٤-مازال الحب باقٍ

ابدأ من البداية
                                    

في منزل إيثار....
كان المنزل و تحديداً المطبخ الواسع الخاص بهم، العمل به على قدم و ساق في مثل هذا الوقت من اليوم... فالساعة الأن الثالثة عصراً، وقت تسليم الطلبيات لأصحابها، فإيثار بدأت هذا المشروع بعد وفاة والدها...و هو تجهيز الطعام و توصيله للمنازل!!
لم يكن لديها عملاء بالأول، لكن تدريجياً العملاء عرفوا عنها و عددهم زاد مع مرور الوقت... حتى استعانت بنساء أخريات يساعدنها، فمشروعها الصغير الذي بدأ كفكرة يائسة...أصبح اليوم مشروع كبير يستفيد منه العديد من النساء، فهو يوفر لهم الوقت و الجهد...تقف إيثار  مع السيدات اللاتي يقومن بتغليف الطعام و تجهيزه ثم وضعه بالحقائب، ثم تضعن على كل حقيبة ملصق بإسم صاحبه و عنوانه... فيأتي شابان يمتلكان دراجة بخارية، و يذهبان لإيصال الطعام للمنازل، و يتقاضيان أجر من إيثار لقاء عملهما.

تغلف إيثار بعض العلب، لترى جريدة موضوعة فوق المنضدة...تبتسم ثم تترك ما بيدها و تلتقطها و تتصفح حتى تصل لذلك الإعلان الذي داوم على النزول بالجريدة...بإسم مستعار و عنوان منزلها!..يظن إنِ لن أعرف ما يفعله؟..لا يعرف انِ أحببت الصحف منذ أصبحت تحمل اسمه...تبتسم و لسان حالها يردف : لا تستهان بي يا حبيب العمر...فقلبي بوصلة تلتقط كل ما يحمل أثرك، لا تهين قلبى الذي يحمل لي أخبارك...فمازال يخفق إذاً أنت تنتظر، و ما زالت أنفاسي تتردد بصدري إذاً أنت بخير.

تترك الجريدة بعد لحظات، لتنضم للسيدات اللاتي يعملن معها...لتتوقف عن العمل عندما تدلف جميلة للمطبخ، ثم تلقي التحية على الجميع...و تقترب من إيثار ثم تقبل وجنتها و هي تصيح بحماس : إيثو حبيبتي..شوفتي لاقيت مين انهاردة؟
تجيبها إيثار بحيرة : مين يا جوجو؟
تردف جميلة : فاكرة عمو صالح صاحب بابا الله يرحمه؟..تومأ إيثار بتقطيبة، لتسترسل جميلة : إبنه الصغير سيف فكراه؟..معايا في الكلية.
ترتفع حاجبين إيثار بتعجب ثم تردف بتسأل :  بجد رجعوا من السفر امتى؟..مش كانوا سافروا كلهم لندن من خمس سنين؟
تردف جميلة بإبتسامة : أيوة و رجعوا من أول السنة الدراسية..و انهاردة شوفنا بعض و عرفته و سألني عليكِ و على حازم و كدة.
تردف إيثار بشرود : حمد الله على سلامتهم، ابقي سلميلي عليه.

تنظر جميلة لإيثار قليلاً بتفكير، يالله ما تلك المرأة!..تهتم بالجميع، و تتذكرهم..و تنسى  ألام قلبها المكدوم!!
تحمل مسئولية تربية طفلان على عاتقها، لم تتخاذل أبداً...و لم تترك لنا مساحة خالية  للإشتياق، لحنان الأم و إهتمام الأب، بمفردها ملئت جميع الفراغات الخالية بحياتنا...و يظل فراغ حياتها يتسع بينها و بين حبيبها!
أي حب هذا؟ الذي يمدنا بالقوة و الثقة هكذا؟..أي حب هذا الذي يصمد أمام تلك العواصف و يخترف كل السدود التي تمثلها المسئولية و الواجب، و تبقى شعلة الحب متوهجة بقلبهما لا تنطفئ!

يقطع شرود جميلة صوت أخيها حازم الذي عاد من الكلية، و كعاته ما أن يعبر الباب حتى يصيح : إيثار..أنتِ فين؟ أنا واقع من الجوع يا إيثو.
تبتسم إيثار بحب، ثم تترك ما بيدها سريعاً..و تبدأ في تحضير الطعام، حتى تطعم أخيها!
تسألها جميلة بفضول : أنتِ كويسة يا إيثار؟..حاسة انك مش طبيعية!
تشيح إيثار بيدها بإستنكار، ثم تردف : مفيش حاجة...تعالى يلا ساعديني في تحضير الغدا قبل ما أخوكِ، يجي يأكل ذراع واحدة فينا.

تقترب جميلة منها بتعجب، ثم تبدأن في تحضير الطعام معاً، و بعد قليل كانوا جميعاً يجلسون حول مائدة الطعام يتناولون الغداء.
بعدما فرغوا من الطعام، أسرع حازم في الحديث : محدش يدخل أوضته و يختفي..استنوا لحد ما أعمل دور شاي لينا كلنا، و اجي أحكيلكم على حاجة.

تتبادل إيثار و جميلة النظرات المحملة بالتعجب و الحيرة، فليس من عادة حازم أن يتبرع لفعل أي شيء يخص غرفة الطعام!
بعد لحظات عاد حازم يحمل بيده صنية فوقها أكواب الشاي الذي قام بإعداده...يضعها فوق المنضدة، ثم يجلس..إيثار و جميلة ينظران إليه بفضول و ترقب، ليقطع حازم الصمت بأن تنحنح بصوت مرتفع، ثم يشرع بالحديث : دلوقت أنا جالي شغل كويس أوي جنب الدراسة و منه كمان تدريب ليا و المرتب ممتاز..و فكرت إن دي فرصة، لإيثار علشان تسيب الشغل و تلتفت لحياتها..ينظر لإيثار بحب يصحبه الحنان ليستطرد حديثه : أن الأوان علشان تعيشي لنفسك بقي يا حبيبتي، و تلحقي إلي فاتك.
تنظر له إيثار بسعادة نطقت بها عيناها، لتتنهد براحة ثم تقف من مجلسها و تتوجه نحو أخيها الجالس بمقعد مقابل لها..لتقف أمامه تنظر له بفرح حقيقي و على شفتاها ابتسامة مهزوزة نتيجة تلك الدموع التي اقتحمت اللحظة السعيدة، لتختار التجمع بمقلتيها الأن!
ما أن رأي حازم إيثار تقف ثم تتوجه إليه، حتي وقف هو بدوره..و فتح ذراعيه لها بسعادة، لتضمه إيثار بقوة متشبثة برجلها الصغير الذي كبر ليصبح أطول منها، كبر و الأن سيتولى كل شئ كان يؤرقها..تحمد الله في سرها كثيراً، و تنوي في نفسها أن تتصدق بنية التوفيق لأخيها.
تراهم جميلة هكذا فتقف هي الأخرى ثم تركض نحوهم و تضمهما معاً، ليصبح الحضن جماعي..جمع ثلاث أخوة، تتوسطهم أكبرهم تلك التي  كانت سند و ملاذ لهما..و الأن حان وقت أن تستريح.
يعود الجميع لأماكنهم، و يسود الجو السعادة و المزاح لفترة..ثم بعدها يلقى حازم مفاجأته الثانية على مسامعهم.
يصيح حازم بصوت مرتفع نسبياً : بس بس..في حاجة كمان كنت عاوز أخذ رأي إيثار فيها.
تصمت الفتاتان و يوجهه تركيزهم لحازم الذي يبدو أن مفاجأته لم تنتهي لليوم!
ليستطرد بتوتر و خجل فطري نابع من إحترامه و حبه و تقديره لأخته : كان في..بنت زميلتي، و هي كمان تكون بنت دكتور محترم جداً في الكلية عندي..أنا كنت عاوز أستأذنك يا إيثار تيجي معايا نطلب إيدها من والدها، ايه رأيك؟
تبتسم له إيثار ثم تسأله بحنان : بتحبها يا حازم؟
يومأ لها حازم موافقاً، لتسأله مرة أخرى : هي تعرف بحبك؟
يتنحنح حازم ثم يردف: أيوة ريهام عارفة .

يتبع....
#سمر_خالد ❤

كبرياء الفراشة (إيثار)🌹 سمر خالد (مـكتــملة) حيث تعيش القصص. اكتشف الآن