منقذي أنت

29K 755 6
                                    


الفصل الثامن عشر
منقذي أنت
شحب وجه لينا وهي تقول :- لقد سبق وأخبرتك بانني لست جاهزة بعد
قالت نانسي بحدة :- انا أظنك قد أصبحت جاهزة تماما للعودة إلى المدرسة .. لقد مرت فترة طويلة منذ وفاة والدنا .. لم يعد احد يذكر اسمه .. أنامتأكدة بانك لن تواجهي المشاكل خاصة في المدرسة الجديدة التي اخترتها لك
وقفت لينا وهي تهتف بعنف :- انت لا تفهمين .. لن ينسى احد على الإطلاق اسم سلمان راشد .. سيظل الجميع يعايرنا ..
قاطعتها نانسي وهي تقف بحزم :- لقد اتخذت القرار يا لينا .. ستبدأين بالذهاب إلى المدرسة منذ الصباح .. لن أسمح لك بالتسكع اكثر وقضاء الوقت بلا فعل أي شيء سوى مصاحبة فراس .. لقد حان الوقت للنظر في أفعالك
اتسعت عينا لينا الزرقاوان فبدا الذعر فيهما وهي تجد نفسها عالقة بلا مخرج .. دوى صوت محمود الهادئ يقول :- ما الذي يحدث هنا ؟ أصواتكما تملأ البيت
كان يبدو قد عاد لتوه من عمله وقد ظهر الإرهاق جليا عليه وهو يضع حقيبة أوراقه فوق المكتب فأسرعت لينا نحوه وهي تقول شاكية :- تريدني نانسي ان اعود إلى المدرسة
شعرت نانسي بالغيظ من تصرف لينا التي نسيت بأن نانسي هي المسؤولة عنها .. وهاهي تشتكيها إلى محمود وكأنه والدهما البديل
منذ تلك الليلة التي عاد فيها محمود معتذرا من نانسي بعد غيابه لأيام عن البيت .. عندما نامت بين ذراعيه باكية كالبلهاء .. وهما يتعاملان مع بعضهما بأسلوب التجاهل التام ..
يتحدثان أمام الآخرين بشكل طبيعي .. ووحدهما كالغرباء تماما .. كما كانا يتصرفان سابقا .. تتظاهر هي بالنوم .. وينام هو دون ان يوجه لها أي كلمة لينهض صباحا ويغادر قبل استيقاظها .. مع فرق بسيط وهو انها لم تعد تستفزه كالسابق .. وكأنها باتت تخشى أن تثير غضبه مجددا وقد عرفت ما الذي يعنيه غضب محمود
سمعته يقول للينا بهدوء :- وأين المشكلة ؟ نانسي تفكر بمصلحتك ليس إلا
ارتد وجه لينا إلى الوراء وهي تقول مصدومة :- ماذا ؟ . ولكن .. أنا ...
أحاط كتفيها بذراعه وهو يقول بلطف :- ليس هناك داعي لقلقك يا لينا .. لقد سبق وأخبرتك بأنني سأمحي كل من يوجه نحوك كلمة مزعجة واحدة .. المدرسة الجديدة ممتازة وقد تحدثت بنفسي إلى ...
أكمل إقناعه السحري للينا وهو يقودها إلى الأريكة الجلدية بينما توجهت نانسي نحو نافذة غرفة المكتب المطلة على الحديقة وأخذت تنظر عبرها إلى الشمس الغاربة بكآبة
تكره الاعتراف بهذا .. ولكن لمحمود تأثير كبير على لينا .. إنه الوحيد القادر على إقناعها بالأمر .. لقد أصبحت شقيقتها تعتمد عليه تماما في كل شيء
سمعت لينا تقول باضطراب :- ولكن ماذا لو .. ماذا ..
صمتت وهي تعض على شفتها السفلى فربت على شعرها الناعم وهو يقول :- أعرف بالضبط ما يخيفك .. الحادث الذي تعرضت له نانسي لا يمكن ان يتكرر معك .. حياة نانسي فيها الكثير من التعقيدات .. وبالتالي لديها الكثير من الاعداء في الجامعة .. أما أنت فلا أظن احدا بقادر على أذيتك أو حتى كرهك
التفتت نانسي نحوهما مصدومة وكأنها قد تلقت صفعة قوية .. لم يشعر أحدهما بشحوب وجهها وارتعاشها وهي تحدق بهما .. بل لم يشعرا بها وهي تترك المكتب وتجري كالمجنونة بين أروقة البيت حتى وصلت إلى المطبخ .. دخلت وهي تقول لاهثة :- أين حنان ؟
تبادلت الطاهية نظرات الحيرة مع نجوى التي قالت :- لقد كانت تنفض الغبار في غرفة الجلوس
أسرعت نانس إلى هناك لتجد حنان منهمكة فعلا في مسح الغبار عن الأسطح الزجاجية .. ولكنها توقفت فور أن لمحت نانسي .. قالت بقلق :- ما الامر يا نانسي ؟ هل انت بخير ؟
حاولت نانسي تهدئة أنفاسها المبهورة ثم قالت :- حنان .. أنت كنت موجودة في كل مرة انفرد فيها محمود مع والدتي ولينا في منزل الشاطئ .. صحيح ؟
قالت حنان بحيرة :- صحيح
قالت نانسي باضطراب :- هل سبق واخبرته أمي عن الحادث الذي تعرضت له .. ذلك الاعتداء أثناء عودتي من الجامعة ؟
قالت حنان :- لا يا نانسي .. والدتك رحمها الله كانت تعرف مدى حساسيتك من الموضوع .. وكانت تعرف بأنك ما كنت ترتاحين للدكتور محمود في ذلك الوقت .. وما كانت لتخبره بسر كهذا
أغمضت نانسي عينيها وهي تقول :- ماذا عن لينا ؟
:- لقد كرهت لينا دائما الاستماع إلى القصة .. فكيف بالتحدث عنها ؟ هل نسيت بانها كانت ترى الكوابيس بسببها ؟
انهارت نانسي جالسة على المقعد وكل عضلة في جسدها ترتعش وهي تقول :- كيف عرف محمود به إذن ؟ كيف عرف بحادث لم يعرف به سوى أربع أشخاص ؟
أمسكت حنان بكتفها قائلة :- نانسي .. أين المشكلة في معرفة الدكتور محمود بالقصة ؟ إنه زوجك الىن .. ومن حقه أن يعرف دقائق حياتك
لكم تكن نانسي تستمع إلى ما تقوله حنان .. بل كان عقلها يفكر كالمجنون .. ولم يهدا عن التفكير لحظة واحدة حتى أثناء تناولها العشاء مع العائلة .. الكل كان يتحدث وكأن شيئا لا يشغله لإلا هي .. كانت تتناول طعامها بصمت وهي ترمق زوجها بنظرات مختلسة وهو يتحدث إلى عمه .. تأملت وجهه الرجولي الوسيم .. نظراته القوية .. كتفيه العريضتين .. يديه الخشنتين وهو يلوح بهما أثناء حديثه فارتجفت عندما تذكرت ملمسهما عليها .. ما الذي يخفيه عنها محمود يا ترى ؟ متى ستفك غموضه وتعرف ما يفكر به عقله المعقد ؟ .. أحس بنظراتها فالتفت إليها متعجبا .. فعادت تغوص في طبقها الذي أنهته دون ان تحس بطعمه ..وبعد العشاء .. اعتذرت على الفور وصعدت إلى غرفتها متعللة بالصداع ..
وعندما أغلقت الباب على نفسها .. بدلت ملابسها .. وأحكمت إغلاق روبها فوق بيجامتها الحريرية .. وانتظرت وهي جالسة باستقامة فوق الأريكة الصغيرة .. تحدق امامها بجمود .. حتى دخل محمود ليفاجئ برؤيتها صاحية على غير العادة .. أقفل الباب وراءه بهدوء قائلا :- ظننتك مصابة بالصداع
وقفت وهي تقول بتوتر :- لقد كنت كذلك
:- لماذا لم تخلدي إلى النوم إذن
خلع حذائيه .. ثم بدأ يحل أزرار قميصه عندما تتبعت ما يقوم به وهي تقول :- لقد كنت في انتظارك
التفت نحوها .. ولاحظ وجهها الشاحب وعينيها القلقتين .. قال بقلق :- ما الأمر ؟ .. هل من مشكلة ؟ هل هي لينا مجدا ؟
أغمضت عينيها بقوة للحظات ثم فتحتهما قائلة :- كيف عرفت ؟
رمش بعينه مستغربا وهو يقول :- عرفت بماذا ؟
قالت بعصبية :- تعرف بالضبط ما أقصده .. لقد سمعتك تتحدث إلى لينا .. كيف عرفت بأمر الحادث الذي تعرضت له قبل أشهر ؟ أعرف بأن أمي لم تخبرك .. هل هي لينا ؟
صمت للحظات طويلة وهو ينظر إليها دون تعبير على وجهه قبل أن يقول بهدوء :- لا .. لينا لم تخبرني
ازداد وجهها شحوبا .. وتسارعت نبضات قلبها وهي تقول :- كيف عرفت إذن ؟ من أخبرك بالأمر ؟
استدار نحوها و واجهها تماما وهو يقول :- كيف تظنينني عرفت يا نانسي ؟
ارتدت إلى الخلف ..واتسعت عيناها وقد هبط الإدراك عليها مرة واحدة .. وعرفت ما كان قلبها يعرفه منذ البداية .. قالت بصوت مختنق :- لقد كنت أنت .. أنت من أنقذني ذلك اليوم من بين براثن جابر ورفيقه .. صحيح ؟
صمت للحظات ثم قال :- هذا صحيح ..
أحاطت نفسها بذراعيها وهي تقول باضطراب :- ولكن كيف ... كيف كنت هناك في الوقت المناسب ؟ أنت من بين جميع الناس .. كيف ؟
توتر فمه وهو يقول :- لقد صارحني ماهر قبل الحادث بأيام بقلقه من تهديد جابر الذي لم يطلق يوما تهديدا لم يعنه حقا .. نهار الحادث كنت قد أمسكت ذلة على أحد رفاق جابر المقربين .. وابتززته بها مقابل إخباري بنوايا جابر .. فعرفت بأنه كان من المفترض به أن يعترض طريقك في تلك اللحظة ..
عنما وصلت .. كان الوقت قد تأخر على منعه من إلحاق أي ضرر بك .. فكرت بأنني لو كنت قد تأخرت قليلا بعد ...
ظهر غضب عنيف في عينيه وهو يتذكر مظهرها .. ملقاة على الأرض .. مضرجة بالدماء وممزقة الثياب .. وذلك الحقير يهم باغتصابها .. ارتجفت نانسي وقد انتابتها نفس الذكرى .. إلا أنها كانت تفكر بشيء مختلف تماما .. تمتمت بصعوبة :- وبالطبع .. كنت انت من حملني إلى المستشفى ودفع جميع تكاليف العلاج .. ورفض ذكر اسمه كي لا أعرف من يكون
قال بقلق :- علاقتنا كانت حساسة في تلك الفترة يا نانسي .. معرفتك بالحقيقة كانت لتؤذيك أكثر مما قد تساعدك
بدت وكأنها لم تسمعه وهي تكمل :- ثم قمت بطرد جابر من الجامعة عقابا له على فعلته
أشتدت قبضتاه غضبا وهو يقول :- لولا خوفي من معرفة الناس بما حدث لتسببت بدخوله السجن لفترة طويلة للغاية
أغمضت عينيها وهي تقول بصوت بدأ يفقد تماسكه :- وهذا كله لم يكن كافيا لتتخلص من إحساسك بالذنب لأنك لم تستطع إنقاذي تماما .. فلحقتني وعائلتي إلى منزل الشاطئ .. صحيح ؟ وجودك هناك لم يكن صدفة على الإطلاق
ساد صمت ثقيل بينهما .. نظر خلاله محمود إلى نانسي وكأنه يتمنى أن يتوقف هذا الحديث عند هذا الحد .. ولكن مرأى حالتها المضطربة جعلته يدرك بأنها لن تهدأ حتى تعرف الحقيقة .. اعترف قائلا :- لا .. لم يكن وجودي هناك صدفة على الإطلاق .. لقد وضعت من يراقبكن بعد الحادث مباشرة خوفا من عودة جابر ومحاولته أذيتك مجددا .. عرفت من خلاله بأنكن قد غادرتن المدينة وتوجهتن إلى منزل الشاطئ العائد إلى خالك
همست :- لماذا فعلت هذا ؟ لماذا لحقت بنا إلى هناك ؟
مرر يده عبر شعره الكثيف وهو يقول بانفعال :- لماذا تظنينني فعلت هذا يا نانسي ؟ لقد كاد الرجل يغتصبك بحق الله .. ولو أنني لم أتأخر في الحضور لما أذاك بذلك الشكل .. لقد كنت ضعيفة للغاية رغم تظاهرك بالقوة .. ما كنت بقادرة على مواجهة الواقع أنت أو عائلتك دون مساعدة .. كان علي اللحاق بك لأتأكد بأنكن بخير
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تحس بطعنة قوية من الألم في صدرها .. تراجعت وهي تقول بمرارة :- نعم .. هذا صحيح .. وكم كانت صدمة قوية أن تمرض أمي وتموت .. وتجد أنت الفتاتين اليتيمتين قد أصبحتا بلا حماية هل حملت نفسك مسؤولية مرض أمي أيضا يا محمود ؟ هل فكرت بأن الزواج بي كان الطريقة المثلى لإسكات ضميرك المتعب .. الوسيلة الوحيدة لمنحي أنا وأختي المسكينة سقفا يأوينا ؟ .. أظن بأن اعمالك الخيرية قد تخطت الحدود هذه المرة يا محمود .. إذ تخلين عن حريتك بسببها
قطع المسافة بينهما فورا وقد أغضبه تهكمها .. أمسك بكتفيها يهزها بقوة قائلا :- لا تتحدثي بهذه الطريقة يا نانسي .. أنا لم أتزوجك شفقة أو رأفة بك .. أنت تعرفين جيدا لماذا تزوجتك
ابتعدت عنه وهي تنظر إليه قائلة بمرارة :- نعم .. أعرف جيدا بأنها كانت الطريقة الوحيدة التي تجعلني أقبل المال اللازم لعلاج والدتي .. كما أنني حسنة الشكل لحسن حظك مما يجعلني زوجة مرغوبة منك .. مع أنني متأكدة بانك كنت لتتزوجني حتى لو كنت قبيحة أو بدينة
قال بحدة :- نانسي
أمسكت أذنيها وهي تهز رأسها قائلة بألم :- أرجوك يا محمود .. لا أريد أن أسمع المزيد .. أرجوك
تركت الغرفة مسرعة .. نزلت إلى المطبخ لتجد حنان جالسة برفقة نجوى تحتسي معها كوبا من الشاي .. نهضتا فور أن رأتاها عند الباب .. وجهها مغطى بالدموع .. وشهقاتها تتوالى بشكل طفولي .. أسرعت نجوى تصب لها كوبا من الشاي
بينما وقفت حنان وهي تقول بقلق :- يا إلهي .. ما الذي حدث يا عزيزتي ؟
ضمتها بسرعة بين ذراعيها وهي تقول بين شهقاتها :- لقد كان هو يا حنان .. لقد كان هو
أجلستها حنان برفق بينما وضعت نجوى كوب الشاي الساخن أمامها وغادرت المطبخ تاركة للفتاتين حرية الحديث .. قالت نانسي مرتعشة :- لقد كان محمود .. هو من أنقذني ذلك المساء .. هو من حملني إلى المستشفى ودفع التكاليف .. لقد كان محمود
قالت حنان وهي تمسك بيدها ..:- اهدئي يا نانسي .. لطالما أردت معرفة الشخص الذي أنقذك وقد عرفته الآن .. يجب أن يكون هذا خبرا جيدا
هزت نانسي رأسها قائلة :- أنت لا تفهمين خقيقة الأمر يا حنان.. عندما استيقظت في المستشفى .. كان أول ما خطر على بالي هو أن أعرف اسم الشخص الذي أنقذني من مصير أبشع من الموت .. لفترة طويلة لم أفكر إلا بذلك الشخص الغامض .. تمنيت دائما أن أجده في يوم من الأيام لأتمكن من رد جميله .. كنت مستعدة لمنحه حياتي مكافئة له على ما فعله .. وفي النهاية .. أكتشف بأن منقذي هو الرجل الذي تزوجته
تمتمت حنان :- نانسي
هتفت حنان :- انت لا تفهمين مأزقي الحال يا حنان .. مشكلتي الكبرى هي انني اكتشفت لتوي بأنني أحب محمود .. أحبه بجنون
قالت حنان ببهجة :- هذا رائع يا نانسي .. لقد ظننت دائما بأنك تكرهينه
وقفت نانسي وأخذت تتحرك في المطبخ بلا توقف وهي تتكلم كمن يخاطب نفسه :- نعم .. لقد ظننت نفسي أكرهه .. إلا أن الحقيقة هي أنني قد أكون وقعت في حبه منذ البداية دون أن أدري .. لقد بدأ بكسب احترامي بازدرائه لي وطرده لي من مكتبه رافضا رشوتي .. ثم الطريقة التي أشعرني فيها دائما بالعجز أمامه .. الطريقة التي أذاب فيها كبريائي كلما تواجهنا .. محمود هو الشخص الوحيد الذي أجدني عاجزة عن التبجح أمامه والاعتداد بنفسي
ثم الطريقة التي عامل فيها أمي قبل وفاتها .. لقد جعلها تحس بالراحة والأمان لوجوده إلى جانبنا وقد حرمنا أبي من هذا الإحساس .. لقد كان للينا الناصح الأمين والأخ الأكبر والوالد البديل عن جدارة .. لقد وقف إلى جانبنا عند مرض أمي ولم يتردد لحظة واحدة قبل أن يتكفل هو بكل شيء .. لقد احتواني بكرمه وصبره وحنانه .. ومعرفتي بأنه هو من أنقذني حطمني تماما
وقفت حنان قائلة بقلق :- هذا جيد يا نانسي .. أنت تحبين زوجك ..
هتفت نانسي بمرارة :- لا .. ليس جيدا على الإطلاق عندما أعرف بأنه قد تزوجني شفقة علي و إسكاتا لضميره .. ليس جيدا عندما أجهل عنه كل شيء ولا أتوقف عن التفكير بما يخفيه عني بعد
فكرت بألم .. عندما أفكر بريم وهديل ونسرين وغيرهن من النساء اللاتي تجهل حقيقة مكانتهن في حياة محمود
أسرعت حنان تقول بلهفة :- لا يا نانسي .. محمود يحبك .. وأنا متأكدة من هذا .. وأنت أيضا تحبينه فلا تعذبي نفسك بدون داعي حقيقي
هزت نانسي رأسها قائلة :- لا .. أنا لا أحب محمود .. سأظل أردد هذه العبارة حتى تتحول إلى حقيقة .. لن أحبه حقيقة حتى أتأكد بأنه لي .. لي وحدي بقلبه وجسده ومشاعره
وقفت حنان وهي تنظر إلى نانسي الحزينة بيأس من تغيير رأيها .. تمتمت نانسي :- آسفة لأنني أزعجتك يا حنان .. انسي كل ما قلته لك .. أنا سأنساه أيضا ولن أفكر به مجددا
عندما عادت إلى غرفة النوم .. كانت تأمل بأن تجد محمود نائما كي تتجنب مواجهته .. ولكنه اعتدل فزق السرير فور دخولها وقد علا وجهه الوسيم القلق وهو يقول :- هل أنت بخير ؟
حاولت ألا تنظر إلى صدره العاري القوي العضلات وهي تقول بفتور :- طبعا بخير .. ولك لا أكون كذلك ؟
دارت حول السرير .. ودست نفسها في جانبها منه وهي تمنح محمود ظهرها .. فقال بتوتر :- يجب أن نتحدث يا نانسي .. لقد عرفت بأن معرفتك بهذا ستزعجك .. لهذا فقط أخفيته عنك
تمتمت دون أن تنظر إليه :- ولماذا تزعجني .. كان علي أن أعرف كي أشكرك على إنقاذك لي.. وعلى ما فعلته وتفعله لأجلي ولعائلتي .. سأتذكر هذا دائما عندما تعايرني بأنك قد اشتريتني .. لن أجرؤ عندها على فتح فمي بكلمة
صاح بحدة :- نانسي
أمسك بكتفها وأدارها إليه بقوة .. فرأى وجهها المغطى بالدموع .. وفمها المطبق بقوة وكأنها تمنع نفسها من البكاء .. عرف بأنها قد تنهار عند أقل ضغط منه .. فاكتفى بأن قال بإصرار :- أنا لم أتزوجك شفقة عليك يا نانسي
نظرت إلى عينيه الداكنتين لفترة طويلة وهي تتمنى أن تعرف حقا ما يختبئ خلفهما .. ثم أشاحت ببصرها هامسة :- تصبح على خير
تركها هذه المرة تبتعد عنه دون اعتراض .. للحظات لم تشعر بأي حركة منه وكأنه ينظر إلى ظهرها متأملا .. ثم وأخيرا .. أطفأ نور الأباجورة المجاورة للسرير .. وخلد إلى النوم

رواية عندما تنحني الجبال ..بقلم بلو ميWhere stories live. Discover now