٩) حــديقةٌ وفتـاة.

Start from the beginning
                                    

"ما بك؟ ".

قالت وهي تحول نظرها لي فصنعتُ ابتسامةً فاترة دون أن أعلق.. مرةً أخرى.

"آه أنت لست أقل خجلاً من أخيك، ألم يُعلمكما ذويكما الكلام! ".

كانت كلماتُها مُمازحة إلا أنها وقرت في قلبي بقسوة، لعل وجهي أظلم حينها فقد ارتبكت وتلعثم الكلام في فمِها وهي تعتذر وتتأسف، لكن ذلك لم يعقد لسانها فحينما أخبرتُها عن عمري إجابةً لسؤالها دُهشَت أكثر من المرات السابقة، وفسّرت دهشتها وهي تقول ضاحكة:

"طولك لا يزيد عن طولي وليس يفصل بيننا سوى عام! لا أصدق.. خلتُك تصغرني بأعوام.. ".

استمررنا بالسير على غير هُدى، وكان القسط الأكبر من الكلام من نصيبها، تحدثت عن أهل البناية، عن قاطني الشقق الاثنا عشر، عن صاحب العمارة وزوجته الطيبة، حدثتني عن كل شيء ولم تذكر شيئاً عن نفسها، لم أتحدث كثيراً يومها وما كنتُ لأبالي لو قضَت النهار بطوله تُثِرثر.

كنتُ مأخوذاً بها، بإيماءاتها وابتسامتها الساحرة، بصوتها الرنان وعينيها العميقتين، بطريقتها في الكلام وحتى تعديلها لحجابها بين لحظةٍ وأخرى،، كيف لا أسحَر بها! وأنا الذي لم يعرف النساء قبلاً، ولم أعرف سوى القسوة وشظف العيش..

اسمُها جُمانة، وهي في الثامنة عشرة، حتى تلك اللحظة لم أعرف عنها أكثر من ذلك.

كنا عائدَين إلى حيث تركنا أمجد حين شعرتُ بقطرةٍ تسقط على جبيني، رفعتُ رأسي للسماء فرأيتُها قد ادلهمت بالغيوم الظلماء وتخللها وميض البرق الفضي.

"فالنسرع".

قلتُ وأنا أحثها لنسرع الخطى نحوه، لم ينتبه لمجيئنا في البداية كان يجلس على أرجوحةٍ بمعزل عن الصبية الذين يلعبون وتمتلئ بضحكاتهم الحديقة، كان يجلس هناك.. وحيدًا..

قام بهدوء حين رآنا، فسّرتُ تصرفه بالخجل فهو لم يعتد على الاختلاط بالناس كما أسلفتُ مرارًا.

كان انهمار المطر يتزايد حين بلغنا البناية فودعتنا جمانة وصعدت لطابقها بعد أن قرصت خد أمجد.
تلك الفتاة، أكانت تحمل سحرًا استثنائيًا، أم أن كل الفتيات ساحرات!، كيف استطاعت تملك عقلي الذي لم يعُد يجيد التفكير إلا بها.

ذكرياتي لتلك النزهة إن شئنا تسميتها نزهةً أو رحلةً عبر الغيوم، هي إحدى أجمل ذكريات صِباي، لولا ما حلّ بنا ليلتها.

كنا متعبَين فاتجه كل واحدٍ إلى غرفته ليبدل ثيابه المبللة وننال قسطاً من النوم..

أشِقّاءWhere stories live. Discover now