باب البحيرة . ماروسكا (مكتمل...

By Magharibia

1.4K 13 1

نعيد مع ماروسكا تجربتها الفريدة في إيطاليا..... على شكلِ باب البحيرة....قصة ملتهبة بين ربوع جمال إيطاليا. More

كومو
ميلانو
كومو
من توسكانا إلى روما
نابولي
نبيذ نابولي
الحفل
كابري
أنتويرب
غريبين في الليل
الخيانة

سيشيليا

78 0 0
By Magharibia

في الطائرة كانت تجلس بجانبه وهو يعمل على حاسوبه الشخصي .. كانت طوال الوقت تتأمل الخاتم الكبير في أصبعها وتديره بيدها الاخرى .. كانت الماسة كبيرة وثقيلة، تبهر الابصار .. غير مصدقة من أنه قد طلب يدها بعد أول ليلة تقضيها معه .. عندما استغربت تسرعه، أخبرها بأنه لا يملك وقتا لتضييعه .. هو يحبها ويريد أن يمضي بقية حياته معها .. حتى أنه أخبرها بألا يستخدما موانع حمل في المرات القادمة عندما يمارسان الحب .. إنه يتوق ليصبح أبا. نظرت إليه وهو يعمل .. كانت سعيدة، سعيدة جداً  وتشعر بأنها بالتأكيد ستحب هذا الرجل.
وحتى عندما أخبرها باتصال الدون به ودعوته لحفل غذاء على شرف وصول أخته وحفيده لبيت العائلة في صقلية .. وطلب مرافقتها لم ترفض الذهاب معه .. ونظرت للخاتم من جديد والذي به ستعود إلى صقلية، صقلية التي نسيت بأنها سبق وكانت فيها في ظروف عجيبة.

عند وصولهما إلى العاصمة صقلية وجدا سائق فابيو الخاص قد سبقهما إليها وكان في انتظارهما .. بدا لصونيا أنه فعلا لا يفارق فابيو إلاّ لماماً. قاد السيارة بهما إلى خارج مدينة باليرمو في براري صقلية حيث كانت الاراضي خصبة وغابوية وأحيانا أخرى تميل للتصحر ويكثر فيها نبات الصبار وثماره. اقتربوا أكثر من مدينة قطانية لكنهم لم يدخلوا اليها بل قاد السائق السيارة في اتجاه بركان إثنا .. البركان الذي قال جوليانو عندما كان يوصلها إلى مطار الجزيرة إنه ولد تحت قدميه ويوم ولادته كان البركان غاضبا، غاضبا جداً!
  فكرت بذلك قبل أن يجذب انتباهها تخفيف السائق للسرعة في طريق كانت سيارتهم وحيدة عليه.. تحيط بهم من كلا الجانبين أشجار الليمون والحمير تحتمي تحتها من الشمس الحارقة ونباح الكلاب يصل إليها من نافذة السيارة التي كانت قد تركت جزءً منه مفتوحا.

تسارعت دقات قلبها، وأدارت الخاتم في يدها بتوتر عندما توقف السائق أمام بوابة كبيرة عليها حراس كُثر. اقترب واحد منهم للسيّارة  وكانت بطنه بارزة بشكل ملفت وشعره أسود ملمع كما أن رائحة عرق قوية فاحت منه عندما أطل عليهم من نافذة السيارة .. انتقل بنظراته عليهم واحدا واحدا: للسائق ثم لفابيو وبعدها إلى صونيا .. قطب جبينه لكنه رفع رأسه وأشار للحراس بفتح الباب. ولمحت صونيا نظرة فابيو الساخرة يتبادلها على المرآة الامامية مع سائقه، الذي تحرك الى الداخل على طريق  طويلٍ جداً .. كانت تلك كلها ملكية خاصة سهول شاسعة لأشجار الزيتون الصقلي والليمون والبرتقال الاحمر الايطالي واليوسفي. كان البركان يظهر من بعيد في الافق وتحت قدميه كان ينتصب بيت كبير بدت جدرانه قديمة وبسيطة ولكن ما إن اقتربوا منه حتى دخلت السيارة بين أعمدة رومانية بلا سقف وهناك كانت ساحة في وسطها نافورة أمام البيت الريفي .. فغرت صونيا عن شفتيها وهي تتأمل تلك الكمية الكبيرة من العروش المتسلقة حول الدرجين الحجريين .. واحد عن اليمين والاخر عن الشمال والاثنين يلتقيان عند باب البيت الداخلي .. كانت كل تلك العروش مليئة بورود الجوري المتشابكة فيما بينها لكأنها كانت في عناق سرمدي .. وكل تلك الورود كانت حمراء، حمراء كلون نبيذ بركان إثنا.

كانت في النافورة بضع حمامات تروي عطشها، طارت في الحال عندما دخلت السيارة للساحة وظهر في نفس الوقت من الباب رجال نزلوا الدرج إليهم لاستقبالهم .. وكانت صونيا قد تعرفت عليهم فقد رأتهم في حفل خطوبة جوليانو وإليونورا. جوليانو! فكرت وهي تنظر خلفهم لعلها تلمحه لكنه لم يظهر وازداد توترها.

ابتسم أعمام جوليانو وبرفقتهم الحفيد الأكبر للعائلة بتكلف وقاموا بتحيتها كما فعلوا مع فابيو.
" تفضلوا بالدخول .. الدون بانتظاركم في الداخل." ردد السينيور لويجي أكبر أبناء الدون.
ظهرت ابتسامة أخرى على وجه فابيو وكانت كسابقتها: ساخرة متهكمة!

لماذا هي بحق الرب هنا؟

سألت نفسها ذلك وهي تدخل لبيت آل سيسليانو .. لكن لم يبقى لها الوقت لتجد تفسيراً لتصرفاتها المتهورة .. فقد استقبلتهن النساء .. عمة جوليانو وزوجات عمه وبناتهن وفي الاخير قدِمت إليهما والدة جوليانو: دونّا فالنتينا وهي ترتدي هذه المرة نظارات طبية صغيرة وبرفقتها زوجة ابنها إليونورا.. ومرة أخرى لا وجود لجوليانو ولا أحد تحدث عنه.
جذب فابيو فورا أخته بين يديه وضمها بقوة إليه معبراً عن اشتياقه لها ولكن لم يبدو على إليونورا أنها بادلته العناق فعلا .. كانت باردة المشاعر وهي تنظر من على كتفه لصونيا، تبادلا النظرات الصامتة، شعرت معها صونيا بشيء من تأنيب الضمير لم تعرف سببه! ربما لأنها رأت التعاسة في عيني اليونورا .. ولكن ذاك كان قرارها هي وجوليانو لقد فعلت ما بوسعها لتغيير الامور لكن الاثنين تشبثا بعنادهما. سألها فابيو بقلق أبوي: " هل أنت بخير؟"

وأتاه الجواب قويا من الخلف: "إنها بألف خير فابيو .. لقد صارت فردا من عائلتي."

نظر الجميع إلى الدون العجوز وهو جالس على كرسي ذو ظهر عال منظره كمنظر ملك يعاني من مرض جنون العظمة .. بقي في مكانه ينتظر قدومهم جميعا إليه .. فأحاط فابيو بخصر صونيا ومشى إليه بخطوات واثقة .. رأسه عاليا وصدره منفوخ .. جلسا قبالة الدون في وسط البيت الفسيح وفعلت عائلته المثل وجلست حوله .. سأله الدون وهو يضع كلتا قبضتيه على رأس عكازه الذهبي حيث ظهرت خواتمه كلها في أصابعه: "ها أنت ذا في بيتي يا فابيو."

ارتخى فابيو في جلسته بطريقة متعمدة وقال: "كما ترى دّون أنطونيو، الحياة عجيبة بالفعل!"

لاحظت صونيا بأن الدّون كان كمن يتجاهل وجودها بينما بقية عائلته تحدق إليها بفضول .. وبين الحين والآخر كانت صونيا تسترق النظر لإليونورا الجالسة بجانب دونا فالنتينا بلا حراك .. وبعد أن قدمت لهم امرأة ممتلئة ترتدي ثياب مطبخ: النبيذ البركاني وعصير الليمون البارد والجبن وقطع حلويات بيتية، جاءت ثلاث فتيات صغيرات تتراوح أعمارهن بين العاشرة والسابعة يرتدين فساتين متشابهة، كن بنات عمة جوليانو .. جئن راكضات الى الصالة ومن دون أي مقدمات مددن أيديهن لصحون الحلوى فإذا بإحداهن تحصل على صفعة سريعة على أصابعها .. سحبت يدها بسرعة من الصحن بعينين باكية وتراجعت أختيها الى الوراء فرمق الجد ابنته بنظرات غاضبة ثم ابتسم وهو يستدعي حفيدته إليه .. أجلسها على ركبتيه وقدم لها الحلوى بنفسه ونظر لفابيو قائلا: " إنها أصغر حفيداتي."
ثم خاطبت أمها صونيا قائلة: " إنها ليا والوسطى أنطونيا والكبرى باولا. إنهن بناتي وأصغر حفيدات العائلة .. لم أحضرهم معي الى حفل إعلان خطوبة جوليانو واليونورا وقد أحزنهن هذا مع أنني لست نادمة أبداً .. كن سيفسدن الحفل بصخبهن كما فعلن في الزفاف."

ابتسمت صونيا وتأملت الفتيات .. كن جميلات جدا .. بعيون سوداء وضفائر طويلة .. التهمن حلوياتهن ثم انسحبوا من القاعة بنفس السرعة التي آتين بها ولكن هذه المرة توجهن الى الساحة .. صاحت والدة جوليانو فيهن: "لا تفزعن الحمامات..."

لكن لم يبدوا عليهن أنهن اهتممن بتحذيراتها .. وقال بعدها الدون شيئا لم تفهمه صونيا كأغلب الحديث الذي لم تكن تفهم منه شيئا لكنه استرعى انتباهها عندما رأت جميع النسوة وقفن وانصرفن إلا من والدة جوليانو التي خاطبت صونيا برقة وانجليزية متواضعة: " هل تأتين معي؟"

نظرت لفابيو، فحثها على الموافقة. وهي تنصرف برفقتها لاحظت بطرف عينها الدون يرمقها بنظرات ازدراء .. لكن انزعاجها اختفى حال ان ربتت السيدة الضئيلة الجسد على ظهرها بحنان وقالت: " أحاديث الرجال مملة، ولكن رفقتنا ممتعة."
شعرت بالشفقة عليهن لأنهن يعيشن مع ذاك الرجل المتخلف الأفكار ..
رافقت دونا فالنتينا إلى مطبخ كبير، بألوان زاهية ومزركشة وأبواب ثلاثة رئيسية بأقواس واسعة تطل على الحديقة وورائها الحقول والمزارع الشاسعة وبركان إثنا يحرسهم .. هناك وجدت نساء البيت التي رحبن بها من جديد في المطبخ إلا من فتاة جميلة تضع عصابة حمراء على شعرها كانت ابنة عم جوليانو لم تُعِر صونيا أي اهتمام وهي تساعد على تجهيز الطعام .. الطعام الذي لاحظت  أنه كان هناك الكثير منه .. لقد جهزن وليمة غذاء على شرفها فقط هي وفابيو. سألت صونيا دونا فالنتينا:" هل تعدون كل شيء بأنفسكم؟"
"لا شيء يأكل في هذه المزرعة إلا من هذا المطبخ، إنه مطبخ عريق .. أبدعت فيه نساء هذه العائلة وأطعمت منه أطفالها وأزواجها والمزرعة بكل مُزارعيها وعُمال حقولها."
أخذتها الدونا من يدها بحماس أحبته صونيا، وتوجهت بها إلى باب أصفر جميل ملحق بالمطبخ، فتحته، ففغرت صونيا فاهها .. قبل أن تنتبه لفالنتينا التي ولجت إلى الداخل وقامت صونيا بإحناء جدعها مثلها تماما وتبعتها تحت مئات من شرائط العجين المتدلية على حبال مثبتةٍ على طول الغرفة .. حتى وصلتا الى طاولة مجهزة بأدوات العجن، فاستقامتا واقفتين وخاطبتها فالنتينا بابتسامة افتخار واسعة: " هنا أعد بنفسي كل أنواع عجين المعكرونة"

"بنفسك!!" تمتمت ورائحة عجين الدقيق والبيض تتغلغل لأنفها.
أخذت فالنتينا وعاءً مليئاً بعجين الرافيولي، وبنفس الطريقة التي دخلتا بها خرجتا من غرفة إعداد وتجفيف المعكرونة الى المطبخ حيث منحتهن العجين ليتم حشوه بمختلف الحشوات من الجبن والسبانخ واللحم المفروم، وانشغلت بمساعدتهن وللحظة انقلب الحوار تماما إلى الايطالية. في البداية كانت صونيا تبتسم وهي تراقبهن يتحدثن بحماس بلهجة سريعة رنانة ولكن بعد فترة أصابها الملل فاتجهت بأنظارها إلى الأبواب المشرعة وعلى شرفة المطبخ الواسعة وتحت شجرة كبيرة تتدلى من أغصانها أزهار البنفسج العطرية، كانت هناك طاولة مستديرة حولها كراسي معدنية مزخرفة وعلى أحدها جلست إليونورا تولي ظهرها للمطبخ بمن فيه.
خرجت صونيا من المطبخ دون أن تنتبه لها النسوة واقتربت من إليونورا حتى جلست بجانبها لكن تلك الأخيرة لم تحرك ساكنا مع أنها انتبهت لوجودها، حتى بادرت صونيا إلى الحديث عندما سألتها: "كيف حالك؟"
"كما ترين."
"لا أعرف ما أرى، لا تبدين عروسا سعيدة، انك لا تتحدثين مع أحد هنا على ما يبدو."
"لا أحد منهم يحبني "
"فالنتينا تبدوا امرأة طيبة وحنونة والاخرون أيضا لا بأس بهم."
"يعاملونك بلطف لأنك لست من آل فالياني .. أما أنا فلا يحتملون وجودي."
"وأنت؟"
هزت اليونورا كتفيها بعدم اهتمام وقالت:"لم أعد أهتم أو أشعر بشيء..." ثم تراجعت بسرعة عن كلماتها قائلة: "في الحقيقة، يثيرون سخريتي خصوصا العجوز رب العائلة، إنّه لا يتوقف عن ترديد أنّ مهمتي في هذا البيت هي إنجاب الأطفال، لا يعلم المسكين أن هذا مستحيل، أنا وجوليانو لا نقترب من بعضنا."
تحفزت صونيا لما سمعت، واستوت في جلستها أكثر وهي تسألها بخفوت: "ماذا تقصدين؟"
"أنت امرأة ذكية صونيا وأعرف بأنك فهمت جيدا أنني أنا وجوليانا تزوجنا ورقيا فقط، نحن لم نناقش هذا مع بعض،  لأننا لا نحتاج لنعرف أننا سنمضي الحياة بجوار بعض لا مع بعض، هذا هو عقابنا في هذه الحياة ونحن نتقبله. لكن لا أعرف كم من الوقت تحتاج العائلتين لتكتشف الامر. سيصاب العجوز بجلطة بكل تأكيد.
لقد زوجوا راهبة بمكتئب رافض للتناسل ويرى فيه مآساة العالم." قالت ذلك وقهقهت عاليا، أقلق ذلك صونيا وخصوصا أنها لم تتوقف عن الضحك الا وهي ترسم ابتسامة مستفزة عندما مرت أمامهما الشابة الجميلة ابنة عم جوليانو وهي ترميهما بنظرات منزعجة.. تمتمت اليونورا:"مسكينة يبدوا انها معجبة بابن عمها وأنا نهبت منها فارس أحلامها."
تأملت صونيا الفتاة بقامتها الطويلة وبشرتها الزيتونية وهي تبتعد حتى اختفت بين أشجار الليمون ثم نهضت هي الأخرى  وتركت إليونورا وحيدة في مكانها تراقب منظر البركان الخامد كأنما تنتظر اللحظة التي سيفور فيها ثم ينفجر بكامل غضبه على العالم.
عند الغذاء جلس الجميع حول طاولة كبيرة موجودة في وسط القصر .. كانت صونيا طيلة تلك الفترة تفكر في جوليانو، فكرة أنه لا يلمس زوجته أثارت انتباهها ومشاعرها جدا وأصابتها بالفوضى، حتى أنها عندما تذكرت خاتم فابيو في أصبعها شعرت به لأول مرة منذ ارتدته، ثقيلاً جداً. ولم تنتبه للنظرات التي تبادلها الدون مع دونا فالنتينا .. نظرات استفسار، غلٍّ وغضب بينما فالنتينا المسكينة حاولت مداراة نظراتها الحرجة ولم تتنفس الصعداء الا عندما ركضت الفتيات الصغيرات وهن يصيحن قائلات: "جوليانو قادم، جوليانو غريب الأطوار قد وصل."
نهرتهن والدتهن بشدة وأرغمتهن على السكوت والجلوس حول الطاولة بأدب وما هي الا لحظات حتى تأهب الجميع الا من فابيو الذي تعامل مع غياب زوج أخته في أول زيارة له ببرود شديد .. وظهر جوليانا من الباب، بقامته الطويلة ونحول جسده الاسمر وثيابه الخفيفة والبسيطة. تلقائيا انفرجت أسارير صونيا ووالدته .. أما هو فما ان اقترب من الطاولة وتوضحت له صورة صونيا حتى أصابته الدهشة لدرجة أنه توقف لحظة عن المشي، فحثه جده قائلا: "انتظرناك بما يكفي."
تقدم جوليانو وعينيه تنتقلان من على صونيا إلى فابيو الذي كان يجلس بجانبها .. توقف عند كرسي تركوه له بجانب زوجته وتقابلت مرة أخرى نظراته القوية بنظرات صونيا وهو يجلس عليه.
لم تعرف صونيا كيف مر ذاك الغذاء، كان الجميع يتحدث ما عداها هي وجوليانو الذي كان يأكل بصمت شديد لا يشارك الرجال حديثهم المتحمس ولا النساء، واليونورا هي الأخرى كانت لا تبالي بمن حولها، لكن صونيا عكسهم كانت تشعر بنظرات جوليانو تحرقها في مكانها لذلك تجنبت رفع رأسها حتى لا تلتقي عينيها به، لأنها كلما فعلت ذلك كانت تشعر وكأنما إعصار يتحرك داخلها.. بقدر ما كانت سعيدة لرؤيته بقدر ما كانت منزعجة، ومتوترة جداً.

بعد الغذاء قدموا لهم فناجين القهوة مع حلويات دسمة رفضت صونيا تناولها وفضلت التجول في الخارج بحجة التعرف على المكان وهضم وليمة الغذاء  .. فتطوعت دونَّا فالنتينا لمرافقتها والتجول معا بين أشجار الليمون واليوسفي .. عرضت على إليونورا أن ترافقهما ولكنها رفضت قائلة انها ستحب أخذ قيلولة. خرجت الاثنتين من البيت بعيدا نحو الحقول .. كان الرجال فوق السلالم ينزعون الحوامض، فاكهة ، فاكهة بأيديهم العارية. والنساء العاملات يحملن السلال المليئة بحبات الليمون الطازجة إلى المزرعة،  أخبرتها السينيورة أن الدون متحفظ جدا ويحب الحفاظ على تقاليد أجداده وهو عادة لا يحب الحداثة كثيرا. كان العمال يبتسمون لهما ويفسحون لهما الطريق عندما تمران وأحيانا كثيرة يمد لهم احد العاملين بأفضل فاكهته كما يقول وتسارع عاملة أخرى لتقشيرها لهن .. حتى امتلأت بطن صونيا بشتى أنواع الحوامض .. ولم يسبق لها ان أكلت في حياتها كل ذلك القدر منه. كانت الدّونّا لطيفة جدا ولم تستغرب صونيا أنها امرأة محبوبة جداً من الجميع لأنها بنفسها أحبتها في نصف نهار. توقفتا عند أحد الاشجار المزهرة وطلبت الدونا من العامل أن يقطف لها إحدى زهرات شجر الليمون .. منحتها لصونيا التي قربتها من أنفها وأغمضت عينيها تاركة الرائحة الزكية الحامضة تدخل أنفها وتنعش روحها .. فتحت عينيها وبينما هي تقلبها بين يديها سألتها: " ألم تفكري بالخروج من هذا البيت؟"
"وأترك الجزيرة وهذا البيت ومطبخي وحماماتي وورودي؟ من سيعتني بكل هذا؟ لا، قطعاً لا."
"وهل تستحق عجين المعكرونة وورود الجوري والحمامات أن تمضي بقية حياتك كنة أرملة في بيت آل سيسليانو؟ ربما لا يجوز أن أسألك هذا في أول يوم آتي فيه إلى هنا لكنني لا أهاب الإعلان عن أفكاري .. أنا أعجبت بالحياة هنا جداً إنها هادئة، منعشة ومريحة ولكنها ليست كافية لامرأة شابة مثلك أرى أنك تستطيعين أن تبدئي حياتك من جديد مع رجل آخر وفي بيت آخر وربما تنجبين أطفالا آخرين؟  لا بد أنك تزوجت صغيرة .. يا إلهي كم عمرك سينيورة؟ هل الدون يمانع؟ يبدو رجلا متسلطاً؟"
ضحكت السنيورة بصوت عال وضمت فستانها لفخذيها وجلست على صندوق خشبي كان تحت الشجرة .. دعت صونيا للجلوس بقربها وقالت: " وحتى وإن لم يمانع .. أنا أمانع .. لا أريد أن أكون زوجة لغير مارتشيلو." وأشارت بأصبعها الصغير الى قلادة ذهبية بسيطة فيها  ألوان باهتة .. نزعت المرأة السلسلة من حول رقبتها ومدتها لصونيا .. وحثتها على تفحصها، فإذا بداخل القرص الصغير رسمة!
"كم هي دقيقة!" همست صونيا وهي تتأمل الرجل المستلقي والشبه عاري بجسد قوي وجذاب، تقابله امرأة جميلة ترتدي فستانا أبيضا رقيقا بشعر طويل وعلى مقربة منهم يحومون أطفال غريبي الشكل، يحملون بوقا كبيراً"
"إنها لوحة فينوس ومارس لساندرو بوتتشيلي."
"كأنني سمعت هذا الاسم من قبل.. لكنني لا أذكر أين؟!" فكرت صونيا مع نفسها
"استرسلت دونا فالنتينا وهي تنظر للقلادة بعشق كبير: "كنت أحب كثيرا لوحات الفنان ساندرو بوتتشيلي، وعندما كنت شابة جلب متحف صقلية بعض من لوحاته وقام بعرضها لفترة من الزمن، وكنت أنا أدخر ثمن دخول المتحف لكي أتأملها لساعات طويلة لا أملها وعند لوحة 'مارس وفينوس' التقيت والد جوليانو أول مرة. ولم يستطع أحد تفريقنا بعدها إلا الموت.
حتى الدون لم يستطع تفريقنا مع أنه كان رافضا بشدة لارتباطنا لأنني  أنحدر من عائلة بسيطة .. ولكن زوجي لم يتخلى عني أو يستسلم .. أخذني وذهبنا معا لكنيسة القرية المجاورة، أصبحت الآن خرابا للأسف بعد موت الاب الذي رفض حينها تزويجنا دون علم أهالينا وفي الحقيقة هو كان خائفا من غضب الدون، فلا أحد في جميع أنحاء صقلية يتجرأ على مجابهته .. فأبحرنا في مركب لصيد إلى جزيرة كابري وفي كنيسة سان ميشيل في آناكابري لا أحد كان يعرفنا وهناك تزوجنا. بقي الدون غاضبا لفترة طويلة لكنه ما لبث أن استسلم .. فمارتشيلو كان أصغر ذكوره وله محبة خاصة في قلبه."
نظرت لصونيا بابتسامة رقيقة وأضافت:" هل تفهمين الآن؟ لا شيء يمحوا حبنا أنا ومارتشيلو، لا الموت ولا الزمن. وأنا قطعا لا أريد أطفالا آخرين غير ابني الوحيد جوليانو.
انظري إلى هذه اللوحة، لم يستطع زوجي امتلاكها رغم أنه قام بمحاولات جبارة واستطاع امتلاك إحدى لوحات بوتتشيلي الاقل شهرة والتي كانت ملك ثري لاتيني وخسر فيها نصف ثروته، ليهديها لي لكن للأسف بعد موته خسرت ملكيتها في بيت العائلة الصيفي. ولم أعد أملك سوى هذه القلادة التي كان قد طلب بصنعها لي.. حتى أن اسم ابننا الوحيد مرتبط بهذه اللوحة."
"جوليانو!!"
"أجل، يقال بأن ساندرو رسم لوحته هذه مستلهما إياها من علاقة حب مستحيلة كانت بين أشهر شخصيات عصر النهضة جوليانو دي ميدتشي وسيمونيتا."
تذكرت حينها فقط صونيا أنها سبق وسمعت هذه القصة من صديقتها كريستيل في بيت فابيو في بحيرة كومو."
"كيف انتهت قصة جوليانو وسيمونيتا؟"

"مّامّا"
رفعتا كلتيهما رأسيهما إلى مصدر الصوت فإذا بجوليانو قادما إليهما من البيت .. ابتسمت صونيا عفويا وهي تراه يضيق عينيه السوداويتين منزعجا من أشعة الشمس التي كانت تضرب في وجهه مباشرة .. وسمعت السينيورة تقول وهي تتأمل ابنها من تحت نظارتها بفخر أمومي: "إن جوليانو يشبه كثيرا والده بل لكأنه هو قبل عشرين عاما من الان."
إلا أن الوجوم اعتلى وجهها فجأة وهي تضيف: " غير أنه أكثر نحولا منه."
أعادت لها صونيا قلادتها و
في سرها لم تستطع صونيا موافقتها الرأي .. ولم تستطع طبعا أن تقول لها أنها رأت صورة زوجها الراحل عندما تجسست على صندوق محتويات ابنها الخاص .. كان يشبهه بذقنه ولون عينيه الاسودين وشعره أيضا لكن ليس لدرجة أن يبدوا تماما مثله .. ربما لأن الدونا تحب زوجها كثيرا لدرجة أن تراه في كل شيء أمامها حتى في فاكهة الليمون والحمام.
وقف جوليانو أمامهما ونظر لزهرة شجر الليمون التي كانت ما تزال في يد صونيا، ثم أشاح وجهه عنها ونظر لأمه قائلا: "مّامّا إنهم يبحثون عنك في البيت، يحتاجونك."
وقفت الدونا باستغراب وقالت لصونيا معتذرة: "لا يستطيعون فعل شيء من دون مساعدتي في تدبير هذا البيت .. فكيف أذهب منه؟"
رمى جوليانو صونيا بنظرة سريعة وقد جذبته كلمات أمه .. لكنها عندما حثت صونيا على العودة معها، خاطب والدته قائلة: "دعيها لتبقى قليلا هنا."
"وحدها؟ قد تضيع أو تضجر."
"أمي اذهبي إنهم في انتظارك." كانت لهجته حازمة، أوقفت النقاش .. ونقلت الام أنظارها بين ابنها الغاضب ثم الى صونيا التي لم تمانع البقاء ..
"حسنا.." قالتها وخطت للخلف وقد ظهر التردد عليها .. أتتركهما معا أم تحاول من جديد معرفة ما يجري؟ لكنها في الاخير ذهبت وهي تلتفت خلفها في كل مرة .. حتى اختفت وراء سور البيت الذي يفصل حدائقه الداخلية عن حقوله ..
التفت حينها جوليانو الى صونيا قائلا: "في يومك الاول هنا حاولت تحريض أمي على الذهاب من البيت؟"
" لم يكن تحريضا .. كنا نتحدث فقط واستغربت لبقائها ككنة أرملة حتى بعد مرور أعوام على وفاة والدك.. إن المنطق لا يقول هذا."
"لا المنطق يقول أن تعودي لبلدك، لبيتك وحياتك السابقة .. ماذا تفعلين هنا ومع فابيو وذاك الخاتم المبتذل كرأس ليمونة فوق إصبعك."
"عفواً؟" هتفت بعدم تصديق ونظرت لخاتمها الباهض الثمن .. ثم عادت تنظر إليه وقد احمر وجهها من الغضب: "ما شأنك بي؟ لماذا تتدخل في أموري أنا وفابيو؟ حقا أريد أن أفهم ما مشكلتك مع ابن حميك؟ إن كنت تكرهه لأنه كان عليك الزواج بأخته فذلك كان قرارك أنت .. كان بإمكانك أن تقول لا وترفض كما فعل أبيك مع عائلته ليتزوج أمك .. لكن يبدوا بأنك تفتقد لشجاعة أبيك."
"أنا لا أسمح لك أن تتحدثي عن والدي الراحل." قال ذلك وهو يشير بسبابته محذرا ويكز على أسنانه. لكنها هزت كتفيها ساخرة : "هل هذا كل ما استطعت أن تواجهني به؟ أنت أكثر شخص معتوه رأيته في حياتي. حقا إنني الان متيقنة كل اليقين بأنني كنت سأرتكب خطأ فادحاً لو أنني أحببتك. أنت محق في شيء واحد وهو أنك الشخص الخطأ."
ورمت الزهرة من يدها فسقطت عند قدميه، وحدق بها وهي تمشي غاضبة  نحو البيت حتى دخلت، فجثى وأمسك بالزهرة، شم رحيقها الذي اختلط بعرق يديها ورائحة جلدها ثم فجأة رمى الزهرة بقوة على الارض .. كان غاضبا بشدة منها وود لأول مرة في حياته أن يكسر رأس امرأة.
رحلت صونيا في المساء عن البيت وودعهم الجميع إلا جوليانو، اعتذرت والدته نيابة عنه بحجة أنه اضطر للخروج في أمر هام .. لكن صونيا كانت تعرف بأنه فقط تجنب رؤيتها .. خيراً فعل، قالت مع نفسها .. وتساءلت كيف أن هذه المرأة اللطيفة المحبوبة أنجبت ابنا قاس، فظ اللسان؟ كيف؟ وهي تأخذ منها باقة الورد الحمراء التي قطفتها خصيصا لها .. وزجاجة عصير ليمون قامت بإعدادها بنفسها وزجاجة أخرى معتقة من النبيذ الإتني وعلبة مليئة بمعجنات المعكرونة متنوعة الاشكال.

في الطائرة ادعت صونيا شعورها بالنعاس والنوم.، وفي الحقيقة هي فقط هربت من الحديث معه .. كانت تريد البقاء صامتة ووحيدة تفكر في ما حصل. وعند وصولهم لنابولي طلبت منه أن يوصلها لبيتها فاعترض قائلا:
" امضي الليل في بيتي."
ولكن عندما أصرت جدا على المبيت في بيتها طلب من السائق إيصالها أولا إليه .. ساعدها في حمل الاشياء التي جلبتها من صقلية ووضعها في مطبخها وانتظر بشدة أن تدعوه ليمضي الليلة معها لكنها لم تفعل، فتمنى لها نوما هانئا وعاد مخيب الآمال إلى بيته.
في الليل لم يعد جوليانو الى البيت فطلبت الدونا أن يأخذها إليه مرافقه الخاص سينيور لوكا وهو نفسه كان مرافق الدون قبل أن يكلف بمرافقة زوجها الراحل ثم الآن ابنها .. لقد كان أكثر شخص يمكنها أن تثق به وتشعر ببعض السلام لأن ابنها برفقته .. أخذها لوكا بالسيارة الى المرفأ المنعزل عند بلدة صيد تطل على الشاطئ وكان جوليانو يميل لإبقاء يخته هناك بدل الإرساء في المدن الكبرى للجزيرة كقطانية أو باليرمو .. وجدته يجلس على المقعد على سطح اليخت ينظر للقمر الذي كان بدراً وبين أصابعه منديل حريري أبيض .. أخفاه في جيب سرواله ونهض بسرعة، قبّل كلتا وجنتيها وأمسك بيدها وأجلسها على المقعد ثم جلس بجانبها وقال: "كنت سأعود صباحا للبيت."
"ولماذا تمضي الليل هنا وزوجتك وحيدة في البيت؟" كان الشك يلون كلماتها وتأكدت أفكاره عندما أردفت بتوتر:

"هل الامر يتعلق بصونيا؟"
"لا" قال ذلك وهو يشيح أنظاره عنها.
أخبرت والدك بأن هذا الاسم ملعون، ما كان يجب أن أسمح له بمنحك إياه"
التفت بسرعة إليها عندما سمع نبرتها المرتعشة فإذا به يرى فكها هو الآخر يرتعش والدموع تتجمع في عينيها، جذبها إليه وضمها بحنان وهو يمسد شعرها: "لا يا أمي، لا. لست على علاقة بصونيا أقسم لك."
"لا أريد لك أن تتورط بالمشاكل .. ليس مع فابيو، ليس مع فابيو."
"الجميع يخاف منه .. بدأت أسأم هذا." قال ذلك وهو يسحب ذراعيه عنها.
"لكنها الحقيقة الجميع يخافه بما فيهم أنت وجدك رغم إنكاركما."
"أنا لا أخافه .. أنا أحاول تجنب المواجهة معه." هتف ساخطاً
"وجهان لعملة واحدة .. لأنك تعرف بأن المواجهة سيكون فيها آل سيسليانو هم الخاسرون."
"أنا أخاف عليكم."
"وأنا أخاف عليك وجدك يخاف على مصير العائلة .. هكذا هي الامور والمستفيد الاول هو فابيو."
نكس برأسه باستسلام ثم قال : "إنها لا تعرف شيئا عنه وعنا .. أردت فقط أن أنقذها من المصير الذي تذهب إليه بقدميها."
"فابيو يحبها وهو لن يتجرأ على إيذائها." رفعت ذقنه وجعلته ينظر في عينيها وأكملت:" ولم يترك أحداً يقترب منها. ألم ترى حجم الخاتم في يدها؟ ألم تراه كيف ينظر إليها بحضور الجميع؟ بل ألم تفهم فقط من جلبه لها لبيت جدك أنه جدي في علاقته معها .. لا أعرف ما يمكنه أن يفعل بأي أحد سيحاول إبعادها عنه، أرجوك ابتعد عنها، أرجوك."
ضغطت بيديها على ذقنه أكثر عندما لم يتحدث وأكدت له: "فابيو ينتظر غلطة من آل سيسليانو .. هل تعتقد بأنه سعيد لصلح؟ لا بكل تأكيد، لكنه الآن لا يستطيع أن يهاجم والا سيكون هو المتضرر .. ينتظرنا نحن أن نقع في الفخ .. فلا تكن فريسة ساذجة له."
أومأ موافقا إياها الرأي ثم قربها منه ووضعت رأسها على كتفه مسدت يدها على صدره قائلة:" أنت رقيق القلب مثل والدك .. تخاف على الاخرين أكثر من حياتك وهذا ما أفقد والدك حياته." تنهدت بحزن وطبعت قبلة على كتفه وأردفت: "صونيا ستكون بخير معه .. لا تقلق عليها."
...............

في الصباح وجدت صونيا فابيو في انتظارها عند الباب .. أصر على إيصالها الى العمل بنفسه في أول يوم لها .. وعند وصولهما الى باب الشركة رفضت صعوده معها حتى مع ادعائه انه يملك عملا في الشركة لكنها رفضت ان يراهما الموظفين معا .. لا تريد أن تعامل بطريقة مميزة بسبب علاقتها معه .. تراجع للخلف وكانت ستصعد لكنها توقفت عند الباب أمام الحارس عندما رن هاتفها .. سقطت حقيبتها من يدها فاقترب فابيو بسرعة منها والحارس أيضاً الذي سارع بحمل الحقيبة وأعطاها لفابيو.
"ماذا يجري؟"
كانت تنظر لرقم البلجيكي .. دار العجزة تتصل بها .. كانت في آخر مرة زارت والدها قبل الانتقال لبلجيكا قد أعطتهم رقمها الايطالي تحسبا لأي شيء .. ولم يسبق أن اتصلوا بها من قبل .. لذلك أول ما فكرت فيه هو الموت .. هل مات والدها؟
أخذ فابيو الهاتف من يدها .. ورد على المتصل .. نظرت اليه صونيا وهو يستمع لطرف الاخر بانتباه شديد .. كان الزمن من حولها قد توقف وكل شيء تجمد: الوقت، يديها، نبضها الا من ركبتيها التين أصبحتا رخوتين جدا ولم تعد تستطيع الوقوف عليهما. سمعت فابيو يقول: "سنسافر في الحال الى بلجيكا."
أغلق الخط نظرت اليه صونيا بدموع متجمدة في عينيها وقالت:" مات .. لقد مات."
"لقد حاول الانتحار."
"الانتحار؟ مات؟"
"لم يمت صونيا .. لكنه في المستشفى وسنذهب الان لرؤيته."
لم يمت قالت لنفسها .. وعند تلك الفكرة استجمعت قواها وذهبت معه بسرعة الى السيارة هناك انهالت عليها الافكار في الوقت الذي كان فابيو يتصل من هاتفه بربان طائرته ليؤكد عليه إنهاء إجراءات الاقلاع قبل أن يصل إليه. عندما أغلق الخط كادت صونيا تسأله لكنه عاد واتصل بسكرتيره الخاص، تحدث إليه بالإيطالية وألغى جميع مواعيده ثم أخيرا استطاعت صونيا الحديث معه: "أبي ينتحر .. لكن لماذا ينتحر؟ أبي رجل قوي .. إنه رجل متقدم في السن لكن .. لكن قواه العقلية بصحة جيدة .. أظن بأن هناك سوء فهم .. لماذا ينتحر؟! كيف انتحر؟!"
"اهدئي صونيا." وفرك يدها بين يديه محاولا تهدئتها.
"لم تخبرني بالتفاصيل .. قالت بأنهم وجدوه في السابعة صباحا معلقا في غرفته."
"يا إلهي .. هل شنق نفسه؟"
كانت الرحلة الى بلجيكا طويلة جدا بالنسبة لها أطول رحلة قامت بها .. فهي لم تستطع للحظة أن تتوقف عن التفكير بوالدها والصورة التي بدأ عقلها يرسمها لها .. مشنوق .. متدل من السقف .. حبل غليظ؟ أم سلك أم ... تبا كانت تحاول إيقاف تسرب تلك الافكار اليها بسرعة مخيفة لكن ذلك كان مستحيلا واحتست جرعة براندي وكانت ستطلب الثانية لولا أن فابيو منع المضيفة من إعطائها لها.

فقط عند وصولهم للمشفى صدقت ما رُوِيَ لها. وهي ترى والداها في غرفة خاصة، حوله الاجهزة الطبية، صدره النحيل عاري و فمه مفتوحا وبداخله أنبوب الاكسيجين .. لا يفتح عينيه ويبدوا ميتا بالفعل.. وكان قد دخل في غيبوبة لأن جسمه الضعيف لم يتحمل الاختناق الذي أدى لنقص الاكسجين عن الدماغ، ولو ان ذلك حدث لفترة قصيرة جدا استطاع فيها الموظفين في الدار إنقاذه والاتصال بالإسعاف. انهمرت حينها دموعها وهي ترى أثارا حمراء على عنقه الصغير .. جلست بجانبه وأمسكت بيده وضمتها بين يديها .. لطالما ظنت أن والدها رجل قوي جدا متعصب وفظ .. والدها قد خدم في الجيش ضد النازيين.. لقد كان ذو شخصية متعنتة .. وهي ورثت بعضا من قوته وتعنته. في الخارج وهي تقف بجانب فابيو الذي كان يساندها في محنتها سألت الطبيب المشرف على حالة والدها نفس السؤال: "لماذا؟"
"بالاضطلاع على ملف والدك في دار العجزة .. نتفق على أنه كان يعاني من اكتئاب حاد."
"الاكتئاب؟" لكنها لم يسبق لها أن لاحظت عليه الحزن .. لقد كانت تجده غالبا يلعب أو يتبادل أطراف الحديث مع أصدقائه في الدار وقد كانوا كُثُراً .. وعندما تجلس معه كان دائما يستفزها بحديثه الفظ ولامبالاته .. لقد كان رجلا لا يهتم بالحزن ولا بمشاكل الاخرين، كان نفسه رجلا بلا مشاكل .. يمضي أيامه براحة في الدار يأكل ويحظى بالرعاية والدفء ولا ينقصه شيء .. هكذا أخبرت الطبيب بما كانت تعتقده.
"لا يشترط أن يلاحظ على الشخص الحزن والعزلة لكي يكون مصابا بالاكتئاب .. بل إن أخطر أنواعه هو الشخص الذي يدعي السعادة أمام الجميع بينما هو يشعر بنفسه وحيدا في وسط الجموع." وسألها: "أنت انتقلت من البلاد صحيح؟"
"أجل أقيم عن جديد في إيطاليا." قالت بعدم فهم.
ثم أشار للممرضة التي جلبت لها ثيابه في كيس بلاستيكي وفوق الثياب كانت هناك سلسلة معصمه الذهبية وورقة .. أعطاها الطبيب الورقة بنفسه وهو يقول: "هذا ما كتبه قبل أن يحاول الانتحار."
"رسالة انتحار." تمتمت وهي تمسك بالورقة وارتعشت يدها وهي تتعرف على خط والدها.

ابنتي الحبيبة صونيا
أعلم بأن هذه الرسالة لن تصلك إلا بعد أن أكون قد فارقت هذا العالم. ربما ستحزنين وربما لا ولكن في كلا الحالتين أنت ستكملين حياتك مع زوجك الايطالي وستنسيك هذه الحياة الغادرة أنني يوما كنت هنا. لذلك فإنني لا أشعر بالذنب لما سأقوم به!
أكتب لك رسالة ورقية، لأنني لا أملك بريدا إلكترونيا أراسلك فيه او أحدى تلك التطبيقات على الهواتف الذكية حيث يمكنني أن أودعك فيها، فاعذري تقليديتي، وكما تعرفين على المرء الافصاح عن كل ما يخفيه قبل أن يموت .. ستكون الحياة أمقت لو رحلنا بدون أن تسمح لنا بفعل هذا.
إنني منذ مدة طويلة وأنا أشعر بأن مناعتي النفسية أصبحت ضعيفة، الوحدة تقتلني يا صونيا، تقتلني وسط كل هؤلاء العجزة البؤساء والموظفين الآليين في الدار، أتأمل طيلة اليوم  رفقائي الذين جاؤوا من قبلي وأصبحوا سوى أجساد متصلبة على أسرتهم، يبلعون طعام الرضع بآلية، يتغوطون في حفاظات ويتبولون في فراشهم، لقد قتلتهم الوحدة والاهمال والتعاسة يا صونيا، إنهم أسوء من الاموات وانا لا أريد أن أصبح أسوء من الموت يا عزيزتي، لهذا قررت أن أفارق هذه الحياة وانا بكامل قوايا الجسدية والعقلية .. في الحقيقة الحياة ليست قاسية بل عاهرة خبيثة!! إنها تسخر مني، أنا الجندي الذي لم أمت في ساحة المعركة بالرصاص مثل كل الجنود الشرفاء، تختار الحياة لي موتة عاهرة، أموت بحبل البقالة!!
أحبك صونيا، أحبك كثيرا وانا آسف لأني لم اكن أخبرك بها من قبل، لكنني لطالما أحببتك. الآن أنت ترحلين ولم يعد لي سبب لأقاوم به هذه الحياة العاهرة.
والدك الذي يحبك أكثر من الحياة
الوداع.
توم.

حاولت حبس دموعها لكنها لم تستطع .. هزت برأسها للطبيب أنها تفهم .. ثم سالت الدموع من مقلتيها .. مسحتهم بسرعة وهي تقول: "لم أكن أعرف بأن وجودي بقربه مهم له لهذه الدرجة .. لم يسبق له أن أخبرني بهذا أو حتى أشعرني به."
"لا يبدوا أنه من النوع الذي يحب التعبير عن حبه."
أمسكت بثيابه والسلسلة وضمتهما إليها وسألت الطبيب: "متى سيخرج من الغيبوبة؟"

أجابها بصراحة مؤلمة: "لا أدري .. اليوم .. غدا بعد أسبوع بعد شهر بعد سنة أو قد لا يفعل."
عندما رحل الطبيب ضمها فابيو بقوة إليه .. همس لها في أذنها ببضع كلمات مشجعة ثم ابتعدت عنه واقتربت من نافذة غرفة والدها الزجاجية .. نظرت إليه وهي تضم ثيابه ورسالته الانتحارية وسلسلته ..
" لقد أصبح كبيرا في السن وكنت أعرف بأنه يوما ما سيموت .. كنت أتعامل مع الفكرة على أنها أمر مسلم به .. لم اكن أتخيل نفسي سأحزن وأتألم لهذه الدرجة .. لكن أنظر الآن الى حالي .. لا أستطيع تقبل أنه هناك يرقد بين الحياة والموت. "وابتسمت بمرارة: "أمضينا سنوات نتعامل مع بعض ببرود وتعالٍ .. يبدوا أنه فقط الموت من يجعل الناس تتخلى عن تعاليهم لكن ما الجدوى من هذا؟ كان بإمكاننا الاستمتاع بحبنا لبعضنا طيلة تلك السنوات .. لماذا فقط نعترف بهذا الحب على فراش الموت؟"
ضمها فابيو طالبا منها الا تعذب نفسها أكثر .. لكنها كانت تشعر بنفسها مسؤولة عما حدث .. في نفس الوقت غاضبة أيضا من والدها لما لم يخبرها أن وجودها مهم له في حياته؟!
لكن لم تمر أكثر من أربعة وعشرون ساعة حتى استيقظ العجوز من غيبوبته .. بعدما تأكد الطاقم الطبي أنه تجاوز مرحلة الخطر .. نقلوه لغرفة عادية وسمحوا لصونيا بالجلوس معه .. تبادلا النظرات وشعرت بخجله وهي أيضا شعرت بالتوتر لتلك المواجهة مما جعلها تقول ببرود: "لقد كان الامر دراميا جداً .. أتهديني انتحارك في يوم ميلادي؟"
"ظننت بأن الخبر لن يصلك إلا بعد فترة طويلة"
"حقا؟ بالبريد مثلا؟"
أشاح بوجهه بصمت إلى الطرف الآخر .. وبقيت هي الاخرى صامتة ولم تحاول خلق حديث معه .. حتى جاءت كريستيل وفيبي لزيارته .. عندها رأته يبتسم ويبادلهما أطراف الحديث وقد كانت قد حذرت صديقتيها في الخارج الا يتحدثا عن انتحاره أو يسألاه عن سبب فعلته .. وقد تعاملتا معه كأنه مريض بنزلة برد عادية.

عندما رحلتا قدم فابيو الى المشفى وقد أجلت صونيا رؤيته لأبيها عن عمد حتى تتأكد من أن صحته قد أصبحت بخير ..  قدمته له على أنه خطيبها الايطالي وأرته الخاتم الذي لم يكن قد لاحظه أو تعمد عدم ملاحظته .. أومأ ببرود لفابيو وتمتم له بالكاد بكلمات شكر عندما تمنى له ذاك الآخر التعافي بسرعة حتى صمت الثلاثة ولم يجد فابيو ما يضيف. لكن بعد برهة خاطب توم ابنته: "إنه أكبر منك!"
"من غير اللائق أن نتحدث بحضوره لغة لا يفهمها."
"أنا لا أتحدث الانجليزية."
كتمت زفرتها الطويلة .. والدها لم يكن يجيد التحدث باللغة الانجليزية بطلاقة لكنه يجيد بعضا من مصطلحاتها اليومية ويستطيع الانخراط في محادثة بسيطة .. لكنه كان يعاند كما العادة.
"إذن أنت من ستبعد ابنتي عني؟"
فاجأ السؤال الصريح فابيو والاكثر صونيا .. لم تتوقعه أن يفصح عن حقيقة أفكاره لهما. نظر فابيو الى صونيا .. ثم نظرت بعدها الى والدها وأفصحت عن ما سبق وناقشته ليلا مع فابيو: "ما رأيك لو تأتي معي إلى إيطاليا؟"
بقي والدها صامتا .. ولم يفهم بالضبط ما ترمي إليه .. قال ما فكر فيه فوراً: "لحضور الزفاف؟"
"طبعا لحضور الزفاف." وعادت تنظر لفابيو نظرة امتنان وأضافت: "وللعيش معنا."
نقل العجوز أنظاره المرتعشة بينهما .. غير مصدق ما يسمعه.
"أبي .. فابيو هو من أملى علي الفكرة." وأشارت له برأسها .. كان قد أقنعها بأن من الخطأ ترك والدها وحيدا في دار العجزة .. الشيء الذي لم يقم به أبدا بيتر. الذي كان بالكاد يرافقها مرة في السنة في عيد ميلاد المسيح لزيارته ويتملل في الزيارة. اليوم الذي لاحظت بأن والدها لم يعد يستطيع العيش وحيدا في شقته العالية وأصبح يصيبه رهاب من المصعد ويبقى أياما بلا وجبة جيدة ويهمل نظافته .. ناقشت مع بيتر وضعه وفكرة إقامته في بيت لرعاية كبار السن وهو رحب بالفكرة طبعا لأنه لم يكن ليفكر بأن يسمح للعجوز بالعيش معه في بيته ولا هي حينها كانت ستحبذ فكرة انعدام الخصوصية بينها وبيتر .. لكن فابيو أخبرها بأنه يتمنى دوما لو بقيت والدته على قيد الحياة لعاشت معه مثلما فعلت أخته حتى زواجها لذلك فإن بيتهم الكبير على الشاطئ سيكون حميميا أكثر بوجود جد لأطفالهما الذين يتوقعهم عن قريب. رحبت بالفكرة .. بدت لها كتلك الحكايات القديمات للعائلات الحميمية للجدة التي تحكي لأحفادها عن قصص الاقزام والاميرات والوالدين السعيدين .. صورة لم يسبق أن عاشتها هي أبدا. فهي لم تتعرف أبدا على جدي والدتها ووالدي ابيها كانا قد ماتا وهي في سن صغيرة وحتى والديها افترقا عندما كانت في سن المراهقة ومن ثم رحلت والدتها بمرض فتاك عن الدنيا بعد أربع سنوات من طلاقها من والدها.
رأت دموعاً تلمع في عيني والدها .. فاقتربت منه وجلست على طرف السرير ولم تجد حرجا من إمساك يديه وضمتهما بقوة قائلة: "أعتقد بأنه سيكون من الرائع أن نعيش معاً كعائلة واحدة."
هز العجوز رأسه ونظر للإيطالي بابتسامة مرتعشة يحاول ان يحارب بها دموعه في عينيه كي لا تفضحانه وهو يقول: "أول إيطالي يثبت لي أنه ليس بحفيد لموسيليني!"
كانت صونيا شاكرة أن تعليقه ذاك لم يكن بالإنجليزية ولم يفهم منه فابيو شيئا.
في الصباح غادر فابيو وحيداً بلجيكا وعاد إلى بلده بسبب أعماله الكثيرة وبقيت صونيا مع والدها حتى يتعافى تماماً ولتحرص أيضا على إتمام إجراءات انتقاله معها. كانت حياتها تأخذ منحى لم تتوقعه أبداً...
بعد أسبوع كانت صونيا والعجوز توم على متن الطائرة المتوجهة الى نابولي. هناك لم يكن فابيو في استقبالهما وأخبرها سائقه الخاص وهو يوصلهما إلى بيتها أنه سيعود إليها بعد ساعة لأن فابيو سيكون بانتظارهما حينها في البيت الشاطئي. لم تحبذ الفكرة كثيراً .. أن تذهب بعد ساعة هي ووالدها إليه! كانت ستحب لو ترتاح قليلا ووالدها بلا شك متعب من السفر ولو كان لفترة قصيرة. لكنها لم تجرأ على الرفض فقد كان فابيو لطيفاً جداً لحتى يخجل المرء من رفض طلباته النادرة .. فقد كان كثيراً ما يمنح وقليلا ما يأخذ.
دخلا البيت هي ووالدها وأعجب العجوز كثيراً به .. سألها: "بيت فابيو؟"
"لا .. ليس تماما .. لأنني أدفع إيجاره من عملي."
"إنه كبير ومناسب لزوجين مثلكما يفكران في إنجاب الاطفال."
"فابيو لن يترك بيته ليسكن هنا .. ستفهمني عندما ترى بيته."
صعدا إلى الطابق العلوي حيث غرف النوم . هناك أرته إحدى الغرف الاربعة التي قررت أنه سيقيم فيها .. لكنهما تفاجأ ببدلة رجالية فاخرة على السرير .. نظر والدها إليها بتساؤل فقالت: "أنا لا أعرف شيئا."
حملت البدلة وتطلعت اليها ثم إلى مقاسها .. تأكدت من أنها لا تعود لفابيو .. ثم تركتها من يدها وخرجت من الغرفة قائلة: "سأعود."
في غرفتها وجدت أيضا شيئا على سريرها .. كان فستانا أبيضاً. مشت إليه بخطوات بطيئة .. هل حان الوقت؟
وجدت ورقة عليه .. بخط فابيو كتبت عليها: "ارتديه ووافيني إلى البيت مع والدك."
حملت الفستان ومررت يديها عليه .. كان لونه برّقاً طويلا، ضيقا وقماشه حريري وتصميمه فاخر .. كان جميلا .. جميلا جدا لكن ليس لحفل زفاف .. لم يكن هذا التصميم العصري جدا ما حلمت أن ترتديه في يوم عُرسها وأن تمشي به وسط الحضور إلى المذبح .. لكنها تذكرت كلمة فابيو "البيت" إذن لن يكون هناك مذبح حتى... في الأخير لا يمكنها أن تحصل على كل شيء من الحياة. هذا ما تعلمته مؤخراً.
عادت لغرفة والدها فوجدته يتفحص البدلة، سألها فوراً: "وكأنها على مقاسي؟"
"هي لك توم. أظن بأنني سأتزوج اليوم."
تركت والدها يستوعب ما قالته وقبل أن تغلق الباب خلفها، صاحت : "جهز نفسك أبي .. أنت والد العروس."
عادت لغرفتها، أخذت حماما منعشاً وسريعاً .. لم تجد ثيابا داخلية بيضاء مناسبة لعروس .. لو فقط تركها تجهز زفافها بنفسها .. كانت ستحب ذلك أكثر .. لكن الرجال أحيانا يخططون لمفاجآت محبطة وفي اعتقادهم أنها رائعة وما على النساء حينها إلا التعامل معها كالادعاء بالتفاجأ والسعادة الغامرة.
حاولت أن تغير قليلا من تسريحة شعرها المعتادة .. أن تجعل خصلاتها الشقراء تبدوا أكثر كثافة وتموجا لكن ذلك كان مستحيلا .. كان شعرها انسيابيا بطريقة مغيظة وكانت يديها تفتقد لاحترافية صالونات التجميل والوقت ضيق .. استسلمت في الاخير لقصة شعرها الطبيعية وقد أصبحت تريد فقط أن ينتهي هذا اليوم.
ذهبت لوالدها فوجدته ما يزال عند المرآة يحاول أن يلصق أيقونته الوحيدة الصدئة الذي شكرته الدولة بها على جهوده كجندي بسيط شارك في حراسة المخيمات في الايام الاخيرة للحرب  .. صاحت قائلة: "أبي أنت لن ترتديها."
"بالطبع سأفعل."
كادت تقول له أنها قديمة ولا يبدوا لها أي قيمة تشريفية أو مادية .. لكنها تذكرت نصائح الطبيب النفسي الذي أشرف على حالته في المشفى .. لا يجب أن تحبطه أو تشعره أن ما فعله في حياته لهو قليل الشأن .. الانسان في آخر عمره يحب أن يعرف أنه قدم شيئا ذا قيمة في الحياة. ساعدته على تثبيتها وهي تكتم زفرتها .. وعاودت تمشيط شعيراته القليلة قبل أن تحثه على النزول .. وفي الدرج طلب منها أن تتأبط ذراعه لكنها قالت له ببرود: "حتى نصل أبي .. لا أحد يرانا هنا."
كان السائق في انتظارهما في الوقت المحدد .. أخبره والدها بإنجليزيته ذات اللكنة الفلامنكية الغليظة مزحة ثقيلة: "أول إيطالي يصل في الوقت."
"أبي" شددت على حروفها .. فصمت والدها ودلف إلى السيارة.
دخلت السيارة باحة بيت فابيو وتوقفت بين سيارات عديدة كانت مركونة وقد كان واضحا أنها لضيوفه الذين كان صخبهم يصل لمدخل البيت. تأبطت ذراع والدها ومشت وهي ترفع رأسها بعلياء الى الشرفة المؤدية للحديقة والشاطئ، المكان المفضل لإقامة حفلات فابيو وقد كان ينتظرها في آخرها ببذلته الفاخرة السوداء وابتسامة واسعة تزين وجهه الوسيم ذو الملامح الوقورة. ولكن ما أن خطت خارج الشرفة حتى أجفلت وقد تعالت الصيحات من حولها والتصفيقات وأقداح الشمبانيا تهتز عاليا وقد رشقت بأوراق ورود طبيعية واتضح في الاخير أن كل تلك التهليلات تعني عيد ميلاد سعيد عندما ضمها فابيو بين ذراعيه قائلاً: "أفضل شيء حدث في الحياة هو ولادتك."
"لكن عيد ميلادي مر عندما كنت في المشفى مع والدي." قالت ذلك بصوت مرتفع حتى يسمعها بين كل ذلك الضوضاء .. فهز فابيو كتفيه وقال: "وإن كان .. ما كان يمكنني تفويت يوم مميز كهذا بدون احتفال يليق بعظمته."
ابتسمت بخجل من كلماته الكبيرة .. لم يسبق أن غازلها أحدهم بهذه القوة وفي كل ثانية تقريبا .. نظرت لوالدها الذي ضمها وطبع قبلة على كل من خديها وتمنى لها عيد ميلاد سعيد وقبل أن  يتركها من جديد لفابيو أخبرها: "هذا الرجل مبهر."
التفتت من حولها فإذا بها تجد كرسيتيل وفيبي أيضا في الحفل وفي إيطاليا .. ضمتهما صارخة بسعادة لم تكن لتستطيع وصفها .. كان فابيو قد خطط لمجيئهما بدون علمها .. أما بقية الحضور فهي لم تكن تعرف منهم أحداً .. صحيح بعضهم تذكرت وجوههم في حفل إعلان خطبة أخته وبعضهم كانوا مدراء شركاته الذين قابلتهم من قبل من أجل العمل . كان فابيو قد خلق لها في إيطاليا عائلة وأصدقاء جدد وحياة جديدة. نظرت إليه بامتنان وقد جعلتها جهوده تقدره كثيرا حتى أنها من فرط الحماس الذي شعرت به ظنت أن قلبها بدأ يدق لهذا الرجل.
 
انتبهت متأخرة لحضور إليونورا .. ربما بسبب تهاطل التبريكات عليها وانشغالها بتقبيل تارة فابيو وتارة بالتعرف على ضيوفه الذين أتوا من أجلها وتارة بالانتباه لوالدها ومرات أخرى بمشاركة الشمبانيا مع فيبي وكريستيل لكن ربما كان سبب ذلك أن اليونورا هي التي لم تقترب منها كالجميع وظلت واقفة في البعيد في آخر الطاولات بقرب الشاطئ ولم تقترب متها إلا بعد تقطيعها لكعك ميلادها العملاق وانصراف الضيوف للرقص والحديث، وانشغال فابيو ببعض الرجال الانيقين في إحدى الزوايا. وقفت بجانبها حول الطاولة وكانت تمسك على عكس الجميع كأس عصير خال من الكحول في يدها .. نظرت أمامها وهي تقول: "عيد ميلاد سعيد صونيا." ومدت لها علبة صغيرة أنيقة .. أمسكتها صونيا متفاجئة : "هدية! شكر..."
قاطعتها إليونورا ببرود: "لا تشكريني .. لا أعرف حتى ما بداخلها .. لقد أعطاها لي فابيو وآمرني أن أمنحها لك .. كما آمرني أن أقطع كل هذه المسافة من صقلية إلى نابولي من أجل حضور حفلة عيد ميلادك."
شعرت صونيا بالبغض اتجاهها .. ودت لو تخبر فابيو أن عدم مجيء أخته خير من مجيئها فليوفر جهوده في بناء علاقة طيبة معها .. لكنه في تلك اللحظة كان يقهقه بسعادة مع أصدقائه.
"مع ذلك أشعر بأنه علي شكرك."
ابتسمت إليونورا بسخرية ونظرت من حولها إلى كل أولئك الضيوف وأردفت: "يبدوا أخي كالحبيب المثالي .. لقد أصبح يقوم بمخططات ومفاجآت العشاق."
"هل تشعرين بالغيرة من علاقتنا؟ لأننا نحب بعضنا؟" تساءلت صونيا وهي ترفع حاجبيها وترتشف من كأس الشمبانيا في يدها بطريقة تعمدتها أن تكون مستفزة.
"عجباً .. أنا لا أرى الحب في عينيك." وأكملت وهي تلاحظ اختفاء ابتسامة صونيا: "كل هذه الاشياء من حولك هي فقط كطلاء الاظافر الملمع مصيره أن يتلاشى ويظهر الظفر الشاحب."
في تلك اللحظة هب فابيو واقفا بينهما وضم صونيا له وقال وهو ينظر في عيني أخته: "هل تطفلت على حديثكما النسائي؟"

"لا .. كنت أقول فقط لصونيا أن الحب حقا هو الذي يظهر في أوقات الالم والضياع وليس في أوقات السعادة والفرح."

كانت تلك آخر كلماتها التي نهاها فابيو عن الاستماع لحماقاتها وحتى عندما رحل جميع الضيوف وحتى فيبي وكريستيل التي كانت الطائرة في انتظارهم، واتضح بأنها ستمضي الليل في البيت، لم توجه لهما كلمة واحدة أخرى واكتفت بأن انسحبت بصمت إلى غرفتها القديمة.
تمنت صونيا وفابيو للعجوز توم ليلة سعيدة قبل أن يتركوا مدبرة البيت ترافقه لإحدى غرف نوم الضيوف لأن فابيو أصر على أن لا تمضي صونيا تلك الليلة خارج فراشه .. وصعدا الاثنين لغرفته التي كانت في الطابق الاخير منعزلة على الجميع بشرفة واسعة عالية تطل مباشرة على البحر.
كانت صونيا قد كفت عن البكاء بسرية وهي تولي ظهرها لفابيو بعد كل ممارسة للعلاقة الحميمية .. لقد تعودت أن تكون بين ذراعي فابيو لا بيتر. كانت هذه المرة تنام بين ذراعيه تنظر في وجهه واصابعه تلعب بشعرها وعينيه الناعستان تبتسمان لها .. وضع فجأة يده على بطنها وحركها برقة : "ربما أنت تحملين بطفلنا الان."
ضحكت للفكرة لكن ضحكها تلاشى رويدا رويداً وهي تفكر في إمكانيتها .. فهما توقفا منذ وضع الخاتم في يدها عن استخدام الاحتياطات الازمة لمنع الحمل. وضعت يدها على يده وشدت أصابعها عليها وهي تقول: "أتمنى ذلك حقا."
في الصباح قدم لها فابيو الافطار بنفسه في الفراش .. بعد انتهائهما من تناوله، سبقها لمكتبه لإتمام اتصالات مهمة .. ارتدت صونيا ثيابها .. ثم نزلت تبحث عن أبيها، وجدته قد رفع أطرف سرواله وبدأ يتمشى على الشاطئ وكلما رأى موجة صغيرة تقترب منه هرب منها ضاحكا .. كان والدها سعيداً ومستمتعاً.. حركت يدها على بطنها وهي تشعر بالدفء .. وقررت أنها قبل أن تعود للبيت ستقوم بالمرور على صيدلية وشراء جهاز فحص الحمل. كانت متحمسة جداً. والحماسة أعمت عينيها على الكثير من الاشياء.
جلست على الارائك أمام المسبح . اغمضت عينيها وتركت وجهها تلفحه الشمس حتى سمعت خطوات تقترب .. ففتحت إحدى عينيها .. كانت اليونورا التي جلست تقابلها .. تجاهلت صونيا وجودها وعادت تغلق عينيها حتى سمعتها تخاطبها : "لا داعي للانزعاج من وجودي .. سأرحل اليوم."
"لا أنزعج لأنني لا أهتم." ادّعت صونيا ذلك بينما الحقيقة أنها كانت تنزعج من وجودها. سألتها بلا مبالاة: "هل تشتاقين لنابولي؟"
"بل أشتاق لتوسكانا."
فتحت صونيا عينيها فوجدتها تتلمس شيئا في راحتها واتضح أنه الصليب الكبير الذي كان يتدلى في ما مضى على ثوب رهبنتها .. واسترسلت في الحديث من تلقاء نفسها: "لقد اكتشفت أنني أمضيت هناك أجمل أيام حياتي."
"بربك!! "صاحت صونيا غير مصدقة.."في دير معزول أمضيت أفضل أيام حياتك؟!"
أغلقت إليونورا عينيها مستسلمة .. وأرخت رأسها للوراء تشعر بالشمس تبتسم في وجهها بتشفّ .. لا أحد سيفهمها .. هي بنفسها لا تفهم .. لكنها الحقيقة .. هناك أمضت أياما تتمنى لو يعود بها الزمن للوراء لتعيشها بلا نهاية .. هناك كانت لها صديقة .. صديقة حقيقية .. كانت آنابيلا تحبها حقا .. في الدير وقعت في الحب وأمضت الليالي ساهرة على سريرها المتصلب ونافذة غرفتها الوحيدة مشرعة على ضوء القمر تستمع في الهاتف لمغازلات حضرة النائب الذي تسببت في موت أخته...
فتحت عينيها وهي تزفر الهواء بمرارة .. وعبثا لم يخرج الثقل الذي كان يجثم على صدرها .. صارت موقنة أنها لو أمضت حياتها كلها تحاول زفر كل الهواء الذي يدخل جسدها فلن يخرج ولو جزء يسير من ذاك الثقل.
نظرت إلى آلدا القادمة إليهما من داخل البيت وقبل أن تقول شيئا طل جوليانو من ورائها.
"زوجك قد وصل سينيورة."
رحلت آلدا وتسمرت صونيا في مكانها .. شعرت بخفقان في قلبها .. لم تكن قد رأته منذ آخر مرة عندما حلت ضيفة على بيت عائلته .. وكان وداعهما سيئا جداً.
"مرحبا." تمتم بها وهو يومأ برأسه بهدوء .. بالكاد نظر لصونيا وبعدها التفت إلى زوجته سائلا إياها: "جاهزة؟"
"سأذهب لأجلب أغراضي." قالتها ونهضت من مكانها، طلبت منه الجلوس ففعل وسألت آلدا أن تجلب له شيئا ليشربه ريثما تعود، لكنه رفض فرحلت آلدا وخرجت إليونورا من الشرفة وقد لاحظت صونيا بتركيز أنهما يتعاملان بتفاهم مع بعضهما .. هل تصالحا؟ هل أتما زواجهما؟ لا بد أنهما أتماه .. اليونورا فتاة جميلة وجوليانو في أوج شبابه لن يصبرا على حياة الرهبنة هذه.
أصابها الحزن لتلك الفكرة ولم تعرف لماذا كل هذا الاهتمام بهما .. هي تبني حياة سعيدة مع فابيو وبحركة عفوية مسدت بطنها فتتبع جوليانو حركتها تلك ونظر الى الخاتم الذي برقت ماسته في الشمس.
"كيف حالك؟" سألها بهدوء
"بخير."
حاول الابتسام لكنه لم ينجح .. قال وهو يحني رأسه: "أنا آسف لما حصل سابقاً. تدخلت فيما لا يعنيني."
نظرت إليه بعينين ضيقتين ولبثت صامتة تحدق به ثم قالت: "تبدوا هادئا جدا اليوم على غير العادة .. لا لا ليس هدوءً .. إنك دوما هادئ ولكن فظ أيضا .. كيف أقولها .. مسالم .. أجل تبدوا مسالما اليوم."
هذه المرة نجحت في انتزاع ابتسامة منه.
"ربما أطمع في هدنة بيننا."
رفعت حاجبيها لكنه لم يضف شيئا بل دس يده في جيبه الداخلي لسترته السماوية الانيقة ونادرا ما كانت تراه يتأنق سوى في الحفلات كرجل أجبر على حضورها. أخرج منها ظرفا أعطاه لها .. أخذته منه: "ماهذا؟"
"هدية عيد ميلادك .. عيد ميلاد سعيد."
ابتسمت وهي تتلمس الظرف بأصابعها .. ولم تستطع التفكير إلا في أنه جلب لها هدية.
"أمي كانت تود القدوم .. لكنها لا تحب الاحتكاك كثيرا بفابيو وأرسلت لك معي هدية عيد ميلادك."
تلاشت ابتسامتها بخيبة أمل .. هدية من والدته وليس منه .. لكنها عادت تستجمع نفسها وتبتسم من جديد في وجهه وتقول: "بلغها سلامي .. واشكرها نيابة عني."
"كم صار عمرك؟"
حذرته وهي ترفع الظرف أمام وجهه: "أحسبك قلت أننا في هدنة؟"
انفرجت أساريره عن ضحكة هادئة .. فبدى جميلا .. جميلا كالبدر الذي ينقشع من بين الغيوم. ناصع هادئ وغامض.
سمع صوت زوجته قريبا تحدث آلدا فنهض من مكانه. حدق إلى خاتمها للحظات ثم تكلم: "لا تتخذي قرارات في قمة فرحك أو قمة غضبك .. فغالبا ما تكون قرارات خاطئة."
نظرت إليه بعدم فهم.
"وأنت الآن في قمة سعادتك."أردف
دخلت لحظتها زوجته الشرفة .. أخبرته أنها جاهزة ..  فأومأ لها برأسه لكن صونيا نهضت من مكانها بسرعة وسألته بتهور: "هل ستعو..." توقفت في منتصف سؤالها عندما رأتهما يحدقان إليها باستغراب، ثم أعادت سؤالها بهدوء: "هل ستعودان عن قريب؟"
"إن كان الزفاف قريبا؟" كانت إليونورا من أجابتها ورحلا من االبيت.
بقيت صونيا واقفة في مكانها لبضع دقائق حتى جاء والدها وسألها عن ما تفعله .. حركت رأسها بصمت ثم جلست على الاريكة وفتحت الظرف فإذا بها تجد فيه صورة .. لإمرأة ترتدي فستانا أبيض وكنزة فوقه بلون الربيع تضحك في وجه الكاميرا وخصلة من شعرها الاشقر تتمرد أمام وجهها .. وخلفها أضواء قرية آناكابري كأنها شموع مغروسة في جبل يطل على بحر يلتهم الشمس.
أخذ والدها الصورة منها وهو يقول: "هذه أنت .. كم تبدين سعيدة في هذه الصورة .. من التقطها لك؟"
ظلت تحدق أمامها غائبة عن أسئلة والدها .. لم تكن بهدية من الدونا كما أخبرها .. لا يمكن أن تكون .. لا أحد يعلم بأمر الصورة سواها هي ومن التقطها: جوليانو.
كانت قد نسيت أمر الصورة تماما لكنه لم يفعل.
"هناك شيء مكتوب خلفها .. آآآآ .. يصعب علي القراءة .. لقد نسيت نظاراتي فوق."
استيقظت من جمودها وأخذت الصورة بسرعة من يدي والدها وقد استغرب لتصرفها .. قرأت في نفسها ما كتب بخط رفيع خلف الصورة .. "أنت دوما تحزنين للأشياء التي يجب أن تفرحي لها وتفرحين للأشياء التي يجب أن تحزني لها."
ابتسمت تلقائيا وهي تقرأ تلك الكلمات وكان يصلها صوت أبيها من بعيد جدا .. نهضت من مكانها ودست الصورة في الغلاف وذهبت تخبئها في حقيبتها. لم تكن تستطيع فهم جوليانو أبدا والاكثر غرابة أنها لم تكن تستطيع فهم نفسها.
في الايام التالية كان الجميع سعيداً إلا هي .. عندما كانت تختلي بنفسها كانت تخرج صورتها في كابري وقد أصبحت تعلم بأنها كانت برفقته في الجزيرة التي تزوجا فيها والديه، وهذا كان يضاعف شعورا غريبا لديها ثم تقرأ كلماته .. وتعيد قراءتها لمئات المرات بلا ملل أو كلل. وكلما قرأتها فكرت فيه وحدقت في الخاتم وشعرت بالشكوك تملأ رأسها .. بكل تأكيد كان يعني بكلامه الاخير عن القرار والفرح والغضب قرار زواجها .. هل تسرعت؟
كان ذلك السؤال سيوشك على إصابتها بالجنون خصوصا أنها اكتشفت انها لم تكن حاملا .. حاولت محاربة شكوكها بانشغالها بمنصبها الجديد، ودروس المساء للغة الايطالية التي كانت تعيدها للبيت متعبة .. فبالكاد تستطيع نزع ثيابها والاستحمام ثم الاستغراق في نوم عميق. وانشغلت أيضا بمشكلة أن والدها الذي بدأ يشعر بالضجر لأنه يمضي اليوم بأكمله وحيدا في البيت .. فكانت ترافقه في أوقات فراغها القليلة الى متاجر النباتات ومستلزمات الحدائق، لينشغل لحد الادمان بالاعتناء بحديقة البيت .. لكن شكوكها ظلت تزورها بين حين وآخر، تفاجأها في لحظات تكون فيها غير محصنة ضد تلك الافكار الشاذة. لدرجة أنها كانت قد قررت وهي تنظر لصورتها في كابري في إحدى الليالي النادرة التي أمضتها بعيدا عن ذراعي فابيو أنها ستطلب منه التمهل بشأن علاقتهما .. عليها أن تمنح مزيدا من الوقت لتفكير فيها وفهم مشاعرها المشوشة لكن قبل أن توشك على فعل ذلك كان فاببو في اليوم التالي ينتظرها أمام سيارتها بعد خروجها من العمل أخبرها أنه لها في جعبته مفاجأة فظلت صامتة حتى لا تفسد عليه فرحته وفي الاخير أوقف السيارة أمام إحدى أكبر كنائس مدينة نابولي بهندستها القوطية الرائعة وأخبرها في لحظة شاعرية بأنهما سيتزوجان في هذه الكنيسة الرائعة...
نسيت صونيا أمر الصورة تماما ولم تعد أيضا تصلها أي أخبار عن جوليانو وزوجته وحتى آل سيسليانو. ومن فرط المفاجأة والحماس تبخرت شكوك صونيا كلها ولم تعد ترى نفسها سوى كعروس تمشي إلى مذبح كنيسة نابولي حيث يقف فابيو ينتظرها بكامل هيبته وعشقه.
أمضت الايام تتناقش مع المصمم الايطالي المشهور عن فستان زفافها وتتبع معه العمل وتفكر في تسريحة شعرها والطرحة والزهور ونوع النبيذ والشمبانيا والمدعوين من طرفها وتناقش مع فيبي وكريستيل لساعات عبر الهاتف اختياراتها .. كانت متحمسة وسعيدة جداً. حتى أنها من فرط سعادتها عندما اتصلت بها كريستيل في ظهر إحدى الايام .. أخبرتها أن زوجها يقيم حفلا في البيت للأصدقاء ومن بين المدعوين بيتر وزوجته .. ظلت صونيا صامتة فاعتقدت كرسيتيل أنها قد غضبت منها وزوجها لأنها حاولت التوضيح قائلة: "أنت تعلمين بأنه من أصدقائه المقربين .. إنه يقول بأن مشاكل بيتر معك لا يجب أن تؤثر على علاقته بصديقه أو على علاقتي بك."
"وهو محق كريستيل .. لا بأس يا عزيزتي." قالتها ضاحكة ولم تصدق كريستيل أذنيها حتى أضافت صونيا: "لا يهمني أمر بيتر بتاتا .. بل على العكس ربما هي إهانة أن تعتقدي أنني سأهتم بأمره .. إنني امرأة على وشك الزواج يا كريستيل."
ودعتها كريستيل بقلب مطمئن .. كان من الواضح جدا أن حب بيتر قد تلاشى من قلب صونيا وحل محله حب آخر.

Continue Reading

You'll Also Like

196K 7.6K 35
رجال آلقوة.. وآلعنف آلغـآلب آلمـنتصـر.. وكذآلك آلعقآب لآ نهم ينقضون على صـيده بــكسـر جـنآحـيهم آي بــضـمـهمـآ آوبــكسـر مـآيصـيدهم كسـرآ آلمـحـطـم آ...
409K 9.3K 35
للعشق نشوة، فهو جميل لذيذ في بعض الأحيان مؤذي مؤلم في أحيانا اخرى، فعالمه خفي لا يدركه سوى من عاشه وتذوقه بكل الأحيان عشقي لك أصبح ادمان، لن أستطع ا...
207K 18.3K 10
في عالمٍ يملأهُ الزيف غيمةً صحراويةً حُبلى تلدُ رويدًا رويدًا و على قلقٍ تحتَ قمرٍ دمويْ ، ذئبا بشريًا ضخم قيلَ أنهُ سَيُحيى ملعونًا يفترسُ كلُ منْ ح...
391K 18.5K 31
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...