اكتفيتُ منكَ عشقًا

By FatmaMohmed890

3.7M 194K 32.1K

رومانسي_أجتماعي_دراما_غموض_تشويق_كوميدي_عائلي الجزء الاول والثاني والثالث معًا (مكتملة) More

مقدمة♥
اقتباس
اقتباس (2)
مواعيد الرواية♥
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
اعتذار
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
اعتذار
نهاية الجزء الأول
ميعاد نزول أولى فصول الجزء التاني❤️
الفصل الأول "الجزء التاني"
الفصل الثاني"الجزء الثاني"
الفصل الثالث"الجزء الثاني"
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
اعتذار❤️
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
هام
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
توضيح❤️
الفصل السادس عشر
اقتباس من الفصل القادم..
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
فضفضة..
الفصل التاسع عشر
نهاية الجزء الثاني
مواعيد الجزء الثالث
اقتباس
"الفصل الأول"
"الفصل الثاني"
"الفصل الثالث"
"الفصل الرابع"
اعتذار
"الفصل الخامس"
عيد سعيد❤️
"الفصل السادس"
"الفصل السابع"
"الفصل الثامن"
"الفصل التاسع"
تنويه🖤
"الفصل العاشر"
"الفصل الحادي عشر"
"الفصل الثاني عشر"
"الفصل الثالث عشر"
اقتباس
"الفصل الرابع عشر"
هام
"الفصل الخامس عشر"
اقتباس
"الفصل السادس عشر"
اعتذار
"الفصل السابع عشر"
"الفصل الثامن عشر"
"الفصل التاسع عشر"
"الفصل العشرون"
"الفصل الواحد والعشرون"
"الفصل الثاني والعشرون"
"الفصل الثالث والعشرون"
"الفصل الرابع والعشرون"
عيد سعيد💫💜
"الفصل الخامس والعشرون"
اعتذار
الفصل الجديد
الفصل الأخير
مناقشة
الخاتمة"جزء أول"
تأجيل💜
الخاتمة "جزء ثاني"
هاااام
مساء الخير❤️

الفصل الأول

163K 4.2K 1.1K
By FatmaMohmed890

كل سنة وأنتم طيبين، سنة سعيدة عليكم يارب، واتمنى الرواية تعجبكم يا قمرات وتتفاعلوا معاها ومتنسوش الفوت والكومنت
_____________

اكتفيتُ منكَ عشقًا
بقلمي:فاطمة محمد
الفصل الأول:

"لقاء طال انتظاره، أم انتقام تتلهف لتحقيقه"

أشرقت الشمس مصوبة شعاعها تجاه ذلك المنزل الأشبة بالقصور القديمة، الذي كان يعمه الكثير من الحركة والهمسات الخافتة بين الخادمات عن أحوال الجد كبير العائلة.
بعدما أصبح مبتهجًا، نشيطًا، كأنه عاد شابًا في العشرينات منذ أن أخبره محامي العائلة بتوصله وإيجاده لحفيدته الضائعة منذ سنوات.
وعلى الرغم من أنه لم يصدق في بادئ الأمر إلا أنه صُدم وأصبح بحالة من الجمود عندما أخبره أن نتيجة التحليل أثبتت أنها بالفعل حفيدته، مخبرًا إياه عن حياتها وكيف عاشت طوال تلك السنوات، فها هو قد وجدها أخيرًا بعدما بحث طويلًا ولم يستطع الوصول لشئ.

كما أمر الخدم الذين يعملون على قدم وساق لتحضير أحدى الغرف وأجملها لـ حفيدته المزعومة، نور عينيه أبنه أبنته الوحيدة.
صابر الحلواني، يبلغ من العُمر ثلاثة وثمانون عامًا، صاحب إحدى أشهر سلسلة للحلويات الشرقية بمصر، صارم الشخصية، متعجرف لأقصى درجة، تزوج مرتين، رزق بثلاث أبناء من الأولى، وعقب وفاتها وهو في ربيع شبابه تعرف على زوجته روفان ذات أصول أجنبية وعربية، ورزقا بفتاة اطلقا عليها اسم خديجة.
ابنائه هم (محمود، محمد، عبدالرحمن، وخديجة )
تزوج محمود من كوثر ورزقا بثلاث أبناء هم سليم، مهرة، آدم.
أما محمد فتزوج من سامية و رزقا بـ أبنان هما أيهم، إياس.
كذلك عبدالرحمن تزوج من فتاة تدعي هناء و رزقا بـ بسام، مروان.

دنا الجد (صابر) من حجرة ابنته بعدما طرق على الباب منبهًا إياها على الولوج، آتاه صوتها الهادئ المحب لقلبه آذنه له بالدخول، وقعت عيناه عليها جالسة على الفراش محتضنة ملابس أبنتها الصغيرة التي لم تستطع الأشباع منها، كما لم ترزق بغيرها، تنهد مقتربًا منها لا يطيق رؤية عبراتها وحزنها فطالما كانت ابنته المدللة والأقرب له من بين ابنائه، افترش الفراش جوارها ومد يديه رافعًا وجهها متأملًا ملامحها التي تشبه والدتها كثيرًا، فهى تبلغ من الُعمر ثلاثة وأربعون عامًا، ذات أعين رمادية، بشرة بيضاء، خصلات بنية، متوسطة الطول، ذات جسد نحيف.

ارتسمت بسمة طفيفة على وجهه ماسحًا لها عبراتها بحنان، متحدث بعتاب:
-أنتِ لسة بتعيطي من امبارح، المفروض تفرحي يا خديجة، دموعك دي مش عايز اشوفها تاني من بعد انهاردة، بنتك راجعة وهضميها لحضنك.

ارتجفت شفتاها واندفعت رامية ذاتها داخل أحضانه متحدثة من بين شهقاتها العالية وجسدها المرتجف بين يديه:
-مش قادرة يا بابا همووووت واشوفها واخدها في حضني، الكام ساعة دول مش عايزين يعدوا، أنا ملحقتش اشبع منها، مشوفتهاش بتكبر قدامي، منك لله يا سعد، منك لله، لولا عمايلك المهببة مكنتش اتحرمت من بنتي، واتعاقبت فيها، أنا مش مسمحاه يا بابا، عُمري ما هسامحه، لولا الخناقة اللي حصلت في المطعم اليوم ده بسببه مكنتش اتلهيت عن بنتي واتخدت مني.

عقب انهاء حديثها تذكرت أفعال زوجها السابق الذي ظنت أن ابنتهم اخُتطفت نتيجة لأفعاله الشنيعة التي جعلت له العديد من الأعداء، أعداء لاتُعد ولا تحصى، لكن بالنهاية أكتشفت أن أعداء زوجها ليس لهم دخل بخطفها والأمر لم يكن سوى صدفة.
ظل صابر يربت على ظهرها محاولًا تهدئتها، متمتم بترجي:
-سعد طلع من حياتنا يا خديجة، وبنتك راجعه لحضننا، راجعة لعيلتها، المفروض تفكري هتسعديها ازاي، فكري في اللي جاي مش اللي راح يا بنتي، لو فضلنا نفكر في اللي راح هنتعب ومش هيبقى عندنا طاقة نكمل، والحمدلله أنها جت على أن اللي خطفها مننا ملوش عداوة مع سعد، وإلا كان ممكن .

صمت عن إكمال جملته، لا يطاوعه لسانه، زادت من أحتضانها وضمها له عند تخيلها لمقتل ابنتها على يد احد اعداء زوجها الذي لم يتوقف عن آذية النساء وسلبهم ما يريد، وضع يديه على رأسها وظل يتلوى آيات قرآنية بصوت عذب وعبراته تنهمر على وجنتيه حزينًا على حالها، وبعد دقائق خرجت من أحضانه قائلة ببسمة فرحة:
-أنا هقوم أشوفهم وصلوا لايه في المطبخ، مش عايزة يبقى في أي حاجة ناقصة، أحنا لسة منعرفش هى بتحب إيه ومبتحبش إيه.

سعد صابر بتحسن حالتها وتحدثها بسعادة فأجابها متمتم براحة:
-يلا، وأنا هشوف سليم.

***********

في إحدى الغرف ظل يتململ بنومه رافعًا يديه ماسحًا وجهه فهناك ما يزعجه ويلامس وجهه أثناء نومه، ثم سرعان ما أخفض يديه وأكمل نومه وبعد ثوانٍ قليلة أنتفض بنومته معتدلًا جالسًا على الفراش متمتم بخوف:
-إيه في إيه البيت بيولع ولا إيه!!

ضحكت مهرة الأبنة الوسطى لـ محمود الأبن البكر لصابر، تدرس بالسنة الأخيرة من كلية آداب قسم جغرافيا تبلغ من العُمر واحد وعشرون عامًا، تتميز بالبشرة القمحاوية، خصلاتها متوسطة الطول سوداء اللون، متوسطة القامة، ذات جسد ممتلئ قليلًا، مرحة، خفيفة الظل.
دوت ضحكتها عاليًا وكادت أن تسقطًا أرضًا غير قادرة أيقاف ضحكاتها الصاخبة على أبن عمها، ذو السابعة والعشرون عامًا، والذي يدير أحد المحلات الخاصة بجده، ذو وجه بشوش ولدية غمازة تزين وجهه، متوسط القامة، جسد رياضي، خصلات قصيرة، وعينيه بلون القهوة.

قطب إياس جبينه بأنزعاج وصك على أسنانه بغل والتقط وسادته سريعًا وقام بقذفها بها هاتفًا بوجهه محتقن من أفعالها الطفولية التي لا تكف عنها:
-أنتِ مش هتبطلي حركات العيال دي كل شوية تعملي فيا حركة من حركاتك السخيفة دي أنتِ موركيش غيري.

توقفت عن ضحكاتها وأخرجت له لسانها بطريقة طفولية بحتة قبل أن تجيبة:
-لا مش ورايا غيرك وياريتك بتبطل تتخض ألا كل يوم بلقيك وشك اتخطف وتقوم معدول قوام وتبص حوليك بهبل وتقول إيه البيت بيولع ولا إيه.

قامت بتقليده بإتقان وهى تردد كلماته التي يلقيها على مسامعها كلما فعلت به ذلك المقلب، تكاظم غيظه ونهض مسرعًا من على الفراش راغبًا بالنيل منها.

اتسعت عيناها بخوف مصطنع وهرولت خارج الغرفة، اندفع خلفها ولحق بها ممسكًا إياها من ملابسها فأصبحا بوضع الشرطي الذي نال من أحدى المجرمين فأذردرت ريقها وقالت بمرحها المعتاد مـحاولة استعطافه:
-جرا إيه يا إياس نوارة البيت ده أنا بنت عمك صاحبتك اقرب حد ليك ينفع تمسك اقرب حد ليك المسكة دي، ده حتى يبقى عيب عليك.

هزها برفق متمتم من بين أسنانه:
-يعني ينفع اللي بتعمليه في أمي كل يوم ما عندك أخواتك اقرفيهم هما بتقرفيني أنا ليه.

أجابته بعفوية:
-ما أنت كمان أخويا.

أجابها محركًا إياها مرة أخرى مستمتعًا بما يفعله بها فهى حقًا أقربهم إليه ولا يراها سوى شقيقة له، كذلك هى فـ شعورهم متبادل:
-ومدام أنا أخوكي في حد يعمل في أخوه كدة، ده أنا ولا كأني قتلك قتيل، ده أنتِ مش بتهنيني على نومة، ارحميني بقى وارحمي أمى العيانة.

مطت شفتيها بطفولة مزامنة مع صعود صابر درجات الدرج، فسرعان ما تركها إياس وابتلعت هى ريقها بخوف فمن المؤكد أنه سينهرهم مثلما يفعل دائمًا، دنا منهم بسعادة وقال بوجه بشوش وابتسامة لم يروها منذ وقت طويل، رغم عيناه الحمراء أثر بكائه منذ قليل مع ابنته بالغرفة.

-أنتم بتتخانقوا زي كل يوم برضو أنتم إيه مش هتكبروا بقى.

قالها مغادرًا من أمامهم مبتسمًا على أفعالهم الصبيانية متقدمًا من غرفة حفيده سليم.

فرغ فاه مهرة وكذلك صُدم إياس فقالت مهرة بتلقائية:
-ده جدك بجد ولا أنا بحلم هو مزعقش وهزقنا صح.

أماء لها وهو مازال على حاله فتمتمت:
-طب اقرصني كدة عشان أتأكد.

نظر لها وابتسم بخبث ملبيًا لها طلبها مما جعلها تتأوه بشده بعدما غرز أظافره بلحم ذراعيها، اتسعت عيناها مصدرة أنينًا خافتًا، كادت أن تعنفه لكنه كان أسرع واندفع من أمامها مبتسمًا متحاميًا بغرفته مغلقًا الباب من خلفة بسرعه البرق.

دبدبت بقدميها على الأرضية وقالت بصوت متذمر مستنكرة فعلته وتناهى صوتها إليه:
-وتقولي أنا اللي حركات عيال، أومال دي حركات إيه ها يا استاذ يا متعلم يا بتاع المدارس، على العموم أنا مش فضيالك انا رايحة اوضتي عشان أكلم تقى، واخد بالك أنت.

فتح الباب مرة أخرى بلهفة فتحركت من مكانها كأنها كانت على وشك المغادرة فلحق بها ممسكًا بذراعيها متمتم بمرح:
-خدي هنا بس ده أنا بهزر معاكي، بس أنا هزاري تقيل شوية.

عقدت ذراعيها أمام صدرها، ثم قالت بعجرفة مصطنعة رافعة رأسها للأعلى قليلًا:
-طيب سبني بقى عشان اكلم تقى حبيبة القلب.

ابتسم ورفع يديه ماسحًا على خصلاته الطويلة بحالمية، فهو يعشق صديقتها المقربة سرًا ولا يعلم أحد بعشقه سوى مهرة، غير مدركًا أنها أخبرت صديقتها بمشاعره تجاهها وفضحت آمره أمامها، فقال بأبتسامة جذابة:
-بقولك إيه ما تعملي فيا جميلة وخليها تيجي أنهاردة وحشتني وعايز أشوفها

مطت شفتيها وارتسم الخبث والمكر على ملامحها مجيبة إياه:
-تدفع كام واخليهالك تيجي وتقضي اليوم معانا أنهاردة.

رد بلهفة:
-اللي أنتِ عايزاه أعمليها بس وليكي هدية حلوة.

************

ولج صابر غرفة حفيده الأكبر سليم، صائحا بخشونة مناديًا عليه.

-سليم، سليم

لم يستيقظ أو يستمع لصوته فـ كرر صابر ندائة مرة أخرى لكن تلك المرة بنبرة أعلى وأقسى وبها من الجمود ما يكفي، رافعًا عصاه يهزه برفق.

-سليــــــــــــــــــم.

أستيقظ سليم أكبر أحفاد عائلة الحلواني يبلغ من العُمر تسعة و عشرون عامًا، تخرج من كلية آثار، لا يعمل بمجال دراسته بل يدير أحد المحلات التي تملكها العائلة، طويل القامة، مفتول العضلات، أسمر البشرة، عيون سوداء و أهداب كثيفة، شفاة غليظة، خصلات قصيرة كثيفة شديدة السواد، لا يحب أن يفرض صابر سيطرته عليه، دائم العناد معه.

فتح عينيه بصعوبة متأففًا بضيق وضجر ثم اعتدل وجلس نصف جلسة على الفراش وطالع صابر مبتسمًا ابتسامة مصطنعة لم تصل لعيناه:

-صباح الخير.

تهجمت ملامح صابر و زمجر بغضب:

-صباحك زفت ومنيل، أنتَ إيه مفيش فايدة فيك هتفضل في القرف اللي أنت فيه ده لحد أمتى.

أبتسم سليم بسخرية وقال:

-قرف!! قرف إيه لمؤاخذة.

انتشل صابر القميص الخاص به ودفعه بوجهه وقال بنبرته الغاضبة:

-بلاش قلة أدب ووقاحة على الصبح و البس كدة واتعدل عشان اعرف اتكلم معاك، وبخصوص القرف قصدي أنك سايق العوج يا سليم أقولك الحاجة تعمل عكسها اوعى تكون مش فاكرني مش واخد بالي.

التقط سليم قميصه و ارتداه ببرود ونهض واقفًا أمام جده متمتم بابتسامة جانبية ملوحًا يديه بالهواء متمتم بهمس ساخر متجاهلًا حديثه الأخير كأنه لم يستمع إليه:

-أديني لبست و قومت، لكن حكاية أني أبطل قلة أدب ووقاحة أنا موعدكش اصل ده ملاعبي والفضل ليك يا جدووو ولا نسيت.

جز على كلماته الأخيرة فـ صك صابر على اسنانه وهدر بعنف متفهمًا مقصده ومغزى حديثه:

-أنت مش عايز تنسى ليه الموضوع ده، عدى عليه كتير أوي.

برزت عروق سليم الرجولية وحاول كبح غضبه وعدم التطرق لذاك الموضوع المغلق منذ ثلاث سنوات معه مرة أخرى فـ رد بجمود:

-مش هيتنسي يا صابر بيه، مش هيتنسي، وبلاش تفتح معايا الموضوع ده تاني عشان ردي وكلامي مش هيعجبوك وهترجع تقول ده ولد قليل الأدب و مشافش بربع جنيه تربية، فلزمته إيه كل ده... ولو عليها فأنا نسيتها وعرفت غيرها كتير كلهم يتمنوا أشارة من أيدي، سليم اللي قدامك أنت اللي عملته و وصلته لكدة يارب تكون مبسوط، ها مبسوط.

-آه يا سليم مبسوط بس مش بيك بحفيدتي اللي هترجع لحضني وحضن خديجة من تانى وهتعوضها كل السنين دي، أما أنت بقى فأنا هعرف اتصرف معاك أنا غلطت من الأول لما سكتلك وكل شوية أقول هيتعدل هيتعدل بس مفيش فايدة، واعمل حسابك أنهاردة مفيش سهر وهتقضي اليوم معانا وهتقابل بنت عمتك وهترحب بيها على أكمل وجه مفهوم.

عض على شفتيه ونظره مثبت على جده بتحدي فأجابه بأيماءه:

-وماله بلاه سهر انهاردة عشان خاطر السنيورة، بس أكيد مش هتحبسني طول اليوم وهخرج بليل؛ أصلي مسافر مع صحابي أفك عن نفسي شوية، عشان خلاص اتخنقت.

رمقه صابر بنظرة لم يستطع سليم تحديدها أهى غضب، توعد، حزن، سعادة، ثم غادر الغرفة متجاهلًا حديثه عن سفره ليلًا.

احتار سليم تفسير نظراته الأخيرة، وظل واقفًا مكانه يطالع مكانه بصمت وسكون، سكون لم يخرج منه إلا بعدما ارتفع رنين هاتفه.

تنهد وانتشل هاتفه من على الكومود القاطن جواره و جلس على الفراش مرة أخرى واضعًا الهاتف على أذنيه مجيبًا عليه بابتسامته الساحرة وبصوته الرجولي:

-وحشتيني، وكنت لسة بحلم بيكي ومقولكيش على اللي حصل في الحلم، هو هو اللي هيح

ابتسمت بخجل على كلماته الغير بريئة قائلة بهدوء ودلال مقاطعة إياه:

-بطل قلة أدب ها.

-مقدرش، انا وقلة الادب اخوات ومتلاصقين كمان وحياتك.

قالها بمكر فأجابته مغيرة مجرى الحديث غير راغبة بالتطرق لتلك الأحاديث معه قبل عقد قرآنهم:

-طب بس بقى، وبعدين في حد ينام لحد دلوقتي وكتب كتابة بليل يا أستاذ.

-أديني صحيت اهو، وإن شاء الله مش هتأخر بليل.

تنهدت بحزن وقالت:

-سليم أنت متأكد أن اللي بنعمله ده صح، أنا مش عارفة جدك ممكن يعمل إيه لما يعرف أنك اتجوزتني بعد ما رفضني هو فاكرنا سبنا بعض وفاكرك عرفت غيري.

-متقلقيش مش هيعرف، غير لما أحنا نحب نقوله،غير أنه مش هيبقى فاضيلي أصلا جت اللي تشغله.

قطبت جبينها وقالت مستفسرة:

-قصدك مين!؟

أجابها وهو يلتقط علبة سجائره مخرجًا واحدة واضعها بين شفتيه الغليظة وقام بأشعالها:

-روفان بنت عمتي اللي ضاعت من عمتي وجوزها وهى صغيرة لقاها وراجعة انهاردة و

فتح الباب على مصرعيه، وتقدمت منه والدته من الباب مغلقة الباب من خلفها فقام سليم منهيًا الحديث مع أحلام.

-طيب أقفلي دلوقتي وهكلمك تاني.

اغلق معاها رامقًا والدته الواقفة أمامه بنظراته المنفعله، نفث الدخان من فمه مغمغم بغلاظة مطفئًا السيجارة بتشنج:

-في إيه يا ماما، زريبة هى ولا إيه ده أنتوا هتخلوا الواحد يقفل الباب عليه.

امتعضت ملامحها وقالت بأنفعال:

-انا مش مرتاحة يا سليم، حساها نصابة، بس كل ما افكر في كدة اقول لا مستحيل ده المحامي بنفسه أكد أن التحاليل ثبتت أنها بنت خديجة.

أطفى سيجارته ونهض قائلًا ببرود مميت متجهه صوب المرحاض المرافق لغرفته تاركًا والدته تشتعل من تلك الفتاة التي ستقتحم حياتهم ولا يعلمون عنها شئ.

-نصابة مش نصابة هيبان وحاولي متشغليش دماغك.

**********

في أحدى المنازل

كانت تسلتقى على الفراش تغط بنوم عميق على ذاك الفراش الوثير بعدما قامت بتوديع زوجها وذهب لعمله، أزعجتها تلك الأصوات بالخارج، فتحت عينيها الواسعة بنية اللون وصكت على أسنانها.
نهضت نافضة الغطاء عن جسدها الممشوق ملتقطة الروب الخاص بها وارتدته فوق قميص نومها الحريري مغلقة إياه بأحكام وخصلاتها الحريرية تنساب على ظهرها، خرجت من الغرفة أعتقادًا منها بأنها والدة زوجها التي تقطن بالمنزل المقابل لهم، فتلك ليست المرة الأولى لها.
تحركت تجاه الأصوات والتي كانت تأتي من المطبخ، زفرت والجة المطبخ وما لبثت أن تتحدث حتى لجمتها الصدمة فمن أمامها لم يكن سوى شقيق زوجها.
جحظت عيناها وتسمرت فكيف له أن يلج المنزل وهى بمفردها!!!!!!
ألا يكفي والدته وشقيقته فيأتي شقيقه هو الآخر ويلج المنزل دون استئذان.

رمقها بأبتسامه بلهاء وبين يديه بعض الأطعمة هاتفًا مبتلعًا ما بفمه:
-صباح الخير يا ملك.

فارت الدماء لعروقها، ثم هرولت مندفعة تجاه غرفتها فلا يجوز الوقوف أمامه بتلك الهيئة المغرية، دفعت الباب من خلفها واغلقته بأحكام وانتشلت هاتفها بعصبية وهاتفت زوجها الذي سرعان ما أجابها:
-صباح الخير يا حبيبتي.

صاحت به بأنفعال ادهشه:
-صباح الزفت يا إسلام، اسمع يا إسلام الوضع ده أنا مش قادرة استحمله اكتر من كدة مش كفاية أن المفتاح مع أختك وأمك وداخلين خارجين عليا من غير استئذان، دلوقتي جه الدور كمان على أخوك ده إسمه إيه ده يعني، أزاي يدخل البيت وانا قاعدة لوحدي.

صك إسلام على أسنانه وهتف بخفوت متلفتًا حوله راسمًا ابتسامه على وجهه حتى لا ينتبه زملائه في المكتب فهو يعمل محاسبًا بأحدى الشركات الكبرى.
-وطي صوتك يا ملك أنا في الشغل، ولما أجي هنكلم تمام.

أغلق معها دون أعطائها فرصة للأيجاب، أخفضت الهاتف من على أذنيها ناظرة له بصدمه امتزج بغضب، قذفت الهاتف على الفراش وتحركت سريعًا صوب الخزانه حتى تبدل ملابسها وتضع حدًا لتلك العائلة الذين لا يتركونها تنعم بزواجها فهى لا تزال ببداية زواجها فلم يمر على زواجها سوى تسعة أشهر ورغم ذلك يجعلون حياتها جحيمًا بتدخلهم المستمر بحياتها، أما زوجها فقد طفح الكيل منه فهو لا يفعل شئ معهم متحججًا أنه لا يريد أغضابهم فلا يجوز أن يخبرهم ألا يدخلون منزله.

أبدلت ملابسها، ثم فتحت باب الغرفة والقت نظرة سريعة بالمطبخ فوجدته قد غادر، أماءت برأسها بتوعد وخرجت من المنزل وطرقت على باب المنزل الخاص بهم فلم يمر ثوانِ حتى فتحت لها حماتها أمل، مصمصت شفتيها قائلة:
-أخيرًا يختي صحيتي ده أنت تقدري على نوم م

قاطعتها ملك راسمة ابتسامة على محياها وتحدثت ببعض العصبية الطفيفة التي تراها أمل للمرة الأولى فما تعرفه عن ملك أنها وديعة وداعة القطط، تنصت لهم دون أن تعترض، فشخصيتها هشة وضعيفة:
-طنط لو سمحتي أنا عايزاكي في حاجة مهمة.

لوت أمل شفتيها وقالت بتهكم:
-برضو طنط مش قولنا ماما، إيه مبتعرفيش تنطقيها.

لم تعير ملك لحديثها أهتمامًا فهى تفهم مغزى حديثها، والذى لم ترد به سوى أشعارها بالسوء فهي يتيمة الأم منذ الصغر وأنحرمت من حنان الأم وذاقت مرار زوجة الأب
-دلوقتي ده بيتي وأنا مش عارفة أخذ راحتي في بيتي، حضرتك على عيني ورأسي أنتِ وبسنت بس يبقى بحدود عن كدة مش معقول أصحى انهاردة ألاقي محمد في الشقة وإسلام مش فيها مي.

قاطعتها أمل بحدة وقسوة:

-وإيه اللي منفعوش يدلعتي هو ابني هيبصلك، هيبص لمرات أخوة أنتِ هبلة يا بت.

رفعت ملك رأسها للأعلى متنهدة بقوة، خرجت بسنت على أصواتهم واقتربت منهم وبيديها إحدى الصحون التي تحتوي على طعام وكانت تتناول منه بنهم:
-في إيه يا ماما بتزعقوا ليه على الصبح.

-تعالي يا يختي شوفي الهانم بتقول إيه، دي شكلها هتخرف، على رأي المثل سكتناله دخل بحماره.

خرج محمد هو الآخر والذي يبلغ من العُمر عشرون عامًا مردفًا بلامبالاة والطعام بفمه:
-في إيه يا ماما.

-مفيش يا قلب أمك خش أنت ذاكر

أستجاب لها ودخل غرفته فاقتربت أمل خطوة واحدة من ملك وقالت بشر:
-أبني ده أصغر منك ومستحيل يبصلك بلاش جنان وهبل، وبعدين دي شقة أخوة يعني شقته ويدخلها براحته، أنتِ سامعة يا بت أنتِ، دي ملكنا أحنا مش أنتِ يا روح طنط.

أغمضت ملك عينيها محاولة كبح غضبها لاعنة نفسها بسرها فهى من أنجرفت خلف مشاعرها وتزوجت بمن أحبت وليتها أستمعت لنصيحة صديقتها، التي حذرتها من الزواج خاصة من شخص مثل إسلام قد يغدر بها بأي لحظة لانصياعه الدائم لوالدته.

فتحت عينيها وقالت بهدوء محاولة أقناعها:
-ابنك اللي بتقولي عليه أصغر مني أنا اكبر منه بسنتين بس يعني مفيش فرق يعتبر، وأنا مغلطش دي شقتي وده حقي.

انهت حديثها مندفعة لمنزلها الخاصة دافعة الباب بوجهها فأغتاظت أمل من فعلتها و وقاحتها معها.

-لا يختي مش شقتك ومش حقك دي شقة ابني جابها بتعبه وبشقاه، بس صحيح هتوقع إيه من واحدة زيك تربية رقصات وابوها رميها، وصحابها الاتنين ماشيين على كيفهم، واحدة معندهاش شخصية وبتعمل واحدة عليا أنا واحدة.

أستمعت ملك لكلماتها وصياحها الغاضب، والذي اصابها بمقتل فهي حقًا تربية راقصة، لكن ذلك لم يكن أختيارها فهى زوجة أبيها، ذات الشخصية المسيطرة، ووالدها ضعيف أمامها، تزوج بها عقب وفاه والدتها فأذاقتها العذاب ألوانًا، فكان إسلام جارها يعشقون بعضهم وكان يهون عليها ما يحدث، أنتظر حتى استطاع تكوين ذاته وتقدم لها فرفضه والدها راغبًا بزوج ثري ليس ذلك المحاسب فأصرت ملك عليه فغضب والقى على مسامعها ما لم تحب ظنًا بأنها ستنصاع له، لكن ما فعلته كان كالصاعقة فتأثير إسلام كان أقوى من والدها، أغمضت عينيها بتلك اللحظة متذكرة كلمات والدها والذي من المفترض أنه سندها بتلك الحياة.

-عايزة تجوزيه اتجوزيه يا ملك بس ساعتها أنسي أنك ليكي اب ومنك لجوزك ولو ضربك في يوم متجيش عندي لأن بنتي ساعتها هتكون مات أنتِ سامعة.

كذلك عاد أمامها تحذيرات صديقاتها منذ أيام الدراسة بأحدى المدراس الثانوية الخاصة بالبنات، واللتان كان يبغضان إسلام ويرونه لا يستحقها محذرين إياها من والدته، والآن فقط علمت أنهم استطاعوا رؤية ما لم تستطع أن تراه.

************

كان الجميع يجلسون بالصالون ينتظرون وصول تلك الحفيدة التي قلبت حياتهم قبل أن يروها، يرون سعادة لم يسبق لها مثيل بعين صابر وخديجة، الواقفين جوار النافذة مترقبون وصولها على أحر من جمر، أزدادت النيران بقلوب بعضهم والسعادة بقلوب آخرى، مستعدين للقائها فكان أبنائه و زوجاتهم يحتلون أحدى الآرائك الكبيرة الواسعة
فقلبت كوثر عيناها بملل وأنحنت تجاه زوجها محمود الجالس جوارها هامسة:

-أبوك لسه مشفهاش وحاله أنقلب كده اومال لما تقعد شوية إيه اللي هيحصل، آه يا خوفي تبقى زي أبوها وميجيش من وراها غير الأذى، وبعدين البيت مليان شباب وكلهم عزاب تقدر تقولي هيحصل إيه لما تقعد معاهم هنا ويا خوفي لو البت حلوة.

سرعان ما أتسعت عيناها وتوقف عقلها عند تلك النقطة فنظرت له بأعين جاحظة وقالت بذعر:

-حلوة إيه ما أكيد حلوة هتطلع وحشه لمين لا لا أنا قلبي مش مطمن يا محمود.

أحتدت عين محمود وقال بصرامة وحدة محافظًا على أن يكون صوته منخفضًا مماثل لصوت زوجته حتى لا تصل كلماته لوالده و خديجة:

-أنتِ مش ناوية تجبيها البر مش كدة...أخرسي وحطي لسانك في بوقك ومتسمعنيش كلامك اللي زي السم ده تاني، أنتِ سامعة ولا لا، البنت تبقى بنت عمتهم يعني مش غريبة، وهتعيش مع أمها، إيه نطردها عشان سعادتك ترتاحي.

جزت على أسنانها وقالت بأبتسامة مزيفة رغم ما يعتريها من مشاعر سوداء، رامقة خديجة بغيرة:

-لا متطرودهاش يا محمود ومش هتكلم أديني سكت بس لما الفأس تقع في الرأس ابقى افتكر أني حذرتك.

وعلى الجانب الآخر كان ثلاث من شباب العائلة يجلسون جوار بعضهم فـ كان أيهم والذي يصغر سليم بسنة واحدة، طويل القامة، قمحي البشرة، أعين عسلية، جسد متوسط ليس برياضي لكنه جذاب، طبيب أسنان ويملك عيادته الخاصة بأحدى المناطق الراقية، أقرب صديق لسليم.

يجلس واضعًا قدم فوق الآخرى ينظر بساعته بملل وضيق فـ مال قليلًا تجاه سليم وقال بخفوت:
-وبعدين يا سليم، جدك هيفضل مذنبنا هنا ولا إيه أنا عندي شغل و زهقت بصراحة.

تهكم وجه سليم وقال بغموض مراقبًا لهفة صابر للقياها بغيرة وحقد شديدة:

-معلش.

أغتاظ أيهم من رده فتأفف ورمق مروان الذي يجلس جواره من الجهه الآخرى والذي كان يعبث بهاتفه يحادث أحدى الفتيات والأبتسامة على وجهه، فهو في السادسة والعشرون من عُمره، عاشقًا للنساء، ذات جسد رياضي، طويل القامة، ذو خصلات طويلة، ولحية بسيطة، عيناه بلون القهوة.
خرج صوت إياس منفعلًا بعد أن رأى ما يفعله من أحاديث غير بريئة:

-أرحم نفسك شوية أربعة وعشرين ساعه بنات إيه مبتتهدش.

أبتسم مروان بعبث واجابه دون أن يرفع عيناه عن هاتفه:

-لا مبتهدش إيه رأيك أعرفك على واحدة منهم واهو تفك شوية كدة بدل ما أنت قفل يا دوك وبعدين أنت بتكلمني أنا ما تشوف سليم اللي هيتجوز من ورا جدك آه لو جدك عرف أنه كتب كتابة الليلة لا و على مين أحلام اللي جدك يطيق العما و ميطقهاش يعن

لكزه أيهم بعصبية متمتم بخفوت مقاطعًا حديثه:

-أخرس يخربيتك لجدك يسمعك ونروح في خبر كان، وبعدين متخليش سليم يسمعك لحسن مش طايقك أنت وبسام من ساعة ما سمعتوه وهو بيقولنا على كتب الكتاب، هو أصلًا مكنش ناوي يعرفكم.

-لية بقى إن شاء الله مش ولاد عمه يعني ولا مش ولاد عمه أحنا كمان ولا أنت وإياس ابن البطة البيضا وأنا وهو ولاد البطة السودا.

-لا يا ناصح بس عشان علاقته هو واخوك مش مضبوطة والاتنين يطيقوا العما وميطقوش بعض.

بينما على الأريكة الآخرى كان آدم أصغر أبناء محمود والذي يبلغ السابعة عشر عامًا، فى مرحلتة الأخيرة من الثانوية العامة، مجتهد بدراستة، ومرح مثل شقيقته، يجلس جوارها هى وإياس متأففون بضجر لا يتحملون جلوسهم ذاك يتبادلون الأنظار.
أما بسام الذي كان يجلس على احدى المقاعد رامقًا سليم من حين لآخر بمكر، فهو يغار منه وبشدة لمعرفته بحب صابر له، كما أنه لا يراه يستحق كل ذاك الحب، ذو تسعة وعشرون عامًا يتميز ببحة صوته المميزة، وسيم لأقصى درجة يشبة شقيقة مروان، أقترب من جده وعمته الملتهفين للقائها، وقف بجوارهم مطمئنًا إياهم.

-زمانهم على وصول متقلقوش.

أصطفت سيارة المحامي أمام الباب فأتسع ثغر خديجة ببسمة واسعة وبدأ صدرها يعلو ويهبط بقوة، تنتظر ترجل ابنتها من السيارة، شاعرة بتلك اللحظة أن قدميها لا تحملها، أما صابر أزدادت خفقاته تدريجيًا فأغمض عيناه محاولًا أستجماع قوته التي بدأت بالأنهيار رويدًا رويدًا.

تنهد بسام براحة مشيرًا تجاه السيارة:

-أهم وصلوا.

ترجلت حفيدته صاحبة الاثنين وعشرون عام من السيارة وخصلاتها السوداء الطويلة تنساب على ظهرها تتمايل مع حركاتها، نزعت النظارة الشمسية التي تحجب عن عيناها السوداء الواسعة وأهدابها الطويلة ضوء الشمس طالعت القصر بنظرة عميقة اختلفت من خلالها مشاعرها، وقف بجوارها المحامي الذي ترجل أيضًا وأبتسم لها بخفة مشجعًا إياها على الأقدام تجاه باب القصر فتمتمت بخفوت قبل أن تخطي أي خطوة رامقة إياه بنظرة خاطفة:

-فلوسك جاهزة يا متر مش عارفة من غير مساعدتك والتقرير المزور اللي بيقول أني حفيده عيلة الحلواني كنت عملت إيه!؟

اتسعت ابتسامة المحامي تدريجيًا مجيبًا عليها.
لم تسمتع بما تفوه به، منشغلة بالتطلع للقصر مرة أخرى بأعين سوداء قاتمة، خطت خطوتان والمحامي خلفها وما كادت تخطي الثالثة حتى لمحت سيارة سوداء علمتها جيدًا، أزدادت قتامة وجهها وتابعت سيرها.

طرق الباب ففتحت الخادمة التي كانت تقف على مقربة من الباب، ولج المحامي وهى برفقته عيناها تبحث عنهم.

ألتفت الجميع عدا خديجة وصابر حتى يروها فصُدم البعض وصاحت مهرة مشيرة تجاها بصدمة:

-أفنان عبدالله!!!!!! اليوتيوبر المعروفة تبقى روفان بنت عمتي معقولة.

ألتفتت خديجة ببطء بعيناها الحمراء وجسدها المرتجف فوقعت عيناها عليها أولًا، فأزدادت دموعها تدريجيًا وهى تراها تقف أمامها، واضعة كلتا يديها على فمها بعدم تصديق، أستدار صابر هو الأخر رامقًا إياها واقفًا جوار ابنته وبدأت العبرات تتجمع بمقلتيه.

بدأت بالأقتراب منها لا تشعر بشئ ولا ترى أحد سواها، ترغب بضمها لصدرها، واستنشاق رائحتها.
وقفت أمامها بوجهها المنكمش الباكي وقالت بصوت يفطر القلوب جعلت البعض يتأثرون بها، محاوطة وجهها بين يديها لا تصدق أنها تلمسها:

-روفان حبيبتي، أنا مش مصدقة أنك عايشة وأني قدرت ألقيكي، وأنك واقفة قدامي، أستنيت اللحظة دي كتير...كتير أووووي وكنت خايف أموت قبل ما شوفك، بس الحمدلله ربنا جمعني بيكي أنا أنا

لم تكمل جملتها ضاممة إياها لأحضانها، فظلت ملتزمة الصمت تكبت مشاعرها السوداء وتلك الرجفة التي سارت بجسدها نتيحة أحتضانها لها، وترددت كثيرًا برفع يداها ومبادلتها عناقها الطويل حتى لا تثير الشكوك وبالأخير قررت فعلتها مجبرة مطوقة إياها بذراعيها.

رفعت عيناها الكارهة حادقة بصابر الباكي من خلفهم أولًا ثم عقبه شباب العائلة بنظرات غامضة لاح بها بعض من الحيرة كأنها تبحث عن ضالتها سليم...إياس..مروان...بسام...أيهم...

أرتفع جانب فم سليم متفحصًا هيئتها وملابسها السوداء والتي تخفي جسدها بأكمله فهمس مروان بجوار أذنيه:

-جاااامدة وبعشق الفيديوهات بتاعتها، بس مش عارف هدومها بقت مقفلة كدة لية دي مكنتش كدة، وبعدين بقالها فترة منزلتش فيديوهات ومختفية.

أجابه سليم بتهكم وسخرية وعيناه تتقابل مع عيناها السوداء بنظرة سريعة:

-هدومها بس اللي مقفلة!

همس مروان مرة آخرى حادقًا به:

-آه هدومها بس دي زي العسل في الفيديوهات بتاعتها و بعدين البنات بيحبوها أوي و الرجالة كمان وحياتك.

أطلق ضحكة خافته عقب انهاء حديثه، جعلت سليم يتآفف بضجر يشعر بالملل من تلك الأجواء مقلبًا عيناه بضيق، فصاح مروان:

-يا نمس بلاش الوش ده، ده أنت كتب كتابك أنهاردة، عايزك تبقى أسد بقى و ترفع رأس عيلة الحلواني، وإلا والله هنتبرى منك، كله إلا سمعة العيلة.

جز سليم على اسنانه و تمتم بانفعال:

-انا مش هرفع رأس العيلة أنا هرفع رجلي و هشوطك شوطة تقلبك واحدة ست يا مروان الكلب أنتَ.

تهجمت ملامح مروان ولوح بيديه بالهواء متمتمًا ببعض الكلمات الغير مفهمومه مبتعدًا عن سليم مقتربًا من تلك الفاتنة التي كان لا يراها سوى على مواقع التواصل الأجتماعي.

وقف قبالتهم بعدما أخرجتها خديجة من أحضانها و يديها تحاوطها و عيناها لا تفارقها.

-بعد إذنك يا عمتي تسمحيلي ارحب بـ بنت عمتي.

رفع يديه بحركة جريئة حتى يمسك بيديها ويقبلها مرحبًا بها و بعودتها، لكن ما حدث فاجئ الجميع.

فما أن لمست يديه يديها حتى نفضت يديها بقوة وتبدلت ملامحها بملامح احتاروا بتمييزها...أهى خوف، غضب، أم كلاهما معًا...

ازدردت ريقها و حاولت تهدئة انفاسها المتسارعة بين ثنايا قلبها، بينما قال مروان مبررًا فعلته حادقًا بها تارة و بـ خديجة وصابر الذي غضب لأخافته إياها تارة أخرى.

-أنا آسف لو خوفتك انا بس كنت حابب اسلم عليكي.

أندفعت مهرة التي خرجت من صدمتها برؤيتها امامها فلطالما كانت تحبها و تتمنى رؤيتها مردفة بمرحها المعتاد:

-أنا مهرة بنت خالك محمود و بجد بجد مبسوطة اوي انك طلعتي قريبتي أنا بحبك اوي و مبسبش فيديو ليكي إلا و بشوفة.

ابتسمت لها أفنان بأمتنان على حديثها، ثم تقدم صابر منها متنهدًا بسعادة ضاممًا إياها بأشتياق جارف لم يقل شئ عن خديجة، انتفض جسدها بين يديه، لكن ليس بيديها شئ فإذا أرادت تحقيق انتقامها عليها الرضوخ لهم وتقديم بعض التضحيات حتى لا تثير شكوكهم.

كذلك تقدم محمود ومحمد و عبدالرحمن رفقة زوجاتهم المتذمرات من ذلك الوضع و رحبوا بها مجبرين، رفع محمود يديه معلقًا إياها بالهواء مكتفيًا بذاك السلام وبابتسامة بسيطة على محياه:

-أهلا بيكي، ونورتي عيلتنا الكبيرة.

تعلقت عيناها بيديه المعلقة و رفعت يديها مبادلة إياه سلامه دون تردد ملتزمة الصمت حتى الآن، صوتها لا يسعفها على الحديث.

أما بسام اقترب منها هو الآخر بابتسامته الجذابة وصوته المميز متمتم:

-أهلا بيكي يا بنت عمتي البنت نور بوجودك.

أشتعلت هناء والدته من كلماته و تبادلت النظرات مع كلا من كوثر و سامية وبدأ الخوف يتسلل قلوبهم...

اغتصبت ابتسامة وقالت بصوت هادئ يحمل بين طياته الكثير، وعيناها لا تفارق خديجة:

-وانا مبسوطة أني لقيت أهلي و بقيت وسطيكم.

رفع سليم حاجباه بزهق و قال بابتسامة مصطنعة لم تصل لعيناه و بطريقة مسرحية مطالعًا ساعة معصمة جعلت الدماء تفور بعروق صابر:

-طيب لو جو الأفلام القديمة ده خلص أنا مضطر امشي، لأني لو أستنيت أكتر مش ضامن نفسي بصراحة

عضت على شفتيها من الداخل بحنق، وشكوكها تذهب تجاه هذا الرجل الذي لايكف عن الحملقة بها بنظرات كارهة لم تغب عنها، باغضًا وجودها بينهم، اشتعلت نظراتها كرهًا وشئ داخلها يخبرها بأنه ضالتها.

__يتبع__

Continue Reading

You'll Also Like

305K 18.3K 43
تدور أحداث الرواية حول فتاة في الثلاثين من عمرها تقع في حُب كاتبها المُفضل وتلتقيه للمرة الأولى خلال فعاليات معرض الكتاب عن طريق الصدفة لتتوطد العلاق...
3.3K 268 30
" الشيطان يمتلك الكثير من الأيادي كــالأخطبوط، إذا قُمت بقطع واحدة تجد أخرى تلتف من حولک، احذر تلك اليد الخبيثة التي تمسک بک، قد تكون نجاتک أو هلاکک...
355K 8.1K 34
لو إلتقينا في عالم آخر لوقعت.. لغرقت وتهت في حبك ولكن ولدنا هنا في عالم انتِ القاتلة وانا السجان واه من حرقة الإنتقام ولهيبها تهنا معًا في هذا الظلام...
9.4K 265 11
دخلت مكتبهُ مضطره لرؤيته ولم أدري أن دخول مكتبهُ سيكون بمثابة عالم من الخيال سأحيي بداخلهُ ومعهُ. أكنت أجمل ما حدث لي...!! أم الأسوأ علي الإطلاق...