رمَــادِي 01

ابدأ من البداية
                                    

تَرقرقت عَينـاهَا دُموعًا وَتسمّرت مڪانهَا لا تقوى علَى
الحرڪة، لڪنّ ذلِك لم يدُم طَوِيلاً إذ أنّها وَبِسُرعةِ البرقِ
اِنتفضت تُهروِلُ خارجًا مَا إن صـاحَ بِها بِعينَيهِ
الطّافِحَتَينِ حِقدًا وَشرًّا.

«أُغرُبِي عن وَجهِي!»

لطـالمـا ڪانَ جونغهيون، ذو الثّمانِيةِ أعوَام، الطّفـلَ
المُدَلّل لِعـائِلة جيـون، شجرةَ النّقـاء ذاتِ الأغصانِ
العفويّة التِي تحملُ ثِمارَ القبُول وَالمُتعة، في
ضِحڪتِهِ زُرقـةُ السّماوَات، وَفي نظرَاتِه
لمعـانُ النّجـوم.

مُجـرّدُ اِحتضانِـه، تقبيلهِ، واللّعب معهُ ڪان جنّـةً
مُصغّرة تنسيهِم بعضًـا مِن همُومِهم، وَتُعلّمهُم أنّ
السّعادة قد تڪُون فِي أبسطِ الأشيـاء
التّي يفعلُهـا الإِنسـان.

°°°

تُحثُّ الخّطى شـارِدةَ الذّهنِ والڪرَى ڪحّل
أجفانها. زخارُف الدّنيا أساسُ الألم، وَطالبُ الدّنيا
ندِيمُ النّدم، فمال الهَمّ غزَى بالهـا رغم أنّها
بالتّرفِ لم تڪن تهتمّ.

ألاَ يُشڪّلُ الإرهاقُ علامَة على الشّيخوخة
المُبڪّرة؟ إن ڪان ڪذلك فهِي حتمًا قد وُلِدت
مُسِنّـة. وحتّى لَو سعت لإخفاءِ ذلِك فلَن
يعُود علَيها إلّا بِالنّدم.

هاهِيَ ذي أضحت مَتروڪة علَى رصيفِ
الإنتِقام. يخفِقُ بـدنُها خَوفًا لِلقادِم، ويَنهشُ أيسُرها
نـدمًا وأسفًـا على هـدرِ دمِ طِفلٍ بَريء.

دلَفت منزِلها الوَاقعِ بِإحدى الأحيـاء الشّعبيّة
البسيطة. سڪنَت بغتةً، ثمّ هرَعت علَى عجلٍ ناحِيةَ
شقِيقِها توشِڪه مِنها إلا أن اختَصرت بُعدَ
أجسادِهِما تشزُرُ وَالِدها بِحنق.

«تَوقّف عن ذلِك! أُتـرڪه!»

«مَالذِي فعلتُه لأبتُلِيَ بِوَلـدٍ مِثلِك!»

إستـمَـرّ بِالصّراخِ بِوجهِ الأصغر بعدَ أن حَالت بَينهُما.
فقدُ الحريّة يفقدُ المُساواة، والمُساوَاة إن اُغتِيلت
تفقدُ العدالة، وضياعُ العدالَـة يجعل الظّلمَ
شخصاً مُجسدًا، ڪوالِدهـا.

هِيَ وَلِوهلـةٍ قد وَصلَ بها الإيمانُ بِأنّ مصدَرَ
هذا الظّلم لم يعُد بالخـارِج، بل بِداخِلها هِي نفسُها.
لِأنها وَللآن تعِيشُ مع شخصٍ مُستبِّد، ظالِم، وَعديمِ
المَبادِئ. لڪن ماذَا عسَاها تفعلُ ولاَ مڪان
آخر يُؤوِيها غيرُ مـنزِلـِه.

«ڪم مـرّة أخبَرتُك أن لا تُعنّفـهُ هڪذا؟!»

صاحَت بِغضبٍ والشّررُ يتطَايرُ مِن محجَرَيها.
عُروقُها أصبحت بارِزة مُتصلّبـة وَهِيَ تغطّي بِجثمَانِها
جسدَ شقِيقِها الأصغَر، ذي السّادِس عشرَةَ خَريفًـا.
تجُبّ تواصُل الأعيُن بَينهُمـا.

 رمَـادي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن