٣٣) إحيــاء|الخاتمـة.

Start from the beginning
                                    

جاء االشقيق الأصغر وفوجئ حين رأى زوج أمه قد عاد من سفره، اندفع نحوه هاتفًا:

"عُدتَ يا أبي!".

اِعتاد مهند مناداته بذلك، عَدّه أبًا له منذ اقتران اسمه باسم أمه، الأب الحنون الذي يستمع لمطالبه وتذمراته التي لا تنتهي، الرجل الذي أهداه الحلوى في أول لقاءٍ به، بات على استعداد لأن يُهديه نجومَ السماءِ إن أراد.

كل واحدٍ منهما أحبه على طريقته الخاصة، فمروان كان القدوة لمن فقدَ قدوته، وكان الحنون المعطاء لمن ابتغاه، حلّ محلّ ما فقداه، بل أزيَد مما فقداه.

رفع حُسام نظره عن أخته إلى أبيها، ولمحةٌ فقط كَفَتهُ ليفهم ما يجول في خلَده، قال:

"إنها في مكانها المعتاد".

ابتسم لهذا الصبي الذي يفهمه دون أن يتكلم،
أودَع صغيرتَهُ عندهما بلا خوفٍ عليها؛ فهو مُدركٌ أنهما أحوَطُ عليها من نفسَيهما، كيف لا؟  وهو من علمهما ذلك دون تلقين.

سارت قدماه للوجهة التي تحفظهما جيدًا، فتح باب الحديقة الخلفية وأغلقه خلفه بهدوءٍ شديد، وأنظاره مشغولةٌ بتأمل تلك الواقفة أمام أحواض الياسَمين، بفستانٍ  أسود كشف عن ساقيها ورسم معالم جسدها الغضّ، خطا بأطراف قدميه على العشب الرطب، وحين تبقت بينه وبينها خطوتين، استدارت، وارتد شعرها الطويل للوراء ليستقر على وشاح الكشمير البنفسجي الذي يغطي كتفيها، ترقرقت عينيها وقطعت المسافة المتبقية بينهما واحتضنته هامسةً بصوتٍ مُرتعش:

"عزيزي! ".

بادلها العناق وأصابعه تتخلل خُصلات شعرها الحُـر الذي هام فيه عشقًا من سنين، أجابها بالهمس ذاته:

"كل عامٍ وحبيبتي بخير".

سبقته خطوةً إلى عتبة الثلاثين، مضى على زواجهما عامَين، والذي كان حجر الأساس لحياةٍ جديدة، بدأها الاثنان معًا، وعاشا كطائرَي كناري في قفصٍ مُرَصَّعٍ بالحب، الذي ورّثه له والديه، أزهرا مثلما أزهرت الياسَمينات الذابلة، فاجأها بتلك الأحواض كهديةٍ لزواجهما، وارتباطهما، الذي سيعيشان آملين أن لا يفضّه شيء.

"آسف، لم أجد الوقت لجلب هديةٍ لك".

"مجيؤك سالمًا ينوب عن كل الهدايا".

قالت وهي تبتعد عن حضنه، الذي يسَع العالم بكامله، وتطلّعت إليه.

رنا إليها وقبَّل الشامة التي يتزين بها عنقها الخزفيّ، وشفتَيها المُكتنزتين، وطبع قبلةً أخيرةً طويلة، على جبينها، امتلأت بكل حبه وهيامه بها.

أشِقّاءWhere stories live. Discover now