الفصل الثامن

3.4K 61 1
                                    

فور وصولها إلى منزل آل كارفالو , اتجهت إلى غرفة السيد الذي استقبل نبأ استسلام الريبيارو بقلق عميق .
" من الآن وصاعداً الأمر كله متعلق بين يدي السيرفارا , المال لا يهمهم فهم أغنياء جداً . إذا رفضوا البيع فالشركة تضطر للتخلي عن مشروعها لأنها لا تستطيع أن تتخلى عن أراضيهم " .
" افرض إنهم قبلوا " سألته سارا بيأس وقلق .
" في هذه الحالة عائلتي وأنا سنبرز الصك والمرسوم الذي يخص المرفأ " .
" هذا ليس عدلاً . فبرايس قضى أشهراً طويلة بالعمل على هذا المشروع " . 
" هذه المجازفة لا يمكن تجنبها . على كل حال لم يكن أحد يعتقد بأن برايس سيقترب بهذه السرعة من تحقيق هدفه " . 
" لابد من وجود حل آخر " . 
" أخشى أن لا , آنسه مارتندال " . 
ومع أنه ينظر إلى هذا الحل بأسف , أضاف بقسوة في صوته : 
" ضروري بالنسبة لإنتاجنا أن نحتفظ بالمرفأ ولا شيء يمكنه إقناعنا بالتخلي عنه " . 
ولاحظ يأس الفتاة فنظر إليها بمودة وأضاف مشجعاً : " لم نفقد كل شيء حتى الآن , وعائلة سيرفارا قوية ترغب بإقامة علاقات مع الأجانب . لكنها تبقى متعلقة بأراضيها , وإذا ظلت معارضة لمشروع المصفاة فإن البيراميدون ستضطر للتراجع حتماً " . 
هزت سارا رأسها بحزن ففي كلتا الحالتين سيعرف برايس الفشل , وستكون هي مسؤولة عن جزء كبير من فشله هذا .
nagwa_ahmed5 همسات روائية
ما إن نزلت من سيارة آل كارفالو حتى أسرعت نحو المتاجر واشترت بعض الحاجيات وعادت إلى الشارع حيث إلتقاها مديرها بعد نصف ساعة تقريباً .
" يبدو أن فترة بعد الظهر كانت مليئة بالنسبة لك " . قال وهو ينظر إلى الأكياس والعلب الكثيرة التي تحملها . 
اخذ قلب الفتاة يدق بسرعة إن كلامه كان يحمل أكثر من معنى أيشك بالطريقة التي قضت فيها وقتها ؟ فقط لو أنها تعلم! قطعاً الطريق كله بصمت . كانت سارا متوترة لدرجة لا تقوى معها , أما برايس فكان يدخن غليونه بهدوء , وكان من الصعب تبين حقيقة ملامحه .
توجهت سارا إلى اليخت الفخم برفقة برايس , وكانت تأمل في أن يطرأ شيء ما يجبرهم على إلغاء هذه الرحلة لكن الشمس كانت مشرقة في سماء الخريف والبحر هادئاً . 
كانت نخبة أهالي لاسو مدعوة وأل سيرفارا المهمين جداً بالنسبة للشركة النفطية نزلا في الجناح الرئيسي في الطابق العلوي . بينما شغل الآخرون الطابق السفلى , وكانت غرفة سارا مجاورة لغرفة برايس .
رافقهم في هذه الرحلة الطباخ وزوجته ليشرفا على الطعام في مطبخ اليخت . وأحست سارا بالراحة بوجودهما , فرغم شهرتهما بقيا بسيطين وهكذا يمكنها اللجوء إليهم والهرب لبعض الوقت من رسميات العمل وشكلياته .
وكان فريق البحارة من أصل بريطاني والقبطان استقبل الجميع بالترحيب وبابتسامته الرائعة التي تعلو وجهه الذي لوحته شمس البحر .
nagwa_ahmed5 همسات روائية
أتجه اليخت نحو الجنوب , ووقفت سارا تتأمل الساحل . قد يتم إنشاء مصفاة للنفط في هذه المنطقة مع أن رأس عائلة سيرفارا معروف بدفاعه عن طبيعة وبيئة بلاده , فإذا نجح في جعل الميزان يميل لصالحه فإن مخاوف سارا تنتهي أخيراً , ولا يعرف برايس تايلور بوجود صك بشأن المرفأ . أحست الفتاة بانقباض أليم في قلبها وهى تفكر بالرجل الذي عملت معه طوال هذه الشهور الماضية , كيف يمكنها المشاركة بتدمير أمله بمساعدتها لآل كارفالو ؟ على الأقل آل سيرفارا سيوفران عليها هذا الشعور . يبقى أن يقاوموا أمام قدرة برايس على الإقناع .
مع حلول الظلام أصبح المحيط أكثر هدوءاً واليخت يمخر المياه بكل اطمئنان. تمنت الفتاة وهى في غرفتها أن تصاب بدوار البحر كي تتهرب من العشاء وللأسف ظلت قوية صامدة .
فاستعدت للسهرة وأتبعت نصيحة برايس واهتمت بأناقتها . اختارت ثوباً من الموسلين الأسود الذي تعلو صدره أزهار ملونة , وسرحت شعرها الذي أصبح طويلاً وتركته يسترسل على ظهرها العاري . وما إن أصبحت جاهزة حتى انضمت إلى الآخرين حول البار . ما إن رآها برايس حتى جاء للقائها . واخترقت آل سيرفارا .
وبعد قليل أعلن العشاء فأتجه الجميع إلى غرفة الطعام المنارة بذوق رفيع ومجهزه بطاولات مستديرة تتسع كل منها لثمانية أشخاص . السيرفارا والمدير ومساعدته جلسوا بالطبع حول نفس الطاولة . وكان جواكن سيرفارا عجوزاً سميناً لكنه لطيف جداً .
راقبته سارا طوال وقت العشاء . ومع أن رجال الأعمال مستغلون تأثير سحر زوجاتهم , إلا أن هذا البورتغالى كان يشذ عن القاعدة . كان واثقاً جداً من قدرته الشخصية ولا يلجأ لزوجته ريتا في القرارات المهمة .
nagwa_ahmed5 همسات روائية
ولم يحاول برايس تايلور أن يؤثر عليهم بالتغني بميزات هذا اليخت الملقب بسيدة البيراميدون . فامتلاك مثله من ضمن إمكانيات آل سيرفارا . لكنه أستعمل سحره الخاص ولباقته في التأثير على مدعويه .
كانت سارا تنظر بانتباه إلى جواكن سيرفارا , ولاحظت أنه يتحدث عن بلده بكل فخر واعتزاز . ومع أنهم لم يتطرقوا لموضوع المصفاة , إلا أنها أحست بأنه سيبقى معارضاً للمشروع طالما أنه مغرم بالجمال والهدوء . 
نقل البورتغالى فيما بعد اهتمامه نحو سارا . يبدو أنها أعجبته وبينما كان يثرثر معها برهن رغم سنه عن ميله للمرح والغزليات , بالإضافة لهمه الأول في إظهار مميزات وطنه . 
" ماذا رأيت في بلدنا حتى الآن آنسه مارتندال ؟ " .
" ليس الكثير " أجابته سارا مبتسمة . " كنت دائماً مشغولة جداً " .
" سنعالج هذا الأمر . لا يمكن أن تكوني في البورتغال دون أن تزوري سنترا , سأصطحبك إليها بنفسي " . 
بعد العشاء صعد الجميع إلى المتن الأعلى حيث أُعدت حلبة للرقص أضيئت بأنوار متعددة الألوان وخافتة .
كان فارس سارا هو برايس طبعاً . لم يكن راقصاً بارعاً , وهى أيضاً كانت قليلة التجربة في هذا المجال , ولكنهم لم يجدوا صعوبة في تتبع الألحان الموسيقية الرائعة .
كان يضمها إليه , وكانت سارا تحس أحياناً بخده يلامس شعرها وترغب يشوق كبير أن تسند رأسها على صدره لكن ثقل ما تحمله في قلبها كان يمنعها ويسلبها كل سكينتها .
كان الوقت متأخراً عندما دخل المدعوون إلى غرفهم واتجهت سارا نحو غرفتها برفقة برايس . أي طبيعية . طالما أنهما جيران ؟ . 
قبل أن يفترقا توقفا لحظة في الظلام , والتقت نظراتهما فأسرع برايس وضمها إلى صدره وتنهد بعمق ثم انزلقت شفتاه على عنقها , كانت مستعدة لكل شيء كي تتمكن من تقديم شفتيها لشفتيه . ولكن لم يكن من السهل نسيان ما يثقل قلبها وفكرها فابتعدت من بين ذراعيه وهربت بسرعة إلى غرفتها .
nagwa_ahmed5 همسات روائية
فى صباح اليوم التالي , وبينما كان المدعوون يتناولون فطورهم في غرفة الطعام . كانت سارا تشرب قهوتها في غرفتها . وكان من ضمن البرنامج ستقام مباراة لاصطياد الحمام بعد ساعة وحتى ذلك الوقت هي حرة ويمكنها قضاء بعض الوقت في المطبخ .
وكان الطاهيان سعيدين بهذه الرحلة ويبذلان كل جهودهما في إظهار مواهبهما في فن الطهي . واستطاعت لوسيا فالادان زوجة الطاهي بثرثرتها المرحة أن تخفف من توتر الفتاة . وسألتها وهى تنظف الخضار : 
" كيف وجد السيد سيرفارا العشاء , مساء أمس ؟ " . 
" كان مسروراً " . أجابتها سارا مبتسمة . 
" ألم يأكل من القريدس ؟ " . 
" بدا لي أنه أستطيب كل الأصناف " . 
" عظيم " . أجابت لوسيا بحماس .
أمام دهشة سارا , رفعت الطاهية حاجبيها ثم همست بصوت منخفض : 
" إذا دعم مشروع المصفاة " سنتلقى جميعاً مكافأة كبيرة . لماذا تعتقدين إذا أن الفريق كله متحمس ؟" . 
فكرت سارا قليلاً بصمت , وكانت بالفعل قد لاحظت مدى تفانى الجميع في القيام بمهامهم . 
" نحن جميعا نمر بحالة قلق " . أضافت لوسيا مبتسمة . 
" ولكن ليس أكثر منى " . فكرت سارا بحزن .
تقنيص الحمام كان على وشك البدء عندما تركت سارا المطبخ وقبل أن تخرج , قالت لها لوسيا : 
" مهما كان الأمر , لا تعارضي السيد سيرفارا " ! . 
" سأحاول ! " . وأحست سارا بتأنيب الضمير . يبدو أن الجميع يحملون على كاهلهم هم نجاح البيراميدون , جميعهم باستثنائها . 
كان المدعوون مجتمعين في الأعلى والنساء تنتظرن بفارغ الصبر أن تفتخرن بأزواجهن . وأخيراً وصل السيد سيرفارا برفقة برايس . وكانا يتناقشان بحماس . ورغم سنه , كان البورتغالى أنيقاً جداً . وعندما بدأ التقنيص , بدأ بالضحك والمزاح أمام أخطاء بعض المشتركين . 
وكان يحق لكل مشترك بستة طلقات , ولكن على وجه التقريب لم ينجح أحد حتى الآن سوى بإصابة ثلاثة أهداف , وكان السيد سيرفارا ينتظر بغاية الشوق ليظهر تفوقه على الآخرين , ورغم سنه , كان دقيقاً في تركيزه . وبكل سهوله , أصاب أول حمامة ثم الثانية . كان يبدو من المستحيل إيقافه . ثلاثة...أربعة...خمسة . وعندما أصاب السادسة , علا التصفيق والتهاني . 
جفف البورتغالى جبينه وهو يضحك . ثم نظر إلى برايس وهو يستعد نظرة تحد . وكانت سارا تعرف أن العجوز صياد ماهر , لكنها حتى الآن لم تر مديرها يطلق الرصاص .
فى الواقع , كان برايس يصوب وأطلق النار بدقة مدهشة . واحد....اثنان....ثلاثة....كان يصيب الهدف دون أن يبد أن هذا يكلفه أي عناء . أربعة....خمسة...وتوقف لحظة قبل أن يطلق رصاصته الأخيرة ثم أطلقها وأخطأ الهدف . ولم يستحق سوى تهنئة المشاهدين الهامسة . وكان السيد سيرفارا هو الفائز .
" أوه! أوه! لا حظ لك اليوم , برايس " . قال له بمرح . 
ابتسم برايس مبدياً أسفه . لكن سارا كانت متأكدة أنه كان بإمكانه أن يصيب الهدف السادس لو أراد . لكنه ككل أعضاء الفريق والخدم لم يكن يريد أن يغضب السيد سيرفارا .
nagwa_ahmed5 همسات روائية
بعد الظهر وصل اليخت إلى إستوريل . وهى مدينة عريضة الشوارع , وأبنيتها كلها كبيرة وفخمة فتناول الركاب عشاءهم في اليخت وقرروا أن يقضوا السهرة في كازينو المدينة المشهورة . 
لهذه المناسبة ارتدت سارا ثوباً من الحرير الأزرق يعلوه الدانتيل , وغطت كتفيها بوشاح أبيض . ساعدها برايس في النزول إلى المركب الذي نقلهم إلى الرصيف على مرحلتين .
وكانت الفتاة على عكس الجميع , غير متحمسة لقضاء بضعة ساعات على اليابسة . كانت أعصابها متوترة بانتظار نتيجة المفاوضات بشأن المصفاة 
لكنها كانت تحاول ألا تظهر قلقها . وعندما وصلوا إلى الكازينو أمسك السيد سيرفارا ذراعها . وكان مستعجلاً ليريها المكان , فتظاهرت بالفضول والحماس لهذه الفكرة .
اتجهوا على الفور إلى صالات الألعاب حيث كان الخدم ببدلاتهم الكحلية يقفون خلف الطاولات وسط ضجيج الأصوات وصوت الروليت . 

قوس قزح // روايات عبير الجديدةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن