المشهد العاشر

41.5K 1.9K 396
                                    


فتش عنها كالمجنون، في أرجـــــاء الفيلا، عندما لم يجدها بغرفتهما، مما جعل قلبه ينقبض ارتعابًا عليها، لم يكن ليسمح أبدًا بإفساد ليلته مع زوجته، من قبل كائنًا من كان، ليحاسب المخطئ بضراوة، فزوجته خطًا أحمرًا لا يمكن المساس به مطلقًا، بينما كانت "تقى" تمكث بالحمام، تقف ككتلة مبهمة بلا ملامح بالمغطس، وتاركة للماء البارد الفرصة لصفع جسدها بقساوةٍ، لم تستطع كبت عبراتها أكثر من هذا، تركتها تنساب في حرقة، وعقلها يستعيد نظرة الازدراء الباردة التي كانت تطل من عيني تلك المرأة الغريبة. شهقة تبعتها أخرى عجزت عن منعهم من الخروج أسفًا على حالها، دومًا تتعرض للإهانة على يد من يعدوا من صفوة البشر؛ وكأن احتقارها سمة تلازمها، تكومت في المغطس، وركبتيها تنضم إلى صدرها، ارتجفت بقوةٍ مع زيادة تأثير المياه الباردة على جلدها الذي بدأ في الانكماش.

مسحة حنون دافئة اقشعر لها بدنها، وتجاوب معها بأنين صامت، مطالبًا بالمزيد من تلك اللمسات الباعثة على الدفء، في تلك البرودة المجمدة للأوصــال. توقفت المياه عن الجريان، فانتبهت "تقى" لزوجها الذي انضم إليها، وجلس خلفها، ليحتوي ظهرها ويضمها إليه بذراعيه، أحست بقوته على جسدها الواهن، لم تتحرج من البكاء في حضوره، وزاد نحيبها مع قوله الصريح:

-أنا عرفت كل حاجة

آلمه ما اختبرته من دناءة حقيرة، وتعهد لها بشدةٍ:

-واللي غلط فيكي هيتحاسب.

التهبت عيناها بعبراتها الحارقة، وسألته بشجنٍ اكتسبته نبرتها:

-هو ليه الناس بتعاملني كده؟ أنا عمري ما ضايقت حد، بالعكس دايمًا في حالي، وما بحاولش أزعج حد وآ...

قاطعها مشددًا من ضمه لجسدها المرتجف:

-عشان هما نفسهم يبقوا مكانك.

انتحبت أكثر في ألم، وزاد ذلك من الوخز في قلبه، ومع تضاعف رجفة جسدها، واصطكاك أسنانها، لم يتحمل المزيد، نهض حاملاً إياها بذراعيه، أعادها إلى داخل غرفتهما، وأراحها على الفراش ليحضر لها منشفة لف بها جسدها المبتل. حاوطها من جديد، وألصقها بصدره، ليمنحها حرارته، علها تكف عن الاهتزاز، وجاب بيديه على جسدها، يحفز خلاياه على استعادة سخونته، وما إن استكانت قليلاً في أحضانه، حتى مال على أذنها ليهمس لها مجددًا عهود الحب لها:

-إنتي بس اللي موجودة هنا...

أمسك بكفها ليضعه على قلبه، فشعرت بنبضاته المتلاحقة تصل إلى أعصاب يدها، رفعت عينيها إليه، وقالت من بين بكائها المرير:

-إنت تستاهل الأحسن مني، واحدة تليق بيك.

قست نبرته –مع نظراته نحوها- محتجًا على خذلانها البائس:

غسق الأوس ©️ - ليلة دافئة - كاملةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن