٢٤) نَبـش.

Start from the beginning
                                    

دلفتُ للشقة متعبًا بعد يومٍ طويل قضيته في العمل،  أغلقتُ الباب. ولم أنتبه لمن كان يختبئ خلفه،  خطوتُ خطوتين وفي الخطوة الثالثة دستُ على شيءٍ زلِقٍ فاختل توازني. وسقطتُ أرضًا على ظهري،  وصلني صوت ضحكاتٍ مشاكسة ففتحتُ عينيّ اللتين كانتا مطبقتين من الألم ورأيتُ وجهها بالمقلوب وابتسامةً كبيرةً عليها.

"سأقتلكِ..".

اختفت ابتسامتها حين سمعت نبرتي الجادة وشعرَت برغبتي الحقيقية في القتل فصرخت وركضت مبتعدةً عني، وقمتُ مثل حصانٍ لألحق بها وأضع لمقالبها السخيفة حدًا،  ذرعتُ غرفة المعيشة مرتين أركض خلفها، وجسدها الخفيف سهّل حركتها وباعد بيني وبينها،  خرج أمجد من غرفته مستغربًا الجلبة التي أحدثناها،  فركضت ندى إليه واختبأت خلفه.

"أمجد خبئني.. ".

اقتربتُ منه بملامح مظلمةٍ والشرر يتطاير من عينيّ نحو الواقفة خلفه،  فرد يديه الاثنتين إلى جانبَيه وقال عاقدًا حاجبيه:

"هل تنوي إيذاء فتاةٍ صغيرة؟".

"فتاة؟  أين الفتاة؟".

"هُنـا.. ".

قالت بأعلى صوتها وهي ما تزال خلفه،  كانت تعلم أنني لن أمسَّها لو احتمت به،  لكن ذلك اليوم ليس يوم حظها.

"اِبتعد عن طريقي ودعني أتولى أمرها.. ".

شحب وجهه حين رأى نظراتي الحانقة،  وهمس للتي خلفه:

"ندى..  أهربي.. ".

امتثلت لأمره وبدل أن تنفذ بجلدها وتغادر اختبأت خلف الأريكة مثل قطةٍ هاربة.

"هل تظنين أنني لن أصل إليكِ وأنتِ هنا! ".

"آسفة..  آسفة..  آسفة.. ".

نظرتُ إليها من الأعلى في الجانب الآخر من الأريكة، فرأيتها تضم ركبتيها إلى صدرها وتصد رأسها بيديها،  كدت أفلت ضحكةً وأفسِد المشهد.

"هل تعدين أنكِ لن تكرري أفعالك الـ...

"أعدك..  أعدك..  أعدك.. ".

زفرت بسأم،  استسلمت سريعًا كنتُ أنوي إذلالها أكثر.

"عودي لبيتك..  لقد تأخــ...

قاطعني صوت ضحكها قبل أن تستقيم واقفةً وتنظر إلي بتشفي.

"أنتَ متهاونٌ حقًا.. ".

حلقت بأنظارها لشيءٍ خلفي وهي تبتسم بخبث،  فأدرتُ رأسي بقلقٍ لمكيدتها القادمة،  لم أرِ شيئًا،  لكني شعرتُ بحرارةٍ تلسع رقبتي، سرت على إثرها قشعريرة في كامل جسدي، صوبت طرف المطاط الذي في يدها علي،  وسقطتُ في فخها مثل مغفلٍ للمرة الألف.

"يبدو أنك لا تنوين العودة سالمة! ".

"لن تستطيع فعل شيء.. ".

قالت دون مبالاة،  فمددت يدي نحوها بنية سحبها من أذنها وإلقائها خارجًا،  لم يكن لديها مهرب فاصطبغ الخوف بملامحها، خوفٌ حقيقيٌ هذه المرة،  توقفت يدي في منتصف المسافة والتفتنا وَجِلَين نحو. ذلك الصوت.

كان مستندًا بظهره على الحائط،  غارقًا في نوبة سعالٍ قوية،  هببنا إليه، لم يكن قادرًا على التقاط أنفاسه ناهيك عن شرب الماء الذي جلبته له،  ازدادت نوبته ضراوةً وحاولنا فعل كل شيءٍ لتهدئتها دون جدوى،  لم يسبق لي أن رأيتُه بتلك الحال،  وأمام عينيها،  تهاوى أرضًا فاقدًا وعيه.

..
..
..

أشِقّاءWhere stories live. Discover now