دمية وراء القضبان (فيوليت وين...

By hontee5

29.3K 590 26

الملخص اكذوبة واحدة تكفي احيانا لتفتح ثغرة بحجم المرارة في حياة اثنين .... والمرارة طريق شائكة بلا عودة والدا... More

1- العروس المزيفة
2- انت ملك لي
3- الاخوة الثلاثة
5- حياة مليئة بالتحديات
6- بداية النهاية
7- الصفقة

4- في القصر الأزرق

2.8K 65 2
By hontee5

4- في القصر الأزرق





هذه لحظة لايحظى بها الا من كان يطير فوق البحار . سكون فوق جمال البحر عند المغيب والشمس التى توزع خيوطاً ملونه في كل اتجاه قبل أن تختفي وراء الأفق . اقتربوا من الجزيرة وحامت الهليكوبتر فرنسية الصنع التي أقلتهم من انجلترا فوق القصر وهبطت بهم على هضبة بين بساتين الفواكه ، والقصر الأبيض اللون الذي يعلو الجزيرة.

نبهها صوت هراكليون من تأملاتها عندما سمعته يقول بلهجة كلها سرور وارتياح :

(( بيتنا! وأخيرا وصلنا!).

رأته ينظر إليها بقرف لأنه لا يريدها أن تشاركه فرحته بعودته إلى ارض الوطن ، ولأمنها حدقت إليه برفعه وهدوء عازمة على المجابهة كيلا يمزق ما تبقى منها من إحساس . أخذت النجوم في الظهور وأصبحت فنّي الآن تبعد أميال الأميال عن بيت عمها الأنيق بمروجه الخضراء وأزهار الحديقة المنمقة.

هي الآن واقفة في ارض جزيرة بتالدوس ، الجزيرة اليونانية الصخرية الغنية بفواكهها وأعشابها العطرة ، تملأها ليلا أصوات الأزيز وينتشر في أرجائها أريج اليونان التاريخي وظلال أطلاله . رفعت رأسها ورأت قصر(الباشا) للجزيرة . ودائما لا يحلو لزوجها أن يتركها سارحة في أفكارها كما يحلو لها فأنه دائماً يقطع عليها ذلك بالتفوه بكلمات فيها أمثال او عبر قديمة وفلسفة .

قال هراكليون :

((على الإنسان أن يعيش ليومه كما لو كان يومه الأخيرالذي يتمتع بشمسه)).

فلسفة أبولّو هذه يمكن أن يقال أنها فلسفة هراكليون الذي تراه فنّي شاذاً في بعض تصرفاته وذا بأس في معاملاته ، وترى نفسها تتجاوب مع كل عضلة فيه ومع مشيته ولون جلده وحتى لباسه. تراه سيد نفسه وسيد الموقف وتتساءل عن احتمال حدوث تغييرات بعد أن دخلت حياته وهزّت إلى حد ما كيانه وكبرياءه ، رفعت نظرها مرة ثانيه وتبين لها القصر الأبيض منتصباً بين أشجار الزيتون والحمضيات والسرو ، ويعود طراز بنائه إلى عهد الأتراك ، فنوافذ مقوسة وجدرانه من الحجر القاسي وله هيبة صاحبة. يرى من يقف فيه مناظر البحر والسماء وبيوت سكان الجزيرة .

رحّب زونار بفنّي قائلا :

(( أهلا بك في القصر الأزرق)).

لماذا يسمونه الأزرق بينما هو ابيض ؟ فهمت فيما بعد أن التسميه تعود إلى كون القصر موجود على ارتفاع من كل جانب . كان لجوابه مغزى خاص فأغاظها وصعد الدم في وجهها . وتوقعت أن ينظر إليها ككل مرة نظرة التعنيف والسخرية .

((هل تعتقد أني قفزت من فوق الحائط قبل أن يفتح الباب لي ؟ اليوناني يفضل أن تقف بجانبه أمام المذبح عروس بكر وطاهرة كالكتان الأبيض الناشف وكالثلج المتساقط وكالرز الأبيض الطري))

وحاولت أن تكيل له كما كال لها هزءا وسخرية فقالت :

(( ولا يهم إذا كان العريس ضليعا في فن..... الإغواء ؟ ))

لم يعلق على ذلك على الفور لانشغاله بأكل بندورة محشية وتلذذه بمضغها وهو يحدق فيها:

(( أية فتاة ترضى بأحمق يتحسس طريقه في ظلام الجهل في أول ليلة في شهر العسل ؟ ألا يسبب ذلك عذابا للعروس إذا نقصت عريسها المعرفة والدقة في هذا المجال ؟ يجب أن تعترفي يا جميلتي أني لم اجعل منك حطاما ))

توردت وجنتاها ولكنها امتنعت عن خفض عينيها كالبنت الخجول الحمقاء فهزت رأسها وقالت :

(( لا يتهمك احد بأنك وحش . ولكنك دائما تتغنى بتفوق الذكر))

(( صحيح ؟ الرجل أقوى من المرأة جسمانيا وأحيانا له عقل ثاقب وأكثر منطقا ، ولكن نحن معشر اليونانيين نحترم واقعاً مهماً وهو أن المرأة تستطيع أن تحمل..... صورة طبق الأصل للرجل الذي يمتلكها . هل هذا يحولني إلى رجل متطرف... كما يقول الأمريكان ؟ ))

ابتسمت فنّي لوقاحة هذا الرجل الذي يعتبر المرأة دمية او قطعه لتسلية. ولكن هذه ليست عقيدته او عقيدة اليونانيين . هذه عقيدة العلم الغربي القائل بأن الحياة لعبه والمرأة تمثل دورا فيها .
(( لك بعض النواحي المدهشة يا هراكليون . نحن سائران على طريق تبادل المعرفة الواحد عن الآخر))

قطع خبز بالزنجبيل والعسل وقدمها لها قائلا:

(( من المحتم أن يعرف أحدنا الآخر . كلي هذه من يدي دون أن تتأكدي من أنها مسمومة أملا ))

تناولتها شاكرة . وذكّرتها هذه القطعة بقصة الحلوى في الهليكوبتر. وامتدحت طباخه عندما أكلت منها وقالت :

(( طباخك ممتاز . وأنت تحب أطايب الأكل ))

(( أحبها ، وإذا كانت في متناول يدي الآن فذلك بفضل العناية الإلهيه وعرق جبيني . وعلى الإنسان أن يكتسب الأشياء الحسنة لا أن تقدم إليه على طبق من فضه . ولا يجب أن ننسى أن أفضل عسل في العالم يأتينا من النحل البري العائش في أجمات اليونان . وفي ربيع تلك الأنحاء تكون الأرض مفروشة بشقائق النعمان وزهرة الريح والأعشاب المزهرة ، وحيث يدوس الإنسان بقدمه تفوح رائحة الأعشاب العطرة . وترين جمالا حتى في الأماكن القاحلة حيث تهدمت الأبنية التاريخية وواجهاتها المزخرفة وتساقطت رؤوسها السوداء وأصبحت غباراً ))

(( أظن انك تحب بلدك ))

(( آه ، حب الوطن . لن اقبل لوطني بديلا بالرغم من الخلافات وعدم الاستقرار فيه . لا أحيا او أموت إلا في بلدي ))

كانت تغتنم كل فرصة لتعرف المزيد عن زوجها . قالت :

(( أطلعني على شيء من عاداتك وعرفكم ))

إذاعرفت شيئاً عن بلده ربما تعرف أشياء عنه . فلا يكفي أن تكون بين ذراعيه . غايتها أن تنفذ إلى قلبه و روحه ، ما وراء هذا الجسم الصلب الذي تلتحم به وتفشل مع ذلك في إزالة الحاجز القائم في أعمق أعماقه .

رماها بتلك النظرة الساخرة المؤلمة التي اعتادت عليها ، وتناول قنينة شراب معدني وصب منه في قدح من البلور الصافي ، فأخذ الشراب يتراقص كاللآلئ الصغيرة في فقاقيع الهواء الخارجة من وشرب كفايته.

(( إذاً يهمك معرفة شيء ما عن نوعية الرجال الذين أنا منهم . اشرب هذا على صحتك ! ))

صبت لنفسها من الماء المعدني وكررت تمنياته باليونانية بلكنة انكليزية. واسند ظهره إلى كرسيه مادا كلتا يديه على المائدة وهو ينظر إليها وقال :

(( الكثير من عاداتنا قديمة قدم الزمن وهي ما تزال حيه . نتمسك بها لأننا شعب كأرضنا، خشن وصبور ، لنا قسوة المرمر بقلب من نار . والمولود البكر الذكر في كل عائلة يعرف أن طريقه في الحياة أقسى وأشقى من طريق إخوته وأخواته . وعلية تقع مسؤولية حمايتهم وتوفير حياة مريحة لهم . أما فتياتنا فيكبرن مع الفكرة الراسخة فيهن أن كل واحدة منهن ستشارك رجلاً في بنا البيت وفرحتهن الكبرى هي عندما يلدن ولدا . نحن لا نحترم الألقاب والتقليد الأعمى لما هو شائع . نحن نحترم النجاح وحدة . وشعورنا وأحاسيسنا عميقة وأكثر أمانه وإخلاص من أحاسيس الغرب السطحية المنمقة . لا تنزل دمعتنا سهلة لأننا واقعيون ونعرف أن الحزن جزء من حياة الروح البشرية . سترين كيف أن الرجال في غالبيتهم العظمى يحملون مسبحة بين أصابعهم الخشنة . نحن نسميها مسبحة الهموم وهذه ورثناها عن عادات قديمه وهو يعد همومه يعد أيضا حبات غيرها هي حبات البركة))

حمل قدح الماء وكان ينظر إلى فنّي من خلاله وأصابعه تتلاعب به ، وابتسمت عيناه لانتباه فنّي التي تستمع إليه بكل حواسها كالطفل يتبع حوادث قصه مثيرة. قال هراكليون:

(( أنتي تذهلينني . هل تعرفين الأسطورة التي تقول بأن افروديت ، رمز الحب ، تجدد طهارتها في البحر؟ كلما نظرت إليك أرى فيك وهم الأسطورة..... عسل في شفتيك وأصابع رشيقة لم تغرز أظافرها في لحمي بعد ))

(( مع كل أمنياتك في الحياة لن تجعل مني تلك المبتذلة التي تريدها . هل كل شيء لليونانيين ابيض على اسود بدون أي لون آخر بينهما ؟ هل أحكامك منقوشة على لوحة من حجر ؟))

(( في الحياة البشرية قام شهداء وسحرة وكانوا وهم يحرقون أحياء يؤكدون براءتهم حتى النفس الأخير . قد تكونين شهيدة او ساحرة ، سأتمتع بلعبة اكتشاف ذلك . الست مثل تلك الفتاة التي قاومت الأسد ؟ هل اعتقدت يا مخادعه انه من السهل عليك العيش مع يوناني وتحويله إلى أحمق يتعلق بحب شعرك الذهبي وجسمك الرشيق ؟ إن ذلك لمن أصعب الأمور))

(( لم يرد إلى ذهني أن العيش معك سهل ))

تضايقت من إطالة نظره إلى فتحة الفستان تحت عنقها ، فنظره وقح يدل على انه سيتصرف بها كما يتصرف بثمرة يقطفها من شجرة . هذا رجل لا يغازل المرأة بكلام معسول او برقه ليلطف من خوفها. شعورها بالنسبة إليه ينحصر في إبقاء الثمرة مكانها او قطفها لابتلاعها
اسمعي ما سأقوله لك . أنت لا تتذللين أمامي ، بل تتحدينني . هل تحديك هذا هو الأمل أم اليأس بعد أن وجدت أن زوجك الثري صعب المراس ؟ ))

(( انك تضحكني حقا . الغبي وحدة يعتقد انك سهل الانقياد . جسمك ليّن ولكن عقلك صلب . أنت كحد السيف الذي يجرح بسرعة ولا تشعر بالنزع الا بعد ذلك بثوان ))

(( نزع ؟ ))

مد يده على علبة من خشب الأرز واخرج سيكارة منها وأشعلها.

((هل يضايقك دخان السيكار ؟ ))

(( وهل يهمك أمري إن تضايقت منه ؟ ))

(( لست متواضعة وبسيطة كما تحاولين إيهامي ، اعتقدت بذلك مرة في السابق، غير أني اكتشفت أن مظهرك الخارجي المتحفظ والمتواري ما هو إلا قناع تختفي وراءه فنّيلا الحقيقية لتبرز في الوقت المناسب . وفي ظني أني بدأت افهم تلك الفتاة الحقيقة صاحبة التمشيطة البسيطة والتي تخفض عينيها خجلا . فقد مثلت دور البنت العازبه المتخفية وراء عدم الاكتراث بالرجال تمثيلاً بارعاً ))

(( هذا صحيح!))

بدا ظل من العذاب في عيني فنّي لا يستطيع غيره إثارته كما لا يستطيع غيره إيلامها لأنه الشخص الوحيد الذي تعلقت به . الرجال ؟ كانوا ظلالا في هامش حياتها ، عديمي الشأن وغير مرغوبين . وفي النهاية عندما استجابة لنداء الحب جلب لها هذا الحب الآلام والمذلة بدل النشوة والسعادة .

(( كنت عزباء ، ولكن الم يجد الرجال فيك جاذبية كما وجدوا في بينلا ؟ ))

(( لم أعطي بالاً مطلقا لا لجاذبية بينلا ولا لجاذبيتي ، ولم انظر إلى الرجال على أنهم شيء يجب الجري وراءهم....أمور كهذه كنت اتركها لبينلا))

تجهم وجهه وسألها :

(( تعنين بذلك أن بينلا تحب المغازلة ؟ وإذا لم تكن بهذه الجاذبية في شعرها اللامع وطبيعتها المشعة لما لفتت الأنظار . ومن الطبيعي أن يتغاضوا عنك عندما يرونها هي))

(( وهل اعتقدت جديا باني كنت أتأثر بذلك ؟ ))

لم تحسد فنّي ابنة عمها على ذلك ولم تفكر في مجاراتها أبدا. وهي الآن تسخر ممن كان يظنها تريد لنفسها ما تحصل عليه بينلا . عاشت في بيت عمها لأنهم رحبوا بها مرغمين وبدورها أرغمتها بينلا على سماع القصة تلو القصة عن مآثرها الغرامية وانتصاراتها على الرجال ، او خذلانها في المقاعد الخلفية للسيارات . وسئمت فنّي من كل هذا وفكرت في استئجار شقة صغيرة . إلا أنها لم تفعل ذلك لاستحالة الحصول على شقة تلائمها في حي محترم . فلازمت غرفتها الموجودة على سطح المنزل وكأنه عزاؤها الوحيد أن المنظر من هناك يشرف على حديقة الورود وأنها تعيش فيها مستقلة بوحدتها ولها عالمها الخاص.

دام هذا الحال دون أي تفكير إلى أن التقت بهراكليون مفراكيس في بيت عمها فعكر عليها صفاء قلبها . واضطربت مشاعرها عندما بدأ هذا الرجل الذي لم يعرها اهتماما يدخل أحلامها في المنام واليقظة بينما كانت بينلا محور نظراته وانتباهه .

(( اعتقد انك كنت تتأثرين في الحقيقة وأضعت الفرص إلى أن أتتك فرصة اختطفتِ فيها ما تخلت عنه بينلا.... وهذه هي نقطة الخلاف التي ستظل تسمم جو حياتنا وتجعل مذاقه مراً))

لم تجد ما تقوله إذ توجد في كل ذلك حقيقة مرة لا تنكرها، ولكي تدخل إلى قلبها بعضا من قوة المجابهة أخذت تتلهى بقضم شيء من الطعام ولكن ذلك كله لم يكن يفيدها كثيرا . كانت كمن يمشي على الماء . ثلاثة أشياء لا تنسجم معاً في غرفة النوم ، الهدوء وتكتكة المنبه ودخان سيكارا .

وأحست بثانيها يضرب أعصابها وبثالثها يدير رأسها ، ولكنها رأت أن تكتكة ساعة المنبه تلهيها نوعاً ما عن تعاستها المتجسمة في رأي هراكليون فيها والذي أصبح راسخا في رأسه كالاسمنت لا يمكن إزالته. وأملها في إزالته كأمل إبليس في الخروج من الجحيم ، ونظرة إليه تكفي لان تكشف عن تصلبه في هذا الرأي. وكلما حاولت أن تكشف من وجهه ما يدل على مافي قلبه برز لها وجه مقنع لا حركة فيه. ولكنها تعرف أن كل فكرهِ متجه إلى بينلا ومرحها وطلاقتها.

أمضى حياته في شقاء وجد ولما أرسلت له الشمس شعاعا في شخص بينلا تشبث به بكل قواه . وفي اللحظة التي كاد أن يمتلكه افلت من يده واتت فنّي لتقف في طريقه فحالت بينه وبين اللحاق بابنة عمها إلى نيويورك .

هراكليون يوناني أولا وأخرا ومهما عظم تلهفه إلى امرأة فان ذلك لايؤثر في احترامه للشرف والكرامة الشخصية والإخلاص للشرائع . فالزواج رباط مقدس ، وقد يتلهف شوقا إلى بينلا ولكن فنّي هي الزوجة الوفية المحبة التي يعاملها بالمثل أمام الناس . رغم أن الأمر يختلف كلياً في حياتهما . كان هراكليون واقفاً يدخن سيكارا وعيناه ترميانها بسهامه النفاذة ، ويبدو انه عازم على عمل ما ، فأطفأ سيكاره وقال :

((هل من الضروري أن تعطي وجهك شكل وجه الملاك الكئيب ؟ تكفيني مشاكل البيت وهموم العمل ، فابتسمي وتحملي)).

(( لماذا تتخذ مواقف كلها تصنع لا تظهرك في خلقك الأصيل ؟ ))

إنها تحبه وتكرهه معا لخشونة معاملته لها وتود لو تصرخ في وجهه لتقول بأن بينلا لم تكن ملاكاً كما يتصور.

(( تؤدي بي مواقفي هذه إلى الاحتفاظ بك والإبقاء عليك سليمة دون أن اقصف رقبتك ))

(( انك متعلق بتكرار هذا النوع من التهديد ياهراكليون . نفذه إذاً ))

(( تنفيذه يغريني ، صدقيني ))

رأت الغضب في التصاق شفتيه بأسنانه ثم انفرجتا عن ابتسامه هازئة لتزيد من وزن كلامه .

(( أكرهك وأنا مالك لأعصابي فقط ، ولكن عندما أفكر فيما قمت به لتحتالي علي يتملكني سرور لا يوصف بأن أمد يدي وألوي رقبتك . وكما أفهمتك سابقاً لا استفيد من وزه ميتة ))

اقترب منها ورفعها بعصبيه جعلتها تترنح .

(( ماذا دهى رجليك ؟ ))

أزاح حمالات ثوبها عن كتفها ودفن رأسه عند رقبتها الناعمة وقال :

(( أنت شيطان ابيض الجلد مخادع ، ولكني أريدك! أنت امرأة ووجودك هنا معناه أنني هذه الليلة بالذات على ارض جزيرتي حيث النجوم تشع ناراً والهواء يعج بالحياة....هنا سيخرج إلى النور ابن اليونان ، ابن هراكليون . هل فهمتِ قوة قولي ومعناه ؟ ))

فهمته واستوعبته ، وولادة صبي له تعني نهايتها هي ونهاية حياتها الحلوة المرة بجانب هراكليون على جزيرته. تولَتها رغبة جامحة في مقاومته وبدأت تعاكسه وصرخت قائله :

(( لا ياهراكليون. أرجوك ، اتركني! أرجوك ، أتوسل إليك! ))

(( توسلي ما طاب لكي ولكني لن أتركك))

حملها بين ذراعية بحركة وحشيه ومشى بها.... ولكنها قاومته بكل قواها وكانت تضربه بقبضة يديها وتحاول أن تصده عنها بكراهيته والاشمئزاز من تهكمه فيمل منها ويتركها وحدها . وهكذا لا يصب كل اهتمامه على الشيء الوحيد الذي سيفصل بينهما لا لليلة واحدة بل دائماً.... وهو إنجاب ولد له .

(( أنا...أنا تعبه جدا . أريد أن أنام.... ))

(( تعبه ؟ قد أكون عديم التفكير شرساً ، ولكنك اخترت هذا الطريق بنفسك ولا تلومي إلا نفسك ))

مسحت دموعها بقفا يدها وقالت :

(( اعرف ذلك . لماذا تذكرني دائماً ؟ ارتكبت خطأ جسيما ويجب أن أدفع الثمن ))

رفع وجهها إليه ورآه في ضوء المصباح فتياً جدا ولكن بلا روح . وكانت الدموع تسيل وتبلل شعرها عند صدغيها . أما شفتاها فدلتا على الم كمين لم يشك في صحته .

(( تدفعين الثمن بطريقة او أخرى . ولكن يبدو لي هذه المرة انك لا تمثلين ، فإن خوفك ودموعك حقيقة وأنا لم أجبر امرأة في حياتي ))

نهض من السرير وارتدى عباءة النوم وقال :

(( نامي لوحدك..... هذه الليلة . طابت ليلتك ))

لم تتمكن من الرد عليه لألم في حلقها . أطفأ هراكليون النور ورأته ينسحب كطيف ويدخل إلى شقته من الباب السري . دفنت فنّي رأسها في الوسادة وأخذت تئن من عذاب في الذهن وألم في الأعضاء . واعتبرت انسحابه بهذه الصورة هزيمة لها لا نصرا . المحزن في هذا أنها تحب شخصا ينظر إليها كسلعة لا أكثر ولا اقل . ويحز في قلبها أنها تحاول المستحيل لتبعده عنه ا. النتيجة هي الفراق لا غير.

وارتعدت لمجرد التفكير في أنها قد تكون حاملا الآن لأنها استسلمت له مرتين منذ زواجهما . أما هراكليون فأصبح على يقين من أنها تكره اندفاعاته العاطفية . تنهدت ونادته هامسة . وأحست بحاجتها إلى يديه الخشنتين اللتين تتلمسانها كأنها شيء ثمين ، والى عاطفته الجياشة التي تصل إلى حد الجنون ورغم ذلك لا تتسبب له في أذى .

استولى عليها قلق شديد ورغم ضعف جسمها نهضت من فراشها وانتعلت خفها المطرز بطيور وفراشات من حرير. وتوجهت إلى الخلوة فاستندت إلى إفريز الشرفة . وبدت لها النجوم قطعا من الفضة البراقة او جواهر لا تطالها يد إنسان...وفاحت رائحة البرتقال والليمون في أرجاء الحقول فاختلط برائحة الغار...وكان ينبت بكثرة في حديقة القصر الواقعة تحت الخلوة مباشرة.

وبينما هي واقفة هناك كتمثال من المرمر كان يأتي إلى سمعها صوت قيثارة يعزف أنشودة يونانية للأطفال . شغف أذنيها هذا اللحن الحنون ترى من الذي يعزفه ؟ هل يعزفونه لطفل زونار المحروم من الأم ؟

ملا اللحن سكون الليل بسحره ، وعندما توقف شعرت فنّي بوحدة غريبة وبانفصال كلي عن العالم بعد أن عاشت لحظات اللحن وخيل إليها أن هذا اللحن العذب الذي يعبر عن أفراح وأتراح عائلة مجهولة شاركتها حياتها عن بعد...إنما يذكرها بانفصالها وحسب.

أخذت الآن بعد أن انفردت بنفسها تفكر بقلق في المستقبل...وسط هدوء الليل الذي لم يعكر صفوه إلا تلاطم أمواج البحر . ويبدو انه قدر لها أن تعيش لتأتي إلى هذا المكان المسمى بتالدوس ، دون هاجس ينذرها مقدما بان عليها أن تدفع ثمنا باهضاً مقابل تحقيق حلمها. إنها تذكر كلام هراكليون الساخرعندما قال لها :(( ليس الأمر هينا كما تصورت...انك ستخسرين هذا الزوج اليوناني)).

هل كانت تأمل حقا أن تلقن زوجها الحب ؟ إذا كان هذا صحيحا فأملها هذا لم يتحول إلا إلى عبء ثقيل على قلبها . وبينما يعاشرها هراكليون بجسمه كان يناجي بينلا في نيويورك بفكره وقلبه.

عادت إلى غرفتها وانسلت تحت غطاء السرير دون أن تضيء النور. ودعت الله أن يمنحها جزءاً من السعادة...ولكن دون ان تؤمن بأنها تستحق ذلك . فكما لم تلائمها أحذية بينلا...كذلك المكان الذي تحتله الآن ، يرفض أن يعطيها الراحة المشتهاة . لا يستوعبها تماما. والنتيجة هي أن الحذاء الزجاجي لم يكن بمقاس سندريلا . لملمت نفسها في فراشها أخيرا...وشيئا فشيئا استسلمت لموجة من الأوهام أخذتها بعيدا عن كل شيء.



( نهاية الفصل الرابع )

Continue Reading

You'll Also Like

3.8M 56.6K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...
950K 17.3K 57
نتحدث هنا يا سادة عن ملحمة أمبراطورية المغازي تلك العائلة العريقة" الذي يدير اعمالها الحفيد الأكبر «جبران المغازي» المعروف بقساوة القلب وصلابة العقل...
490K 22.3K 34
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
22.4K 315 16
استجمعت شانتال كل شجاعتها والتفتت نحوها لايهم اقترب موعد زواجك وجينفير فتاة رائعة _اسمعي ياشنتال _ارجوك ان توفر علي التفسيرات أردت فقك أن اخبرك بأن...