"هل يمكن أن تكون قد قابلته؟ ".

أدرتُ رأسي إليه بحدة، ناظرًا إلى عينيه،  ولوهلة،  شعرتُ أنها نفس عينيّ أبيه الباردة،  ملامحه لا حياة فيها وصوته باردٌ كالجليد،  شعرتُ أن برد ذلك الشتاء تجسد في هيئته،  كان رد فعلي كافيًا ليتيقن من سؤاله دون الحاجة لجواب.

"لقد شعرتُ أنه من كان خلف ذلك.. ".

قال بهدوء، وهو يُطلق بصره للمدى.

"لقد قال لك أن تخبرني بمكانه وأنتَ تفكر بإبقائي بعيدًا والتصرف من تلقاء نفسك...  صحيح؟ ".

نظر إلي وحين أبصر دهشتي قال:

"لا تخف،  لن أكون متهورًا، سندبر خطةً ما لتخليص سامر،  أين هو؟ ".

استنتج كل ذلك دون أن أنبس بكلمة،  من قال أنه أحمق!  لا أحد غيري يتصف بالحماقة هنا،  قلتُ بريبة:

"فراس!  أنتَ لا تنوي فعل ذلك بنفسك صحيح؟ ".

"سأكون مجنونًا لو فعلت.. ".

أخبرته بالعنوان بعد تردد، هدوءه ورصانته لم يحملانني إلى الشك في نواياه.

رفع أنظاره للسماء التي تمطر على هون، وانحدرت قطرتَي هتّان من جانبَي وجهه،  أغمض عينيه وقال لي:

"مروان..  أظنك نسيتَ شيئًا.. ".

"ما هو..؟ ".

فتح عينيه بهدوء ونظر إلي بابتسامةٍ لا لون لها:

"أنني مجنون.. ".

"إن فكرتَ بالتهور فسأحبسكَ هنا.. ".

تدافعت الكلمات الغاضبة من فمي وأنا أخطو إليه.

"تحبسني؟ ".

قال بابتسامةٍ جانبية وهو يرفع حاجبيه،  ومضى نحوي،  وقفنا وجهًا إلى وجه،  نظرات الغضب تنساب من عينيّ تُقابلها نظراته الباردة.

"سبق وأخبرتكَ أنني سأنهي أمره بنفسي. ".

"كن مطيعًا وإلا غيرتُ ملامح وجهك بلكمتي.. ".

"تلكمني.. وتحبسني.. ها؟ ".

كانت ابتسامته الجانبية آخر ما رأيته قبل أن تدور في عينيّ الدنيا ويتزايد النبض في رأسي بعد أن اختل توازني من لكمته وانزلقت قدميّ بسبب الأرض المبتلة لأهوي بجسدي الواهن على ظهري.

أشِقّاءحيث تعيش القصص. اكتشف الآن