٨) ذكريات حلمٍ قديم.

Start from the beginning
                                    

إغتبطت، فيا لجمال هذه الرعاية وهذا الدفئ اللذان تحيطانه الإناث بنا، ذكرياتي معهن.. مرتبطة بصورة وديّة بذكرياتي مع والدتي.. أتذكرها في صور مشوشة وباهتة في ذهني.. حتى باتت أشبه بحلم بعيد.

...

مرت بضعة أيام وكما قالت فقد أرسلت النساء أولادهن بصوانٍ محملة بالأطعمة، إنهن يعاملننا كما تعامل الأم أبناءها، حظينا برعاية الجميع.. رجالاً ونساءً، إلا أن تلك الفتاة لم تظهر، ظننتُها ستكون من أول السائلين عنا، و لكن علّها ترى أن مهمتها قد انتهت، وهاهي ذي قد اختفت بهدوء كما ظهرت، تناسيتُ أمرها وانشغلت بإكمال الرسوم اللازمة لتسجيل أمجد في أقرب المدارس.

لم يكن ذلك سهلاً، فنحن لا نملك أي أوراق ثبوتية عدا بعض الأوراق القديمة التي أعطتنيها عمة والدتي منذ سنوات طويلة، كان ذلك قبل إرسالنا إلى الملجأ.

...

بعد مدة قصيرة، جاءني استدعاء من المدرسة التي طلبت تسجيلاً فيها لأمجد.

كان التوتر ظاهرًا في حركاتي وسكناتي حينما قابلت المدير، سألني عن تلك الفجوة التي بدت جليةً في حياتنا طوال عشر سنوات، كأننا غبنا عن الحياة وظهرنا الآن دون مقدمات.

لم أتردد في إخباره بما ألم بنا طوال تلك الفترة، سنوات التيتم القاسية التي قضيناها في الملجأ، بصبص الأمل الذي انتهى بكابوس الوحدة المريرة في ذلك البيت المنعزل، كنتُ أتعرق وصوتي يتهدج وأنا أكلمه، لحسن الحظ، فقد بدا المدير متفهمًا ومتعاطفًا مع قصتنا.

"اِعتبر أخاك مقبولاً ويستطيع المجيء من الأسبوع المقبل".

شكرته بامتنان جليّّ، و غادرتُ المدرسة فرحًا بما قمتُ به.

أما عني، فلم أشأ أن أدرس، فالعمل وتحصيل المال هو ما نحن بحاجة إليه، بعد مضي أسبوع واحد على استقرارنا في المدينةً، كنتُ عائدًا إلى البناية، بعد فشلي في إيجاد عمل ملائم لي، كنت أسير مطرقًا، حتى لمحت سوادًا يقف أمام باب شقتنا، رفعتُ رأسي فإذ بي أرى الفتاة ذاتها تقف أمامه وهي تفرك يديها في توتر،. إنفرجت أساريري ونسيتُ أمر الوظيفة، أسرعتْ خطاي إليها وأنا أنادي:

"يا آنسة".

تفاجأت عندما رأتني و خلتُ أني لمحت امتعاضة على وجهها ما لبثت أن أخفتها خلف ابتسامتها، نظرتُ إليها متسائلاً، فقالت متلعثمة:

"مـ مساء الخير، لم أرك منذ وقت"

"مساء الخير، هل من خدمة أستطيع تقديمها لكِ".

حكت خدها بسبابتها وقد بيد التردد عليها، قالت بعد حين:

"يس بالأمر المهم".

لم أشأ حثها على الكلام، حييتُها وأنا أهم بفتح الباب كي أدخل:

"طابت ليلتكِ".

استدرتُ بسرعة و كأني كنتُ بانتظارها حينما هتفت:

"مهلاً".

ترددت قليلاً وأردفت بعدها..

"توجد حديقة على بعد شارع من العمارة، أذهب إليها كل يوم، إن أردت، تستطيع زيارتها، سأكون في انتظارك".

لم أتوقع أبداً سماع ماقالته، وعندما رأت وقع المفاجأة علي إستدركت بقولها:

"إصطحب أخاك كذلك".

لم ألحظ ذهابها فقد بقيت واقفًا مفردي في الرواق كما لو كنتُ تحت تأثير مخدر ما وأنا أسترجع ببطء ما.قالته، حتى سمعت صوتًا يناديني:

"مروان، مالذي تفعله".

كان أمجد يناديني من الداخل، وأنا أقف بمفردي، ممسكًا بمقبض الباب النصف مفتوح، .دلفت إلى الداخل وكانت نظرات أخي تترصدني.

فاجأني رده حينما أخبرته بالمحادثة التي دارت بيننا للتو.

"لا أريد الذهاب".

"ما الذي يمنعك!".
سألته في عجب فأجاب على مضض:

"أشعر بالغرابة منهن".

كان يقصد معشر النساء.، فهو لم يرَ امرأة في حياته تقريباً، طوال اثنتي عشرة سنة.

"إنها فتاة لطيفة وستألفها بالتأكيد".

هز كتفيه ولم يعلق، وأسررتُ في نفسي أني سأصطحبه معي غداً إلى الحديقة.

..
...
نهاية الفصل 💕
كونوا بالقرب..
..
سبحان الله وبحمده. 🌺

أشِقّاءWhere stories live. Discover now