلك أثار أعصابي لأقوم بضرب الفتى الذي يثرثر بذلك وكونه سعيدا بحدوث بعض الأكشن في حيّهم المُمِل.

لعنة الإله عليهم! أحياة النّاس في نظرهم مجرّد شيء عابر بلا قيمة؟ ما بَالُ البشرِ هذه الأيّام؟


شرطيّان تركا موقعهما وتقدما لتفرقة الحشد وإرسالهم إلى بيوتهم بينما ذهب الآخر الذي لم يفارق جانبي إلى أحد مرتدي الأبيض حين طلبه.

عادت دموعي تشق وجهي من جديد وسارعت نحو المنزل دون إهتمام.

دفعت الأربعيني الذي وقف في باب البيت والذي كان يلتفت محدثا زميله، الشرطة الجنائية التي قدمت منذ لحظات كانت واقفة في المطبخ، الإنارة كانت قوية تؤلم عيني التي إعتادت ظلام الليل بالخارج.

صاح بي الأربعيني و حاول إخراجي ولكنّي هرولت نحو الأطباء الجنائيين، أولئك الذين يرتدون الأبيض.

«لا تقومي بلمس أي شيء و أخرجي!» صاح كارلوس وهو الشرطي الذي لازمني منذ قدومي وأَبَى أن يخبرني بأيّ من المعطيات حول ما يحدث.

أمامهم كانت أختي بأعين فارغة مفتوحة وحولها بقعة كبيرة من الدماء، شفتان زرقاوان، وجهه فاقد للحياة برقبة قد تمّ نحرها.

«دافينا؟ ..» همست قبل أن أبكي أكثر وأصرخ من الألم الذي داهم روحي.

وقتها وحسب أدركت الحقيقة التي إستمريت بنفيها.

لو أني أسرعت في القدوم لما حدث ذلك، لقد حدث هذا بسببي!

"لقد قتلها" إرتجفت يداي وقد غطيت بها فمي أحاول إخفاء حالة الهلع التي أصابتني.

هل رحلت؟ لقد ماتت شقيقتي!

النجس إبن الكلب قتلها، هو أنهى على حياة أختي، على من أحبته و حاولت إنتشاله من القاع، من أنقذته دفع حياتها إلى الهاوية.

«ديكاردو اللعين أقسم أني سأجعل روحك تحترق في الجحيم!» صرخت بينما أخاطب الجثّة الباردة، كنت أستعرّ، كنتُ خائفة أيْضًا.

«سترتاح روحك أختي لا تقلقي!» تابعتُ بصوتٍ مُتعبٍ وجسدٍ منهك يُقاتل دون جدوى يدَيْ كارلوس التي تجذبني لتخرجني.

«أتركني أريد أختي، دعني على الأقل أودعها، دعني أدفئ جسدها البارد!» توسّلته بينما أحاولُ فكّ نفسي منه وقد غشيت عيناي بدموعي ولكنّه أمسك كتفاي يُحرّكهما بعنف يُحاول إيقاظي.

«توقفي عن جنونك جريفل، هذا مسرح جريمة وليس كنيسة حتى تعبثي فيه وتودعي جسد أختك الميت، دعي الشرطة والأطباء يقومون بعملهم وكوني متعاونة، جسد أختك لا يحتاج تدفئة، هو يحترق بالفعل.» تكلم كارلوس وقد إستسلمت له، أعضّ على شفتاي وأشهق بين الفينة والأخرى.

رأيت بي شيئا من طفلة الماضي في تلك اللحظة، كانت مشاعري مختلطة، تمزّقني وتتكتّل أكثر داخلي راغبة بأن تفيض.

الندم كان أسوأهم وأكثرهم طغيانا، الغضب من ذاتي ومن الجميع، وحزنٌ أشعر بهِ كأنّه لأوّل وربّما لأنّه قد دامهني بسبب الفقدان.

بكيتُ بصمتٍ واِلتفت لأحفظ وجهها وأخلده بداخل ذاكرتي، صورة بشعة كوقودٍ لي أقتاته لأُواصل.

سمعت صراخا من الخارج وقد كانت أمي تشاجر أحدهم طلبا للدخول تماما مثلي.

كانت كلتانا ذات مزاجٍ ناريّ، وذلك ما خلق سوء علاقتنا، لم تكن إحدانا قد تستسلم للأخرى.

وحسدتها لوهلة على عدم رؤيتها لدماء دافينا على يدي ديكاردو، حسدتها على عدم رؤية قاتل إبنتها وعدم شعورها بالعجز كما شعرت.

إرتفع غضبي وعجزي أكثر، وتمنيت لو أقدر على قتله وإنهاء حياته البائسة بيديّ، وقد راقتني الفكرة وجعلت صورًا لجثّته الفارغة تدغدغ عقلي وتجعله ينتشي.

يكون تماما مكان شقيقتي، وتكون هي على قيد الحياة حينها.

رأيت أمي تدخل لأحرك بصري عنها إلى الأرض، لا أم تستحق رؤية إبنتها في تلك الحالة، لا أم تستحق فقدان طفلها.

شعرت أنّي مذنبة، ولم أجرؤ على النظر إليها أبدا، وإرتجفت يداي التي لا يزال الشرطيّ كارلوس يُحكمها، ولوهلة رأيتها تغرق بدماء دافينا.

«صغيرتي...» غمغمت أدارتس وكانت تمشي بثمالة، شعرها الأشقر كان فوضويّا من فرط ما سحبته، ووجهها شاحب، لم تبكِ وكانت بائسة أكثر منّي.

«سيدتي لا يجب أن تقتربي أكثر، بعد أن تؤخذ الجثة إلى المشفى وبعد أن تتمّ بقيّة الإجراءات الإعتيادية سيسمح لكُم بالقيام بطقوس توديع الميّت خاصتكم» تحدث الأربعيني وقد أومأ كارلوس مؤكدا على ذلك يمسك عضدي ويحثني على المشي إلى الخارج أنا وأدارتس.

«أي إجراءات تتحدثون عنها، الأمر واضح وضوخ الشمس لم البحث أكثر؟ زوجها المجرم قد أقدم على قتلها!» تحدّثت ولهجة السخرية فلتت منّي دون أن أحكمها، ومسح كارلوس على وجهه في يأس.

«الأمور ليست كما تبدو دائما، نصيحة إستثمريها جيدا سليلة سيلين!» همس قريبا من وجهي لأضمّ حاجباي بتساؤل، هذه ليست المرة الأولى التي يطلق عليّ هذا الإسم والأمر بدأ حقا يزعجني.

لاحظ كارلوس تعجبي وقد نقل بصره لوالدتي التي أخذها الأربعيني إلى أحد الكراسي بعيدا عن المطبخ ليُجلسها.

ناظرت والدتي بشفقة، كانت منهارة تشد شعرها الأشقر إلى الخلف ولُطِّخ وجهها بدموعها أخيرا ويبدو أنّها إستوعبت رحيل إبنتها الآن.

كانت تُتمتم بالشتائم وصوت تنفسّها كان مسموعًا، راقبتها وفكرة عاهرة ضربت عقلي تجعلني أسحب نفسا عميقا محاولة تبديدها.

هل ستكون أمّي بمثل هذه الحالة لو متّ أنا بدل دافينا هذه الليلة؟

«تعالي معي جريفل!» جذبني كارلوس من معصمي لينتشلني من قاعِ أفكاري وأخذني إلى غرفة أخرى، دخلنا وأغلق الباب خلفه.

نظرت نحوه ووجهي يعلوه التساؤل ولم أحتفظ بلساني كثيرا لأنّي وجهت له قولي دون أيّ إنتظار :«مالذي تريده؟»

كنت قد جلست على السرير في الجهة اليمنى من الغرفة أعبث بالوسادة كما هي عادتي، قد كانت الغرفة الخاصة بالضيوف وقد نمت بها في مرّاتي المعدودة التي زرت فيها دافينا.

«والدتك ليست في حالٍ ملائمةٍ للتحدّث حاليا، أريد منك أن تساعديني حتّى نتجاوز إجراءات التحقيق بسلاسة» تكلم كارلوس والذّي جاهد على جعل نفسه ليّنا معي.

أومأت له بينما أسحب نفسا عميقا وأمسحُ على وجهي.

سحب من جيبه الخلفيّ مفكرة بحجم كفّ يده عليها رمز الشرطة، برفقة قلم حبرٍ أزرق وضغط أعلاه يستعدّ لتدوين ما سأقوله.

«لقد تأكدت من السجلات تاريخ تسلمكم لكُنية جريفل، لقد كان هذا منذ سبعة عشرة سنةً، أمّا عن معلوماتكم السابقة فلم تدوّن في لا في سجلّات عشائر القمر ولا في أيّ سجلاتٍ أخرى. صدقًا جريفل نحن بحاجَةٍ لجميع معلومات عائلتك حتّى نحدد مسار التحقيق» ضممت حاجباي على إثر قوله.

كنيتي السابقة؟ أشعر بأن هناك قطعة من حياتي تنقصني، هل هو متأكد أنّه يتحدث عن عائلتي؟

«أنا لا أفهم ما تتحدث عنه كارلوس!» تحدثت بهدوء.

«بل أنت تعرفين هذا جيّدا، الشرطة تعلمُ بكلّ المشاكل التي تلف عشائر أبناءِ القمر لذلك يجب أن تخبريني بأيّ كان يحدث في عائلتكِ حتى نستطيع معرفة الجاني الحقيقيّ و إذا من حقّ السلطات أن تسجنه!» تحدّث بعصبيّة بينما يشير بإصبعه نحوي وكم أمقت تلك الحركة.

«أنت مجنون!» أردفت بصوتٍ فاتر بينما أستقيم وأهمّ بالخروج من الغرفة ولكنّه سرعان ما أمسك عضدي وأرجع يلقيني على الفراش بقسوة.

«لن تخرجي من هنا سليلة سيلين!» تحدث وقد صارت نبرته مظلمة، ومع ذلك كانت يده ترتجف بينما يحاول أن يُحكم سيطرته على نفسهِ، بلْ عن شيء مُظلِمٍ يعشِشُ بذاتهِ.

ولا أدري مصدر الصوت الذي يصيحُ بداخلي ويحاول إبعادي عن الخطرِ. لقد كان خافتًا وعميقًا للغاية، ولكنّه كان مُركّزا ومتأصلا بذاتي.

لقد كان الشرطيّ، السلطة التي تمثّل الأمن والعدالة، ورغم ذلك كان به شيءٌ يجعل روحي ترتجف.

عقد حاجبيه لوهلةٍ ثمّ سحب قميصي الأسود الصيفي يتفقد وشم الهلال باعثا شرارات حارقَةً بكامل جسدي بأنامله الباردة.

«كيف... اللعنة! كيف حصلتي على العلامة؟» تساءل وقد إختفى شعوري بالخطر في تلك اللحظة، وكأنّهُ أتمّ السيطرة على نفسه ولَانَت ملامحهُ.

«أحد أخطائي حينما كنتُ ثملة، هلَّا إبتعدت سيادة الضابط؟» تحدثت بعدم راحة ليبتعد عنّي ويعطيني مساحتي الشخصيّة.

«آنسة جريفل، أَلَا...» كان على وشك طرح سؤالٍ آخر من جديدٍ حينما فُتح الباب وأطلّت أدراتس من خلفِهِ.

«أشتاد جاهلَةٌ سيّدُ جيلانوا» أردفت أمّي بينما تتقدم نحونَا، ورمقتها بنظرات مستفسرة ولكنّها لم تنظر نحوي بطرفة عينٍ.

«هذا مخالِفٌ للقوانين سيّدة جريفل، عائلتكِ بلا سجّلات سابقة وهذا يضعكم تحتَ المُساءلةِ القانونيّة» إستنكر كارلوس ما تقوله ماما وكالعادة كنت أنا في الظلام ولا أكاد أفقه شيئا ممّا يتفوهانِ به.

«لقد دفعت ثمنَ ذلك مُسبَقًا وقد كان ملفُّ عائلتي الوحيد الأبيضَ بين جميع السجلات الأخرى، ملفّ عائلتك لا يحضى بهذا رغم كونك بين صفوف الضبّاط سيّد جيلانوا» أجابته ماما وإبتسامة مستفزّة أوسعت ثغرها.

«هلّا نواصِلُ حديثنَا سيّدي خارجًا؟» تابعت حينما ألجم الصمت كارلوس وتوسّعت عيناه في تفاجئ، ونقلت بصرها نحوي في النهاية ترمقني بنظراتٍ متعبةٍ وحانيَةٍ.

قد يصدمني أنّها المرّة الأولى التي تنظر نحوي بتلك الطريقة.

خرج كلاهما وغرقت الغرفة في الصمت، بينما إرتفعت الأصوات بداخل رأسي تصنع الفوضى.

كان بين داخلي وخارجي فرقٌ شاسعٌ لا يقارنُ، وتجمّد بصري عند نقطة وهميّة فوق السرير الذي لم أتزحزح من عليه.

الوسادة بين أحضاني، ورائحة الفجر قد داعبت أنفي كما داعبت نسائمه ستارة النافذة المفتوحة.

ألْفُ سؤال دون جوابٍ قد أرهقني التفكير فيهم معًا، ولا أثر لأيّ حلٍّ منهم.

لقد كنتُ جاهلةً بالفعلِ، لم تكذب أدارتس فيمَ قالتهُ، لطالمَا كنت في الظلامِ ولم أُلقي ذرّة إهتمام لذلك، لأنّهُ لم يَكُن يعنيني أو يخدم مصالحي التي هي في أعلى هرم أولويّاتي.

ولكنّ السؤال الأكثر جديّة والذّي لا أدري حقّا جوابه "هل أنا مستعدّة للخروج إلى النورِ؟"

لأنّ الذي حصل هذه الليلة كان بدايةً لما هوَ أكبر، لأنّهُ واليوم صِرْتُ لا أعلم منْ أنا، وما أنا ومن هُمْ.

وكان كلّ هذا حمولة قد قسمت ظهر البعير.

تمّ تعديل الفصل بتاريخِ:
17/02/2023

وبكلّ رضًا أقولُ أنّه جاهزٌ إلى أن يأتي ما يخالفُ ذلك.

أقدمت على تعديل الرواية لشعوري بأنّ الشخصيّات تتخبّط داخل تضاربٍ وتناقضٍ غريب بذاتها وخاصّة أشتاد، التي لم تكن ناضجة أبدا في نظري وهاهي اليوم في حلّة أفضل.

رفاق أقول هذا التحذير ولكم حريّة القراءة من عدمه.

أكتب إرضاءً لنفسي ولمشاعري، ليست أيّ من الشخصيّات مثاليّة وحتّى أشتاد التي تكون البطلة كما هو واضحٌ لكُم.

جميعهم يملكون آراءً معقّدة متطرّفة ولا ترضي غير ذاتها وذاتي.

جميع رواياتي مَنفسٌ لي، أضَعُ فيها جوانبي التي لا تظهر في العلَنِ.

أشتاد شابّة أنانيّة، حقودة، لا ترى العالم بالطريقة التي نراها، تتصرف حسب ميول الخبل داخل رأسها، مضطربة وغير سويّة.

وكذلك بقيّة الشخصيّات، الأحياء منهم والأموات.

لا أتحمّل مسؤوليّة فلسفتهم الحياتيّة، ولا أتحمّل تأثيرهم عليكم من عدمهِ.

قد تؤذيكم قراراتهم، وظلمات أعماقهم.

وأنا ها قد حذّرت!

Continue Reading

You'll Also Like

3.6M 41.5K 13
بيـن طـرقـاتـةً ضـيقـة وبيـوتً قـديمـة، خـلف أسـوارهـا شـائكـة وجـدران هـالكـة ، حكـايـات لـم تـِروى بعـد وجـروح لـم تنـدمـل وأمـنيـات لـم تـرى نـور...
MIDNIGHT By ✨

Mystery / Thriller

495K 21K 29
[ S E X U A L C O N T E N T ] هـو الـذي بـنـظـرة مـنـهُ يـخـلـع مـنـي عـقـلـي و يـلـبـسـنـي شـفـتـيـه ، هـو الـذي يـعـرف كـيـف يـلامـس انـوثـتـي بـ...
1.8M 106K 63
من أرضِ الشجَرة الخبيثة تبدأ الحِكاية.. "العُقاب 13" بقلمي: زاي العَنبري. لا اُحلل اخذ الرواية ونشرها كاملة في الواتباد 🧡.
29.4M 1.7M 55
حياةٌ اعيشها يسودها البرود النظرات تحاوطني أواجهُها بـ صمود نظراتٌ مُترفة .. أعينٌ هائمة ، عاشقة ، مُستغلة ، عازفة ! معاشٌ فاخر ، صوتٌ جاهِـر اذاق...