الفصل الخامس والعشرون والأخير

30.9K 588 114
                                    

كانت يارا مازالت تقف عند المغاسل حيث تركها هاشم ويدها على قلبها وهي تحاول استعادة انتظام أنفاسها ارتجفت يديها وهي تميل نحو صنبور المياه الباردة وتبلل وجهها علّ لونه المحمر يهدأ ويخف تدريجياً !

بعد دقائق قليلة وبالاستعانة بحقيبة زينتها الصغيرة التي أنقذها وجودها برفقتها خرجت يارا من مخبأها وقد أعادت تزرير معطفها الخريفي الذي يخفي حملها عن عيون الجميع ، اتجهت نحو غرفة الطعام لتجد الجميع قد اتخذ مكانه حولها ، اتجهت للكرسي الفارغ قبالة هاشم ونظراته الغريبة تربكها ، كان يتأملها بتركيز شديد وقد سكن التفكير والتدقيق عينيه ، ليرتفع أحد حاجبيه بتزامن ساخر مع إحدى زاويتي شفتيه وهو يلاحظ المعطف الخفيف الذي ارتدته من جديد لتؤكد له ظنونه بأن لا أحد يعلم بوجود طفل ينتظره كلاً منهما .. تحولت نظراته لشيء من الوقاحة وهي تتراقص على وجهها وتلتقط الاحمرار الطفيف حول فمها الشهي .. شعرت يارا بشيء من التوتر والغضب وهي تتابع تأملاته ونظراته بعصبية ، ألا يعرف أنهما حالياً محط أنظار الجميع ؟؟ لماذا ينظر إليها بطريقة ستلفت انتباه الجالسين ، احمرت حياءً وهي تسمع ضحكة الجدة في اللحظة التي جلست فيها يارا قبالة زوجها ، لتقول بلهجتها الأردنية المميزة :
- هاشم يمّة نزّل عينك عن البنيّة ترى هاذي المرة هي بحمايتي .. والله ما بتحط يدك عليها إلا بموافقتي ومن بعد شوري !!
تحول وجه يارا لحبة طماطم مكتملة النضوج وهي تسمع شهقات وضحكات العمة وابنتها وسارة اللاتي فهمن تماماً ما أرادت لهن الجدة أن يفهمنه ، لتسأل سارة بحذق وهي تحرك حاجبيها صعوداً ونزولاً لأخيها :
- ليش هو كاين حاطط إيده عليها بالسرقة ؟؟!!
أضافت الجدة من فورها :
- وبالغصب بعد !! قال شو غار الأخ .. وحب يثبت ملكيته !
غطت يارا وجهها بكفيها وهي تشعر بالخجل الشديد .. هذه العائلة لا تعرف كيف تراعي مشاعر بناتها .. شهقت سارة وهيا مجدداً وباستمتاع كما لو كانتا تتابعان قصة رواية رومانسية تحكيها لهما جدتهما .. قبل أن تنظر سارة نحو أخيها و قد اختلط الاعجاب باللوم في نظرتها وهي تسأله همساً وبلا تصديق :
- غصب يا هاشم !!
أغرق هاشم بالضحك بوقاحة أدهشت يارا التي أبعدت كفيها كي تحدجه بنظرة نارية لاستمتاعه بما يحدث ، لكنه فاجأها أكثر وهو يقول بجرأة لم تكن غريبة ولا بعيدة عنه :
- مش غصب .. غصب .. يعني بلش الموضوع بشوية عصبية .. بس بعدين صار .. ... بقمة الروقان !!
ورمى يارا بغمزة وهو يسألها عاضاً على شفته السفلى بحركة " زعرنة " تليق به :
- ولا شو ؟؟!!
هذه المرة يارا التي شهقت خجلاً وعندما غطت وجهها بكفيها كانت شبه تلطمهما من شدة حياءها وهي تقول هامسة :
- الله يقطع شرك يا هاشم !
ضحك هاشم باستمتاااع شديد وعيناه تعدها بالمزيد من الليالي الحمراء كالتي عرفاها سوية .. بينما تصاعدت تعليقات الفتاتين الرومانسية ما بين " ياااااي ما أحلااه " من هيا الحالمة .. إلى سارة التي هتفت وهي تزم شفتيها تمنع ابتسامتها بالكاد " قلتلي روقان ... يعني ما في نوم بالموضوع "
أجابها هاشم من فوره :
- كيف عرفتي ؟؟!!
ليغرق بالضحك وهي تهتف به جدته :
- هاشم .. احشم مرتك وضبضب حالك بدل ما إنت قاعدلي زي المراهق .. هاد حكي بنحكى مع أختك و قدام العالم ..!!
صمت الجميع بعد كلمات الجدة وهاشم مازال على ضحكه وسارة وهيا تتناوران بالغمزات ..
التفتت الجدة نحو يارا التي اعتقدت أنها أخيراً تخلصت من هذا الموضوع المحرج .. وسألتها بصوت مسموع :
- صحيح الي حكاه هاشم .. ما نمتو ليلتها ؟؟!!
سادت حالة من الهرج والمرج حول المائدة بعد سؤال الجدة الذي وقفت بعده يارا بإحراج وهي تشهق أعلى و أطول شهقاتها وقالت بارتباك :
- يا ربي وين أروح بحالي منكم !!
هتفت هيا بحبور :
- ولا مكان حبيبتي .. بحضن هاشم ..
وسكتت هيا فجأة وهي تقول كمن اكتشفت أمراً جللاً وفرقعت بأصابعها بسعادة :
- آااااااااااه عشان هيك طولتوا قبل شوي جوّا .. هلأ فهمت شو كنتو بتعملوا و أنا زي الهبلة مفكرة انكم اكتشفتوا إنكم بتحبوا بعض بعد طلاق سوزان !!
انمحت الابتسامة عن وجه هاشم ، وشعرت يارا بقلبها يخفق لذكرى الاسم القبيح ، والتقت نظراتهما فوراً لتسود حالة من الكهرباء بينهما بدى الجميع غافلاً عنها ، إذ استمرت التعليقات بين هيا وسارة والعمة بينما هاشم ويارا في عالم آخر .. انطفأ سحره ، وفقد بهجته ، ليدركا الحقيقة الواقعة .. هناك الكثير ليتحدثا عنه .. ببطئ شديد جلست يارا على كرسيها الذي كانت على وشك أن تغادره .. وشيء من الهم يلوك صدرها ، لأن هناك مرحلة ما بين هاشم و سوزان هي لا تعرف عنها شيئاً ، قد يكون من غير الضروري أن تعرف .. لكنها تريد أن تعرف .. تريد أن تعرف لماذا عاملها فيصل بتلك الطريقة ؟؟ ولماذا آثر هاشم أن يتركها ويلحق بسوزان بعد ليلة حب عاصفة ؟؟ ولماذا قاطعها لأربعة شهور كاملة دون أن يسأل عنها ؟؟!! لماذا حارب حبه لها وتقبل كرهه لسوزان لشهور طويلة ؟؟ والأهم لماذا ذاقت الذل على يديه رغم تعلقه بها ؟؟ هل فعلاً هناك ما يستحق ؟؟ تريد أن تعرف هل ما تركها وقاطعها لأجله هاشم أمراً جللاً يستحق ما حدث أم أنها ستكون دائماً في مرتبة متأخرة بالنسبة لأولوياته وسيسهل عليه التضحية بها واستعادتها وقتما شاء ..

🎉 لقد انتهيت من قراءة سلسلة النشامى /الجزء الأول / جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة 🎉
سلسلة النشامى /الجزء الأول /  جنتي هي .. صحراءُ قلبِكَ القاحلة /معدلة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن