أُغَيْلِمَةُ زَهْرَةِ الوَهْجْ

226 19 67
                                    


[الصفحةُ الأولى]

جبلُ زهرة الوهج ضخمٌ هائلٌ تطؤه من أقدامِ الإنسِ الكثير، ومغروسٌ في تربته ما لا يعدُّ ولا يحصى من أصحابنا المُشَرَّفينَ المُنَعَّمين أزهارِ الوهج.
لطالما سألتُ نفسيَ الصغيرةَ الجاهلة، ألا يتعبُ الجبلُ أو تشقّ عليه السنون؟ فنحنُ الإنسُ ذوو أصواتٍ لا تفتِر، والزهرة في تكاثرٍ مستمر.

صحيحٌ أنِّيَ الصغيرُ فضوليٌّ ذو أسئلةٍ لا تنضب، إلا أنَّ هذا ليس جانبي الوحيد، فأن سهلٌ أن أُسْحَرْ.
ليسَ الجبل وحده من سحرني فمنه كانت البداية، ثمَّ تبعه "فرعون"، الشلال العظيم، ومن ثمَّ الغابةُ "نمْل"، ومن ثمَّ بنو حفَّارَ في "مصمت"، وبنو عمَّارَ في "البشريَّة" وصنبور الماءِ "راحل"... لأختَصِرَ الحديث؛ الكون، كوننا "فُرْجَة" عينهُ سحرني.

حتى بزغ فجر اليوم الذي تولت فيه أسرتنا رعايةَ غلامٍ من أبناء إحدى زهرات الوهج، أزهار الوهج التي شاركناها نحن معشر الإنسِ الجبل، والتي أخَذَ الجبلُ اسمها.
زهرةُ الوهجِ اسمٌ على مسمَّى، فهي ذاتُ وهجٍ بالبنفسجِ أنسى الجبَلَ وقاطنيه ما الليل، وهي من العُقَّلِ السبعِ في فرجة.
ميزتها عن الزهرِ هي في أُغَيْلِمَتِها، حيث تلدهم على هيئةِ أطفالِ إنسٍ يكبرون ليصبحوا أُغَيلِمَةً ترعى غلامًا منهم عائلة إنسيَّة إلى أن يختفي في رشده بعد أن يتمَّ خمس عشرة سنةٍ في هيئته الإنسانية، حيث يتحوَّل للهيئة الأصليَّة، زهرةُ وهج.

لا تعلم الأسرةُ الراعية أيَّ زهرةٍ هي رعيُّها، فزهر الوهج كثير، ومن الحبِّ للرعيِّ أن يُهْتَمَّ بالأزهار وتُحمَى خشيةَ أن تكونَ ضحيَّةَ عاشِبٍ أو تُداس.

غُلامُ الزهرةِ الذي سَكَنَ بيتنا شاحبٌ كأُغَيْلِمَةِ والدَتِه، ضَعِيفُ البنيةِ هزيلٌ ولا ينطق. لا عَجَب، فالزهرة صُنِّفَت كَعاقلٍ غيرِ ناطقٍ رغم مطابقة هيئةِ الأغيلمة لمظهرنا.
العجيبُ هو في وقتِ الدوامِ الدراسي -الذي يشاركنا الأغيلمة فيه ليجتمعوا لا للتعلم-، أجِدُ الغلام الذي نرعاه منعزًلا لا يختلطُ مع أفرادِ جنسه رغم أن طبيعتهم هي التصاق بعضهم ببعض على الدوام؛ ولذا يحضرون المدرسة معنا تعويضًا فالأسرةُ الإنسيَّة لا تقدر إلَّا على غلام.

نِعمَة (اسمُ غُلامنا الذي سمحوا لي بإعطائه إياه، وهو نتيجةٌ لفكرتي عنه بأنه ابن الزهرة التي أعطتنا النور في الظلمات، الزهرةُ التي أُنعِمْنا بمشاركتها هذه الأرض. أوليست تلكَ مُسَلَّمَةً لدينا نحن الإنس؟)، على عكسِ بني جنسهِ غلامٌ منزوٍ، بعيد عنهم. وعلى الرغمِ من مشاركته معهم سمة البشرة الشاحبة، إلا أنَّه ليس معتمَ العينين ضعيف الحيلة كما هم.
فأيُّ حقٍّ له علينا كأسرة ترعاه من عناية ومساعدة في أي عملٍ شاق وتنظيف وإطعام... إلخ، هو أمرٌ يأخُذُهُ على نفسه، منذ أن طرق بابنا وحتى الآن، لم نقم بأيٍّ ممَّا نحنُ مسؤولون عليه له.

أُغَيْلِمَةُ زَهْرَةِ الوَهْجْ |Tempat cerita menjadi hidup. Temukan sekarang