الفصل الخامس و الثلاثون

21.1K 328 32
                                    

الفصل الخامس والثلاثون

وقف حسن صامتاً يتأمل المفتاح اللامع بين أنامله, ذلك المفتاح الذي دفعه شقيقه بين يديه رغماً عنه منذ سنوات وهو يخبره بمؤازرة:

 "يمكن أنت مش متخيل أنك قادر تستخدمه دلوقتِ, لكن هيجي اليوم وتقدر"..

وها قد صدقت رؤية مازن وأتى ذلك اليوم الذي تنبأ به.. وها هو حسن يتحرك بتثاقل, بل يجر قدميه جراً ليواجه البوابة المعدنية القديمة, يرمقها بخشية وألم محاولاً استجماع كل ما يمتلكه من إرادة ليحرك يده الممسكة بالمفتاح ويقوم بخطوة طال انتظارها.. خطوة لم يتخيل نفسه يوماً قادراً عليها, ولكنه سيفعلها.. من أجلها.. من أجلهما معاً.. مَن سكنتا قلبه و.. ابتسم بحنين مصححاً.. بل سكنته إحداهما برقة النسيم والأخرى أقتحمته كإعصار أنثوي طارداً مُر الآلام وغصة الأحزان.. موقظاً قلب غاب في سبات إرادي لسنوات طوال...

زفر بألم حتى ظن أن أنفاسه ستشق صدره شقاً وهو يواجه اللوحة الرخامية التي نقش عليها اسم منى تعلوها تلك الآية الكريمة التي خطفت بصره وكأنه يتعلمها للمرة الأولى..

"يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي"..

الألم والخشية مع إحساس لا إرادي بالرفض كان ما يشعر به كلما حاول الترحم على منى.. وحتى الآن مازال الألم موجوداً يشعر به في أعماقه.. ولكن تبدلت الخشية والرفض إلى إحساس آخر.. إحساس غير قابل للوصف..

وجد لسانه يعبر عنه بلا إرادة وهو يردد بلا انقطاع..

"اللهم اجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها"..

وكأنه يرجع للحظة الفقدان الأليمة ولكن تلك المرة يصاحبها هدوء نفسي مغلف بشجن حنون..

اقترب ببطء يملس بيده على القطعة الرخامية الباردة وكأنه يلقي بتحية عطرة على تلك المختفية خلفها.. تحركت أنامله ببطء وتردد مغمضاً عينيه لتتوالى أمامه عدة مشاهد متتابعة لحياتها القصيرة معه..

 صرختها الرافضة بدلال عندما كان يقبل عيونها لتعترض هي "بلاش تبوسني في عينيه".. ملامح وجهها وهي ترتشف عصير الفراولة الذي أعده لها مستبدلاً السكر بالملح, يومها تجرعته بأكمله ولم تعترض ولم تنبهه إلى خطئه الذي أدركه مصادفة عندما شاكسها مختطفاً الكوب ليقابله الطعم المريب للعصير.. صدمه مشهد آخر لهما وهو يعاملها بعنف تلبسه لفترة, وتارة وهي تواجه ابتسام آكلة الرجال كما كانت تسميها.. و.. و.. تراكمت المشاهد واللقطات أمام عينيه حتى حان مشهد الوداع الأخير فشعر بدمعة ساخنة تجري على وجنته.. تلتها عدة دمعات مسحها سريعاً واقترب أكثر متمسكاً بالقطعة الرخامية بكلتا يديه كأنه يبثها أشجانه وحنينه..

بقي على تلك الحال كتمثال جامد مغمض العينين لا يتحرك منه إلا بضع دمعات تجري على وجنتيه وفي تلك المرة لم يبذل جهداً لايقافهم...

متاهة مشاعر ( للكاتبة نهى طلبة مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن