وذاب جبل الجليد

13.9K 225 3
                                    

حين واصلت لوارا الى مكتب روب ماكفرسون بعد وقت من هذا قال لها : اغلقى الباب وراءك لوارا .. اتسمحين ؟ واجلسى .. وصلت فى وقت مناسب .. ظننتك حتى بعد الظهر 0
-لقد قلت لى تحركى !
اوه .. اجل .. وانت ، كما اظن ، قلت الكثير 0
كان صوته يكاد يكون متمدنا .. لكن يكاد فقط . لهجته هادئة ، لكنها احست بتصلب حديدى تحت لهجته التى تماثل صلابة فولاذ عينيه .. عرفت انه لن يدعها تنجو بفعلتها بسهولة . وقالت بحذر : لقد وقعت بالفعل ، قبل ان يدفعنى احد .. الم افعل ؟
لم يكن هذا حتى بداية اعتذار ، لكنه الحد الذى كانت مستعدة لان تصل اليه .. قال معلقا : بامكانك قول هذا ، وبامكانك الاعتذار بطريقة افضل كذلك 0
منتديات ليلاس
احست بقساوة الحديد فى صوته تقترب من السطح . لكن حين احست انه من الافضل لها ان تعطيه الاعتذار غير المتحفظ ، الذى يستحقه ، ويضغط ليحصل عليه ، تحرك شئ ما فى طبيعتها ، يجاهر بالرفض . فسالها : اتحسين بالالم لقول اسفة ؟ ام انك مؤمنة حقا اننى ضعيف الارادة ، ناكث للعهود ؟
عرفت انه يلاعبها لعبة القط والفار .. فهو لم ينس كلمة واحدة مما قالته له .. وهو يكرهها لمحاولة ارباكها .. حسنا .. انه لايعرف لوارا ويلكنسون جيدا ! وستكون ملعونة لو ارتبكت امام ضغطه ! ردت ببرود : لايؤلمنى البتة ان اقول اننى اسفة ، اكثر مما يؤلمك انت .. لااظن هذا 0
-اتقترحين اننى مدين لك باعتذار ؟ لماذا ؟ اظنك قلت بالامس انك لست غريبة عن تلقة الغزل من الرجال ، فهل اعتذر عن محاولة جعلك تنسين بريستونز لفترة قصيرة ؟ ام اعتذر عن جعلك تنسين نفسك ؟
-انسى نفسى ؟
-اتقولين انك لم تفعلى ؟
ردت لوارا بكل الثبات الذى تمكنت من جمعه : هذه النقطة ليست قيد البحث .. فما حدث بالامس يمكننا رده الى التجربة 0
-اذا انت لا تطلبين الاعتذار لنقص كفاءتى ؟ اذا لم يكن هذا لوارا ، فما الذى اعتذر عنه ؟
صاحت : تعرف جيدا .. حين تكون مستعدا للاعتذار عن كل الاتهامات الكاذبة التى رميتنى بها يوم امس .. وعن الاشياء التى قلتها ، عن كل ما تظنه بى ، ساعطيك ساعتها ....
-الا زلت مصممة على انك وبريستونز لستما سوى صديقين ؟
لم ترد عليه .. لم تر موجبا .. فقد مرا بكل هذا من قبل .. ثم ، وهى تجلس تفكر بسخف كل هذا ، وكم هى بائسة للحفاظ على وظيفتها ، وكيف ان روب ماكفرسون يقف بين نارين لطردها ، ولربما يتلقى يوميا التظلم ضد لوارا ويلكنسون ، مال الى الخلف فى كرسيه ، وبدا لها ، فى كل ذرة منه ، رجلا اكثر من قادر على ان يقرر ما يريد دون مساعدة خال او ابنة خال . وقال : ساعترف ان بعض الاشياء التى حدثت بالامس اعطتنى سببا للتفكير بانك لست متورطة مع بريستونز كما يظهر على السطح 0
على الفور ، ارتفعت معنوياتها .. لم تكن واثقة لماذا تقلقها امكانية شكه فى وجهة نظره السابقة حولها . ربما ، سبب هذا القلق ، هو اعتقادها انه لو صدقها فسيقف الى جانبها .. ويمكنه بذلك ان يقف فى وجه اى ضغط . لكن ، هناك مجرد تلميح منه بانه قد يصدقها . لذلك ، قبل ان تتنهد ارتياحا ، من الافضل لها ان تعرف ما الذى شهده ليلة امس ، ليدفع الشك الى نفسه 0
-قلت ان اشياء حدثت ...
-لو كنت تحبين بريستونز بعمق كما افترض ، فمن المستحيل ، حتى ولو كنت سكرتيرة موثوقة ، ان تخفى عنه مفاوضات استيلاء مجموعتى على غولدر وبروك . اعذرينى لصراحتى .. لكن هناك الكثير من اسرار كبيرة وخطيرة تتسرب فى الفراش 0
لم ينتظر ليرى ما اذا كانت تسامحه لصراحته بل اكمل : من ناحية اخرى ، لم تكن لديك فكرة عن علاقة عائلة ايلين بمؤسستنا ، او واقع انها ابنة خالى . وهذا يؤكد واقع انك عشيقته ، فالغبى وحده يخوض فى تفاصيل عائلة زوجته مه المرأة الاخرى . القليل من العشيقات يرغبن فى خوض مثل هذه التفاصيل ، لكن بريستونز ليس بالغبى 0
-يبدو لى مما قلته ، ان رايا يلغى الاخر ، وانك لازلت تصدق ما تتهمنى به .. ولاشئ اقوله ، او تلاحظه انت يجعلك تغير رايك 0
-هذا ما يبدو .. لكن هناك شئ حول الطريقة التى جعلتنى فيها اخذك الى منزلك ، يجعلنى اعتقد انك راغبة فى ان يتصالح بريستونز مع ايلين 0
ردت بحدة وهى تتذكر ما قال لها : مع انك ظننت ساعتها اننى ما قمت باقتراحى هذا الا لاننى اعتقد ان ايلين لاتنافسنى ؟ وكنت تظننى كذلك كذلك اسعى الى لقطة اكبر ؟ وكنت وقحا فى قولك هذا .. كما اذكر . قلت بصراحة انك تظننى اسعى خلفك 0
-صحيح .. لقد خطرت لى الفكرة ، لكنك خذلتنى بشدة لوارا . ولم تلعبى معى حسب القواعد .. توقفت حين بدات الامور تبدو .. مثيرة للاهتمام 0
لم ترغب لوارا العودة الى هذا الموضوع .. مع انها كانت لا ترغب كذلك فى ان تسعل لتجلى حنجرتها قبل ان تقول : اجل .. حسنا .. لكن هذا كله لايهم .. اليس كذلك ؟ لدى وعد منك بان وظيفتى مؤمنة ، وكل ماعدا هذا خارج ..
سالها بهدوء : اتؤمنين بوعدى ؟
لانها تؤمن بكلمته ، ومع انها قررت بثبات ان لاتعتذر اكثر مما فعلت وجدت نفسها ترد : اجل .. اجل .. اؤمن بوعدك .. واسفة لاننى قلت لك تلك الاشياء الشنيعة هذا الصباح .. وعذرى الوحيد ان هذه الوظيفة تعنى لى الكثير ...
ادركت متاخرة انها قالت اكثر مما كانت تنوى ، واملت ان لايسالها روب لماذا تعنى لها هذه الوظيفة الكثير ..فلا نيه لديها لتقول له ، خصوصا وان الاهمية الاكبر لديها كانت المرتب الذى تتقاضاه 0
لكنه لم يسالها .. لكنها لو كانت تامل فى اعتذار ، فهو لم يكن مستعدا له فمع وجود الشك فى ذهنه ، لن ينقلب الى التصديق الكامل بان علاقتها مع جوناس هى مجرد صداقة 0
سالها يغير الموضوع : هل تمتعت بعملك مع السيد غولدر ؟
-كثيرا 0
-فى هذه الحالة ، دعينا نامل ان تتمتعى بالعمل الذى ستقومين به لى 0
-اتعنى العمل الذى ساقوم به فى هذا المبنى ؟
-لا .. لقد ادخلت السيدة شارب الى المستشفى لالتهاب الزائدة لديها ..ووجدت نفسى مؤقتا دون سكرتيرة .. وانت ، لوارا ، اخترتك لملء الفراغ 0
-لكن .. لكن ..
كانت تعلم انها تفتح فمها بغباء والمعلومة تغوص فى فهمها .. هاك ! انت سكرتيرة لرئيس مجلس الادارة ! وسترى رجلا تعرف انها لاتميل اليه ، كل يوم ! واكملت : لكن .. لابد ان لديك سكرتيرات اخريات يمكنك استدعائهن ؟
رد روب ماكفرسون ، يجتذب كل ذرة من السعادة من ملامحها المشدوهة : هذا صحيح . لكن كما قلت لك على الهاتف لوارا ، اريدك حيث استطيع ان اراك 0
اوه .. اين هى حنكتها الان وهى بامس الحاجة اليها ؟
قبل ان تتمكن من البدء فى فهم ما يعنيه ، او حتى ان تقول له ان العمل كسكرتيرة موثوقة للسيد غولدر لايمكن مقارنته مع عالم روب ماكفرسون الرفيع المستوى الذى يدفعها اليه ، كان قد وقف عن كرسيه ، يشير اليها ان تتبعه الى المكتب الذى كانت تحتله السيدة شارب 0
تلك الليلة ، ذهبت لوارا الى منزلها بعد اختبار القليل مما يعنيه ان تكون سكرتيرة لرئيس مجلس ادارة مؤسسة بضخامة دارموند .. كانت تعتقد انها ابلت بلاء حسنا ، لكن عليها ان تعترف ، وبعد قضاء بعد ظهر يوم واحد من الرد على المكالمات الهاتفية والتى كانت تتوارد اليها كل دقيقة ، منذ دخل روب الى اجتماع ما ، هذا عدا المراسلات التى كان عليها نسخها عن الة التسجيل ، المتراكمة منذ غياب السكرتيرة السابقة ، ان ذلك كان امر متعبا تماما 0
تلك الليلة اطالت فترة بقائها تتناول وجبتها .. تحتاج الى وقت لتعيد شحن بطارياتها .. ثم ، استعاد عقلها الصحيح ، وجسدها القوى عافيتهما ، فانطلقت تغسل الصحوب ، وتفكيرها يجوب فى احداث اليوم 0
ركزت افكارها على جوناس ، فقد اخذ روب ماكفرسون الكثير من وقت تفكيرها ، كان يجب ان تفكر فى وضع جوناس منذ ليلة امس .. اكتشاف تلك الاحاسيس التى اثارها فيها روب ، حمل اى تفكير اخر الى النسيان .. لكن ، الان امامها تفكير جدى 0
ماذا قال لها روب ؟ قال : عدم وجودها على مقربة من جوناس قد يعطيه فرصة لتسوية خلافاته الزوجية . انها فكرة رهيبة ، اذا كانت صحيحة ، ان تكون هى من تمنع عودتهما الى بعضهما .. لكنها لاتستطيع تصديق هذا .. ايمكنها ؟ كرهت روب ماكفرسون لانه زرع ذلك الشك فى راسها ..فاذا كانت ايلين لاتزال تحب جوناس ،كما يؤكد روب ، لكانت امامها طرق كثيرة لاظهار هذا الحب ، فى ثلاث مناسبات ، خلال الاشهر الستة المنصرمة ، حين كان جوناس يكاد يطير فرحا لمجرد ان ايلين وافقت على الخروج معه ...
فالسعادة تلك انقلبت الى ياس فى اخر لحظة لانها تراجعت عن وعدها 0
تذكرت لوارا كم بدا جوناس وايلين ، سعيدين معا ليلة امس .. ربما تشغل بالها دون طائل .. وتذكرت انها توقعت مكالمة من جوناس اليوم ، ولا بد ان احد فى مكتبها القديم كان سيقول له اين يجدها ، كما توقعت فى ان يرغب فى مشاركتها الاخبار الجيدة ، او ان يقول لها ان ايلين عادت اليه .. او ربما ليقول ان الامور تبدو وردية اكثر .. وبما انه معتاد على الاتصال بها عندما يحس بالاحباط ، فمن الجيد سماع صوته وهو بعيد ...
اغلب الاشياء التى قالها روب لها ، عادت الى تفكيرها .. انه قطعا تحت انطباع مفاده بان ابنة خاله تركت جوناس بسببها .. الان .. من يمكن ان يكون اعطاه هذا الانطباع ؟ ايلين ، ام والدها ، قالا له انها كانت تعاشر جوناس فيما ايلين تعيش معه ، كى يستخدما هذا كدافع اضافى لصرفها من العمل ؟ كلاهما يريدانها خارجا ، هذا امر مؤكد .. ولن تنسى تلك النظرة على وجه ايلين ليلة امس 0
اسقمها ان تحس بان صداقتها البريئة مع جوناس قد فسرت فى بعض الاوساط على انها بعيدة عن البراءة . ولم تحب ان تبدو تلك الشريرة التى فى الوسط .. وعرفت انها تواجه مشكلة حقيقية ... افتراضا ، ان روب على حق ، وان صداقتها لجوناس هى التى تمنع ايلين من العودة اليها .. فلا مجال اذا الا ان تتوقف هذه الصداقة 0
قبل ان تخلد الى الفراش ، فكرت لوارا ان تتصل بجوناس ، لكنها تراجعت .. فاذا كان ، ولو فى منتصف الطريق للعودة ، فلا فائدة من ان تثير وكر الدبابير .. بان تخبره كلما قاله روب لها 0
دخلت سريرها باكرا ، لكنها سرعان ما غادرته حين خطرت لها فكرة التفتيش عن رقم نيكولاس ماكداف والاتصال بايلين ... ثم استبعدت الفكرة .. وعادت الى الاستلقاء وشد الاغطية فوق راسها .فبعد لقائها بايلين لمرة او مرتين ، هى واثقة انها لاتصدق حقا انها عشيقة جوناس .. ثم ، على اى حال ، لابد انها حدثت جوناس بالامر صراحة لو ان لديها ظلا من الشك . وسيؤكد لها جوناس ، انهما ليسا كذلك قطعا واغمضت لوارا عينيها وتفكيرها لايزال يدور ... من الافضل ان تنام .. فامامها يوم كامل فى الغد تواجهه فى دارموند 0فى الصباح التالى ، ومنذ لحظة دخولها المكتب ، الذى سيبقى مكتبها الى ان تعود السيدة شارب ، لم يعد لديها الوقت الكافى للتفكير بشئ سوى العمل . ووصل روب ماكفرسون فى التاسعة والنصف والقى عليها تحية الصباح صباح الخير لوارا بطريقة رسمية ، ثم دخل مكتبه 0
كانت تفضل لو انه اقفل بابه وراءه .. لكنه بعد ان افرغ محتويات حقيبة اوراقه على طاولته ناداها : ادخلى اتسمحين ؟
وفهمت لماذا ترك الباب مفتوحا 0
كان الباب مفتوحا كذلك يوم وصلت الى هنا ذلك الصباح . يومها كان سطح طاولته فارغا نظيفا .. لكنها الان ، وهى تدخل شاهدت ملفا بعد ملف ، مكومة فوق بعضها هناك .. وعرفت انه لابد قد ذهب الى النوم متاخرا ليكمل العمل المتاخر 0
تركت عيناها الطاولة ، لتجد عينيه تتفحصانها . لاتعتقد انه سيجد اى خطا فى مظهرها ، فقد اعتنت بانتقاء الملابس ، والبذلة الكحلية بالبنطلون كانت تكشف مدى طول ساقيها ، وتناسبها مع جسدها . لكنها احست فجاة بالحرج حين بدا غير مستعجل للتوقف عن تفرسه فيها .. وقالت لول شئ خطر بالها ، وعيناها تبتعدان عن عينيه الى كومة الاوراق على مكتبه : لابد انك لم تنم باكرا ليلة امس 0
اختار روب ان يتظاهر بعدم فهمها .. وقال : اوه .. لن اقول هذا .. انادمة انك لم تكونى انت السبب لوارا ؟
كاد فمها يفغر ذهولا حين تفهمت ما يفكر به . ثم شدت شفتيها بحزم ، ونظرت اليه لترى ان عينيه تتقدان بالعفرتة واحست بالتوق لضربه ، لكنها قالت بعذوبة : من حسن حظك ان بعضا من ... صديقاتك .. معتادات على النظام اكثر منى 0
-اوه .. انت تعرفين قواعد النظام مع انك تميلين الى الغش قليلا 0
اشتدت قبضتاها الى جانبيها .. فكلامه اشارة الى واقع انه يعتقد انها تغش ، وتلعب اللعبة مع رجل متزوج .. وردت ببرودة تحتاج الى كل قوة ارادتها كى لا تضربه على الرغم من النتائج 0
-كنت اشير الى كمية العمل الذى لابد انك اكملته ليلة امس 0
عرف انها قررت ان لاتجاريه اكثر ، او ربما سئمت من التلاعب فقال لها : آه .. اجل .. العمل .. فلنبدا به ، لدينا الكثير لتكمله . هل جئت معك بدفتر الملاحظات ؟
-الن تسجل ما تريد املاءه ؟
الايمكنك كتابة الاختزال ؟
دون رد ، عادت الى طاولتها تحضر دفتر الملاحظات ، توبخ نفسها على عدم التفكير قبل ان تتكلم . لقد شاهدت السيدة شارب من قبل تنقل عن دفتر الملاحظات ، وتذكرت انها قالت ، ان روب لايستخدم التسجيل دائما 0
بعد انقضاء الصباح خرج من المكتب قائلا انه قائلا انه لن يعود قبل ان تخرج لساعة الغداء ، وانها يمكن ان تترك اية رسائل تصله على شريط مسجل حيث سيعيد سماعها 0
تنفست بارتياح حين خرج ، مسرورة ان تكون لوحدها ، فهى لا تزال جديدة هنا لتنسى وجوده فى المكتب المجاور .. لكنها احست بالتوتر وهى تسجل له الرسائل ،حين ردت على مكالمة بصوت نسائى مثير ، قال لها الصوت حين علمت صاحبته ان روب غير موجود ، ان لارسالة له ، ثم عادت لتغير رايها حيث سجلت لوارا كلمة : جوانا بيرنجيه اتصلت تقول لك : شكرا كثيرا على الامسية المكتملة روعة .. ايمكنك الاتصال بها ؟ ونسيت لوارا فيما بعد الرسالة المثيرة ولم تعد تذكر سوى الترنيم الموسيقى للصوت 0
كان روب يجلس وراء طاولته حين عادت من الغداء ، والباب بين المكتبين مفتوح .. وعلمت انه لابد وقد اعاد الاستماع الى التسجيل ، لكن ، وبما انه لم يذكر هذا ، فلم تذكره كذلك 0
بوصول الساعة الى قرابة الخامسة ، كانت منغمسة فى عملها ، الذى وجدته مثيرا ، حتى انها لم تع الوقت الى ان سمعت روب يغادر مكتبه ، فرفعت راسها لتراه يقف امامها ، يسال : اتعملين وقتا اضافيا ؟
نظرت الى ساعتها ، ثم صاحت : الخامسة وعشر دقائق ! كيف مر بعد الظهر ؟
-اتتمتعين بعملك ؟
-لابد هذا 0
كانت تعرف مدى حبه للسخرية ، وتوقعت ان يلاقى ردها تعليقا ساخرا . فاعادت النظر اليه لترى ان تعابير وجهه ودودة ، وكانما يسعده ان لا تجد العمل له مملا . قال لها بصوت ودود مثل نظرته : من الافضل ان تعودى الى منزلك الان .. لقد كان يوما متعبا 0
وهذا ما اسعدها .. وتذكرت انه قال لها بان السيد غولدر لم يجد عيبا فى عملها .. فهل يعنى هذا ان روب ماكفرسون لم يستطع كذلك ان يجد عيبا فى عملها .. هذا ما املت به ، لانها لم تكن معتادة على العمل فى هذا المستوى الرفيع 0
لكنها لم ترغب فى ان تترك العمل واى شئ عالق فى الة الطباعة .. فقالت : سانهى هذه 0
-الديك موعد الليلة ؟
بالطبع .. هذا ليس من شانه ، لكن بما انهما كانا يتشاركان فى اول حوار سلمى بينهما كرهت ان تفسده بقول هذا له ، او حتى ان تكذب وتقول له نعم ، لدى موعد .. فهى تعرف انه لن يتردد فى ان يسالها ما اذا كان هذا الموعد مع جوناس 0
-لا .. ليس الليلة 0
انتظرت ، تتوقع ان تسمع مجددا تعليقا ساخرا ولو من دون سبب .. فمتى كان هذا يردعه ؟
اعادت النظر اليه لتجد قسمات وجهه لازالت ودودة حتى انه كان يبتسم لها وكانما واقع انها لن ترى جوناس الليلة يسعده .. حسنا .. يجب ان يسعده .. اليس كذلك ؟ فكرت بعمق : انه الان مسلح بمعلومة ، لو احتاجها نيكولاس ماكداف ، بان سكرتيرته المؤقتة لاتقابل صهره كل ليلة . فسالته تتابع افكارها : ايعلم السيد ماكداف اننى اعمل هنا ؟
غادرته الابتسامة حتى ظنت ان هناك كلمات غير مؤدبة جرت بينهما حول هذا الموضوع : طبعا
ردت بهدوء ، بكلمة دون تفكير : اوه .. ربما كان من الافضل ان يبقى جاهلا الامر0
لقد تفوهت بكلام خاطئ .. عرفت هذا بعد ان قالت ما قالت .. فلماذا قالته ؟ لاحظت ان اى دليل على الودية قد اختفى عن وجهه .. ولماذا يهمها ان يعرف نيكولاس ماكداف ام لا ؟ ثم ادركت ان مايكمن وراء تفكيرها هذا ، هو لو ان روب ترك خاله جاهلا بوجودها هنا ، لكان هذا انقذه من شئ من غضب خاله .. وقال لها باختصار وبرود : حين تعرفيننى افضل ، ستعرفين اننى لا اخفى عن اعضاء مجلس ادارتى ولا عائلتى ، اى قرار اتخذه ، وقد اتلقى انتقادا لاجله 0
وتركها الى مكتبه فاحست بالسرور لانه تركها ، لتعود الى طباعتها .. وحين انتهت ، غادرت المكتب دون ان تودعه 0
قررت بشدة : من الان وصاعدا ، علاقتها معه ستكون عملية تماما .. واذا اخطات ثانية وظنت انها شاهدت بريق لطف او مودة فى عينيه ، يجب ان تصرف النظر عن الامر فورا .. وفى المرة القادمة التى يسالها فيها اذا كان لديها موعد ، ستقول له ان يهتم بشؤونه الخاصة .. وبطريقة لامجال للريب فيها . اما بالنسبة لمعرفته بشكل افضل .. فلن يكون هناك امل بهذا .. فهى تعرف عنه بالقدر الذى يريد ان تعرفه .. وتستطيع ان تراهن ، انه ليس شريرا او مزعجا مه جوانا بيرنجيه .. واحست بجرح كرامتها لتمكنه من ايقافها عند حدها وبقسوة .. ؟ لابد انه خفيف عذب اللسان مع جوانا بيرنجيه طوال الوقت .. حسنا يجب ان يكون هذا .. اليس كذلك ؟ فمن خلال ترنيمة الصوت بالرسالة ، واضح انها لاتعرف قواعد اللعبة فقط .. بل انها على الارجح تساعد فى اختراعها !
كان روب ماكفرسون موجود فى المكتب قبلها فى الصباح التالى .. فحياها وهى تدخل : صباح الخير لوارا 0
لا دليل على العدائية فى صوته .. ربما خرج مرة اخرى بالامس مع جوانا التى تمكنت من تلطيفه وتحلية لسانه اللاذع .. ردت ببرود : صباح الخير سيد ماكفرسون0
درعها المتكلف لم يكن ظاهرا يوما اكثر منه هذا الصباح 0
-اتركى حقيبة يدك وتعالى الى هنا 0
فعلت ماقاله ، تعلم ان اليوم سيكون متعبا كله لو انه كان مستعدا لىملاء حتى قبل ان تخلع سترتها ، مع ذلك خلعت السترة ووضعتها على ظهر مقعدها ، وكى لايمسك عليها شيئا كما فعل بالامس ، التقتت دفتر الملاحظات وقلما ، قبل الدخول الى غرفته . رفع روب نظره اليها وهى تجلس قرب طاولته .. وشاهدت عينيه تطوفان بها ، فى خطوط جسدها البارزة من تحت القميص الابيض الشفاف ، قبل ان تعودا الى وجهها .. ثم قال لها : بامكانك مناداتى روب 0
ردت ببرود : شكرا لك 0
لن تلين قيد انملة ولو انه يميل هذا الصباح نحو الودية 0
-الازلت غاضبة منى ؟
سالته بافضل ما لديها من حسن اخلاق ، وبرودة : غاضبة منك ؟ ليس لدى فكرة عما ...لم تكمل ، ومع انه وجد غضبه صعب الاحتواء ، الا انه انفجر ضاحكا ، وهدد الجو المتزن الذى كافحت للحفاظ عليه .. وادركت انه يضحك عليها ! ثم قال بعد ان هدات ضحكته : اوه لوارا .. انت لاتقدرين بثمن ! لقد عرفت انك كنت غاضبة منى ليلة امس .. حتى اننى لم اتلق منك كلمة وداع .. وجئت اليوم الى العمل مصممة على ان تكونى باردة معى .. اليس كذلك ؟
-بل جئت الى هنا لاعمل سكرتيرة لك .. وعدا عن كونك الرجل الذى اجد نفسى مضطرة للعمل له .. فانا لست مهتمة بالامور الشخصية 0
تمسكت بكل ذرة من قوة ارادتها كى لاتنهار امامه بعد ان شاهدت زاويتى فمه تلتويان مجددا وكانه يجد ان كلامها اكبر من ان يحتمل ، وسالها : الا تظنين ان عملنا سيكون اكثر تجانسا لو كنا معا اكثر .. صداقة ؟
كانت واثقة انه يسخر منها ، فلا يمكن ، فلا يمكن ان يهمه ما تكون عليه علاقتهما طالما انها تنجز له العمل . ردت بحزم : لا .. لاارى هذا 0
استرخى الى الوراء منتظرا سماع المزيد ، لكن تماسك نفسها كان قد تلقى ضربة من ضحكه عليها ، فعزمت على عدم اطالة الحديث .. وقررت ان تقول كل شئ وتنهى الامر : ظننتك كنت وديا ليلة امس . لكن ، لحظة تخليت عن حذرى ، ولاحظت اننى كنت افكر بالحرج الذى كنت ستوفره على نفسك اذا لم تخبر خالك باننى اعمل لك ، مع ان الامر لايهمنى باية طريقة ، انقضضت على بكلامك كالحجارة 0
-اذا .. لقد غضبت .. لقد جرحت مشاعرك .. الم افعل ؟
-ومنذ متى يهمك هذا ؟
-وهل جرحت مشاعرك فى مرات اخرى ؟
لم ترد لوارا .. اى رجل يقوم برمى الاتهامات كما فعل معها ، ويظن انه لم يجرح مشاعرها ، لابد ان يكون دون احساس .. وتابع روب : لقد جرحتك .. الم افعل ؟ اكان هذا حين اقترحت انك لايمكن ان تكونى مجرد صديقة لبريستونز دون ان يكون للفراش دخل فى صداقتكما ؟
-هذا لايهمنى 0
الاحساس بالتوتر اخذ يزداد وقد عاد الى بحث هذه المسالة . لن يصدق روب ابدا انها بريئة .. فما الفائدة اذا من اعادة الماضى ؟ ركزت القلم فوق الورق ، دليل سأم ، وانها ليست مستعدة لنقاش ماهو خارج العمل . وسمعته يقول : اظن الامر مهما ، فهل اسات فهم الموقف بشكل خطير لوارا ؟ هل سمحت للتعليقات الشاذة ، اضافة الى ما اعرفه عن الحياة والناس ، كى تؤثر على حكمى على امر؟أة قد تكون مختلفة ؟ ارادت ان تقول له انها لاتهتم ابدا بحكمه ، لكنها لم تفعل .. اوه .. ليس لانه روب ماكفرسون رب عملها .. بل بكل بساطة لان الامر اخذ يثير قرفها من ان يصدق احد مايصدقه هو عنها 0
قالت له بصوت هادئ ، بعيد عن الغضب : ليس لى سلطة على ما تصل اليه من استنتاجات فى تفكيرك ، ما قلته لك عن جوناس بريستونز هو صحيح ، اصدقت هذا ام لا ، فالامر عائد اليك 0
بدا على روب انه وقع فى اسر هدوئها ، فى وقت كان دفاعها سابقا يعبر عن كل الغضب .. فتابع النظر اليها لحظات ، ثم مال الى الامام ، وقبل ان يتكلم ، ولانه ربما ، كان قد المح يوم الثلاثاء الى ان الشك دخل راسه ، كانت لديها فكرة انها اخترقت راسه اخيرا .. وانه يصدقها .. وقال بابتسامة تذيب جبل جليد : الفكر المريض يفترض افتراضات مريضة .. هل ستسامحينى على تفكيرى السئ بك لوارا ؟
لماذا تحس فجاة برغبة فى البكاء ؟ انه الارتياح على ما تعتقد .. ارتياح لانه ، وكل القرائن تقف ضدها ، ومع معرفته بالحياة ، فانه يعطيها فرصة الشك ، وليس هذا فقط ، بل انه يسالها الغفران . نسيت انها غاضبة منه .. نسيت كل ما حفظته مع كل خطوة وهى تتجه الى المكتب ، عن كيفية التصرف معه فى المستقبل .. وكيف ستكون باردة الادب معه .. ما من مزيد من هذه الافكار .. وارتسمت على وجهها ابتسامة تماثل فى دفئها الابتسامة على وجهه .. ووجدت نفسها تقول : اجل ..
ثم تجمدت ابتسامتها حين تحولت عيناه الى فمها ، ثم الى شفتيها ، وتتحولت اساريره الى التجهم وكانما ابتسامتها الطبيعية له صدمته ، لكنها عادت لتظن انها توهمت ما شاهدت حين اخذت اطراف فمه تتحرك مجددا وسمعته يقول : انت كريمة اكثر مما استحق . والان دعينا نعود الى العمل 0
حين خرجت للغداء ، فكرت بالامر .. انه مضحك غريب ، كيف ان الصباح مر بسرعة بعد حديثهما هذا . حتى انها كانت تناديه روب وهذا ما لم تكن تحلم به بالامس . لكن اليوم مختلف جدا عن الامس ، ومع ان العمل كان مماثلا ، الا ان التجانس فى الجو بينهما ، ازال دون شك ، التوتر 0
كان عليه ان يخرج من المكتب بعد الظهر ، وكانت مسرورة لهذا الى ان رن جرس الهاتف وجاء صوت جوناس يقول لها انه اتصل بمكتبها القديم وقيل له ان يتصل بها هنا ... وطلب ان تخرج معه الليلة 0
لم تكن تعرف متى سيعود روب ، لكنها كرهت ان يعود وهى تتحدث مع جوناس ، وبدات تحس بالمرارة والانزعاج .. انها لم تصل بعد الى قرار حاسم حول جوناس ، لكنها تعرف ان صداقتهما مهمة بالنسبة له ، ولم تستطع التفكير بان يبقى وحيدا بائسا0
قاطع افكارهها صوت جوناس يتوسل اليها على غبر عادته : ارجوك قولى انك قادمة لوارا ..
ترددت ، ممزقة بين اخلاصها له ومتذكرة ما قاله روب : انا ...
-ساجن لو اضطررت للجلوس وحدى فى شقتى الليلة !
زال تردد لوارا .. لقد سمعت صوت جوناس وهو محبط من قبل ، لكنها لم تسمعه بمثل هذا الاحباط .. واستسلمت بالكامل ، قلبها يرق له حتى انها نسيت الفرح الذى خبرته حين شاهدته على تفاهم مع زوجته .. وقالت مع شئ من المرح فى صوتها : حسنا جدا .. سنذهب الى مكان مثير بجنون .. هل نفعل ؟
سمعت الارتياح فى صوته ، ثم شاهدت مقبض الباب يتحرك .. فاحست باللون الاحمر يضغط على وجنتيها ، ولم تعرف لماذا احست بعقدة الذنب هكذا 0شاهدت الباب ينفتح قليلا ، وسمعت صوت روب ، فى الوقت نفسه الذى كانت تاخذ فيه علما بالوقت الذى سيزورها فيه جوناس ليخرجها الى السهرة ، ثم قالت وداعا واعادت السماعة مكانها ، لتلاحظ ان روب مشغول مع شخص فى الممر ، وانهما يتحدثان فى الخارج 0
منتديات ليلاس
حين دخل روب ، كان لونها قد عاد الى طبيعته ، ومشغولة بالطباعة فسالها برضى ولطف وهو يقف قرب طاولتها : هل هناك رسائل ؟
ردت عليه ، لاتريد ان تقول ان جوانا بيرنجيه قد اتصلت ثانية اليوم : لم اكن اعرف موعد رجوعك ، فحولت كل المكالمات الى التسجيل 0
كانت لوارا تسرع فى تغيير ملابسها استعدادا للخروج .. لقد قال جوناس انه سيحضر فى الثامنة .. واملت ان يكون فى مزاج يسمح لها بان تتكلم معه .. فما قاله روب عن ايلين كان يقلقها 0
حين رن جرس الشقة الخارجى فى السابعة ، كانت لاتزال فى بذلة العمل ، ونزلت السلم لترد .. وحين فتحت صاحت ، وقلبها يخفق حزنا لرؤية جوناس وكانه لم ينم منذ راته اخر مرة 0
-جوناس !
لكن لو انه لم ينم بسبب ايلين ، فمن الافضل ان لاتشير الى التعب البادى عليه وفى عينيه .. فقالت بحبور ، وهى تتراجع لتسمح له بالدخول ثم تقفل الباب : لم اتوقعك قبل الثامنة 0
-قلت لك اننى ساحضر فى السابعة 0
-اوه .. صحيح .. ؟ انها غلطتى اذا ، حسنا .. لاباس .. لن اطيل الوقت لاستعد .. ادخل واقرا الصحيفة وانت تنتظر 0
مع انها ، ومن وجهة نظرها ، ترى ان من الافضل له لو يغمض عينيه قليلا ، وياخذ قيلولة وهو ينتظر .. وسالها : كم ستاخذين من وقت لتستعدى ؟
-نصف ساعة على الاكثر 0
-هل تمانعين لو جلبت حقيبة اوراقى وقمت ببعض العمل ؟ فانا لم اتمكن الى الان من اكمال كل الاعمال المتوقفة منذ سفرى الى اوروبا 0
-ساصنع لك اذا فنجان قهوة ، تشربه وانت تعمل 0
وانتظرت امام الباب الى ان عاد بحقيبة اوراقه 0
*****

هل تجرؤين للكاتبة جيسيكا ستيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن