التعلق العاطفي

27 1 0
                                    

التعلق العاطفي

(نَقِّلْ فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِن الهَوى -- مالحُبُّ إلاّ للحَبيبِ الأوَّلِ) أبو تمام، مواعيدي مع الحب مخيفة جداً، وعلى الرغم من ذلك فأنا أسابق الريح للوصول إليه» ـــ أحمد ألغافري.عجيب هو الحب الذي يفيض من المحب تضوي مشاعره قلوب فنصبح ما بين محِب يتقرب، وشخص يراقب من بعيد بصمت. ما بين حبيب يتغزل بحبه و معشوقه و بين شخص يلجأ للهاتف لتتفقد اسم الحبيب السابق، يدمن مراقبة صفحة شريكه السابق على مواقع التواصل الاجتماعي ويحلل ما يكتب و ما ينشر .

تعامل بعض الأشخاص السيئ بالتجريح أو الإهمال قد يؤدي بالبعض إلى الشعور بالتعب و الألم و الخيبة من العلاقات ، مما قد يسبب الإحساس بالتوتر والقلق النفسي أو الضغط . وغالباً ما يحدث صراع ما بين قرارات المتعلق التي تخالف تصرفاته تماماً، وذلك عندما يتأذى أحدهم من صديق أو أيّ شخصٍ مقرب فيتخذ قراراً داخلياً حاسماً في الابتعاد عنه أو التقليل من إجراء المكالمات أو التحدث معه شخصيا بغرض فرض احترامه، ولكن يأتي الشعور بالتعلق ليجعل هذه القرارات في مهب الريح . فيقدم الشخص على إرسال رسالة أو بدأ الحديث و لكن يقابل برد فعل مختلف تماما عن المتوقع.

التعلق العاطفي المرضي من الناحية العلمية يحدث نتيجة لاستجابة عصبية في الدماغ، لتسكين شعور الشخص بالقلق والألم، ولذلك تُحدث الخلايا العصبية الموجودة في الدماغ مجموعة من الإشارات التي تشعرنا بالسعادة عند الاستجابة إلى الأفعال المتكررة، فيمّا يذكر موقع«addication» أن الجمعية الأمريكية للطب النفسي وضغت إدمان الحب ضمن أنواع الإدمان، طبقًا للدليل الإحصائي النفسي والعقلي. أما من الناحية التعريفية فهي حالة تعلق قهرية تحدث بين الأصدقاء أو الأزواج أو بين بعض الأشخاص الذين يكنون لهم مشاعر الاحترام، وقد لا توجد صفات مشتركة في ما بينهم، ولكنها تنتج بسبب حاجتهم الملحة للاهتمام وتقدير الأشخاص لهم، بهدف اكتساب ثقتهم بأنفسهم، لذا تجدهم يحتاجون دائماً إلى الشعور بحاجة الناس لهم، والذي ينمي لديهم الثقة وتقدير الذات، لذلك تجدهم لا يترددون في أخذ زمام الأمور من طرف واحد، وتجدهم متخوفين من ترك الآخرين رغم الضغط النفسي والمشاعر السلبية التي يتجرعونها بسببهم.

و لو دققنا قليلا في تفاصيل هؤلاء الأشخاص في مرحلة الطفولة، سنجد أن سلوك التعلق جاء نتيجة التمييز بينهم وبين إخوتهم في مرحلة ما أو الخلافات الأسرية أو الإهانات التي كان يوجهها الوالدان لهم، أو ضعف الثقة بالنفس ، والبحث عن شخصية يتوحد فيها لكي يشعر بشي من القوة و كذلك سبب مهم ألا و هو ضعف الصلة بالله جل وعلا : والأصل في ذلك قوله تعالى " ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ، والذي آمنوا أشد حباً لله " والإمام ابن تيمية رحمه الله يقرر قاعدة متميزة في ذلك فيقول في كتاب " العبودية " : من لم يكن عبداً لله كان عبداً لهواه ، شاء أم أبى. و أيضا وفرة التعزيز في العلاقة : فإذا كان الفرد يشعر بالحرمان ، ثم يجد لذة بالغة في تعلقه المرضي ، فستكون هذه اللذة دافعاً لاستمرار العلاقة. و لا ننسى اضطراب الشخصية : هناك اضطرابات خاصة في الشخصية يمكن أن تؤدي إلى التعلق المرضي ؛ فالشخصية الاعتمادية : بطبعها تبحث عمن يسيرها ، وتدور حوله ، وكثير من التعلقات المرضية تنشأ بسبب اعتمادية كامنة. وكذلك اضطراب الشخصية الحدية عند المتعلق ، واضطراب الشخصية النرجسية عند المتعلق به، أو قد يكون الاستهتار بمشاعر الشخص وعدم مشاركة الآراء سببا أخر، وبالتالي يلجؤون لأي شخص يشعرهُم بالحب والأهمية.

وفقا لمختلف المواقع فإن النساء أكثر عرضة للإصابة بالتعلق العاطفي من الرجال، و لكن الأعراض لا تختلف بين الجنسين ففي حالة العلاقة تكون الأعراض كالتالي: التأثر بوجود أو غياب الحبيب، الانتظار من الحبيب يومياً أن يراسلكِ أو يتصل بك، يستحوذ الحبيب على كل اهتمامكِ وتفكيرك، الشعور بالسعادة في وجوده وبالأسى في غيابه، الشعور أن الحياة بدونه مستحيلة، يصبح العالم بالنسبة لك هو ذلك الشخص الأخر، الشعور بالغيرة عندما يقضي شريككِ وقته مع شخص أخر غيرك، الشعور بالقلق الدائم من أن الحبيب سوف يترككِ ويذهب، عدم الاهتمام بما يشعر الشريك في داخله بقدر اهتمامكِ بمدى المحافظة على مظهركِ الاجتماعي معه أمام الأهل والأصدقاء، الاستمتاع بالسيطرة على أفعاله والانزعاج إذا لم يلبي لك أمرا . أما في حالة الانفصال فتكون عبارة عن تذكر أفعال الشخص باستمرار وعدم القدرة على نسيانها، مراقبة الشركاء السابقين عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، التفوه بجمل مثل تعودت على الطرف الآخر لكني لا أحبه، الانسحاب من الحياة العملية للتفكير بالشخص الذي يدمنه، هيمنة التفكير في الطرف الثاني عليه. إذا كانت هذه العلامات هي التي تظهر على علاقتكِ العاطفية الحالية إذاً فقد تحول التعلق العاطفي لديكِ الى التعلق المرضي بالطرف الأخر أو الحبيب، وصار من الضروري الابتعاد عنه حتى لو كان الأمر مؤلم. قد يكون الأمر صعباً نفسياً عليك لكن من منا ترغب في المُضي قدماً في علاقة عاطفية تولد الكثير من الانزعاج؟

و لكن كيف يتم علاج التعلق العاطفي؟ للتعافي من هذا التعلق المرضي، يجب على الشخص إرضاء النفس أولاً بممارسة الهوايات و شغل الوقت بأشياء مفيدة وعدم تذكر الأشخاص والأذى النفسي ، التي تزيد من تقديره لذاته، واختيار الصُّحبة الصَّالحة والأصدقاء الدَّاعمين والموجِّهين نحو طريق الصواب عبر تكوين صداقات مشجعة على ترك البيئة المحبطة ، ومن المهم المحافظة على المرونة في التعامل مع الآخرين، والتي تغمر الشخص بالسعادة والرضى النفسي و كذلك الاندماج والانشغال في هواية أو العمل . وعند الشعور بأن العلاقة بأحدهم قد تتسبب في الإيذاء النفسي يجب اتخاذ القرار المناسب بالإكمال أم لا، قبل الوصول لمرحلة التعلق العاطفي المرضي

خربشات نيناحيث تعيش القصص. اكتشف الآن