ظلام..

66 3 6
                                    


الظَلامُ قَد غَزَى كُل إِنشِِ مِن تِلكَ الّمَدِينَة، كُل إِنشٍ مِنيِِ ، مِن جَسَدِي ،مِن قَلبِي إِلىَ أَخمَصِ قَدَماّي

كُنتُ قَد نَسِتُ شَيئاٌ يُسمىّ صُدفَةً أَو لِقَاءٌ بِلاّ مَوعِد أوَ قدّ يَكُون حتىّ نَسيِم عابر يَمُر بِجَانِبِي لِيُذَكِرنيِ بِكَ فَلَطَالمَا كُنتَ كَذَلِكّ ؛ إِن لَم تَظهَر بُكتلَتُكَ تِلكّ سَيُذَكِرُنيِ بِكَ بِنَسيمٌ بَارِد حَدَّ التَجمُد أَو حرٌ حَارِق حَدَّ الإِلتِهَابّ، بِرائحَةّ تَختَرِقُ حَواَسِي حَدَّ الإِختِنَاقّ وَ بِظِلِِ قدّ يُشَوِشُ بَصرِي حَدَّ اَلعَمىّ ، أَو بِمَطرٌ غَزِيرٌ يَجعَلُ مِنيِ سَمكَةٌ فَوقَ الأرِضّ أَتَخبَطُ فِي دَاخِليِِ مَصِارِعَةّ الَحِياةّ مِن أَجِل رُؤيَتُكَ الَمُمِيتَةَ لِمَلاَمِحِي قَبلّ مَشَاعِري ...

وَ هَذاّ مَا حَدَثَ لِي عِندَ رُؤيَتِي إِلَيكَ مُبَلَلةٌ ، أَتَمزَقُ بَرداً ،أَقطُرُ دَمًا بَدَلاً عنّ قَطَراَتّ الَمَطرّ التِيّ قَد أَخذَت مَكاَنهَا الَخَاصّ فِيّ جَسَديّ مُعلِنةٌ الَفَوزّ عَلىّ دُمُوعِيّ الَتِيّ لَم تَعُد مَرئِيَةٌ بِسَببّ غَزاَرَتِهَا ، نَظَرتَ لِيّ بَل وَ لِعَينَايّ لِتُحَدِثُهُماَ بِخَاصَتُكَ كَعَادتكَ وَ التَيّ قَد تُغَيِرُ مِزاَجِيّ سَوَاءّ للأَسوَء أَو للأَحسَنّ ؛ وَ مَا حَدَث الَيَومّ عَلىّ غَيرِ عَادَتِهِ لَم أَشعُرّ بِشَئّ سِوَى ذَلِكَّ الَظَلَامٌ وَ الَسُكُونّ الَذيِ إِجتَاحَنِيّ فَجأَةٌ تَمَاماً كَظَلامِ الَجوّ وَ كإِسوِدَادّ مَلاَبِسنَا مُوَحَدةٌ اَللَونّ ، رَمَقتُكَ بِنَظرَةّ وَ كَأَنَنِيّ أَطلُبُ إِستِئذَانُكَ لِلصُعُود إِلىّ تِلكَ الَحَافِلَةٌ الَلعِينَةّ الَتيّ لَطاَلَمَا جَمعَتنَا كَمُفتَرِقِين !

تَرَكَتَ الَعِنَانِ لِمُقلَتَاك مُشِيِراً لِخَاصَتِيّ بِالإِيجَاب أَلاَ وَ هُوَ الَصُعُود ، قُمتُ بِخَطوَتِيّ الَأُولَىّ أَلاَ وَ هِيّ الَصُعُود لِيُصَادِفنِيّ الَعَدِيدّ مِن الَرَاكِبِينّ مِمَا جَعَلَنِيّ أَلتَفِتُ بِجاَنِبِي وَ أَراكَ تَجلِسُ بِهُدُوءٍ بَينَماَ بِجَانِبِكَ الَأَيسَرّ مُقَابِل الَنَافِذةٌ مَكَانٌ فَارِغٌ وَ أَنتَ تَجلِسُ بِكُلِ رَخَاءٌ وَ كَأَنَكَُ مَلِكتَ الَعَالمٌ بِأَسرُهُ لَا تُبَالِي بِأحَدّ حَولَكَ حَتىَ وَ إِنّ كَانَت وَالِدَتُك أكَادُ أُجِنّ مِنّ شَخصِيَتُكَ هَذِهِ الَمَغرُورَةّ أَو رُبَمَا بُرُودِكَ الَجَافّ هَذَا أوَ حَتىّ يُمكِنُنِي أَن أَصِفُهَا بِالَكِبرِيَاء الَجَشِعّ حَدَّ الَلَعنَة ّ...

تَسَأَلتُ بَينَ نَفسِيّ "هَل يَا تُرىّ أَستَطِيعُ الَجُلُوسَ بِجاَنِبِهِ دُونَ إِذنِهِ أَمّ لاَ ؟!" لأَنَنِي وَ بِبَساَطَةُ كُنتُ فِيّ أِقصىّ دَرَجَاتّ الَإِنهِيَارّ وَ الَأَرقّ، كَذَلِكَ لَمّ يَسبِقِ لِيّ وَ إِنّ جَلستُ بِجَانِبِه ِبِسبَب غُرُورِي الَذيِ يَنعَتُنِي بِه الَعَديِدّ فِيّ الَعَدَمّ ، شَدَدتُ قَبضَتِي عَلىّ الَعَمُود الَفَاصِلّ بَينَنَا حَتىّ لاَ أَسقُط بَينَ الَحَشَدّ لأَسمَعُهُ يَردِف بِهُدُوءٍ دُونَ أَنّ يَلتَفِتّ لِيّ "يُمكِنُكِ الَجُلُوسّ.." نَظَرتُ إِلَيهِ بِصَدمَةٌ وَ قَدّ رَسَمتّ علىّ مَلاَمِحيَ البَلاَهَةُ ، أُقسِمّ أَنَهُ يُمكِنكَ رُؤيَةَ وَجهِيّ حِينَهاَ رُغمَ ظَلاَمّ الَجَوّ مِن شِدَةّ صَدمَتِهِ وَ مِن تِلكَ جُملَتُهُ الأَخِيرةُ ؛ سَأَلتُهُ بِبَلاَهَةُ بَينَمَا كَانّ يَتَزَحزَحُ للجَانِبِ الَآخِر مُقَابِل الَنَافِذَةّ حَتىَ يَترُكّ لِيّ الَمِسَاحَةّ بِجَانِبِهِ "هَل يُمكِنُنِي حَقًا الَجُلُوسّ!" نَظَر لِيّ أَخِيرًا وَ أَمَاءَ رَأسَهُ بِالإِيجَابّ كَعَلاَمةَ للرِضىّ ، وَقتَهَا لَم أَستَوعِبّ شَيئاّ لاَ مِنّ مَشَاعريِ التيّ كَانتّ فِيّ الحَضِيضّ وَ لاَ مِن مَوقِفِهِ الَذِيّ جَعَلنِي أَجلِسّ بِجَانِبِهِ بصَمتِِ قَاتِل بَعدَمَا تَأكَدتُ أَنهُ لَمّ يَعُد هُنَاكَ وُجُودّ لِمَشَاعِريِ الجَيَاشَة وَ كَأنَ ذَلِكَ الَظَلاَم قَدّ طَغَىّ تَمَامًا عَلَىّ كُل إِنشٍ مِنّهاَ ...

كَانتّ أكتَافُنَا تَصَطَدِم بِبَعضِهَا اَلبَعضّ جرَّاءّ حَرَكةَ الَحَافِلَةٌ الَسَرِيعَةّ وَ تَوَقُفِاتِهَا الَمُفَاجِئَةّ ، إِلتَفَتُ إِلَيهِ لأرَاه جَامِدٌ كَجَمَادِ الَجَلِيدّ تَحتَ بُحَيرَة فَرِيدَةٌ مِن نَوعِهَا فِيّ مَكَانِِ مَا بِالقُطبِ الَجَنُوبِيّ وَ كَأَنَنِي لَم أُأَثِر بِهِ بِجُلُوسِي بِجانِبِهِ هَذَا وَ بِإِصِطَدَام أَكتَافِنَا هَذِه وَ كَأنَهُ مُعتَادٌ عَلىّ هَذَا الَأَمرّ !

تَوَقَفتّ الَحَافِلَةٌ فِيّ مَكَانِِ مَا لَيسَ كَعادَتِهَا وَ لَكِنَهُ لَيسَ بِبَعيدّ عَنّ مَنزِليِّ وَ ذلَكَ بِسَبَب غَزَارَةّ الَمَطرّ ، تَرَكتُ الَجَمِيِعَ يَنزِل لِكيّ أَنزل وَ ذَلِك لَأَتفاَدى الَإِِصطَدَاماتّ وَ بَقِيّتُ أنَا وَ أنتَ فَقطّ فِيّ تِلكَ الَحَافِلَةٌ!!

لتَتَقدَمَ أَنتَ قَبلِيّ رُغمَ أَنَنِيّ مَن يَملِكُ حَقّ الَنُزُول أَوَلآَ لَكَنَكَ سَبَقتَنيِ كَعَادتُكَ ، تَنَهَدتُ وَ نَزَلتُ وَرائِكَ تمَاماً كَأَيّ يَوُمِِ مَضىّ فَورَ وُصوُلِي لِلباَب لِأَهُمَ بِالخُرُوج رَأَيتُكَ تقِف بِجَانِبِه وَ عَلىّ غَيرِ عاَدَتُكَ كُنتَ كَأَنكَ تَنتَظِرُنيّ وَ بِالفعِل هَذَا مَا وَجدتُهُ أَمَامِيّ، حِينَ هَمَمتُ بِالنُزُول ُكنتَ قَد سَاعدتَنِي عَلىّ ذَلِكَ خَوفًا مِن وُقُوعِيّ أرضًا بِسَبَب إنزِلَاقّ الأَرضِيَةُ نَتِيجَة غزَارَةُّ الَمَطرّ ...

حَقِيقَةً لَقدّ تَحَجرُ كُل مَا فِيّ جَسَديّ مِن حَركةٌ وَ تَفكِيرّ وَ وَاقِعًا كُنتَ أَنتَ فَقطّ مَنّ تَراهُ عَيّنَايّ وَ هَذَا عِندَ سَيرُكَ بِجَانِبِيّ بِخِطَى قَرِيبةٌ وَ بَطِيئةٌ مُسَايَرةً بِخطَوَاتِيّ رُغمَ بُرُودكَ إِلاَ أَنَنِيّ شَعَرتُ بِدِفئِكَ لِيّ رُغمَ قَساَوَةُ الَجَوّ رُغمَ الَظَلاَم الَحَالِكَ فِيّ كُل أَرجَاءّ الَمَدِينَةّ وَ شَوَارِعّهَا الَتيّ شَهِدَتّ عَلىّ هَذهِ اللّحظَةّ الَتارِخِيةُ رُغمَ تَجاَهُلّ مَشَاعِريِ إِلَيكَ رُغمَ الفَوضىّ فِيّ دَاخِليّ وَ رُغمَ كُل شَيئّ حَولِي وَ تَبًا للَرُغمَ تِلك ...

لَم يَدُم سَيرُهُ بِجَانِبِي كَثِيراً رُبَما رَأفَةً بِيّ وَ رُبَما أنَهُ قَدّ عَادّ لِكِبرِيَائُهُ الَلَعِين وَ هَذاّ مَا جَعَلنِي أُقوُل بِصَوتِِ يَكادّ يكُون مَهمُوسًا "لِماذا فَعَلتَ كُلُ هَذاَ لِتَترُكنِي وَحيِدةً فِي مُنتَصفّ الَطَرِيقّ ؟" وَ لِلَأَسَف لَمّ يَسمَعنِيّ حَتىّ أَكمَلَ طَرِيقَهُ أَمَامِي وَ بِدونِي ...

كُل مَا فَكَرتُ فِيهّ وَقتَهَا أَنهُ لَا يُمكِنُ لِهَذهِ الَلَحظةُ أَنّ تَذهَبُ كَبَاقِي لَحظَاتّ أَياَمِي الَعَادِيةٌ ، أَردتُ أنّ أَحتَفِظُ بِهَا دَاخِل مُذَكِرتِي للَأبَدّ دَاخِل تِلكَ الَشَوَارِعّ وَ ذَلِكَ الَطَريقّ وَ ذَلِك الَمطَر لِيَشهَدَوَا عَليهَا يَومٌ مَا ، أولَ مَا خَطرَ لِيّ هَوَ أنّ أَلتَقِطَ لَهُ صُورَةّ مِنَ الَخَلفّ حَتىّ تَتَرَسخّ تِلكَ الَذِكرىّ فِيّ عَقلِيّ بِوُضُحِِ شَدِيدّ كَمَا كُنتُ أَفعُلُ هَذَا مِنّ قَبِل ؛ لَكِن هَذِهِ المَرةٌ لَم تَكُنّ كَأَيّ مَرةَ مَضَتّ فعِندَ إِلتِقاِطيِ لِتِلكَ الَصُورَة كَانتَ سَودَاء كَسَواَد مَلاَبِسكَ وَ كَسَواَد الَجَوّ بِسَبَب الَمَطرّ أَو رُبَمَا بِسَبَب شَيئّ آَخَرّ أَلاّ وَ هِوّ مَشَاعِرِيّ !

لَحضَتُهَا أَدرَكتُ أَنَهُ لَا يُمكِنّ لِهَذهِ الَلحظَةّ أنَ تَتَجَسدّ دَاخِلّ ذَاكِرتِيّ الَوَردِيةٌ بَلّ سَتَغوُصُ فِيّ سَوَادّ ذَاكِرتِيّ الَمُحَمِلَةُ بِمَشَاعِريِ الَمُكَدَسةُ فِيهَا بِبَعثَرة (تَقُودُ لِلجَفاءَ) بِأَيَةِ لَحظَة ضُعفِِ.

غيم دافئحيث تعيش القصص. اكتشف الآن