الفصل الثاني عشر

28.5K 400 8
                                    

الفصل الثاني عشر

تأمل يزيد وجه والدته والذي ظهرت عليه علامات الشحوب والألم.. أغمض عينيه محاولاً الهروب من عينيها التي ترمقه بذهول غير مصدقة الخبر الذي ساقه لها منذ دقائق فقط... جسد وجهها المعنى الحقيقي للألم والصدمة وهي تحاول استيعاب كلماته.. غير قادرة على تكوين جملة واحدة تعبر بها عما يجول بصدرها وعقلها من شعور قاسٍ بالخيانة.. كيف يفعلها ابنها؟.. كيف تخونها قطعة منها؟.. كيف تفقد زوجها وابنها لنفس المرأة؟.. نعم نفس المرأة.. بأعماق سهام لا فرق بين نادية وعلياء ابنتها..

لقد عانت منذ سنوات الشعور القاتل بإهمال زوجها لها.. بأنها غير كافية له.. كانت تسمع منه تذمره وشكواته المتتالية من انشغالها في جمعياتها الخيرية.. أو حفلاتها وإهمالها في حقوقه.. تلك الحفلات التي كانت تقيمها له ومن أجله حتى تتسع أعماله وتتعمق علاقاته تحولت لتصبح عذره وذريعته ليخونها بدلاً من المرة.. مرات.. وهو يظنها غافلة عن عبثه ومجونه.. لكنها كانت تعرف.. في كل مرة يفعلها ويخون عهود زواجهما كانت تعرف.. وهل هناك أقرب للرجل من امرأته لتشعر بوجود أخرى, بل أخريات في حياة زوجها..

ومع كل خيانة يأتي إليها باكياً معتذراً.. طالباً عفوها وغفرانها متعذراً بأزمة منتصف العمر التي يحاول جاهداً التخلص منها.. لكنها مع كل صك عفو تمنحه يموت بداخلها جزء.. تتجمد مشاعرها ويتحول حبها له إلى لامبالاة كريهة.. فلم يتبقَ لها إلا كبرياء أنثوي أجوف اغتاله بإعلانه خبر زواجه من نادية.. وسحب منها كل حق لاختيار الابتعاد والمحافظة على ما بقي من كرامتها عندما أخبرها بما تعانيه نادية من مرض عضال.. فالزوجة الجديدة.. الجميلة والرقيقة.. تصارع الموت.. الذي يطرق بابها كل يوم..

كيف يمكنها صب غضبها على امرأة تحتضر؟.. كيف تصرخ بزوجها وتطالبه بالاختيار بين وفاء لزوجة أولى.. رفيقة الدرب وأم الولد.. وشفقة على زوجة ثانية تسحب منها أنفاس الحياة؟.. لابد أن تكون شيطان حتى تفعل هذا!.. حتى اختيارها لتكون ذلك الشيطان سلبها إياه عندما اصطحبها بخدعة لتقابل نادية.. التي أصرت على مقابلتها طالبة عفوها قبل أن تسلم روحها إلى خالقها..

وبعد موت نادية بعدة أيام دخل عليها عصام مصطحباً طفلة ضئيلة الحجم ليفاجأها بصدمة جديدة:

ـ سهام.. دي تبقى عليا.. بنت نادية الله يرحمها.. وهتعيش معانا من النهادره

نظرة واحدة إلى علياء لتجدها نسخة مصغرة من أمها.. وأيقنت أن القدر رحمها أخيراً ومنحها رفاهية الكراهية.. الكراهية في أقسى صورها للطفلة الصغيرة التي لم ترى فيها سوى خيانة عصام وفجور نادية..

أساءت معاملتها.. لا تنكر.. أهملتها وهمشتها.. وأخيراً نفتها إلى المزرعة لترافق الجد القعيد..

مرت السنوات وهي تحاول أن تتناسى الجرح والصفعة المؤلمة لأنوثتها, ليأتي ابنها اليوم ويطعن أمومتها بإخبارها أنه تزوج من الفتاة الصغيرة!..

متاهة مشاعر ( للكاتبة نهى طلبة مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن