سمحتُ لهُ بالإرتعاشِ بينَ ذراعي كما سمحتُ للمطرِ بأن يُذيبنا ويحولنا لشخصٍ واحد، أخذتُ بعضاً من كآبتهِ وأرفقتهُ إلى خاصتي كي أحملهُ بدلاً منه.

"لا أعرفُ ماذا أفعل" همسَ، ولا يسعني إلا أن أفكر كيفَ أنّ صوتهُ الغني؛ الصوتُ الذي خلقَ لأجلِ الكلمات العالية فقط يبدو باهتاً للغايةِ هكذا.

"لماذا نحنُ نلتقي فقط عندما تُمطر؟" سألتْ عندما لم أستطع كبحَ هذا السؤال، ابتعدَ جونغكوك عن ذراعي بلطفٍ وأخرج ضحكةً جافة.

كنا نقفُ على مَقربة من بعضنا البَعض "لأنهُ يكره المَطر" أجابَ جونغكوك بحيثُ اختفى كلُ أثرٍ للمَرح من وجههِ ثُمّ التفتَ مُبعداً أنظارهُ نحو الشريط الأسودِ الفراغ على الشارعِ مرةً أخرى.

"لطالما كرههُ، وكانَ الأمر هو أنني لم استَطع اجبارَ نفسي على كُرههِ، ظللتُ أتشبثُ بذكراهُ عندما التقينا للمرةِ الأولى، كم كانَ نبيلاً ولطيفاً، عندما بدأت علاقتنا بالإنحدارِ لم استطع تصديقَ الأمر؛ لذلكَ لم أسمح لنَفسي، تظاهرتُ بأنّه كانَ يصرخُ ويلقي اللعناتَ على شخصٍ آخر شخصٌ ليسَ أنا، ليسَ أنا من كانَ يتلقى تلكَ اللكمات والركلات، ليسَ أنا من كانَ يقفُ أمامَ مرآةِ الحمام ويضمدُ نفسهُ بنفسه" كُسِرَ صوتهُ.

"هو لا يستطيعُ أذيتكَ بعدَ الآن" قلتُ رغمَ أنّ كلماتهُ تجعلني عاجز عن النُطق، أحترقُ غضباً على ذلكَ الرَجل، كيفَ يمكنُ لأي شخصٍ أن يعاملَ جونغكوك بهذهِ الطريقة؟

أريدُ مواساتهُ بشدةٍ لكنني لستُ أرنست هيمنغواي، كلماتي لا تَنجح، أنا احاول لكنّ محاولاتي ليستْ كافية.

"لقد كنتُ احبّه ذاتَ مرةٍ" قالَ جونغكوك بهدوء، بدا كما لو أنّ الليل قد أخذَ نفساً كبيراً، تنفسَ الصعداء كما لو أنّه كان ينتظرُ هذا الإعتراف والآن بإمكانهِ أن يمضي قُدماً لكنّهُ تركَ جونغكوك خلفهُ، عالقٌ في كلماتهِ و عيناهُ تبحث عن خاصتي.

"ليسَ غلطتكَ أنّك أحببتهُ، لا يُمكننا اختيارُ من نقعُ في حبهِ" انني أتخيلُ كلماتي مصبوغةٌ باللونِ الأزرق الداكن، تضربُ الفرشاةُ على قماشِ اللوحة لتظهر أخيراً بطريقةٍ كما لو أنّها مُتعمدة.

"البشرُ بأسرهم عادةً ما يتوقونَ للحُب، ومن الصَعب أن تواجهِ وحشاً بعد أن اعتدتَ على أنّ هذا الوحش سيفعلُ أي شيءٍ لأجلك، لكن يجبُ عليكَ أن تعلم أنّه لا يُحبك، ليسَ بعد الآن."

ارتعشَ جونغكوك، "الحُب ليسَ اساءة" قُلت وصدحَ صوتي بشكلٍ مفاجئ عبرَ هذا الليل الفارغ، حاولتُ التحكم في مستوى الصوت الخاص بي "الحبُ ليسَ كما وصفتهُ أنتَ لي، لذا من فضلكَ لا تعتقد أنّه كذلك، لا تضع الحُب في ذاتِ الكفة مع الطريقةِ التي عاملكَ بها ذلكَ الرجل لأنني متأكد من أنّك لا تستحقُ ذلك."

 
حدقتُ في عينيهِ حتى تمكنتُ أخيراً من رؤيتهِ يتقبلُ كلماتي، حتى تمكنت من رؤية ذلكَ المُضطرب يهدأ، حتى أصبحَ المطر لطيفاً وعندها عُدنا للداخل.


قُمنا بتجفيف أنفسنا وقدمتُ له ملابساً احتياطية، عيناهُ تبدو منتفخة تحتَ الضوء، لكنّهُ يبدو أكثرَ سلاماً.

"يُمكنكَ النَوم في سريري، سوفَ آخذ الأريكة" قُلت وبدا كما لو أنّه سيحتج لكنّهُ تثاءب وأومئ.

"تُصبح على خير تايهيونغ" أردفَ بهدوء ولستُ مُتأكداً من السبب لكنّه في تلكَ اللحظة بدا صوتهُ كصوت المَطر.

أشرقَ صباحُ اليوم التالي ببطء، بشكلٍ هادئ ورمادي، استيقظتُ على أنفاسٍ عميقة ونهضتُ بحثاً عن مصدرِ هذا الصوت.

جونغكوك.

كانَ نائم بينما يتوسد الأرض وتلتفُ حولهُ بطانيتهُ،  ينتثرُ شعرهُ على الوسادة فيما يُعانق وسادةً أخرى، يبدو لطيفاً ومسالماً للغاية.

وجههُ غير مُتجهم، مُسترخي ويوجدُ أثرٌ لإبتسامةٍ صغيرة على شفتيهِ الوردية الشاحبة، أشعرُ بإنشراحِ صدري لهذا المَشهد كما لو أنني داخلَ الغرفةِ التي اعرضُ فيها روسوماتي العَقلية و صوتي المُرتفع حيثُ يزالُ القفل عن رأسي الكَبير.

انّ الوقتَ بالكاد اقتربَ من السابعةِ صباحاً لكنّ هذا الشعور الجديد في داخلي منعني من العودةِ للنَوم مُجدداً.

أشعرُ بالكثير من الإلهام والأمرُ بدا غريباً للغاية، كما لو أنّ هناكَ هواءً بداخلي، والرياح هي تيارٌ يمكنه سحبي معهُ بسهولةٍ.

نهضتُ من فوق الأريكةِ ومددتُ جسدي المُتصلب بينما استمتعُ بصمتِ الصباح، بعدها قمتُ بإعداد حامل اللوحات والأصباغ والفرشِ وأكوابِ الماء في المَطبخ المجاور حيثُ يمكنني رؤية جونغكوك نائماً بينما أرسم.

أرسمُ المساحة داخلَ صدري، أنا بلا وجه، افتحُ جلدي ليتشربَ قطراتَ المطرِ والأزهار وجوهر الفضاء ينسكبُ فوقه.

ارسمُ جونغكوك وسوكجين، الأرض والسماء، ارسم العالمَ كما رأيتهُ في الليلة الماضية؛ المطرُ الذي يُحيط بنا داخلَ بُعدنا الخاص ويلتفُ حولنا بأمان.

أرسمُ جونغكوك، جونغكوك الذي لا نهايةَ لهُ تماماً مثل الامتداد اللانهائي للسماءِ نفسها، أرسمُ شفتاهُ الوردية ذاتُ لونِ الماء وأرسمُ المطرَ حولَ جسدهِ.

ارسمهُ في حركةِ الليل، وأرسمُ الشارع الضبابي وهو يقفُ في نهايتهِ بينما يرفعُ ذراعهُ بإتجاهي كما فعلَ في السوبر ماركت، لكنّه ذو ألوانٍ دافئة بإبتسامةٍ تزين وجههُ، اللون البُرتقالي المُصفر ينبثقُ منهُ وينزفُ نحو اللون الأزرق والأخضر المحيطين بهِ.

هو لن يغرق.

لأنّه السماء وأنا بيكاسو.

-






Something In The Rain | TKWhere stories live. Discover now