اسوأ من العاصفة

19.8K 225 15
                                    

كان المطر ينهمر من سماء مكفهرة وكأن ابوابها قد فتحت مساحات سيارة كارولين الاوستن، الرمادية الصغيرة، كانت تعمل دون توقف.
ولكن بجهد غير كاف لتوضيح الرؤية أمامها كانت تقود سيارتها منذ ساعتين في هذا الطقس المكفهر، منذ أن غادرت وارشستر ولم يبدو حتى هذه الساعة أن هذا الطوفان سيخف، كان من المفترض أن تصل الى مزرعة ليندساي منذ اكثر من ساعة، ولكنها وجدت نفسها تسير في طريق موحل لا ينتهي، لا يقودها كما يظهر الى مكان محدد
وازداد الأمر سوءٱ عندما ادركت انها قد تكون انحرفت الى منعطف خاطىء، ولعنت نفسها على هذه الغباوة، واستدارت بسيارتها في تلك الطريق الضيقة لتعود ادراجها من حيث أتت، كانت السماء تظلم بسرعة بقدوم الليل، وأدركت أن الشيء الوحيد المتعقل امامها هو ان تبحث عن مكان تلجأ اليه لتقضي الليلة في مزرعة قريبة حيث تستطيع الاتصال بدنيس لتخبره بالمأزق الذي وقعت فيه وتجهم وجهها وهي تتخيل انزعاجه من فشلها في اتباع التعليمات البسيطة التي أعطاها لها،
ولكن عليها أن تواجه ثورة غضب منه.
دنيس ليندساي، خطيبها، شديد التمسك بدقة المواعيد وبالعمل
المناسب في الوقت المناسب وفي المكان المناسب، وبينما الآخرون يعتبرونه امرا مثيرا للضجر، وجدته كارولين دوما من الاشخاص الذين يعتمد عليهم ومن الشرفاء، هاتان الميزتان المهمتان لم يكن والدها يمتلكها ابدا في حياته،
وكانتا، ربما، السبب في اعجابها بدنيس كثيرا، كانا قد
التقيا صدفة، في منزل قريب مشترك منذ سنتين، وبمرور الوقت أصبح صديقا ومستشارا لها، منذ اسبوعين، عشية مغادرته لقضاء عطلة في مزرعة ذوية، اخذها لتناول العشاء، وطلب منها أن تتزوجه، ووافقت. ووجد أن الوقت المناسب قد حان لاعلام ذويه بقرارهما وليعلن خطوبتهما رسميا.
كان مقررا هذا ان يجري هذا المساء، وتنهدت كارولين، وهي
تنعطف بالسيارة مبتعدة عن حفرة حادة على الطريق، ولكن تنهيتدتها، في اللحظة التالية، تحولت الى صرخة مدوية، وهي تضع رجلها على مكابح السيارة وتوقفها فجأة، فقد بدا امامها في الضوء المنبعث من مصابيح السيارة الجسر الذي مرت عليه منذ ساعة, وقد غمرته المياه المندفقة من الامطار الاحمق وحده قد يقرر المخاطرة بعبوره. وتراجعت بسيارتها الى الخلف، ولكن مؤخرة السيارة ارتفعت، وانزلقت الإطارات تحفر عميقا في الوحل، وذعرث كارولين وحاولت ثانية، ولكن الاوستن، لم تتحرك، واخفضت رأسها على المقود وقد سقطت يدها من
التعب، لم يتم شيء كما هو مقرر له، ولو أن البكاء سيحل هذا المشكلة في تلك اللحظة لما ترددت أن تفعل .
وحاولت مرة أخرى، وهي يائسة لتصل الى حيث تقصد ان تخرج
سيارتها من الوحل المتراكم ولكن السيارة بقيت دون حراك، وكانما الاطارات قد اصبحت ملتصقة بالتراب اللزج ،
فأقفلت سترتها الصوفية ووضعت قبعة حول شعرها قبل ان تخرج من السيارة لتواجه الليل البارد المبتل، وفي ضوء مصابيح السيارة وجدت أن الاطارات قد انغرزت عميقا في الوحل أكثر مما كانت تصور، وادركت انه قد يمر عليها ساعات قبل ان يجدها احد ما على هذه الطريق المهجورة.
اطفأت مصابيح السيارة، واتكأت على السيارة للحظات،و بينما كانت تحاول ايجاد حل لمشكلتها، بدا لها نور بين الاشجار على بعد عدة امتار من الطريق، وخفق قلبها بالامل، ربما يوجد هناك شخص ما يستطيع مساعدتها للخروج من هذه الورطة التي أوقعت نفسها بها،
وقررت ، اقفلت أبواب السيارة، واتجهت نحو السور وتسلقته وهي تحاذر تمزق البنطال الذي ترتديه وحاولت توفير طاقة مصباح اليد قدر المستطاع وجاهدت لتصعد المنحدر الخفيف المنزلق وهي تلتف بين الاشجار والاعشاب الشوكية نحو ما قد  يكون الحل لورطتها وكان المطر يضرب جسدها النحيل، مبللا ثيابها واخذت ترتجف عندما اقتربت مما اعتبرته
انه منزل ريفي. ما رأته لم يكن أكثر من كوخ صغير له كما يبدو سقف من القش، وترددت، ولكن الضوء من النافذة كان مغريا، يعرض عليها الدفء والحماية من المطر المتدفق بغزارة، وتغلبت على خجلها الطبيعي، وتقدمت من الكوخ بحرص وقلق لنظر عبر النافذة.
كانت الغرفة فارغة إلا من صوفا خربة ومقعد وضع أمام المدفأة.
التي تستعر فيها النار، وعلى خزانة قديمة قرب الحائط كان هناك قنديل كاز، ولكن لم يكن هناك أي أثر لمخلوق.
وترددت كارولين وهي تقف هناك تحت المطر، وقد التصقت ملابسها بجيدها، وبدت رجلاها بالتجمد في الحذاء الموحل المبلل وتشوقت لدفء النار البادية من وراء النافذة الخشبية الصغيرة، شيء ما كان يخيفها، ولكن جسدها المتجمد من البرد كان بطيئا في الاستجابة للإنذار الذي اطلقه عقلها .
واستمرت تحوم حول النافذة، وقررت متأخرة أن تتراجع، وفي
اللحظة التالية شعرت بيد تكاد تنزع كتفيها من مكانها، ووقع المصباح من يدها المرتجفة ليستقر تحت قدميها، والتصق جسدها الى الجدار القاسي بقوة جعلت انفاسها تكاد تزهق، ثم حدقت عيناها المرتعبتين بظل شبح ضخم.
- من انت، وماذا تريد؟
واقتحم جسدها الرعب، فلم تقدر ان تفعل شيئا سوى التحديق في شكل رجل مفرط في الطول فوقها وحاولت أن تتكلم، ولكن
الصوت لم يخرج من بين شفتيها المجمدتين، ووقفت وهي ترتجف وهو يأمرها
_رد علي!
وحاولت كارولين ثانية، ولكن صوتها انحبس في حلقها، وتمتم
الرجل ببضع شتائم زادت من خوفها وامسكها من رقبتها بيد غليظة وجرها نحو الكوخ، لم تشعر في حياتها كلها بمثل هذا الخوف، عندما وجدت نفسها تقف في وسط الغرفة التي كانت تنظر اليها من الخارج. منذ بضع دقائق، وكانت ترتجف دون سيطرة على نفسها، ولكنها تجرأت على الاقتراب من النار، وبعد برهة صفق ذلك الرجل الضخم، الذي يرتدي معطفا اسود واق من المطر، يداه الى جانبيه مرة بعد مرة، وكانما يفكر بالقيام بشيء عنيف، وكانت المياه تتجمع في بركة حول قدميها
وحمدت ربها، على الأقل، عندما اراحت قدميها من الثقل الذي يحملانه بعد ان اشار اليها بخشونة أن تجلس على الكرسي قرب الحائط البعيد عن دفء النار.
وخلع الرجل معطفه وقبعته وعلقها قرب الباب، وعندما استدار
لينظر اليها، فزعت أكثر من قبل شعرُ بلون لبدة الأسد يتدلى دون ترتيب فوق جبهته العريضة ولحية نما فيها الشعر لمدة لا تقل عن اسابيع، اعطته قسمات فظة قاسية، ومظهر مزعج، يرتدي كنزة سميكة من الصوف تلتف على كتفيه العريضتين القويتين، وبنطلون ضيق مثبت على خصره النحيل وعضلات فخذه. كان اكثر رجل صدمتها رجولته ممن قابلتهم من قبل، ولو لم تكن خائفة جدا، لكانت تأثرت به.
كان هناك بندقية معلقة على الجدار، ولكن شيئا ما جعلها تعرف أن هذا الرجل لا يحتاج لمثل هذا السلاح، لأنه يبدو قادرا على استخدام يديه الضخمتين إذا اضطر للدفاع عن نفسه كان يقف أمامها، وساقاه متباعدتان، وابهاميه معلقتين على حزام خصره، عيناها كانتا تنظران الى الباب ولكنها أدركت أن من الغباء التفكير بالهرب، ورعدت كلماته في وجهها.
_والان اجب ماذا كنت تفعل وانت تسلل خارج كوخي؟
- أنا.. أنا.. كنت أبحث عمّن يساعدني..... سيارتي.....سيارتي
علقت ... بالوحل .. قرب النهر.
وتبع ذلك صمت مخيف، وعيناه الحادتان تحدقان بها، ثم تقدم نحوها وانتزع القبعة عن رأسها وتدلى شعرها على كتفيها الرقيقين.
_يا إلهي ، انت فتاة؟  ماذا كانت تفعلين بحق كل المقدسات في مثل هذه الليلة؟
_أنا .... أنا .....ضللت الطريق... ، وسيارتي الأن عالقة بالوحل
قرب النهر، والنهر فائض
- ما اسمك؟
- كارولين  كارولين إدامس
واصبحت طباع الرجل أقل حدة الآن، ولكنه لم يفقد حذره، ولم
تقدر عن الانكار انها ما زالت تقاوم مشاعر الخوف عندما سألته برجاء
- اتعتقد انك قادر على مساعدتي لاخرج سيارتي من الوحل؟ لقد
اعتقدت ان بمقدوري الرجوع على الطريق نفسها التي اتيت منها الى أن اجد طريقا آخر قد يوصل الى ماتجيهفونتين.
_ان هذا لن ينفع ، سيكون امامك جسر اخر لتعربية قبل ان تصلي الى منعطف يوصلك الى ماتجيهفونتين، وسيكون مستحيلا عبوره أيضاً.
_اتعني انني عالقة هنا بين جسرين مليئين بالمياه.
- هذا صحيح.
- ولكن ماذا علي أن أفعل
- عليك البقاء هنا.
- أو.. ولكن لا أستطيع.
_ليس لديك خيار اخر. إما أن تبقي هنا، لو تقضي الليلتين
القادمتين في سيارتك.
- هل لديك هاتف
- لا... الافضل لك أن تدفئي نفسك، ساعود بعد دقيقة.
ولم تحتج كارولين لدعوة ثانية، وركعت على ركبتها امام النار
مباشرة، وقد نسيت مخاوفها مؤقتا، وفي ترتجف بسرور بينما كان الدفء يغزو ببطء ثيابها الرطبة ومدت يدها المتجمدتين نحو النار، ثم مررتها على شعرها محاولة لتجفيفه.
وسمعت اصوات اقدام ثقيلة على الارضية الخشبية من خلفها،
ونظرت من فوق كتفها لتجد أسرها، يفرش بطانية ويمثلها كحاجز بينهما
_اخلعي هذه الثياب المبلة.
- أنا... لا استطيع
_من اجل الله يا طفلتي، لن تكون هذه المرة الأول الي انظر فيها.
الى تركيات جسد أنثى.
ولكن عندما نهضث على قدميها، ادار راسه بعيدا وهو يبتسم
ورفع البطانية الى اعلى. وخلعت حذائها وثيابها والاحراج قد ملأ
وجهها بالاحمرار ثم احست بالبطانية وقد التفت حول جسدها
المرتعش، وتمنت الان لو انه يذهب ويتركها لوحدها، ولكنها وجدت نفسها تراقبه وهو يلتقط ثيابها ويعلقها على قضيب حديدي قرب النار.
وسقطت مفاتيح السيارة من جيب بنطالها فالتقطها وخرج من الكوخ وهو يلف نفسه بالمعطف.
وجلست كارولين تلتحف البطانية السميكة وقد كورت نفسها على المقعد الكبير قرب النار وبدات تعيد تقييم موقفها بهدوء قدر المستطاع.
من الواضح أنها ضيفة غير مرغوب فيها على رجل سبب لها الرعب
بينما في مكان ما من هذه الاراضي الزراعية الواسعة كان دنيس وذويه ينتظرون عبثا وصولها
كانت تنتظر بفارغ الصبر هذا اليوم لأكثر من سبب فقد أملت أن يساعدها دنيس وذوية بشكل ما على التغلب على
بعض المصاعب المالية، ولكن بدلاً من ذلك ها هي عالقة بين ضفتي نهر  قد لا تستطيع عبوره قبل بضعة أيام إلا إذا توقف المطر، وفي هذه الاثناء، لا تزال عالقة مشكلة ماكسويل هيلتون، الذي يطالبها بنفاذ صبر أن تدفع ديونها.
وعادت افكارها الى أسرها، من هو؟ بهذه اللحية النامية والثياب الحقيرة يبدو وكانه متسول، ولكن هناك شيء غير محدد حوله كان يشير الى العكس انه رجل معتاد أن تطاع أوامره، وهذا يشير الى انه رجل له بعض السلطة، ولكن ماذا يفعل شخص كهذا بالعيش في الارياف. وفي هذه الظروف المرعبة؟
ونسيت كارولين خوفها لفترة وخارت قواها باستلامها للدفء والامان، وكان وقع المطر على زجاج النافذة، وصوت النار وهي
تشتعل قد أصبح مهددا لها، فأغمضت عيناها وغرقت اكثر بين ثنايا البطانية، وغطت في النوم.
لم تكن تدري كم من الوقت نامت، ولكنها افاقت لسماع صوت
الحطب يوضع في النار، عيناها النصف نائمتين تسمرتا بالغريب الطويل الذي يشرف عليها من فوق، وعادت مخاوفها بسرعة، كم مضى من وقت وهو يقف هنا يراها
_لقد اخرجت سيارتك من الوحل، ووضعتها خلف الكوخ.
وجلبت لك حقيبتك، واقترح عليك أن ترتدي ثيابا دافئة.
وخرج من الغرفة واغلق الباب ورائه قبل أن تنهض وتشكره،
وبسرعة وضعت بعض الملابس عليها ثم اعادت تقلب الثياب التي كانت جفت تماما بسبب حرارة النار. وعندما دخل مضيفها الملتحي الغرفة ثانية كانت ترتدي بنطلونا جديدا وكنزة دافئة، ورتبت شعرها بربطة كذيل الحصان. وقدّم لها وعاء من الحساء وعدة قطع من الخبز وضعها على الطاولة أمامها، وقال:
- الافضل ان تشربي هذا قبل ان يبرد .
_شكرا لك. وشكرا لك لانك خلصت سيارة من الوحل أيضا
وجلس على الصوفا بمواجهة مقعدها واشعل غليونه,وبدا وكانه لا يلاحظ وجودها لم تكن كارولين تشعر بالجوع كثيرا,,,ولكن الحساء كان لذيذا والخبز طازجا,ولم تدرك كم كانت بالفعل جائعة الا بعد ان انتهت من طعامها.
من على مقعده كان مضيفها ينظر اليها من خلف دخان الغليون,عيناه ضيقتان ومسمرتان على وجهها وقد اقلقها ان يرقبها بمثل هذه النظرات الحادة والمزدرية .
ولتضع حدا لقلقها سالته:
_هل .......هل تعيش هنا لوحدك؟
_اجل .......هل انت هنا لاجل قضاء عطلة؟
_نوعا ما.....اجل.
لقد كانت ضيفة بالصدفة .لرجل لم تقابله من قبل,,,وكل ماتعرفه انه قد يكون مجرما يختبئ من الشرطة.

عمري بين يديك❤ ـ كاي توربحيث تعيش القصص. اكتشف الآن