أنين الهوى الجزء الأول من سل...

By Magharibia

1.9K 21 10

الأمازيغ: من مازيغ ⵎⴰⵣⵉⵖ، ومعناه المتعبد، المتدين ويعني أيضا النبيل. أَنِير ⴰⵏⵉⵔ: الملاك أو المنقذ إيلودي ⵉⵍⵓ... More

المقدمة
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس

الفصل الاول

281 4 0
By Magharibia

قبل 8 سنوات
القرية (تمازيرت)


كعادته كل أربع سنوات.... يقضي عطلة الصيف مع والده، على الرغم من أن علاقته به شبه منقطعة إلا أنه يأتي كل فترة ليقضي معه الصيف أو بعض الأعياد...
فلقريته عبق خاص يرفض أن يتركه يغيب عنها كثيرا، رغم أن طفولته التي قضاها في قريته كانت قاسية وهو الآن إبن إثنان وعشرين عاما، عندما يتذكر ما عانته أمه على يد أبيه ومحاولته أن يحميها بجسد طفل لم يتجاوز التاسعة ربيعا، كان يحس بغضب... فقط كيس ملاكمته ما يجعله ينفس عنه...

كانت أياما صعبة على طفل لم يكن يفهم معنى العبارات القاسية التي يتقاذفانها بينهما... والآن هو فقط يريد أن ينعم بقليلٍ من الهدوء بعيداً عن صخب نيويورك... وقريته من ستوفر له ذلك...

في ذلك الصيف تغيرت حياته... بعد ثلاث أيام من قدومه من أميركا كان عائدا من جولته التفقدية على ظهر أييس حصانه الأسود الأصيل ذو سلالة الأمازيغية النادرة... الشمس ترسل أشعتها الحمراء من خلف الجبال... وتُنذر بوداعها القريب... أوقفه نداء طفل لم يتجاوز سبع سنوات:
- "عمي أَنِير، عمي أَنِير..."
نزل أنير من فوق حصانه وانحنى على ركبته ليصل لمستوى الطفل، لمس شعره الرطب من لعبه في البحيرة القريبة قائلا:
- "نعم أيور، ماذا هناك؟"
- "خالتي حبيبة أخبرتني أن أعطيك هذه" أجاب الطفل وهو يخرج ورقة من جيبه، تعجب أنير وأخذ الورقة، فردها في يده ليجد رقم هاتف وأمامه مكتوب اسم حبيبة بلغة فرنسية، نظر إلى الورقة ثم إلى الطفل وقال:
-"وأين هي خالتك حبيبة؟"
أجاب الطفل:
- "هنااااك.."
تبع أنير أصبع الطفل الذي يشير إلى فتاة ترتدي السواد... واقفة أمام شجرة اللوز، فجأة سمع صوتا مسكرا:
-"أيوووور"
كانت تنادي الطفل، الذي لبى النداء جرياً... أعطته شيئا ثم هرول ليستكمل لعبه مع الأطفال في البحيرة، وتفاجأ حين شاهدها آتية باتجاهه، وقفت على بعد عدة خطوات منه، وفكت ازارها الأسود ليظهر وجها أبيضا كالبدر، نحرها ومقدمة صدرها أفقداه توازنه، رفع عينيه من مقدمة صدرها مرورا بعنقها وقبل أن يصل لشفيتها... لاحظ وجود وشم باللون الأخضر، الذي امتد لتحت شفتيها الممتلئة أكثر من اللازم... ثم وصل لعينيها المكحلة باتقان بكحل أسود زاد من اتساعهما، واللون الأحمر لطرحتها أظهر مدى بياض ونعومة بشرتها... أحس بنغز في أصابعه يخبره أن يمد يده ويمررها على وجهها، ليفنذ نظريته عن بشرتها...
أخرجه من دوامته همس صوتها المغوي:
-"أزُولْ ( مرحبا)"... لتستطرد بمياعة "سأنتظر اتصالك"
ثم انطلقت تكمل مسيرها، ولكي تفقده أكثر صوابه تعمدت رفع جانب إيزارها وقفطانها الأحمر لتظهر رسمة للحناء الشديدة الحمرة ...تمتد على طول ساقها من الوراء، ولونها يناقض لون بشرتها، راقبها حتى اختفت في طريق ضيقة وسط أشجار كثيفة، من شاهدهما عن بعد سيعتقد فقط أنهما تصادفا في منتصف الطريق دون كلام... لكن ما حدث زلزل أنير، هل للتو واللحظة شاهد ملاك يمشي على الأرض، أيقظه من شروده صهيل أييس بعدما أزعجه جر أنير المتواصل للجام...

زفر نفسا ساخناً من شدة تأثره بما شاهده للتو... فعلى الرغم من سنه الصغيرة الذي لا يظهر عليه نظرا لبنيته الضخمة التي تشبه بنية والده، وعززها بساعات عدة من الرياضة، إلا أنه يعرف جيدا متى تحاول الأنثى إغواء رجل، وحبيبة تسعى إلى الاطاحة به، وقد نجحت... ركب أَيِّيسْ وانطلق، والورقة مازالت في يده، كأنه يخشى ضياعها... وكأن حياته تكمنُ فيها...

طوال فترة جلوسه مع أبيه على مائدة العشاء، وهو يتململ، كأن الثواني أصبحت ساعات... حمد أبوه الله، كإشارة أن العشاء قد انتهى، تمتم بوجوب ذهابه لفراشه ليستريح، ثم انطلق إلى غرفته، ما أن دخل حتى أسرع لهاتفه وتفقد وجود الارسال... فأكثر ما يزعجه في هذه القرية هو ضعف الارسال فيها، لحسن حظه التغطية كانت في أوجها، فَرَدَ الورقة فوق فراشه ونقل الرقم بسرعة وضغط على زر الاتصال، وهو يفكر هل من الممكن أن تكون في مكان لا توجد فيه تغطية؟... بعد الرنة الأولى أجابت
-" ألو؟ "
أسكره صوتها بقي دقيقة كاملة صامتا لا يُسمع إلا صوت تنفسه...
-" أنير؟ "
همست بكل دلال يمكن أن تصل إليه... ليغمض عيونه... وصوتها يأخذه بعيداً... لمكانٍ لا قرارة له... وهو يعلم جيداً أنه لن يعود من هناك... أنير القديم... وبصوت أجهش أجابها :
-" أعيديها؟"
- "ماذا؟" تساءلت باستغراب
- "أعيدي ما قلته الآن" أصر و هو يفتح عيونه يحدق في السقف العالي جداً للغرفة ذات الطابع التقليدي مع لمسةٍ عصرية...
أجابت... وعيونها تصبح أشد لمعة، ونظرة الإصرار تحتلهما:
-"أنير...." سكتت ثم أكملت "حبيبي أنير"
- "ماذا؟" قال بتفاجئ وهو ينهض من مكان استلقائه
ردت عليه بصوت جذاب:
-"نعم حبيبي أنير... من مدة طويلة وأنا أحبك وكاتمة حبك في صدري... والآن لم أعد قادرة على ذلك"
- "منذ متى؟" سأل ببرود
- "من أربع سنوات أو أكثر... منذ آخر مرة زرت فيها القرية...."
سكت من الصدمة... لا يدري هل صدمة اعترافها أم جرأتها!
- "هل ما زلت معي؟" قالت حبيبة
- "نعم" أجاب أنير بهدوء ما جعلها ترتعب
- "ولماذا أنت ساكت... قل شيئًا"
- "ماذا تريدين مني حبيبة؟"
- "أريدك!!" همست بإغواء
- "ماذا؟" رد بصدمة.. ليردف بعد صمتٍ استطاع تمالك نفسه به "ماذا تعنين بأنك تريدنني؟"
- "أريدك أن تحبني كما أحبك.."
- "ومن أدراكِ أنني لست مرتبطاً؟ "قال يغيظها
- "أعرف... إِيلودي ذكرت مرة أنك لست مرتبطا ولا تفكر بالارتباط.." قالت ببساطة....
"تلك الغبية الحشرية إيلودي!! من أعطاها الحق للتحدث عني!!" غمغم في نفسه
- "ربما لست كذلك في القرية، لكن قد أكون مرتبطا في أميركا" أكمل مستفزا "فكما تعرفين هناك العلاقة تكون أكثر متعة، فلا قوانين ولا أعراف تأطرها... نفعل ما نريد في أي وقت نريد... و هذا النوع من الحب ما يستهويني... وليس الحب العذري مجرد مكالمات مسروقة في جوفِ الليل فقط"
- "موافقة.." قالت ببساطة و ثقة وهي تستوي جالسةً
- "على ماذا بالضبط؟ لا أذكر أنني قدمت لكِ عرضا!" قال وحاجباه يرتفعان أكثر... عقله يرفض تصديق ما سمعه
- "موافقة على نوع العلاقة التي تريد..." قالت بهدوء... صمت لدقيقة كاملة...
هل حقا ما يسمعه؟!!
حبيبة وافقت على ما لمح إليه في لحظة استفزاز... هو اتجه لهذا الأسلوب كي يبعدها عنه، لأنه على الرغم من أنه غربي التربية ويستفيد من ذلك بأقصى ما يستطيع... لكن شخصيته يطمرها في قريته، حتى إذا اشتاق للهوه يذهب إلى اقرب مدينة ويستمتع ليلة أو ليلتين رفقة جميلة أو أكثر... لكن كل ذلك بعيدا عن قريته، كأنه يخشى تدنيسها... أو ربما حبيبة أحيت فيه ذلك الولد الطائش الذي يترك بذلته أمام باب قريته ويلبس جلباب التهذيب...
حبيبة فاجأته فعلا فاجأته وبشدة... نظر إلى الساعة الأثرية المعلقة على الحائط وكانت تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل، ولكي يزيد الأمر اثارة، فجر قنبلته على مسامعها..
- "حسنا، لاقيني في الاسطبل بعد 10 دقايق..."
-" 30 دقيقة تعرف الوقت متأخر... وصعب أن أخرج بدون أن تعلم جدتي..." قالت بسرعة تترجاه
- "15 دقيقة إن لم تأتي، فسأعرف اجابتك" أجاب بصوت واثق
-" حسنا سأغلق الآن سنلتقي بعد 15 دقيقة، في اسطبل مزرعتكم.."
أغلقت الخط بينما بقي يحدق في الحائط المقابل له فعلا هذه الحبيبة تفاجئه، اعتقد أنها سترفض لكنها مصممة... وبدأ حقا يستمتع بهذه اللعبة... حسنا حبيبة لنرى إلى أي مدى ستصل جرأتك...
نهض ولبس معطفه على الرغم من أن الفصل صيفا إلَّا أن برودة الليل تنخر العظام في هذه المناطق...
خرج من البيت وقبل أن ينزل السلالم القليلة التي تفصل البيت عن الحديقة... رفع نظره ليرى القرية من وراء سور بيتهم على الرغم من علوه إلا أنه بمجرد أن تقف على السلالم المؤدية للبيت تظهر القرية التي تسبح الآن في ظلام دامس... فقط ضوء خافت يخرج من نافذة منزل أو منزلين، الكل نيام ولا يسمع إلَّا صوت الحشرات... عواء كلاب وشجار القطط الضالة... نزل بهدوء لا يُسمع إلا صوت حذاءه الضخم يمر على أوراق شجر يابس متساقط هنا وهناك... اتجه شمالا قاصدا الاسطبل، كان يبعد عن البيت بمسافة لا بأس بها، غالبا كان يقطعها بسيارة خاصة بالغولف فهي هوايته...و أبيه لا يدخر شيئا من أجل تسلية أهل بيته ومن أجل مركزه في القرية كأغنى رجل في هذه المنطقة...الكل يحترمه، وهذا نابع أن أباه يعتبر كل سكان قريته كأهل له، وبيته مفتوح للجميع، وهيبته استمدها أيضا من تاريخ العائلة الحافل ببطولات ضد المستعمر الفرنسي والاسباني، فجده كان قايد لدى الفرنسيس، وكان مخبرا سريا للمقاومة، وبيته دائما يحتضن الاجتماعات السرية للمقاومين ضد المستعمر، ولما كُشِف أمره، وأُمِر أن يدنس شعار الدولة وأن يدنس اسم الله وذلك بالتبول على القرآن، ويدعو إلى بقاء الملك في المنفى وأن يخون بلده... رفض فكان عقابه أن أُعدِم، ومن ذلك اليوم ولقب القايد مصاحب لاسم كبير عائلة "بولخير"...
وصل إلى الاسطبل... دخل وتفاجأ بأحدهم يجذبه من يده إلى داخل مستودع خاص بتكديس التبن وأغراض الأحصنة... ثم قبل أن يدري ما يحدث همهمت أمام شفتيه:
- "تأخرت.."
غمغمت أمام شفتيه... قبل أن تأخذه بجولة بشفتيها الخبيرة... كان أنير وكأنه صعد إلى الجنة... شفتيها الممتلئتين أفقدتاه المتبقي من صوابه... فتولى زمام الأمور وأصبح يقبلهما كأنه ينوي انتزاعهما من فمها، حاجتهما للهواء أجبرتهما عن التوقف... عم الصمت إلَّا من تنفسهما المضطرب، على الرغم من أن الظلام حالك إلَّا أنهما كانا يحدقان في أعين بعضهما في تواصل لم يقطعه إلَّا يد حبيبة عندما امتدت إلى الجزء العاري من صدره... اقترب منها واستلم شفيتها مرة أخرى في عناق قاس... يديه أصبحت أكثر جرأة وهي تنتقل في جسمها بحبكة رجل يعرف جيدا جسد المرأة... أنين صادر من حنجرة حبيبة جعله يتوقف و هو يعي أين هو ومع من... إبتعد عنها، فرفضت وهي ترفع يديها إلى عنقه لكنه أبعدهما قائلا بصوت صارم:
-"حبيبة انتظري.."
ردت عليه بهز رأسها نفياً... تفاجأ من ردها وأبعدها عنه بخشونة... فسقطت على كومة تبن... أشعل مصباح صغير على جانب المستودع... بتشوش و صدمة وقف بتصلب يسترجع كل ما حدث منذ ثواني...نظر لها كانت أزرار قفطانها منزوعة وصدرها يظهر تحت صدرية حمراء مثيرة، أحمر شفاهها الفاقع منتشر على فمها والجزء المحيط به... عنقها أحمر وآثار قبلاته ظاهرة، شعرها الطويل ملتف على جانب وجهها وظهرها، كانت آية الجمال والاثارة... أبعد عينه عنها، كانت تنظر إليه نظرة ظافر... فابن "القايد عبد الجليل" بلحمه وشحمه تفقده صوابه، كان دائما محاط بهالة من الرجولة والفخامة تجبر الشخص أن يبتعد عن طريقه... جميع فتيات القرية كن يبتعدن عن طريقه ليس لأنه مخيف، بل لأن تلك الهالة تخبرهن أنهن لسن من مقامه، وهو لن يتنازل من عليائه ويختار واحدة منهن، ولكنها قررت ووضعته نصب عينيها... سوف يكون لها سواء بالحرام أو بالحلال.. أنير ابن "القايد عبد الجليل" سوف يكون لها وسوف تسقطه في حبالها... ألا يقولون أن في الحب والحرب كل شئ مباح... هي ليست في حب، بل في حرب للظفر بأوسم وأغنى شاب في هذه القرية، ولتصل لمرادها يجب أن تكثف جهودها لتحظى به... في الأخير ليس هناك رجل محمي ضد جمال امرأة، وهي أكثر من جميلة، في الثامنة عشرة... تغيرت نظرتها وهي تتذكر ابنة من هي...
ابنة السكير الذي انتحر بعدما انتشرت قصته مع إحدى النساء، مما أجبر أمها على العودة إلى القرية... فضيحة لازالت الألسن تلوكها، على الرغم من مرور أربع سنوات على ذلك، ما أدى إلى تفاقم مرض أمها وموتها بعده بأشهر... صراحة لا يهمها الأمر، لا يهمها إلا نفسها... نفسها وبعدها الطوفان، حدقت فيه وابتسمت في رضى لما لاحظت تأثره بها، حان وقت المرحلة الثانية، وقفت و همت بنزع ما تبقى من ملابسها، لما لاحظ ما تفعله أسرع بامساك يديها وأجبرها على الجلوس على نفس كومة التبن، وجلس أمامها، نظر إليها قليلا ثم قال:
-"حبيية هل أنت واثقة مما تنوين فعله؟"
أجابت وهي تنظر في عيونه
-"كل الثقة"
وقفت وجلست في حجره تنوي تقبيله... لكن صوت خطوات قادمة جعلته يبتعد عنها فجأة... أجبرها على الوقوف والاختباء خلف الأدوات خاصة بالزراعة، ثم سمع صوت ينادي:
- "من هناك؟"
أغمض أنير عينيه لثواني ثم أطلق زفير طويل وخرج من المستودع باتجاه اسطبل الأحصنة ووقف أمام أييس، الذي صهل بمجرد أن لمحه، دخل عزيز إلى الاسطبل فلمح أنير، واقترب منه مادا يده:
- "السلام عليكم سيد أنير، اَسف ان ازعجتك، سمعت صوت في المستودع، واعتقدته أحد اللصوص.... فالسرقة أصبحت عادة هذه الأيام"
- "شكرا لك عزيز، لم أستطع النوم فجئت أتفقد أييس... ربما نخرج لنزهة خارجا... كم الساعة الآن؟"
- "إنها الثانية صباحا... فكرة رائعة سيد أنير... أتريد أن أسرجه لك؟"
- "لا داعي عزيز... يمكنك الانصراف"
انصرف عزيز وبقي أنير ينظر لأييس، كأنه يستشيره ماذا يفعل، ولماذا لا يحس بالاطمئنان تجاهها، لم يستمر طويلا زرر معطفه وخرج متجها إلى خارج الاسطبل...
أما حبيية فبمجرد ما أحست بخروج عزيز خرجت من مخبئها، وبدت تستعد للجولة التالية مع أنير... لكنها صدمت حين وجدت المكان خاليا... الغبي تركها وحيدة وذهب!!
لبست لحافها وغطت وجهها وخرجت بخفة باتجاه الباب الخلفي للمزرعة، من حظها أن عزيز كان في جولته التفقدية ولم يلمحها... دخلت منزلها ووجدت جدتها تسخن ماء للوضوء في موقد تقليدي يعمل بالأعواد مصنوع من الطين الأحمر أصبح لونه أسودا من كثرة الاستعمال، استعدادا لقيام الليل قبل آذان الفجر، دخلت حبيبة بدون اكتراث وأغلقت الباب بقوة دليل عصبيتها...
- "أين كنت يا فتاة؟"
- "ليس من شأنك!! اهتمي فقط بصلاتك!! فملك الموت يجول في الأرجاء... وأمثالك ماتوا من زمان"
- "هداكِ الله" تمتمت الجدة
ليست هذه المرة الأولى التي تهينها فيها حفيدتها، لكنها صابرة لوجه الله... فابنتها ماتت بعد فضيحة زوجها بأشهر، وتركت لها حبيبة ليس لها إلا سواها.
- "رحمك الله ابنتي، أنجبتي ولم تحسني التربية.." أردفت و هي تتكئ على عكازها و تتجه إلى الحمام للوضوء...

******

وصل أنير إلى البحيرة، وجلس يتأملها وضوء القمر ينبرها، فيكسبها هالة من الجمال...بعد فترة تذكر الفاتنة التي تركها وراءه، نهض من مكانه ورجع إليها، فلم يجدها ربما ملت من الانتظار وذهبت إلى منزلها... رجع إلى غرفته لينام قبل آذان الفجر، واستيقاظ أبيه، فهو لن يتوانى في ارسال أحدهم لايقاظه للصلاة ، على الرغم من أنه ليس مداوماً عليها لكن لتفادي الصدمات مع أبيه يصلي عندما يأتي للقرية، تذكر اللحظات التي عاشها مع حبيبة، كانت لحظات رائعة، إنها فعلا تعرف فنون التقبيل مقارنة بقروية لم تغادر قريتها أبدا، أو ربما ذهبت للمدينة المجاورة لاكمال دراستها الجامعية.... المرة المقبلة سيعرف عنها أكثر... مهلا وهل ستكون هناك مرة مقبلة؟ سأل نفسه... "بالطبع "... أجاب نفسه فهو لم يرتوي بعد من عسلها المتدفق، ضحك على التشبيه وأخذ هاتفه بحث عن رقمها وأرسل لها رسالة..
(شكرا على اللحظات المذهلة.. إلى لقاء آخر)

******

كانت تفكر بخطوتها القادمة معه، هذه المرة هو من يجب عليه ان يقوم بالخطوة المقبلة، فقدت تنازلت كثيرا من اجله، سمعت رنة رسالة من هاتفها النقال الموضوع في النافذة ضمانا لتغطية جيدة، تأففت وهي تقول
- "أقسم إن كانت الرسالة من شركة الاتصالات فسوف أكسره على رؤوسهم، لا أعرف كيف ولكني حبيبة وسأجد طريقة ل..."
سكتت بعدما لاحظت أن الرسالة من أنير، أحست بسعادة وهي تعيد قراءتها للمرة المئة ربما... عدَّت إلى عشرة وأرسلت له الجواب
(إلى الملتقى... حبيبي)
ونامت وابتسامة من على وشك تحقيق مراده ترتسم على شفتيها..

***

بعد شهرين،

انطلق أنير إلى مكان لقائهما المعتاد وهو يفكر في علاقته بحبيبة... هي فقط امرأة جميلة وهو يحس بالملل وصُدِف أن تكون متاحة... أقنع نفسه... لكنه بمرور الوقت أصبح يجد نفسه يفكر بها كثيرا، على الرغم من أنه لم يصل بعد لحد أن ينسى فيها نفسه بالكامل... لا يدري لماذا في كل مرة يكونان معا يستعيد وعيه في آخر دقيقة، ربما لا يريدها أن تفقد معه أغلى ما تملك الفتاة لأنه متأكد أنه لا تناسبه لا ماديا ولا ثقافيا، فهو خريج أكبر الجامعات الأمريكية، وطموحه أن يصبح من ألمع مهندسي أميركا... أو ربما هي فقط حب صيف سرعان ما سينساه بمجرد أن يعود لصخب حياته في أميركا، خصوصا أنه مقبل على اكمال الدراسات العليا في تخصص الهندسية المعمارية شغفه منذ الصغر... لكن احساسه وهي بعيدة عنه أو عندما تخاصمه ولا تكلمه ليوم كامل لا يخبره أنه يعيش قصة حب صيفية... وهو الذي أدمن مكالماتهم التي غالبا ما تكون بعيدة عن التهذيب...
وصل ووجدها كما العادة في أبهى حلتها، اقترب منها ووضع يديه في خصرها النحيف كانت ترتدي قفطان من اللون الأخضر ومقدمته مزينة باللون الأصفر والأحمر بفتحة عنق منخفضة جدا، وفتحة من الأمام تصل إلى نهاية فخدها، واثنين في كلا الجانبين تصلان إلى الركبة، كان ضيقا جدا... ترتدي شربل في اللون الأحمر وفي أحد رجليها خلخال فضي ورسمة حناء ملتوية على ساقها إلى الركبة... ابتعد قليلا لكي يتأملها تحت الانارة القليلة لمصباح المستودع، كانت تظهرها فاتنة بشعرها الأسود الطويل الحر على ظهرها وفوق كتفيها... كان طويلا جدا لدرجة أنه يكاد يلامس الأرض، ورائحته مزيج بين القرنفل والعسل... كان دائما يتساءل كيف تقوم بغسله، حين سألها مرة ضحكت ضحكة رنانة وأجابته أنها تذهب إلى البحيرة الموجودة خارج القرية وتتحمم، لم يسألها أو يدقق في ملامحها إن كانت فعلا صادقة، فقط أخبرها أن تدعوه المرة المقبلة، فالأيام الماضية أخبرته أن قاموسها لا يحتوي على كلمة مستحيل، شفتاها المطلية بلون الدم أظهرت بياض بشرتها، حقا لأول مرة في حياته يرى جمال امتزاج اللون الأحمر والأسود والأبيض... ابتعدت عن مرمى عيونه ومالت قليلا للوراء تبحث في حقيبتها الصغيرة مما سمح له بتأمل مفاتنها، استقامت بعد أن وجدت ما تبحث عنه... أبعد عينيه عن المنظر المثير ليرى ما تحمله في يدها فتح فمه في صدمة لم يصدق عينيه... ثم ضحك ضحكة طويلة جعلتها تسرع لتغلق فمه بكفها قائلة:
- "يا الهي أسكت ستفضحنا!! اعتقدت أن هذا ما يمنعك عن اكمال لقائنا" كانت تتحدث وعيونها في عينيه بدون أن يرمش لها جفن...
" يا إلهي!! ألا تخجل؟" ردد في نفسه... فحتى أكثر النساء تحررا اللاتي صادفهن في أميركا كن يصلن لمرحلة يحمرن خجلا، أما هذه الفتاة فكأنها تتحدث عن أخبار الطقس وهي تحمل جريدة في يدها... يا إلهي لا يريد حتى التفكير في كيف حصلت عليه، ثم أكملت:
- "... فقد أحضرته... أعلم أن الأمر مربك أن تذهب إلى الصيدلية وأنت غير متزوج... صاحب الصيدلية يحب الثرثرة كثيرا و...."
انتزعه من بين اصابعها بعنف قائلا:
- "لا ليس هذا ما يبعدني عنك، أنا فقط أخاف أن تندمي بعد ذلك... فيمكن أن لا أستحق هذه الهدية... فبالأخير يمكن أن لا أكون فارس أحلامك"
نظر إليها ورآى الارتباك على محياها... إذن فهي في الأخير أنثى تخجل كسائر النساء... أردف وهو يبدأ بفك أزراره:
- "هل أنتِ متأكدة من قرارك؟"
حركت رأسها كدليل موافقة... ثم اقترب منها وأخذ شفتيها في قبلة طويلة، وهي تبادله في لهفة وبعد فترة طويلة جدا، وهي بين أحضانه، أدرك أن نظرة الارتباك ليس لأنها خجلى بل لأنها تخشى من تصرفه إذا اكتشف أنها ليست عذراء... وهو ليس أول رجل في حياتها... هو لا يهمه الأمر، فهي حرة بجسدها تهبه لمن تشاء، لم يحس معها بأي شئ غير مألوف له... مجرد نشوة وسعادة مؤقته انتهت بسرعة بعد افراغ احتياجات جسده... تحركت واضعة رأسها فوق قلبه... فلم تستشعر تسارع دقات قلبه... لاشئ كأنها لم تسلمه نفسها للتو واللحظة... ألم تؤثر به كفاية؟ لماذا لم يغضب كونه ليس أول رجل بحياتها؟ هل سينهي علاقتنا؟
- "أنير؟"
- "هممممم "
- "هل غضبت.. كونك لست أول رجل بحياتي"
- "حبيبة... أنا رجل عشت حياتي كلها في الغرب، ومسألة العذرية حرية شخصية تهبها المرأة لمن تشاء... المرأة لها الحق في عيش حياتها الجنسية كما للرجل أيضا... فلماذا تُعاقب المرأة و لا يُعاقب الرجل..."
أحست بعدم رضى من اجابته، فكونه لم يغضب دليل عدم غيرته عليها، ليس مثل صالح، الذي أحبها بجنون والليلة التي اكتشف فيها أنها ليست عذراء أشبعها ضربا وقطع علاقته بها...
نظرت لملامحه، على الأقل أنير لازال معها... أحست بفرح يغمرها، إذن فرصتها لم تذهب بعد... فقط بعض التخطيط المتقن وسوف تحمل اسم أنير للأبد، لكنها شعرت بقشعريرة وهي تسمع صوته وهو يقول:
-"أن أتغاضى عن علاقاتك قبل أن تعرفيني، لا يعني أنني سأسامحك إن فكرت بخيانتي... حتى مجرد التفكير بذلك... بالنسبة لي الخيانة تعني نقطة النهاية... وأنا لا أرجع أبدا لما قبلها"
أحست بالخوف، أن يتحدث عن الخيانة، والآن بالتحديد يعني أنه لا يثق بها، وعدم ثقته يهدد مكانتها عنده... أيقظها من أفكارها سؤاله إن كانت تحمل المزيد، فأومأت بنعم وذهبت تحضرها له وهو يتبعها بنظره، ما أن عادت حتى بدأت رحلتهم المحرمة، ولم تنتهي إلَّا بصوت المهلل لصلاة الفجر...
(الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم....)
ثم افترقا بدون كلمة....
بعد وصوله للمنزل وجد أباه جالسا في صدر المنزل العريض، يبدو أنه ينتظره ليذهبا سويا إلى المسجد، فهذه عادتهما على الرغم من أن الصمت هو ما يكون سيد رحلتهما إلا أن أباه يصر على أن يذهبا سويا درءا للمز من الناس... فهو في غنى عن قصة جديدة في حياته... ألقى نظرة خاطفة لوالده الجالس دون حراك وهو مسند بيده اليمنى على عصاه، كانت تعابير وجهه لا تبشر بالخير، ألقى السلام وهم بصعود الدرج إلى غرفته، فباغته أبوه بالسؤال:
- "أنير أين كنت؟"
- "سهرت مع بعض الاصدقاء"
رد متأففا، يعلم كما يعلم أباه أن كذبته مكشوفة، فهو نادرا ما يُرى مع أحد شباب القرية، دائما ما يتجنبونه، وإذا حصل وانضم إليهم كانوا يعاملونه على أساس أنه الامريكي ابن الحسب والنسب، فحتى إذا حضر يتنازل له أحدهم عن مكان جلوسه، فكان لا يحس بالارتياح بينهم، على الرغم من أن اغلبيتهم من نفس سنه بل وكانوا أصدقاء طفولة، لكن سنين غربته جعلتهم يعتقدون أنه سيترفع عن مجالستهم ومخالطتهم...
- "بل قل سهرت بين أحضان فاسقة، هل تعتقد أنني لا أعلم أنك تقابل تلك الفاسقة في أرضي"
نظر إليه أنير والصدمة تعلو وجهه وفجأة كساه البرود، وقف عبد الجليل ثم أكمل بقوة:
- "أكثر من أضعاف أضعاف عمرك وأرض أبائي وأجدادي لم تدنس... و تأتي أنت ابن عاهرة وتدنسها!!" صاح عبد الجليل وهو يضرب بعصاه الأرض.
لم يتمالك أنير نفسه وأجابه بغضب أكبر:
- "لا تذكر أمي بسوء!! أمي أشرف منك!!"
لم يحس إلا وعبد الجليل يصفعه على جانب وجهه... نظر إليه نظرات قاتلة... لو كانت تقتل لخر عبد الجليل صريعا، لكنه لم يُزحزح هذا الأخير عينيه من عيني ابنه، كانا عملاقين، لكن كثرة ما عاشه من مصائب وكبر سنه تهدلت كتفا عبد الجليل ليبدو أقصر من ابنه بقليل، أشاح أنير ببصره وصعد إلى غرفته جمع ملابسه وأوراقه اللازمة، ليخرج من المنزل باتجاه سيارته ذات الدفع الرباعي وانطلق مع بداية يوم جديد مخلفا وراءه أبا نزلت دمعته جراء ما فعله بابنه الوحيد، وجراء ما فتحه من أبواب جحيم يعلم جيدا أن ما سمعه ابنه منه لن يمر مرور الكرام..
"صبرت يا عبد الجليل... سنوات ولم تستطع أن تلجم فمك لثواني... ما ذنب ابنك ليتحمل وزركما" همست بتأنيب ضمير.

استغفر الله وهو يتجه إلى الباب ليلحق صلاة الفجر، وقلبه ينزف دما على ابن وقف وسط صراع أبوين أنانين، على الرغم من نظرة الكره التي يلمحها في عيني ابنه، إلا أنه لا يستطيع تشويه صورة أم لابنها، فليتحمل سوء اختياره... فقبل 22 سنة، قرر الزواج بعد عزوف كبير، ليس عزوف اخيتاري، فقط كل عام يقرر فينتهي عام ويأتي عام ومشاغله لا تنتهي، إلى أن وصل لنهاية الأربعين، ورضخ أخيرا لقرار أبيه بتزويجه بابنة صديقه، ابنة المدينة التي كرهت كل لحظة في هذه القرية، حتى بعد ولادة أنير رفضت التأقلم، وهو سلك كل الدروب لذلك، لكنها لم تستطع أو بالأحرى لم تحاول....
أيقظه من شروده صوت الإمام وهو يتلو سورة الفاتحة، بصوته الجهوري في مكبر الصوت، مما منح المكان جو آسر من الخشوع، أسرع وهو يستغفر وينضم لصف المصلين الأخير..



Continue Reading

You'll Also Like

8M 503K 53
رجلٌ شرسٌ شُجاع مُتقلبُ المزاج غريبُ الطورِ عديَمُ المُشاعر حيَادي لا ينحاز سَديدُ الرأي رابطُِ الجأَشِ وثابِتُ القلب حتىٰ.. وقعت تلك الجميلةُ بين...
670K 28.9K 41
[ ADULT CONTENT ] لَم أَتَوَقَّع آنِنيَ سأقع في حُبِّ شقيقُ زوجيِ مِن النَّظرَة الْأَوَّليّ كانَ رَجُلٌ مَهِيب يَسْرق الْقُلُوب قَبل الْعُقُول . اعل...
224K 20.6K 11
في عالمٍ يملأهُ الزيف غيمةً صحراويةً حُبلى تلدُ رويدًا رويدًا و على قلقٍ تحتَ قمرٍ دمويْ ، ذئبا بشريًا ضخم قيلَ أنهُ سَيُحيى ملعونًا يفترسُ كلُ منْ ح...
809K 24K 39
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...