أصبح محمد يتجنب شهد بشدة بعد هذا اليوم وكان يتعمد ألا يجتمع أي منهم في أي حال من الأحوال حتي أنه نقل بعض من ملابسة في غرفة نومه القديمة وأصبح يدعو جمال كل يوم علي العشاء لأن شهد تترك المجلس حالما يأتي، وهكذا سوف يتجنب شك والده بعدم اجتماعه بشهد ولكن والده كان يعلم بكل محاولاته ومنذ اليوم الأول.

_ كانت تجلس متهجمه علي الأريكة الي جواره فهمس لها السيد حاتم برقة:_ شهد بدلي ثيابك أريدك بموضوع.
هزت رأسها وتحركت وإن كانت حركاتها تعبه مثلها، نزل الأثنان سويا وكانت صامته وهادئة علي غير العادة، أخذها الي مطعم هادئ وطلب لها مثلجات ثم ربت علي كفها كي تنتبه له:_ ألم أخبرك من قبل كيف تقابلت أنا ووالده محمد؟.
هزت رأسها نافية ونظرت الي يده كان يرتدي خاتم الزواج وينظر له بحب فركه قليلا ثم بدأ الحديث:_ أنا بالأصل يتيم الأب والأم توفي أبي قبل أن أولد ووالدتي لحقت به بعد ثلاث سنوات ولي أخ يكبرني ب أربعة أعوام، محمود عم محمد لقد رأيته بالفرح.
هزت شهد رأسها وبدي عليها الحزن واردف هو:_ رُبيت أنا وأخي هكذا نتنقل من منزل لأخر لعائلة والدينا لم أكن جيد بالدراسة لذلك أخذني عمي للعمل بورشة من الورش أما عن أخي فكان مجتهد أكمل دراسته وأصبح مدرس، أعجبت بالعمل في الورشة كان كل شيء جديد علي ولكنني كنت أحب التعلم، كانت التحف وزينه المنازل تصنع بحب واهتمام كبير ولا يشتريها أي كان، أما الأن فكل شيء يتم استيراده من الصين تلك الأشياء الخالية من أي ذوق أو لون من ألوان الحياة ولكنها رخيصة وأنيقة وهذا ما يهم الناس الآن، كبرت و أصبحت بالثالثة والعشرين كنت ذاهب بمشوار لصاحب الورشة وعندها قابلت أجمل فتاة رأيتها علي وجه الأرض.
اسندت شهد ذقنها الي معصمها وتنهدت بشدة وهي تستمع الي قصة السيد حاتم التي تبدو مشوقة للغاية:_ والده محمد.
هز رأسه بحب:_ رحمه الله عليها، بالكاد استطعت الإشاحة ببصري عنها لديها وجه أبيض كالقمر وشعر أسود حريري لما أري بطوله قط.
:_ وكيف رأيت شعرها؟!.
ضحك بتعب:_ معظم الفتيات في ذلك الوقت لم يكن يرتدين الحجاب، توقف الزمن في تلك اللحظة وتبعتها الي منزلها وكلما أنهيت عملي بالورشة ذهبت لأسير أسفل منزلها علها تنزل أو حتي أراها من النافذة، كان قلبي يتراقص بحده بين ضلوعي إذا ما لمحتها حتي.
أردت التقدم وطلب يدها ولكن بالسؤال عن منزلها وعائلتها علمت أنه من المستحيل أن يقبلوا بي فأنا لا عائلة لدي وظروفي المالية صعبة ولكنني لم أستطع منع نفسي من الذهاب كي ألمحها من خلف النافذة أو إتباعها الي أي مشوار.
تنهدت شهد بشدة:_ يا اللهي لم أتخيلك رومانسي الي هذا الحد يا عمي لما لم يأخذ محمد منك شيء؟!!.
ضحك السيد حاتم وأردف:_ وفي يوم أثناء ما كانت خارجة لشراء ملابس تعرض لها شاب وضايقها بشدة هجمت عليه ولقنته درس قاسي وأعدت لها حقيبتها التي أسقطتها من فرط رعبها كانت تبكي بشدة وكنت خائف عليها كثيرا أخبرتها بألا تقلق أبدا وبأنني سوف أوصلها الي المنزل كي لا يضايقها أحد ما، شكرتني ورفضت بالطبع ولكني أخبرتها بأنني سوف أسير خلفها ولن أسبب لها أي مشاكل، عادت الي المنزل وأنا خلفها من بعيد كي لا يراها أحد من عائلتها ويسبب لها مشكلة وعندما همت بالصعود الي منزلها التفتت لي وكأنها تشكرني بعينها وصعدت وأخذت قلبي معها.
:_ " هيييييييييح " أكمل يا عمي رجاء كيف تقدمت لها؟.
:_ انتبهت علي أخيرا وباتت تراني كثيرا وأنا أتبعها الي أي مكان تذهب اليه وتجرأت في يوم وتحدثت اليها أخبرتها بأنني أنوي التقدم لها فاحمرت وجنتيها بشدة وبالفعل ذهبت في اليوم التالي للتقدم ولكن أخيها الكبير رفض وعاملني باحتقار شديد.
دمعت عيون شهد وصرخت بفزع:_ لمـــــــــا؟!!.
نظر الجميع الي طاولتهم وارتبك السيد حاتم:_ أهدئي شهد رجاء.
بكت بحده وهي تتحدث ببلاهة من بين بكاؤها:_ لما يحدث هذا دائما؟، لما لا يوجد حب في هذه الحياة البائسة، أه يا اللهي لما الطيبون مظلمون هكذا؟!.
أخذت تنوح مع نفسها قليلا ثم توسلت السيد حاتم ليكمل:_ أكمل رجاء.
:_ حزنت كثيرا لأنه عاملني بمثل هذا السوء وأنا كنت أحاول بكل مقدوري أن أعمل جاهدا كي أفي بطلباتها ولكنه أخبرني بأني بلا عائلة ولن أستحقها ولو بعد مائة عام وخرجنا من عنده أنا وأخي منكسي الرؤوس، وقتها حسني أخي علي نسيان الأمر تماما فعائلة الفتاة غنية ومعروفة ونحن بالنسبة لها لا شيء وحاولت كثيرا أن أنساها ولكن لم أستطع، رأيتها بعد مده بالطريق وتوقفت لمشاهدتها وكأنها شعرت بي التفتت علي الفور وبدت حزينة للغاية توجهت ناحيتها واعتذرت مني كثيرا علي ما بدر من أخيها، وأنها لا تحدثه منذ هذا اليوم ولن تستسلم له أبدا.
دق قلبي من جديد ووعدتها بأن أذهب للتقدم مرة أخري بعد مده وعملت كثيرا في هذا الوقت بكل طاقتي كي أحسن من دخلي وبعد كل يوم من العمل الشاق كنت أذهب أسفل منزلها وأراها من خلف نافذتها، لم تكن تنظر لي سوي دقيقة واحده ولكن تلك الدقيقة كانت تمحي تعب يوم كامل وتمدني بالطاقة لليوم الذي يليه، مرت سته أشهر وأنا علي هذه الحال وذهبت لطلب يدها مرة أخري ولكن أخي رفض أن يأتي معي لأنهم سوف يرفضوني وقد كان محق رفضوني وأصر أخيها علي فعل ذلك بطريقة مهينة وخرجت من المنزل وأنا مكسور الخاطر ونحيبها وبكاؤها يمزق في قلبي.
ولكن تلك المرة اتهمني أخيها بأنني لص ووصولي وأرغب في سرقة ميراثها وأنها سوف تتزوج بن عمها علي أي حال، وضغطوا عليها كثيرا كي توافق علي بن عمها ولكنها رفضت بشدة فأرسل بن عمها رجال تكاتلوا علي وضربوني بشدة وتركوني غارق في دمي علي الطريق وجدني بعض المارة واخذوني الي المشفى وعندما استعدت وعي كانت تزوجت من ذلك الوغد بعد أن هددوها بقتلي إن لم توافق.
شهقت بحده والتفت الجميع مرة أخري الي طاولتهم العجيبة تلك!:_ أه يا اللهي كم هذا قاسي وصعب لقد نزعت الرحمة من قلوبهم لما العالم قاسي هكذا عمي؟.
خجل كثيرا من نظرات الناس لها وحاول اسكاتها:_ أهدئي شهد.
فصرخت بصوت أعلي وهي تبكي:_ لمـــــــــــــــا؟!!.
حاول كتم فمها كي لا يفضح ولكن بكاؤها كان عالي للغاية، وندم علي اصطحابه لها لهذا المطعم لقد فضحوا تقريبا، أتي النادل وعلي وجهه علامات الانزعاج:_ هل أنتِ بخير أنسه هل يضايقك أحد؟ ونظر شزرا الي الرجل الكبير قبالتها.
مخضت أنفها ببلاهة ونظرت له وهي تبكي بشدة:_ لقد ضربوه وتركوه ملقي علي الطريق.. هل تتصور الموقف؟ .. منزوعي الرحمة هؤلاء اقسم لو رأيتهم لشوهت وجوههم.
ثم زمجرت بالنادل:_ هل تفهم هذا؟!.
رجع النادل الي الخلف وهو مرعوب من تلك البلهاء وتركهم وذهب، وفجأة توقفت هي عن البكاء والعويل :_ مهلا لحظة ولكنك تزوجتها!، ما الذي حدث بعد ذلك؟!.
:_ لقد فضحنا شهد أهدئي رجاء!.
مسحت دموعها ووعدته بعدم البكاء مرة أخري.
:_ لقد كان بن عمها وغد حقيقي يضربها ويعذبها وأخذ كل ميراثها.
انقلبت شفتي شهد وهزت رأسها غير مصدقة والدموع تنهمر من عينيها كالشلالات:_ ذلك الوغد الحقير سوف أقتله بيدي.
:_ وبعد عامان طلقها لأنها لا تنجب، لم أكن أعلم أنا كل هذا فقد سافرت الي القاهرة بعد زواجها للعمل هناك وتعلمت الكثير من الأشياء وعدت بعد عام وفتحت محل صغير خاص بي بما أن النقود التي كنت أوفرها للزيجة لم أنفق منها أي شيء.
سألت بلهفة شديدة:_ وكيف علمت أنت إذا؟!.
كانت هي تتبع أخباري وعلمت بأنني فتحت متجر خاص بي وكلما حانت لها الفرصة تمر من أمامه وأنا الأخر كنت أشعر بأن المرأة التي ترتدي الأسود وتمر من أمام واجهتي كل يوم بها شيء ما، انتبهت في يوم ما جيدا الي موعد قدومها وخرجت مسرعا الي الواجهة وعلمت أنها هي ولكنها كانت شبح لما كانت علية في يوم من الأيام توقف بنا الزمن لحظة ثم فرت هي من أمامي.
لم أستطع إزاحة صورتها من عقلي مطلقا وكيف تبدل الحال بها هكذا؟ وسألت أحد المقربين علي حالها وأخبرني بكل شيء، لم أعرف شعوري وقتها لم أستطع تحديده غضب من ذلك الحقير وحزن علي حالها وظللت أفكر عده أيام وكل ما استطعت التوصل له هو أنه لا يمكنني تركها أبدا.
وأوصلت رساله الي أخيها الكبير بأني أنوي التقدم لخطبتها.
ضحك السيد حاتم بتعب:_ بالطبع وافق ورحب هذه المرة ولكن بعد ماذا؟ بعد أن دَمر كل منا، رفضت كل عروضه وسخائه الذي كان يريد أن يغمرني به وتزوجنا بزفاف صغير ولم أصدق نفسي يا شهد كانت أسعد أيام حياتي كلها لقد عوضتني حنيه أمي التي حرمت منها وألام اليتم والحرمان والتنقل وعدم الاستقرار الذي عشته طيلة حياتي كلها وكان دخولها الي حياتي سبب في فرحي وزاد رزقي هو الأخر كثيرا وأصبح لدي متجر كبير وورشة خاصة بي وبعد ثلاث سنوات رزقنا بمحمد.
صفقت شهد بمرح كبير وهي تبكي بشدة وإنما من الفرح ونظر الموجودين الي تلك الخرقاء بنفاذ صبر فهي مجنونه للغاية!،هز السيد حاتم رأسه منها فهي لا تستطيع إخفاء مشاعرها مطلقا.
:_ وبعد أربعة سنوات أخري رزقنا بمريم.
بحلقت:_ هل كان لمحمد أخت؟!.
:_ أجل مريم صغيرتي التي ورثت جمال والدتها وسرقت قلبي هي الأخرى.
:_ ولكن أين هي ولما لم أسمع عنها من قبل؟!.
اغرورقت عيون السيد حاتم بشدة وأخرج صورة من محفظته قديمة للغاية لأربعتهم زوجته وابنته ومحمد وهو، شهقت شهد وبكت مرة أخري الفتاة ووالدتها رائعي الجمال يسحرون الألباب.
:_ ما الذي حدث لهم عمي؟.
:_ في يوم كنا بزيارة لبورسعيد كي يمرح الأولاد في البحر قليلا وأتي لهم ببعض الملابس وخرجنا من هناك حوالي الثانية عشرة صباحا كانت هند زوجتي الي جواري ومريم نائمة علي قدم محمد كانوا متعلقين ببعض كثيرا، ومحمد كان يعتني بها ولا يجعل أي أحد يضايقها أبدا وبعد ساعة من القيادة انقلبت السيارة الخاصة بنا عده مرات.
صرخت شهد بشدة:_ يا اللهي الرحيم!.
زفر كل من بالمطعم الهواء بحنق لتلك الفتاة البلهاء، وأردف السيد حاتم:_ استيقظت علي صوت صفير حاد يصم أذني وبعض المارة والسائقين يخرجوننا من السيارة ويجرون زوجتي وأولادي بعيد عنها، كانت حالتها سيئة بشدة الزجاج الأمامي تهشم وأذاها كثيرا والدماء تقطر من كل جانب منها ومريم هي الأخرى حالتها كانت مريعة نقلونا الي المشفى وتوفيت زوجتي بعد أن وصلنا بعده ساعات.
بكي السيد حاتم وصرخت شهد بحده:_ لاااااااااااااااا.
التقط أنفاسه:_ ومريم توفيت باليوم الذي يليه وأصيب محمد بخدوش بليغة وكسر ذراعة وقدمة وأنا الآخر مجرد كسور، كنت تائهة وكأنني طفل صغير في الخامسة يدوق طعم مرارة اليتم للمرة الثالثة في حياته، كنت مشوش كثيرا ولا أعلم ما العمل؟، ومرض محمد بشدة وفقد سمعه.
شهقت بحده:_ يا اللهي!.
:_ اصيب بالتهاب السحايا ولم يعالج جيدا من الحمي وأثرت علي سمعه وعندما انتبهت الي ما أصابه كان الوقت قد فات.
بكي السيد حاتم وغطي ووجهه وقال بصوت خفيض:_ لو كنت انتبهت عليه وعلمت ما هي علته لكان بخير الآن لا يمر يوم إلا ولومت نفسي فيه يا شهد ولكنني كنت ضائع وقتها بشدة ومشتت ومفطور القلب لولا محمد لما بقيت علي قيد الحياة، من أجله هو فقط قاومت وكنت له الأم والأب وكل شيء ولكن بعد فوات الأوان.
انهارت شهد من البكاء وامتلأت طاولتها بالمناديل المبعثرة في كل مكان واسندت رأسها الي ذراعها وأخذت تضرب الطاولة بقبضتها الأخرى ... .
وانزعج كل من بالمطعم.
بعد ربع ساعة كانوا بسيارة السيد حاتم وشهد تبكي وتمخض أنفاها بشدة وتنوح بصوت عالي وأخرق للغاية:_ كل تلك الأشياء يا عمي التي مررت بها أنها صعبه للغاية لا يحتملها بشر، ألم تفكر بالزواج بعدها عمي مطلقا؟!.
هز رأسه ينفي:_ مستحيل لا توجد امرأه بالعالم كله من الممكن أن تحل محلها بقلبي ولم أشأ أن أضايق محمد بزوجة أب رغم أن الجميع ألح علي الزواج من أجله كي يجد من يرعاه ويهتم بشؤنه ولكنني رفضت كل هذا واهتممت به وحدي وتعلمت كل شيء من أجله.
مسحت دموعها وتكلمت بصعوبة من بين شهقاتها:_ لم يعد هناك ما يسمي بالحب الآن لما كل شيء سخيف وبلا طعم في هذا العالم؟، لم يعد هناك أناس يحبون ويتمسكون بحبهم هكذا!.
:_ بلي هناك شهد، هناك في كل زمان وكل مكان ولكن هؤلاء الناس لا يهتمون بالتباهي بحبهم أمام الناس وعلي صفحات التواصل لأن الحب النقي الحقيقي لا يحتاج الي إظهار أو توضيح ويكتفي كل من الطرفين بالاهتمام ببعضهم البعض متجاهلين أراء الناس وظنونهم.
هزت رأسها وبدت وكأنها في عالم أخر تماما، وتنحنح السيد حاتم:_ شهد أعلم أن الأمور بينك وبين محمد ليست علي ما يرام ولكن صدقا يا شهد محمد لم يكن هكذا أبدا ولكنه تعرض الي كثير من الأشياء السيئة في حياته وأصبح من الصعب عليه أن يثق بالناس ويفضل اجتنابهم كي لا يتعرض للألم ولكن هذا ليس بإرادته فهو قد لاقي الكثير من الأشياء السيئة في حياته.
هزت رأسها وقد فهمت ما يحاول السيد حاتم إخبارها به، ومسحت دموعها ثم زمجرت:_ ذلك الرجل صاحب المطعم شديد الوقاحة كيف له أن يطردنا هكذا لن أذهب الي هناك مرة أخري أبدا؟!.
وحدث السيد حاتم نفسه "يا اللهي وهل كنت تنوين الذهاب؟!!".
لم يستطع محمد فهم بكاء شهد واحتضانها لوالده كل فترة ولما الاثنان يتهامسون سويا طوال الوقت منذ أن أخذها لتناول الطعام خارجا، التهي بكتبة ومكتبته وقرر إزاحتها من باله ولكن الأمر كان سيء للغاية فحالته النفسية سيئة منذ مده لا يشعر بتحسن من العمليات التي يجريها علي شبكية عينه فالسكري ينهش فيها دون شفقة ويؤثر علي نظرة بشكل كبير ومخيف ولأن عالمه كله يدور حول القراءة ولأن عينه نافذته علي العالم قرر أن يأتي ب آلة بيركينز كي يتدرب علي الكتابة بطريقة بريل، كان عملي للغاية ويقاوم الي أخر نفس في حياته إذا ما فقد بصرة سوف يتعلم العيش دونه حتي، أنه قوي ويستطيع فعل هذا دون شك.
آبله يريد الهاء نفسه بأي شيء فتلك الخطوة لازال هناك لها وقت ولكنه يريد الهاء نفسه عن التفكير بشهد.
المشكلة أن الآلة تصدر ضجيج مزعج للغاية أثناء الكتابة عليها وبالطبع شهد وبطبيعتها الفضولية تسللت الي المكتب والتقطت صوره لها وبحثت عنها في الشبكة العنكبوتية وغاص قلبها بصدرها عندما علمت أنت تلك الآلة للكتابة بطريقة برايل كي يتمكن المكفوفين من القراءة والكتابة.
احتارت في أمرها كثيرا وأخذت تبحث في المكتبة عن أي دليل ووجدت رف كامل من الكتب المطبوعة بطريقة برايل لمست الحروف البارزة بوجوم وغاص قلبها بصدرها، ولم تحتمل ورغم أنها تعهدت بأنها لن تحدثه مرة أخري إلا أنها أرسلت له رساله اليكترونية " ما الذي تفعله بتلك الآلة ".
تعجب كثيرا حينما رأي الرسالة منها ظن أنها حانقة عليه لم يعلم بما يجيبها ولكنه وجد نفسه يطبع الحقيقة علي هاتفة " تحسبا للظروف ".
غاص قلبها بصدرها أكثر وأكثر وشغلت تلك الرسالة عقل محمد الذي يحاول إزاحة شهد من رأسه ولكنه لم يفلح، أصابه الوجوم والحزن بشده ولم يعد يعلم السيد حاتم أي شيء وبدأ يشعر بالندم لأنه ضغط علي محمد للزواج من شهد، خرج السيد حاتم من المحل وهو واجم بشدة أما محمد فحالما خرج والده من المحل ذهب علي الفور الي مكتب والده وأخرج كل الرسائل التي تصل لهم من البنك لحسابهم البنكي ودفاتر والده وحساباته الموجودة علي الحاسوب وبعد ثلاث ساعات متواصلة من البحث المستمر والتفحص في الوارد والصادر من بضاعة ودخل ومقارناتهم بالحساب البنكي الحالي وحتي المال الموجود بخزنه المنزل وجد أن هناك نقص لمبلغ وقدرة ستمائة الف جنيه اغمض عينه غير مصدق أبدا ما فعله والده في حسابات المحل كي ينفذ ما برأسه لقد كان والد شهد مدين بمبلغ يصل الي مئتان الف جنيه هل أعطي والده مئتان الف جنية أخرين الي والد شهد كي يوافقوا علي هذه الزيجة؟!.
امسك محمد برأسه وأصابه الهم والحزن كما لم يصيبه من قبل كيف يظن والده الذي عشق والدته أن الحب والاهتمام من الممكن أن يشتروا بالمال؟ هل لهذا كان واثق تمام الثقة بشهد ومن موافقتها؟ هل لهذا بينهم تقارب كبير؟، ضغط علي رأسه التي تكاد تنفجر منه وحدثته نفسه بشيء واحد بمنتهي الحزن " سامحك الله يا أبي ".... .
عاد محمد بوجه لا يفسر الي المنزل واستقبلتهم شهد كعادتها وغاص قلبها بصدرها أكثر وأكثر لوجوم محمد الشديد الذي أصابه وقررت التحدث مع السيد حاتم، دلف محمد دون أن يتناول أي شيء الي غرفته الصغرى مباشرة ولم يتناول السيد حاتم أو شهد شيء يذكر وتحدثت شهد أخيرا:_ عمي هل محمد بخير؟.
:_ أجل شهد لقد واجهنا بضع مشكلات بالعمل ولكن لا تقلقي سوف يحل كل شيء بالغد.
وذهب الي غرفته وهو ينظر بآسي الي غرفه محمد الصغرى ومن ثم دلف الي غرفته وأغلق الباب عليه جيدا تاركا شهد غارقة في حزنها خارجا، رفعت الأطباق وأخذت تعبث بالتلفاز وتجيء وذهب أمام غرفة محمد وتتنصت علها تسمع له أي شيء ولكنها لم تخرج بأي نتيجة من تلصصها عليه، ذهبت الي الثلاجة وراقبت الحقنة خاصته وعلمت بأنه لم يأخذ جرعة الأنسولين خاصته اليوم أيضا فهي تراقبه منذ مده لم تعد تراه يأخذها مطلقا منذ ما حدث بينهم بالمكتب.
طفح كيل قلقها بها وحضرت شطيرة وأخذت الحقنه وعصير بارد سوف ترغمه علي تناول طعامه وأخذ دوائه!، طرقت الباب وانتظرت قليلا ولا شيء.. طرقته مرة أخري ولم يجيب .. وبعد الطرقة الخامسة عضت علي شفتيها لشده غبائها وحماقتها أنه لا يسمع لن يفتح حتي ولو بعد الطرقة العاشرة بعد المائة!.
تشجعت وفتحت الباب ودلفت بهدوء شديد لم تجده علي السرير أو المكتب بحثت بعينها أكثر لتجده ملقي علي الأرض فاقد للوعي!، وضعت الصينية من يدها سريعا وهرعت عليه أخذت تصرخ به ولكنه كان فاقد للوعي تماما هرعت الي الكمود خاصته كي تجلب جهاز قياس السكري و أجرت اختبار سريع له ووجدت السكري خاصة منخفض للغاية تغالبت علي خوفها وضربته بقلم الانسولين وحملت رأسه علي صدرها وأخذت تحسه علي الاستيقاظ، بدأ يستعيد وعيه بالفعل وأخذت هي تمسح العرق الذي ينساب من جبينة بيدها، كانت سعيدة للغاية لأنه استعاد وعيه واسندت رأسها علي جبينه وهي سعيدة للغاية وتضحك من كل قلبها رغم أن دموع قلقها ورعبها لازالت تنساب علي كل من وجنتيها.
حاولت ايقافه وأجلسته علي حافه السرير بأعجوبة أزاحت الغطاء بيدها ولكنه امسك بمعصمها فجأة في حركه عنيفة منه رغم وهنه وتمتم بغيظ شديد وبصوت متقطع:_ لا أريدك.. وف فري شفقـتك لا أ أحتاجها!.
تراجعت شهد الي الوراء لا تصدق ما يفعله معها مطلقا، أما هو فأشاح بنظره الي الناحية الأخرى يخفي دموع قهرة وقله حيلته وضعفه الذي يظهر كل يوم عن سابقة أمامها، كتمت أنفاسها بشده كي لا تبكي بصوت عال وبقبضة مرتعشة أخذت تطرق علي باب السيد حاتم حتي فتح لها وتمتمت بصعوبة من خلف دموعها:_ لقد فقد محمد وعيه بسبب السكري لقد كان منخفض للغاية وصل الي العشرين ويرفض تناول طعامه أو أخذ دوائه.
هرع السيد حاتم الي ابنه وهي دلفت الي غرفتها تبكي بشدة وسقطت أرضا خلف الباب تبكي بحرقة علي كرهة ورفضه لها، أما عن السيد حاتم حالما دلف لم يحتمل محمد محاولاته كي يطعمه كي لا يؤذيه الانسولين.
أخذ السيد حاتم يعنفه من ذراعيه ويشير له بغضب:_ لما تفعل هذا بنفسك؟ لما تفعل بي وبزوجتك ما تفعله؟ لما؟!!.
غضب محمد بشده ولم يشعر بنفسه وهو يصرخ ويشير بغضب لوالده:_ أ أنت الســــبب بكل .. هذا أ أنت مـــن حط ط من قدري وجعلنـــي أضحو وكــه.
وأخذ يضرب بيده كل شيء يقابله وأسقط كتبه ودمر مكتبه وسط هلع السيد حاتم مما يفعله أبنه فهو هادئ للغاية في العادة، كان محمد يفعل هذا بصعوبة شديدة فصحته واهنه للغاية ولكن الغضب وإحساسه بالمهانة والضعف كان يعميه بشدة جلس يلهث بتعب علي الأرض بعد أن دمر كل شيء والسيد حاتم يراقبه والدموع تسقط علي وجنتيه دون هوادة، وعندما هدأ محمد قليلا ذهب له بالطعام نظر له محمد وتساقطت دموعه هو الآخر كيف سمح لغضبه بأن يذهب به بعيدا هكذا أمام والده ألا يعلم أنه يؤذيه بشده هكذا؟!.
أمسك بالشطيرة وكان يحشر الطعام الذي لا يريد أن يمضغ بفمه كي يتمكن من أخذ الجرعة ويشيح بوجهه بعيدا عن والده، شرب العصير وأخذ الحقنه وجلس والده بصمت شديد الي جواره وبعد ساعه قام بقياس السكري مرة أخري وهدأ قلب السيد حاتم عن الخفقان برعب عندما ارتفعت نتيجة اختبار السكري وأطمأن الي أن هناك تحسن بحاله أبنه.
أصبح الوضع قاتم بالمنزل كثيرا خاصة في اليوم التالي علي كل من الثلاثة وعندما أتي جمال صباحا التهم كل ما علي الطاولة ولم يتحرك أحد، ولم تعنفه شهد أو تصرخ به كعادتها والسيد حاتم كان يشرب القهوة بوجوم كبير ومحمد يحشر قطعه خبز بفمه رغم عنه كي يتناول الدواء ولا يصاب بإغمائه مثل ما حدث معه البارحة لن يسمح لنفسه بالظهور بمظهر الضعيف هكذا مرة أخري أمامها.
لم يرتاح جمال مطلقا الي الصمت الرهيب الحاصل بالمكان خصوصا من شهد شعر بالرعب حتي أن الطعام توقف بحلقة، وطلب من شهد بحذر المزيد من العصير وأتت له بالعصير دون أن تسيء له مثل عادتها.
قلب شفتيه وترك الطعام:_ لم يعد أحد يطيقني حتي أنتم حتي أنتِ يا شهد، وأنا الذي اعتبرتك أختي؟!.
صرخت بوجهه:_ أخبرتك بدل المرة مليون مرة بأنني لم ولن أكون أخت لك في أي يوم من الأيام أيها الأبله!، وضربت قطع الخبز بطبقها وتركت الطاولة.
فتنفس جمال بأريحية كبيرة وتناول طعامه وقال بمرح للسيد حاتم:_ حمدا لله لقد ظننت أن هناك خطب ما بها.
نزل جمال مع محمد كي يذهبوا الي المحل سويا فجمال لا يفتح الاستديو خاصته باكرا ومحمد يحتاج له، ولحق بهم السيد حاتم وهو ينظر بحزن الي شهد التي تبكي بآسي يعلم بأنه ظلمها كثيرا مع ابنه ولكنه لم يتوقع حدوث أي من هذا أبدا، كل ما أراده هو استقرار وسعادة ابنه ولا شيء أخر.
مر اليوم ثقيل علي السيد حاتم وابنه محمد كل منهم يتحاشى النظر في وجه الأخر، السيد حاتم يشعر بالندم ومحمد هو الآخر لأنه فعل ما فعله أمام والده البارحة وبات ليلته حزين ونادم ومفطور القلب، حزين لضعفة ووهن جسده خصوصا أمام شهد، ونادم لما فعله مع والده كان من الممكن أن تسوء حاله والده علي الفور فالغضب والحزن غير مناسبين تماما لمرضة، ومفطور القلب لأنه تمني وبشدة أن يكون قلق شهد عليه البارحة من قلبها حقا وليس شفقة أو بدافع الواجب ورد الجميل.
وفي نهاية يومهم الشاق هذا أمسك السيد حاتم بذراع محمد الذي يحمل عده صناديق كي يضعها بالمستودع الخلفي للمحل وجرة كي يجلس أمامه ثم تلفت بنظرة وتأكد أن المحل هادئ ولا أحد معهم وأشار له بحزن:_ أسف علي كل شيء محمد لقد ظننت أنني أعثر لك علي السعادة تمنيت أن تكون سعيد في حياتك مثلما كنت أنا سعيد مع والدتك، ولكن ما حدث قد حدث وصدقني يا محمد شهد لا ذنب لها علي الإطلاق لقد أصبحت علي اسمك الآن وأنت المسؤول عنها وعن رعايتها وعن شؤنها.
ونظر أرضا وأشار بآسي شديد:_ هي من انقذتك البارحة لولاها لا أعلم ما الذي يمكن أن يكون قد حدث لك، لا تستحق منك أبدا تلك المعاملة بني.
فكر محمد كثيرا في كلام والده عن شهد لا ينكر إنه يفكر كثيرا منذ اليوم الذي قصت فيه شهد ما يحدث معها، ولا يعلم هل تعتبر زواجهم من ضمن سلسله احداثها السيئة أم لا ولكنه قرر التحدث معها فبعد أن هدأت أعصابه عاد تفكيره له مرة أخري، وحينما دلف الي المنزل تحمم وبدل ملابسه وأدي صلاته ودلف الي مكتبه وأرسل لها رسالة " شهد أريدك قليلا بالمكتب من فضلك ".
ارتبكت وأرجعت خصلات شعرها البني الخفيف خلف أذنها وذهبت له بهدوء شديد وجلست أمامه وهي مخفضة الرأس فاضطر الي التحدث:_ أ أســف.
نظرت له ولم تعلم بما تجيبه فهو خذلها بالكثير من الأشياء وهي لم تعلم علام يتأسف هو بالضبط!،هزت رأسها بهدوء ونظرت أرضا مرة أخري والتف هو من حول مكتبه وجلس أمامها وأشار بيده أمام وجهها كي ترفع رأسها له وأشار لها:_ شكرا علي إنقاذك لي.
فهزت كتفيها بأنه لا شيء وتمتمت:_ كنت لتفعل نفس الشيء لي.
تأملها ثم فرك وجهه وارتدي نظارته مرة أخري وأشار لها:_ شهد لا يوجد بك أي خطب ولا شيء من حديثك عن النحس أو الحظ السيء كل هذا مجرد وهم.
وقفت بغضب لا ينقصها حقا أن يكذبها الآن هي بالأساس لم تعد تنتظر المساعدة منه لقد تأقلمت وانتهي الأمر.
فهم محمد غضب عينها وأجلسها سريعا ولكن شهد سحبت يدها من كفه لا تريده أن يلمسها مرة أخري مطلقا يكفي ما حدث من قبل لازال يؤلمها ذلك الي الآن.
أعتذر منها بيده وأخرج ورقة من علي المكتب وأشار لها:_ هل سمعتي عن عباده حسن الظن بالله شهد.
بدأت تنتبه له لقد سمعت أشياء عن هذا ولكنها غير واثقة تماما، لاحظ حيرتها وأشار لها وهو يبتسم :_ أنها عباده قلبيه شهد. ووضع كفه علي قلبه ثم ناولها الورقة كي تقرأ الأحاديث النبوية ومن ثم يفسر لها.
امسكت شهد بالورقة وبدأت بالقراءة :
1/ حسن الظن من حسن العبادة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن حسن الظن بالله تعالى من حسن العبادة» رواه أبو داود والترمذي.

ليس زوجي المعاق !! الجزء الأول.. للكاتبه المميزة هالة الشاعرWhere stories live. Discover now