6- لن تستطيعي خداعي!

5K 115 1
                                    

لاحظت لوسي ان جواً مختلفاً كان يسود شركة هارولد بانهارد منذ ان دخلت المبنى , وكأنما مولد جديد وقوي قد أدير وهو يشحن كل زواية في الشركة بالطاقة.
وادركت لوسي بمرارة ان مصدر هذه القوة الجديد ليس صعباً معرفته , المكان كله كان يضج بالحيوية على المستوى البشري ايضاً, وعندما دخلت الى غرفة ملابس السيدات توقفت الضحكات المرتفعة والحديث المتبادل بين السكرتيرات المتجمعات هناك, وكأنما احدهم قد نفخ على شمعة مضاءة فأطفأها, وكان هناك توهج زائد فيهن هذا الصباح , فقد بدا واضحاً انهن جميعاً قد اهتممن اكثر من المعتاد بمظهرهن , وعبقت مالا يقل عن نصف دزينة من العطور المختلفة منهن.
وكأنما ذكرهن وصولها ان اهتمامهن بزينتهن كان تضييعاً للوقت, وكادت تصيح بهن: انظرن , انتن تعتقدن بأنني الرابحة بينكن , الفتاة التي لديها كل شيء , ولكنكن مخطئات , لقد امضيت نهاية الاسبوع كالجحيم , بالكاد تناولت طعاماً وبالكاد نمت, لأنني كلما كنت أغمض عيني كان يقفز الى ذهني ذلك الكابوس حول مارك وهو مع سارة كليفتون .
لقد سافرت الى اميركا هذا الصباح كما تعلمن , لذا فإن نهاية هذا الاسبوع كانت مميزة جداً لهما.
ولكنها بالطبع لم تتفوه بكلمة من هذا.... بل انها خلعت معطفها وعلقته , ومررت المشط في شعرها الذي عبثت فيه الريح , واخيراً قالت إحداهن بصوت محرج إنهن آسفات لسماعهن خبر مرض جدها , فابتسمت لها ببرود وقالت:
- شكرا لك .... إنه الآن يتقدم الى الأفضل بشكل ممتاز.
في طريقها الى قسم العلاقات العامة, فكرت ان ماقالته ليس اكثر من حقيقة, , فماثيو كان يخطو خطوات واسعة للعودة الى صحته الكاملة , ونقل من قسم العناية الفائقة الى غرفة خاصة في الطابق الصحي, وكان منزعجاً بشكل ظاهر لغياب مارك خلال نهاية الاسبوع , ولكنه لم يلح كثيراً على معرفة اسباب غيابه, فقد كان مشغول البال بمناقشة امور اخرى.
تحدث عن الزفاف وتحضيراته , ووازن بين الكنيسة المحلية وحفلة الاستقبال فيما بعد في بريوري , وبين حفل فاخر في لندن وحفلة إفطار في فندق ضخم , يتبعه حفلة راقصة , وتناول بالبحث ايضا وجهتهما في شهر العسل, وإذا كان مناسباً سكن مارك في بريوري الى ان يجد منزلاً خاصاً بهما.
وتركته لوسي يتكلم كما يشاء , لأنه بدا مرتاحاً لهذا الحديث , وكانت تجيبه بما يحب ان يسمعه عندما يسألها , ولن يعلم احد كما كلفها هذا حرق اعصاب.
ودخلت المكتب الذي تعمل فيه, وهي متأهبة لتلقي نظرات التعجب لظهورها من زملائها في الغرفة, وجلست واخذت تتفحص بضع رسائل كانت على طاولتها لاتعرف كم مضى عليها هناك, حضورها في المكتب كان له تأثير على زميلاتها , فقد اختفت الشكاوى المعتادة, والقيل والقال امامها , لأنها من عائلة بانهارد, وهن لن يستطعن الكلام امامها الآن عن مارك وعن مستقبلها المتوقع معه بسبب الخاتم الذي رأينه في أصبعها , تشارلز رئيس الدائرة , لم يكن في غرفته فقد كان يحضر اجتماعاً في غرفة الاجتماعات, مع المديرين الآخرين , وتركت لوسي الملف الذي حضرته حول موقف هارولد بانهارد في قضية سالزدور على مكتبه , لقد عملت على الملف بجهد, وقدمت بعض الأفكار الجيدة , ولكنها كانت تعلم انهم لن يأخذوا بها, فمارغو وجو يعملان في هذه الحملة , ولكن تشارلز أصرّ على ان تحضر مشروعاً خاصاً بها لتبرير وجودها في العمل.
عندما كانت تعود من مكتبه الى غرفتها سمعت صوت مارغو يرتفع قائلاً:
- ولماذا تهتم ؟ كلنا نعرف انها كانت تملأ وقت فراغها هنا بانتظار ان تصطاد رجلاً ثرياً, حسناً لقد استطاعت ان تفعل ... وكيف ....
وتوقف كلامها فوراً عندما دفعت لوسي الباب ودخلت ... ولاحظت احمرار وجه مارغو من الخوف , وإحراج جو... فتقدمت نحو طاولتها بثبات دون ان يظهر عليها أي دليل على انها سمعت ماكانت تقوله مارغو, ولكن هذا أكد لها شيئاً شعرت به منذ لحظة وصولها عند الصباح ... بأن شيئاً ماقد تغير , فرفاقها عادة لطفاء معها, ولكنها اليوم ساورها انطباع انهم يتفادون نظراتها, وسألتهم :
- هل يعرف أي منكم كيف يجري الاجتماع ؟
فابتسم جو وقد بدا عليه عدم الارتياح.
- حسناً. لم تجري الدماء بعد من تحت الباب.ريحانة
- ولكن لابد ان هناك بعض الشائعات كالعادة , ولابد ان القهوة قد ادخلت لهم الآن ... ألم يعد أحد الجثث؟
وقالت مارغو باختصار :
- سيكون هناك إعادة تنظيم جذرية .. هذا مايقال , وان هذا سيعني فصل من ليس له لزوم في الشركة , وهذا القسم لم يكن كثير العمل في المدة الاخيرة , ونحن نتساءل من منا سيطاله الفصل.
فضحك جو وقال:
- الواصل الأخير هو اول الذاهبين , وهذا يعني انني سأذهب كما اعتقد.
وفركت لوسي وهي تنظر الى طاولتها , جو قد نجح في إخفاء اضطرابه , ولكنه تزوج منذ شهور فقط , ولابد انه خائف حتى العظام , من توقع البطالة.
وكما توقعت لوسي ان يفكروا .. إذا كان سيجري اي صرف لموظفي القسم, فسوف يتوقعون منها ان تتطوع بالانصراف , ولكنه هذا آخر ماكانت تفكر به.
فقد كانت تنوي ان تدخل مكتب تشارلز لتقول له إنها لم تعد ترغب في ان تكون مجرد ضيفة في المكتب, وانها تريد ان تكون جزءاً حقيقياً في العمل, ارادت ان تظهر لمارك انها ليست فقط جسماً جميلاً يتمتع باقتنائه ووضعه في مواجهته على مائدة العشاء .ريحانة
وارادت ايضاً ان يكون عندها عمل جدي تشغل نفسها به كي تستطيع التوقف عن التفكير المستمر بالتفاهات العاطفية , يقال ان العمل المضني هو الحل الأمثل لكثير من المشاكل , لقد جاءت لوسي الى العمل هذا النهار مصممة على بداية جديدة قد تكشف عن انها عضو عامل بنشاط في الشركة , ومرت فترة الصباح ببطء ممل , عدة مرات رفعت سماعة الهاتف لتتصل بمكتب جيرمان , وكل مرة كانت السكرتيرة تقول لها إنه لا يزال في الاجتماع.
كان وقت الغداء قد حل عندما ظهر تشارلز في الممر ودخل الى غرفته مباشرة , وبعد لحظات بدأت اجراس الانترفون على الطاولات ترن وتستدعيهم جميعاً اليه.
وابتسم لهم , وهو يقول :
- اجلسوا ... جميعاً , ماذا ترغبون ان تسمعوا اولاً...الاخبار الجيدة أم الأخبار السيئة ؟
وارتفع حاجباه عند رؤية لوسي فقال لها :
- آنسة بانهارد ... السد ايفانز قال إنك ستكونين هنا... ويريد منك الانضمام اليه للغداء.
وانتظر الجميع بأدب ان تنصرف , فأحست بالدم يعلو الى وجهه.
- ولكن إذا كان هناك اجتماع للقسم...
فتنهد تشارلز :
- السيد ايفانز ينتظرك , وقلت له إنني سأرسلك اليه فوراً.
فردت عليه بصوت مرتجف:
- حسناً .. سأترككم لمشاوراتكم.
وخرجت, مفلقة الباب وراءها , ولكنها لم تذهب رأساً الى مكتب الإدارة , بل توجهت نحو قسم المبيعات , وقالت للسكرتيرة :
- هل أخي هنا؟
وعندما هزت الفتاة رأسها بالإيجاب تجاوزته لتدخل مكتب جيرمان , كان وجهه مكتئباً , ولكنه ابتسم لها عندما شاهدها.
- كيف حالك ؟
واستندت لوسي الى حافة الطاولة .
- ماذا حدث ؟ كل ماسمعناه شائعات فقط.
- قد لا تكون الشائعات كاذبة دائما, اريدك ان تلتقي برجل المكتب الجديد.. لقد خرجت من قسم المبيعات , الى الأبد كما اعتقد , ولم يعطوني أية مسؤوليات حقيقية .
- وفي أي قسم أصبحت؟
- في قسمه بالطبع , كي يستطيع مراقبتي على الدوام , فليرحمني الله لدي لقب , ولكنني مجرد مساعد.
- انا آسفة.
- وفري بعض الشفقة لنفسك , فقد كان موظفوا المحاسبة يراجعون الحسابات , وأتاثروا كثيراً بالارقام التي سمحوا لنا بصرفها في الماضي , وعليك ان تفتشي عن شقة أرخص يا حبيبتي , وسيارتي البورش , سيأخذونها, فإنها لا توافق فكرتهم عن سيارات الشركة.
واستمعت لوسي اليه دون اهتمام تقريباً...فأي من هذا لن يكون خسارة بالنسبة لها , فقد تجاوبت مع تصرفات جيرمان لأنه كان يصرّ على ان هذا ضروري , وأنها تساعد هارولد بانهارد بهذا, ولكنها لم تكن مقتنعة ابداً بالدور الذي كلفها به, والنتائج اثبتت ان كل تحفظاتها كانت صحيحة , وتابع جيرمان بوحشية :
- وكل هذا حدث في أسوأ الأوقات , فكارين ستعود في الأسبوع المقبل , وهي لا تحب الخاسرين.
- وهل هذا مهم حقاً؟
- اجل... اللعنة! كنت سأحاول إقناعها بالطلاق من زوجها, لتبقى معي بصورة دائمة , ولكن ليس امامي اية فرصة الآن.منتديات ليلاس
- أكيد أنك لم تخسر كل شيء .. ماذا عن مقعدك في مجلس الإدارة ؟
- هذا لم يمس .. حتى ايفانزا نفسه لا يستطيع انتزاعه مني, وهو يعلم انني استطيع فعل الكثير مع الآخرين ضده , لقد كان الجميع جالس في الاجتماع مثل القرود الحكماء الثلاثة , وهذا أمر مقرف , صديقك غولمان كان منقسماً على نفسه , فلم يستطع ان يقرر بوضوح ما إذا كان سينغمس في التأييد الطلق لطرق ايفانزا , ام ينغمس في الغيرة المريرة , وقد يكون التأييد قد فاز هذه المرة , ولكنني أشك في ان يحدث هذا دائماً.
وفتح باب المكتب ودخل عليهما مارك , وتطلع بلوسي بقساوة .
- اعتقدت انك ستختبئين هنا, ام انك لم تتبلغي رسالتي؟
- لقد وصل اليّ الأمر الملكي, ولكن ألا تظن بأنني قد لا اريد تفويت اجتماع القسم؟
- حسب سجلك القديم ؟ صراحة لا ... لقد بدت السعادة على تشارلز فوستر لإبعادك .
- من الصعب عليه مجادلة رئيسه الجديد في يومه الأول.
فابتسم لها ساخراً:
- لا اظن فكر هكذا ... هيا لنذهب الى الغداء.
- لست جائعة.
- وانا ليس عندي وقت كثير .. هل نذهب ؟
وذهب بها رأساً الى موقف السيارات حيث كانت سيارته متوقفة في المكان المخصص لوقوف سيارة ماثيو, وعندما اصبحا في الشارع العام في ازدحام السيارات سألته :
- اين نحن ذاهبان؟
- الى شقتي .. أرغب ببعض الراحة و الهدوء والخلوة , لقد كان صباحاً كالجحيم , وبعد الظهر سيكون العن , فنصف من في الشركة يتصرف وكأنني من الآلهة , والنصف الآخر وكأنني الزعيم العسكري سزار بورجيا , ولا تقولي لي إلى أي جانب أنت , لأنني استطيع التخمين.
- افضل ان اعود الى المكتب.
- لا تكوني سخيفة , فليس امامي وقت طويل... نحن ذاهبان الى الشقة لأنك لم تشاهديها بعد.
- لا اريد رؤيتها , إنها لا تهمني ابداً.
- إذاً ستضجرين منها, لقد كنت اعتقد ان التفرج على شقق الناس هو المفضل لدى اغلبية النساء.
- انا لست من اغلبية النساء , ولم اكن اعتقد انك تنظر الى شقة نظرتك الى منزل عائلي.
- إذا سمعتي بعضاً مما كنت اقوله, انا مندهش.
كانت الشقة في إحدى المجمعات السكنية يحيط بها حدائق جميلة . الخدمة فيها تكفي لكل المتطلبات, فقد حضرت مائدة الطعام بأيدي خفية , ليس في غرفة الطعام بل على طاولة في زواية غرفة الجلوس قرب نافذة تطل على منظر الحدائق الرائعة , وصبّ لها مارك كوب عصير , ثم اختفى قائلاً إنه سيعود قريباً, وجلست غير مرتاحة, واخذت ترتشف العصير وهي تنظر الى ماحولها , وتفحصت كل شيء ببطء وعناية , مدركة في قرارة نفسها انها تفتش عن أي أثر لسارة كليفتون , وكرهت نفسها لهذا .
عندما رن جرس الهاتف اجفلت متوترة , وانتظرت ان يرد مارك , فلابد انه قريب ليسمعه, ولكن استمرار الرنين ازعجها, فرفعت السماعة ...
- آلو .. هل انت الآنسة بانهارد ؟ آسفة لإزعاجك, ولكن هل استطيع التحدث مع السيد ايفانز؟ هناك مشكلة صغيرة يجب ان يعرف بها.
- انت السيدة بروس اليس كذلك؟ سأحاول ان اجده لك.
وخرجت الى الردهة تبحث عنه متسائلة اين يكون , كل الأبواب كانت مغلقة ماعدا واحداً, وتقدمت منه بسرعة ونظرت الى داخله وهي تناديه باسمه.
كانت غرفة نوم مفروشة بالوان البيج والشوكولا , وبدت فار غة , ولكن كان هناك إشارات عن وجوده , ولاحظت باباً آخراً , من خلفه سمعت صوت المياه , وتقدمت رغما عنها نحوه.
- مارك ... مكالمة لك ... ! إنها سكرتيرتك.
وتوقف صوت المياه فجأة , وبعد لحظة خرج من الحمام وهو يضع منشفة حول وسطه , واخذ سماعة الهاتف من على طاولة قرب السرير.
- سيدة بروس ؟ ماذا هناك؟
واصغى اليها وهو عابس وادركت لوسي ان عليها ان الخروج , فقد ابلغت الرسالة ولا يجب ان تطيل البقاء هنا, ولكنها بقيت حيث هي, واخذت تراقبه , مثل طفل ينظر الى واجهة العاب من خارج المحل . ونظر اليها مشيراً لها بيده ان تقترب واطاعته لوسي وكأنها منومة , واحاطها بذراعه مقربا إياها الى جسده .. واستمعت اليه وكأنها في حلم يعطي تعليماته, ثم يضع السماعة مكانها , واجفلت للمسة يده الثانية على كتفها الآخر بلطف, فتلاشى آخر ماتبقى عندها من تفكير سليم , ومن كل قلبها تعلقت به دون تفكير , ولم تعد تهتم , كل مايهمها الآن ان تبقى كما هي بين ذراعيه , وفاحت من السرير رائحة عطر مميز , إنها ليست لمارك... فهي قد اعتادت على عطره الآن , وليس عطرها ايضاً.
تصلب جسدها مقاوماً , وقالت وكأنها تتأوه :
- لا....
وحركت نفسها بقوة لتصبح فوق الفراش وتقطعه الى الجانب الآخر , الفراش الذي شاركته فيه سارة كليفتون , وتحرك مارك بحدة , و اصبح جسده كالسجن لها حتى انها لم تستطع الخلاص :
- ما الأمر ؟
- اتركني.
واحست بالا شمئزاز من نفسها لأنها نسيت , هكذا بكل بساطة.
- ولماذا اتركك بحق الجحيم؟
وادارها نحوه مجبراً إياها على مواجهته ثانية:
- لقد بدأت بهذا , وسوف تكملين ما بدأت به!
ونزلقت دمعة من تحت جفنها , وانسلت الى خدها , وتبعتها دمعة اخرى, ثم اخرى, وسمعته يشتم بصوت خفيض, ثم اصبحت حرة..فاستدارت على جانبها وطوت نفسها ببؤس , ورفعت يديها المرتجفتين لتغطي وجهها المبلل بالدموع , وشعرت وكأنها تتحطم الى قطع صغيرة, وبدا وكأن عطر سارة كليفتون قد ملأ رأسها واجبرت نفسها على الجلوس ... واخذت تضغط على فمها بيدها كي تمنع صوت البكاء من الخروج , فقال لها مارك بخشونة:
- تمالكي نفسك بحق الله!
وسمعته يبتعد عنها ويدخل الحمام مجدداً , عندها فتحت عينيها ... ونزلت من السرير واسرعت راكضة نحو غرفة الجلوس , وارتدت سترتها وبحثت كالمجنونة عن حقيبتها , وهي تنوي الهرب , والتقى بها مارك عند الباب وسد لها الطريق بذراعه , وقال ببرود:
- اين تظنين نفسك ذاهبة ؟
- الى أي مكان ... بعيداً عنك .
- لقد تأخر الوقت لهذا .. يجب ان نتكلم قليلاً.منتديات ليلاس
- ليس لدي شيء اقوله لك!
- إذا بقي صامتة واستمعي إليّ.
وامسك بذراعها وجرها الى غرفة الجلوس , واجلسها على احد المقاعد وقال :
- واهدأي , فما تبقى لي من شهية تكاد لا تكفي للطعام.
واحنت رأسها الى الأسفل وتمتمت :
- أنا آسفة ...
- وهل انت آسفة حقاً؟ انت تعرفين كل انواع الخداع يا جميلتي, ولكنك لم تحسبي جيداً حساب آخر خدعة لك, فأنت تعرفين ان الدموع , ستردعني عنك, وإلا لكان لديك شيء تأسفين عليه حقاً ايتها الباردة الدم المزعجة!
وارجفها الغضب في صوته , وتابع :
- لقد تصرفتي وكأنني خططت لحدوث هذا!
- لم يكن المجيء الى هنا فكرتي, وهل من عادتك ان تستحم في منتصف النهار؟ ولماذا لم ترد على الهاتف بنفسك؟
- عندما أمر بيوم مرهق كهذا, استحم وأغير ملابسي , والآن تناولي بعض الطعام إلا إذا كنت لا تريدين مشاركتي الأكل ايضاً.منتديات ليلاس
- لقد قلت هذا... أليس كذلك؟ وكان يجب ان اصدقك و أوفر عليّ كل هذا الألم في معدتي.
وذهب الى الطاولة و ملأ طبقاً بالطعام , وصبّ كوباً من العصير وعاد ليجلس على المقعد المواجه لها.
وبدا كأن الصمت سيستمر الى الأبد , ولكنه قال اخيراً:
- عندما اتيتي الى ما بين ذراعي .. اعتقدت انها وسيلة خاصة لإبلاغي بأنك اعدتي النظر في موضوع الزواج .. هل أنا على حق ؟
ونظرت لوسي الى السجادة السميكة تحت قدميها وتمنت لو انها مستلقية عليها .. ميتة, وجالت في ذهنها عشرات الأجوبة , لم تكن قادرة على ذكر واحد منها , ولكنها كانت تعرف ماتريد ان تقوله , فقال لها مارك بعنف :
- انا بانتظار ردك.
وبللت شفتيها بطرف لسانها , ونظرت اليه متفحصة :
- انا .. لست ادري .. أنا ... احتاج الى وقت أطول .ريحانة
- حسناً ... لن تحصلي على أي وقت , وسوف تعطيني الرد, سلباً أم إيجاباً , قبل ان تغادري هذه الشقة اليوم.
- انت تدفعني دفعاً للرد .
- بل على العكس.. فأنا امارس ضغطاً على اعصابي يفوق قدرة البشر, , كان عليّ ان افعل شيئاً منذ البداية, ولكان هذا قد اصلح الامور جميعاً , ولكن الوقت لم يفت بعد, بإمكاني ان اتصل بالشركة لأطلب منهم ان ايلغوا الاجتماع , لأن عندي مفاوضات هامة اريد إنهائها.
وأرجع رأسه الى الوراء , وراقبها بوجه جامد متحدي.
- اليست هذه طريقة غريبة للحصول على مضيفة لمنزلك ؟ وبالنسبة لماضي ّ , ألن تخاف ان أدمرك بتهوري؟
- لا .. لن اخاف.
- هذا دون ذكر انني لست جديرة بالثقة .
- هناك عقبات في كل زواج... على الأقل نحن نعرف مساوئنا مقدماً , وهناك بعض الحسنات ايضاً .. فلن تجديني ... غير كريم ولكنني سأتوقع مايناسب مقابل مالي, ولن تتمكني من منعي بعد ان نتزوج .
فهمست بمرارة :
- يا ابن الحرام.
- ولكن والداي كانا متزوجان , ووما استطيع تذكره , كانا سعيدان بزواجهما , ولاشك ان امي ستخبرك هذا يوماً , إنها تعيش في جنوبي فرنسا, لأن الشتاء في بريطانيا لا يناسبها , ولكنها ستعود الى لندن الأسبوع القادم لتقابلك.
- اوه ... لا!
الأمور تجري بسرعة مذهلة , ورفعت يديها الى وجهها.
- ولماذا لا ؟ نحن مخطوبان رسمياً يا حبيبتي , هل نسيتي؟ ومن المفترض ان اقدمك اليها قبل إعلان الخطوبة.
- الأمر كله ورطة, يا إلهي , ماكان يجب عليّ الاشتراك معك في هذه التمثيلية ...
- ولكنك فعلتي بطيبة خاطر يا لوسي, والأوان قد فات للندم, وسوف تعطيني رداً , أم اقترب لأنتزعه منك؟
واغمضت عينيها وهي تحس بالارتجاف في داخلها :
- لا .. ارجوك! إذا اردتني ان اتزوجك .. سأفعل .. ولكن على شرط.
- أنا بشوق لسماع شرطك , أهو رجاء ان اعفيك من رغباتي ؟ فإذا كان الأمر كذلك , انسي هذا , فأنا اريدك يا جميلتي , وساحصل عليك متى واين اريد , ولا تدعي ابداً انك لا ترغبين في هذا يا لوسي , لأنك لن تخدعيني ولن تخدعي نفسك!
ورفعت كلماته عليها كوقع المطرقة , فقالت له دون مشاعر:
- لا ... اعتقد انني لن استطيع خداعك , ولكن ليس هنا ... ارجوك .. ارجوك! فهذه الشقة ... أنا .. اكرهها ! لا اريد ان اعيش هنا.
- إذاً لن نعيش فيها .. لقد اوضحت لك انني أرغب في منزل وليس شقة عازب, ولكن مؤقتاً...
- لا , ولا حتى مؤقتاً, و ... ويجب ان تتخلص من ذلك الفراش ايضاً!
وساد صمت قصير , ثم قال ساخراً:
- حسناً ... هل انت خائفة من الاشباح يا لوسي ؟ لا لزوم للخوف.
- أكنت خائفة أم لا ... هذا هو شرطي.
- موافق .
ووقف , ثم جذبها لتقف ايضاً, وقبلها على خدها ... وكأنما يوقع الختم على اتفاقهما .. يا إلهي ... ماذا فعلت؟
وطاردها هذا السؤال خلال باقي اليوم, وكان هناك جو ثقيل يخيم على القسم عندما عادت , والتقت عند الباب بجو الذي بدا كا لأموات , فسألت وهي تجلس على كرسيها :
- ماذا حدث؟
وردت مارغو :
- ما توقعنا تماماً , فصل واحد فوري , وإعادة نظر بعد ثلاثة اشهر.
- ومن يكون ؟
فهزت مارغو كتفيها .
- سنعرف خلال هذا الاسبوع ... جو في حالة يرثى لها , فهو وزوجته قد انتقلا لتوهما الى منزل جديد.
وتنهدت مارغو وبدأت تطبع على الآلة الكاتبة بسرعة, وجلست لوسي عند طاولتها مفكرة , واخيراً مدت يدها الى دفتر الملاحظات واقتطعت منه ورقة وكتبت استقالتها , وادخلتها الى تشارلز الذي قبلها دون دهشة, وحتى بشيء من الارتياح.
ونظفت طاولتها من اغراضها , مدركة ان الاخرين كانوا يراقبونها ولكنها لم تقدم لهم أي إيضاح... لم يعد لها شيء هنا , لقد اختارت طريقاً اخراً في الحياة , لذا كان يجب ان تترك وظيفتها .
ولاحظت كذلك تغيراً في تصرفات زملائها , عندما تقدمت مارغو من ماكينة القهوة لتصب كوباً لنفسها , وأتتها بكوب , ثم قال جو فيما بعد :
- لقد عرض علينا تشارلز بعض الافكار من مشروعك لحملة سالزدور إنها افكار جيدة.
- شكراً ... كل ماكنت أرغب به ان تتاح لي الفرصة .
عندما وقفت لتغادر تقدم الجميع منها وصافحوها مودعين , وبينما كانت تقطع الممر باتجاه الدرج سمعت صوتا يناديها , فتطلعت من حولها لتجد ايربي غولمان عند باب مكتبه, فقالت له محرجة:
- مرحباً ايربي .. لقد ظننتك مشغول بالاجتماع.
فضحك وقال:
- لقد سمح لنا بربع ساعة من الراحة , يا إلهي كم نحتاج اليها! لوسي.. ماذا حدث؟ ذلك الإعلان في الجرائد .. هل الأمر حقيقي؟ كان لدي انطباع...
واحمر وجهها وقد عرفت ماهو الانطباع الذي كان في ذهنه.
- هذا صحيح .. أنا ومارك اصبحنا مخطوبين , ولا استطيع تفسير ماجرى .. أنا بنفسي لا افهم ...
فقال لها بصوت خفيض :
- ولكنك لست سعيدة , وهذا واضح , مراقب عادي سيلاحظ هذا , ولن استطيع الادعاء بأنني عادي .. لست مضطرة لقبول الخطبة , مهما كانت الضغوط يا لوسي .. دعيني اساعدك .
وامسك بيدها , فحاولت جذبها منه, وقد بدا في عينيها الاضطراب .
- لا يستطيع احد ان يساعدني .. لقد تصرفت بشكل سيء جداً يا ايربي ولا اعرف كيف اعتذر لك.
- لقد اجبرت على فعل هذا, أعلم ان هناك مشاكل يا لوسي , ولكنك لست مضطرة للوصول الى هذه الدرجة لحلها ... لا تقفلي الباب في وجهي يا عزيزتي .. لم يفت الوقت بعد.
وسمعت مارك يقول:
- الوقت يتأخر دائماً يا غولمان , لقد بدأ الاجتماع ثانية, حتى لو تأخرت أنت.
وشهقت لوسي , لم تسمعه وهو يتقدم منهما , ولم تعرف ماذا سمع من حديثهما , ولكن النظرة في عينيه لم تكن مطمئنة .
وترك ايربي يدها , واستدار وهو يتمتم بالاعتذار متجهاً الى غرفة الاجتماعات , وامسك مارك بكتفيها :
- انتظري لحظة ... اين تظنين انك ذاهبة؟
- لم أعد اعمل هنا , لقد استقلت.
- أمر حكيم ... وبما انك بدأت هذا ... عليك ان تبلغي رفيقة سكنك انك ستتركين الشقة ايضاً, حضّري اغراضك وسأحضر فيما بعد لاصطحابك الى بريوري.
- ولكنني لا استطيع .. ليس بهذه الطريقة... هذا لن يكون إنصافاً لجولي ..
- سأتأكد بنفسي من ان لا تواجه صعوبات مالية, ولن يكون هناك اعتراض من صاحب الملك.
- ولكنني استطيع البقاء في الشقة الى نهاية مدة الإنذار ...
- تستطيعين ... ولكنك لن تفعلي, لقد آن الآوان لقص أجنحتك يا جميلتي , لقد قلت لك إنني لن اتحمل اية ألاعب اخرى مع غولمان , واعني ما اقول , ستذهبين الى بريوري الليلة , وستبدأين بتعلم كيف تتصرفين بشكل حسن.
- لم يكن الأمر كما تعتقد.
ورد عليها بسخرية :
- لا؟ ... إذا كنت تريدين ان اصدق , ماكان عليك السماح له بأن يلاطفك في الممر الرئيسي , مهما فعلتي في الماضي يا لوسي , فمن الآن وصاعداً , لديّ كل الحقوق و عليك, وأنا مستعد لفرضها عليك لو اضطررت , واعتقد انك تفضلين تجنب هذا؟
وارخى قبضة اصابعه على كتفيها , ثم تركها مضيفاً بهدوء:
- اذهبي وحضري أغراضك.
وتملكها دافع مجنون لترمي نفسها بين ذراعيه , وتقول له إن ايربي ولا أي رجل حي آخر يعني أي شيء لها , وإنها تحبه , تحبه وحده , وإنها ستفعل أي شيء , يريدها ان تفعله ... لو انه فقط... لو انه يبادلها الحب.
ولكنه كان قد ابتعد باتجاه باب غرفة الاجتماعات المفتوح حيث كان الجميع ينتظرون وصوله , وضاعت منها الفرصة.
وراقبت الباب وهو يغلق وراءه .. ثم هبطت الدرج ... لوحدها.

نهاية الفصل

زهرة الرماد _ آن ميثر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن