جاء يوم افتتاح المعرض وزفاف فاطمة على حد سواء، كان هذا طلبها من محمود أخبرته أنها ترغب بمشاركة الدار فرحتها،  وتغادر منه عروسا فهو بيتها وقاطنيها أهلها، فكر محمود كيف يجعل يومها مميزاً لا يُنسى فخطرت له فكرة  عرضها على ورد قبل رحلتها فسعدت بها وخططت لتطبيقها.
لم تفارق السيدة عائشة فاطمة ولا الفريق الذي كلفه ليث على حد قوله، تعرفن عليها وأحببنها  وساعدنها بالترتيبات كلها، فإذا أحبك الله سخر لك خلقه.
حان وقت خروجها وقد امتلأت الحديقة بمدعوين للافتتاح وآخرين للزفاف ورافقتها حماتها مع ورد وما إن وصلت الباب الداخلي حتى لمحت مشهدا لن تنساه بحياتها، الطرقة الرابطة بين الباب والحديقة تملأها فتيات صغيرات من كلا الجانبين،  يرتدين فساتين زفاف بيضاء صغيرة،  نمسك كل واحدة منهن وردة بيضاء جميلة بيدها، تلألأت عينيها سعادة تقفز من ملامحها قفزا و هي تنظر إلى ذلك المشهد المبهر،  لم تتخيل ولا  بأحلامها أن يكون زفافها مميزا إلى تلك الدرجة.
هدر قلبه بصدره حين لمح سعادتها وانبهارها فعلم بأنه أصاب الهدف، أمسك يدها يقبلها ظهره فاحمرت خجلا ثم رافقها إلى الكرسي المزخرف ،
يسألها بحب
¤ أعجبتك المفاجئة؟
رمقته بعشق تجيبه 
¤ لن أنس ذلك المشهد ما حييت ....شكرا لك.
تصنع العبوس يعقب
¤ لا شكرا بين الزوجين يا فاطمة.
التفتت تتأمل الحديقة حولها هروبا منه، فابتسم بمكر يطبق على يدها بين يديه لا يتركها أبدا.
انزوى بركن يراقب سعادتها بحسرة  من بعيد حتى جفل على صوت سمير يخاطبه بهدوء
¤ عندما نحب شخصا نتمنى له السعادة حتى إن لم تكن بصالحنا.
رد عليه الممرض كريم بحزن
¤لست حاقدا عليها، أنا فقط حزين لأنها لن تكون من نصيبي ....لكن هي تستحق أن تجد سعادتها حتى لو كان بعيدا عني.
ربت سمير على كتفيه يقول باسما بتفهم
¤ أحسنت ...كن يقينا بأنك ستجد من هو أفضل منها لك حتى وإن اعتبرت أن لا أحد أفضل منها.
هز رأسه بلا معنى وعاد يراقب سعادتها بحسرة، أما سمير فلمح شرسته تلج  الدار وتبعها بضحكة ماكرة.
تأملت أسماء زوجها جالس يحمل على حجره الصغيرة أمل التي كفلها سمير وشاهي بصفة رسمية، أحبها منذ تعرف عليها بل كل من تعرف عليها أحبها بتلك الشقاوة البريئة حتى هي تعودت على وجودها وتبحت عنها إن اختفت من أمامها، راقبته كيف يدللها يتحول إلى طفل كي يتواصل معها ، ليس معها فقط بل و جميع أبناء أخواته بمختلف أعمارهم يحبونه ويحترمونه، فجأة فكرت ماذا لو لم يرزقها الله أولادا هل يصبر؟ وإن صبر هو هل ستصبر شقيقته؟ لمح وجومها فتوقع ما تفكر به، قام إليها يقترب منها هامسا بابتسامته الجانبية الجذابة
¤إن رزقنا الله طفلا أريده منك أنت، لا من أحد أخر وإن لم نرزق به ، فسنكفل واحداً مثل ما فعل شقيقك مع أنه لا يعلم أصلا إن كان سيرزق بذرية أم لا، هذا إن تركنا الشعب الذي يهجم علينا دائما ما شاء الله  على رأي زينب.
ضحكت أسماء بمرح ترميه بنظرات امتنان للأمان الذي يغمرها به.
******
سحبها ليجلسها ثم جلس قبالتها يخاطبها
¤ يجب أن تأتي غدا ورد أرجوك.
نفخت بضجر تقول 
¤ ليث أخبرتك من قبل، لقد أقفلت تلك الصفحة، أعطيت شهادتي وحضوري غدا لا معنى له.
أمسك يدها بحنان يهادنها 
¤ والدك طلب مني احضارك ...فلماذا ترفضين؟
نظرت إليه بضيق تمسح على وجهها ، فسمعا صوت حمزة يتدخل بنبرة جامدة 
¤ لا تريد الذهاب كي لا تشفق عليه.
استدارا إليه مبهوتين كل لعلة، فرفع يديه يتأسف رغم ظلال  التهكم القاتم الطاغية على ملامحه
¤أنا آسف، سمعت رغما عني فصوتكما لم يكن خافتا.
عاد ليث إلى ورد ينتظر  منها التأكيد لكنها صمتت، فأكمل حمزة
¤أفهمها جيداً واتفهمها، إن كنت أنا لا أريد الذهاب فلماذا هي؟....نصيحة ليث دعوها وشأنها فقلبها طيب إن سمعت كلمة اعدام من فم القاضي رغما عنها ستنفذ الشفقة إلى صدرها ...... لا يستحقان!
وأكملت ورد ببرود
¤ لقد نسيته ليث، هو الآن كأي غريب لا أعرفه ولا يهمني عقابه كيف يكون، ما علي فعله فعلته ولا أريد التطرق للموضوع مرة أخرى.
قالتها و انسحبت تاركة ليث يفكر بقرارها إن كان بصالحها، ليقول حمزة قبل أن ينصرف هو الآخر
¤هناك بعض الأمور من الأفضل محوها من حياتك كأنها لم تكن.
******
بعد انتهاء الحفل أوصلهما ليث مع زوجته بيت محمود القريبة من بيتها جهزها هو الآخر سابقا للسكن.
بعد أن جهزا نفسيهما صلى بها محمود كما السنة ثم أقبل عليها وحط بيده على رأسها يتلو الدعاء وحين هم ليزيل يده أمسكتها تثبتها على رأسها تهمس بدموع لم تتحكم بها
¤أقسم بأنك لن تعايرني يوما  أو أرى نظرة احتقار بعينيك ...واعلم أن الله شاهد على قسمك.
لم يتضايق بل بالعكس تفهم خوفها فقال مبتسما بدفيء
¤ أقسم أن أرعاك و أتقي الله فيك مادام بصدري نفس.
أنزلت يدها و شهقت بخفوت تبكي، فسحبها إليه يلثم دموعها حتى هدأت، يهمس لها بكلمات حب وحنان إلى أن استسلمت له،  ليأخذا بعضهما إلى مكان يصبح فيه الاثنان واحدا و لا وجود للاختلافات، يعلم جيدا أنه سينتظر مدة ليسمع اعترافها بحبه،  فخجلها لن يسمح لها بأي وقت قريب.
*******
تقدمها إلى المصعد تلحق به وضغط ناصر على الزر المطلوب  لكن وقبل أن يقفل الباب دخلت فتاة تبدو سائحة أجنبية من مظهرها بلباسها المختلف. توترت بيان حين لاحظت نظرات تلك الفتاة التي ترمي بها ناصر، لا يخطئها أحد أما هو فيتصنع الجهل بما يحدث حوله يستشعر دبدابات الغيرة تشع منها وكم أسعده ذلك إلى أقصى الحدود. أخفى ابتسامة عندما اقتربت منه بيان تتأبط ذراعه بتملك، ترمي الأخرى بنظرات حارقة لكن الأخرى بملكوت آخر تبحلق بالوسامة الضخمة كيف تبدو، فلم تشعر بيان بنفسها إلا و هي تتأهب لتنقض عليها تصيح
¤ يا قليلة الأدب!...ألم يعلموك أهلك غض البصر؟ يا...
هتف ناصر المدهوش من تصرفها وهو يحاول إبعادهما عن بعض
¤غض بصر ماذا؟ يا بيان إنها أجنبية!
صرخت الأجنبية بلغة علم ناصر أنها الإيطالية،  لا يعلم أيضحك مما تقوله،  أو يضحك سعادة لتلك التي أحبته وتدافع عنه بشراسة، لم يتصور أبدا أن يحبه أحد و يريده بتلك القوة والتملك و من؟  جميلة مثل نجلائه، فتح باب المصعد فأسرع إليهم الأمن وهمّ واحد منهم ليفرق بينهما،  فأصابع بيان أحكمت الإمساك بذراع  تلك التي لا نعلم إن كانت مسكينة، فصرخ ناصر بنبرة زعزعت المصعد كما أوقفت الجميع بمكانه حتى بيان ابتعدت عن الفتاة تبحلق به بدورها
¤أمسك يدك وإياك أن تلمسها!
تردد رجل الأمن يقول بارتباك
¤ سيدي أنت ترى بنفسك ...إنها ...
تعصب ناصر  يهتف بتهديد حتى تكمش الآخر على نفسه
¤ان وضعت اصبعا واحدا على زوجتي أقسم أن أغلق هذا الفندق الذي تتشدقون بحسن سمعته وتستقبلون به حثالة الناس فقط لأنهم سياح.

سلسلة الأزهار و الزمن ..أشواك ♥ورد... ج 1 .. بقلم منى لطيفي"نصر الدين"Where stories live. Discover now