**********

كنت ساعتها أبذل كل الجهود الممكنة والمستحيلة من أجل تسهيل أمر ترحيل أخي إلى الخارج في أي لحظة تصل يدي إليه... اتخذت عشرات التدابير... ووضعت عدة خطط وبدائل خطط... استعدادا للعملية... لم يعد لدي شك في أن أخي بالفعل متورط مع تلك المنظمة... ولم أعد بحاجة إلى دليل إضافي بعد ما وجدت في الصندوق... لا وقت لدي كي أستوعب وأحلل... أنا هنا فقط لأعمل وأعمل... بشتى الطرق... لأعثر عليه وأخرجه من البلد قبل أن تسبقني السلطات إليه... ولشخص مثلي... عاش في السجن ثمانية أعوام... ورافق مجرمي أمن البلد... وعاصر مصارعهم أمام عينيه, لا أحد بحاجة لأن يشرح لي... ما الذي يمكن أن يلاقيه أخي... لو تم اعتقاله... عدت إلى المنزل عند الخامسة... في أشد أشد حالات الإعياء والتعب... عند وصولي استقبلتني رغد بوجه قلق... وسألتني مباشرة: "تأخرت وليد..." وسرعان ما لاحظت أثر الإعياء صارخا على وجهي... فقالت هلعة: "ماذا هناك..." فركت عيني اللتين لم تذوقا للنوم طعما منذ البارحة ثم قلت: "متعب من العمل... سأخلد للنوم" وخطوت خطوة باتجاه غرفة المعيشة, فاستوقفتني رغد قائلة: "موعدي مع الطبيب" فتذكرت... أن اليوم... هو موعد نزع جبيرة رغد... وهو أمر ألغاه من ذاكرتي ما حل مكانه بكل قوة... التفت إليها وقلت: "لا وقت لدينا" فنظرت إلي بحيرة واستغراب وحزن... عندها اقتربت منها خطوة وقلت: "رغد... اجمعي أهم أشياءك في حقيبة... جهزيها في أسرع وقت اليوم" بدا الذعر على وجه صغيرتي ورفعت يدها نحو عنقها وقالت متوجسة خيفة: "ستعيدني إلى خالتي؟؟... كلا أرجوك" فحملقت فيها قارئا مخاوفها وتوسلاتها ثم قلت: "ليس هذا... قد نضطر إلى سفر طارئ وحرج في أية لحظة... استعدي" وتابعت سيري إلى غرفة المعيشة تاركا إياها في حيرتها... واستلقيت على الكنبة وغرقت في النوم بسرعة... "وليد... سامر هنا" فتحت عيني... واستفقت لأكتشف أنني لا زلت نائما على الكنبة... وأرى رغد تقف أمامي... لكن... مهلا... ماذا كانت تقول؟؟ ماذا كنت أحلم؟؟ ماذا سمعت؟؟ ماذا هيئ لي؟؟ استويت جالسا وأنا لا أزال بين النوم والصحوة... ونظرت إلى ساعة يدي... فرأيتها تشير إلى الثامنة مساء... أوه... الصلاة... قلت: "لماذا لم توقظيني عند المغرب؟" كان شيئا من القلق علو وجهها... وسمعتها تقول: "لم أكن أعلم أنك لا تزال نائما... أحسست بحركة في المنزل فبحثت عنك... ووجدتك نائما هنا... سألت الخادمة فأخبرتني بأنها رأت السيد الأصغر يصعد السلم... أتيت لأوقظك وأخبرك بهذا" لخمس ثوان بقيت محملقا فيها أستوعب ما قالته... ثم... وبسرعة البرق... قفزت من مكاني وركضت طائرا نحو الطابق العلوي... أقبلت باندفاع نحو غرفة شقيقي وكان الباب مغلقا... ففتحته بسرعة واقتحمت الغرفة... وكم كاد قلبي أن ينفجر من البهجة... حين رأيت شقيقي سامر... يقف أمام عيني... "الحمد لله" انسكبت الجملة من لساني وطرت نحو شقيقي وطوقته بذراعي وضممته إلى صدري... "حمدا لك يا رب... حمدا لك يا رب" ألف حمد لك يا رب... فقد رددت إلي شقيقي سالما... حيا... معافى... الآن أستطيع أن أخبئه... أن أحميه بحفظك... وأبعده عن الخطر... أزحت ذراعي عن أخي ونظرت إلى عينيه... فرأيت الشك... والاتهام ينبعثان منهما... وانتبهت حينها إلى الصندوق الذي كان سامر يخبئ فيه السلاح... موضوعا ومفتوحا على السرير... كلانا نظر إلى الصندوق... ثم إلى بعضنا البعض... ونظرتنا تبلغ إحداها الأخرى... بما استنتجت... أخيرا نطق سامر قائلا: "أين هو؟؟" يقصد المسدس.. والذي أخذته أنا من صندوقه ذلك اليوم, وأخفيته... لم أجب... فكرر سامر وبنبرة أغلظ وأشد: "أين هو؟؟" حدقت به برهة ثم قلت: "تخلصت منه" 

رواية انت لي Donde viven las historias. Descúbrelo ahora