كبشة بنت رافع الانصارية (رضى الله عنها)

Start from the beginning
                                    

وذكر ابن حجر رحمه الله في "الإصابة" 
فقال: أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم أم سعد بن معاذ وهي كبشة بنت رافع بن عبيد،
وأم عامر بنت يزيد بن السّكن وليلى بنت الخطيم.

وكم كان سرور أم سعد عظيمٌ حينما ترامى إلى سمعها قول النبي صلى الله عليه وسلم يذكر دارها ودور الأنصار بخير،
فقال: " خير دور الأنصار بنو النّجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير".

ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أنّ أختي كبشة قد أسلمتا وبايعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم 
وهما: الفريعة أو الفارعة بنت رافع وسعاد بنت رافع وهي أم أسعد بن زرارة أحد النقباء الأخيار، 
وهو ابن خالة سعد بن معاذ رضي الله عنهم جميعًا.

*أم الشهيدين*

سجّل التاريخ لأم سعد صفات وفضائل كريمة، ومواقف إيمانية تشير إلى مكانة النبي العظيم في نفسها
وتقديم الابناء شهداء في سبيل الله سبحانه وتعالى.

ففي غزوة بدر خرج ولداها سعد بن معاذ، وأخوه عمرو بن معاذ رضي الله عنهما وجاهدا في سبيل الله، وأبلى كل واحد منهما بلاءً حسنًا
وعادا مع المسلمين إلى المدينة يحملون بشائر النصر، ففرحت الأم المؤمنة بنصر الله.

وأما في غزوة أحد فقد خرجت أم سعد رضي الله عنها مع من خرج من النساء ينظرن إلى سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم
بعد أن وردت الأخبار إلى المدينة باستشهاد عدد من المسلمين، وكان من بين الشهداء ابنها عمرو بن معاذ رضي الله عنه.

ولكن هذه الصحابية الجليلة كانت ترجو سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبلت بسرعة نحو أرض المعركة
فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم سالمًا، حمدت الله، وقالت: "أما إذا رأيتك سالمًا فقد أشوتِ [أي هانت] المصيبة. 
فعزَّاها النبي صلى الله عليه وسلم بابنها عمرو.

*شهادة صدق*

في إحدى الساعات الحرجة التي زاغت فيها الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وعلى وجه التحديد في غزوة الخندق أو غزوة الأحزاب
حظيت أم سعد بشهادة الصدق مختومة بختم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان ابنها سعد يرتدي درعًا قصيرة قد ظهرت منها ذراعه
فمرّ من أمام حصن بني حارثة، وكان فيه النساء والأطفال، ومن بينهم عائشة أم المؤمنين، وأمه كبشة رضي الله عنهما

*فقالت له أمه تستعجله: الْْحَقْ برسول الله يا بني فقد – والله- تأخرت*
 

وقد أرادت رضي الله عنها أن لا تفوته لحظة دون أن يحظى بمعية رسول الله صلى الله عليه وسلم. 
فقالت السيدة عائشة: والله يا أم سعد لوددتُ أن درع سعد أطول على يده مما هي،فقالت أم سعد: يقضي الله ما هو قاض.

فقضى الله أمرًا كان مفعولاً، وأصيب سعد بسهم قطع منه الأكحل، وهو عِرق في الذراع يُسمى عرق الحياة، رماه به حبان بن العرقة.

*وتوجه سيدنا سعد بالدعاء إلى الله قائلاً:"اللهم إن كنتَ أبقيت من حرب قريش شيئًا فأبقني لها، فإنه لا قوم أحبّ إلي من أن أجاهدهم فيك من قوم ءاذوا نبيك وكذبوه وأخرجوه، اللهم إن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة*.

فاستجاب الله له فالتحم جرحه، وضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب
ونقض يهود بني قريظة العهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعندها نزلوا على حُكم سعد بن معاذ
وذلك عندما كلّفه بذلك النبي نزولاً عند رغبتهم.

فحكم عليهم بأن تُقتل رجالهم وتُسبى نساؤهم وذراريهم، ولما نُفّذ حكم سعد فيهم انفتق جرحه فمات شهيدًا.

*قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن سعد: "اهتزَّ عرش الرحمن عزّ وجلّ لموت سعد بن معاذ*".

*والمعنى: انتعش العرش وحاملوه فرحًا بقدوم روحه رضي الله عنه، وفي هذا دليل علوّ مقامه ورفيع مكانته*
لأن العرب تنسب الشيء العظيم لأعظم الأشياء، فتقول: أظلمت الأرض لموت فلان، واهتزت له الجبال.

واحتسبت أم سعد ابنها الثاني شهيدًا عنه الله، لعلمها بمكانة الشهيد وللبشرى التي بشرها بها النبي العظيم صلى الله عليه وسلم.

*بشارتها بالجنة*

قال الله تعالى: {الذين صبروا وعلى ربّهم يتوكلون}
[سورة العنكبوت ءاية 59].

*هذه الصحابية الفاضلة* ضربت أروع ءايات الصبر والتوكل في تاريخ النساء، وكانت تحث على مرضاة ربها، ومرضاة نبيه
وتؤثر محبة رسول الله على كل غال ونفيس من مال وولد، لقد صبرت عندما استشهد ولدها عمرو وأخوه سعد – رضي الله عنهما-
وفي السنة إشارات كثيرة ودلائل واضحة تبشر بالجنة لمن صبر ابتغاء مرضاة الله. 
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "من احتسب ثلاثة من صُلبه دخل الجنة"، فقامت امرأة فقالت: أو اثنان؟ فقال: "أو اثنان" فقالت: يا ليتني قلت واحدة.

وبعد فهذه نفحات ندية من سيرة صحابية جليلة
فقد صبرت ابتغاء مرضاة الله عزَّ وجلَّ فرضي الله عنها وأرضاها
لأنها ضربت الأمثلة في الصبر والوفاء.

*رضي الله عنها وأرضاها*

صحابيات حول الرسول Where stories live. Discover now