7- الفصل السابع

4.2K 113 0
                                    



كانت ميغان جاهزة ترتدي سترة رمادية وقميصا مقلما وحقيبتها الى جانبها وميريدث داخل السلة الخاصة به عندما وصلت سيارة الرولز رويس. خرج منه الاستاذ والقى عليها تحية الصباح ثم التقط الحقيبة وسلة الهر ووضعهما على مقعد السيارة الخلفي وفتح لها بابها الامامي. حصل كل هذا بسرعة خاطفة وانطلقا قبل ان تمضي خمس دقائق على وصوله.
قاد الاستاذ السيارة بصمت ولولا صوت ميريدث في الخلف لعم السكون داخل السيارة.
"اتمنى ان يكون ميريدث سعيدا." قطعت ميغان الصمت: "لطالما كان سعيدا وهو في البيت."
"اذا لم يكن سعيدا ولم يستطع التاقلم سوف اخذه الى السيدة ثرامبل."
"تعود الى هنا؟" شعرت بالرعب: "اعتقدت انك ستبقى في هولندة"
"لقد قسمت وقتي بين هنا وهنك, سوف امضي بعض الوقت في هولندة اقوم باجراء بعض الفحوص والقاء بعض المحاضرات."
كان الوقت باكرا وزحمة السير خفيفة, قاد السيارة بثبات دون ارتباك: "هل من الضروري ان نسلك هذه الطريق للوصول الى دوفر؟" سالته ميغان.
"لا. نستطيع ان نسلك طريق م 25 ومن ثم الى الاوتوستراد ثم الى دوفر, لا يوجد مشكلة."
اخذ يتكلم بمواضيع شتى, هدات ميغان قليلا ولكن الاسئلة الكثيرة التي نوت ان تساله عنها بقيت في راسها.
كانت العائلة جميعا بانتظارهما عندما وصلا امام منزلها. اخذ كولن عطلة ووالدها لم يذهب الى المكتب, وقفوا جميعا عند الباب عندما اوقف الاستاذ السيارة. شق الاستاذ طريقه بينهم, تكلموا جميعا في آن واحد. لم يكن هناك متسع من الوقت فتناولوا القهوة حول مائدة المطبخ والتهموا الساندويشات التي حضرتها السيدة رودنر مع ميلاني, بينما انشغلت ميغان باعطاء توجيهات عن ميريدث الذي خرج من سلته وتجول في الشقة يلعب مع الكلب جانوس: "اذا لم يعجبك المكان هنا فان الاستاذ بان بلفيلد سياخذك لان مدبرة البيت عنده تحب القطط."
كان الاستاذ يجلس في نهاية الطاولة يتكلم مع ابيها, التقت نظراتهم: هل نغادر بعد ربع ساعة؟" اقترح عليها.
التفت ناحية السيد رودنر: "ربما تستطيع القاء نظرة على المحرك؟ هناك عدة امور عنه..." خرج الاثنان ورافقهما كولن.
قالت ميلاني برقة: "انه رئع استاذك يا ميغ, حسنا انه ليس لك لكن لا فرق, انه رائع وتلك السيارة الرائعة ايضا ألست متحمسة؟"
"اظن انني كذلك. انه لامر مسل ان اختبر شيئا جديدا, وسيكون لدي الوقت الكافي لاقرر ما هي خطوتي التالية." تكلمت ميغان بحماس او هكذا بدا لامها.
"هل سيبقى الاستاذ في هولندة؟" سالتها امها.
"اظن ذلك لديه بعض الاعمال ينجزها هناك ولكنني لا اعرف تماما اين. لا اتوقع رؤيته مرة ثانية." وبدت ميغان جديه وهي تقول كلماتها الاخيرة.
وافقت امها: "بالطبع لديه."
لقد كلف الامر كثيرا من التفكير والمجهود كي تحصل ميغان على هذا العمل, على كل حال انها تستطيع اان تجد عملا اخر في مكان ما في انجلترا. لا تصدق انه متزوج واذا حمل ميغان على تصديق ذلك فانه يعود لاسباب خاصة به. شعرت بداخلها انه مغرم بميغان لكن ميغ لم تظهر اي تصرف يدل على اهتمامها به.
"حسنا حبي يجب عليك ان تستعدي للمغادرة. خابريني عندما تجدين الوقت واكتبي رسائل طويلة. سوف نهتم بهرك, اعتني بنفسك يا ميغ وكوني سعيدة."
كان الوداع صعبا وعلى الرغم من انهم عائلة متحفظة فنادرا ما يظهرون عواطفهم علنا الا انهم عائلة متماسكة واحدة احتضننت ميغان الجميع بمن فيهم جانوس وميريدث, ثم صعدت الى السيارة, انه من الحمق ان تدع دموعها تسيل كالاطفال انها امراة ناضجة ويجب ان تتخطى هذه المشاعر الطفولية. لوحت بيدها للجميع, وفجاة بعث الاستاذ البهجة في نفوس عائلتها عندما قال: "سوف نعود..." بالطبع لم يقصد ما قاله. انه لطيف ليقول شيئا مفرحا كهذا.
يجب عليهما ان يقطعا مئة وثلاثين ميلا للوصول الى دوفر. قاد الاستاذ سيارته بسرعة لكنه بدا كشخص لديه الوقت الكافي لاي شيء. وهو يحادثها بمواضيع شتى لم تنته حتى وصلا الى دوفر. لقد حسب وقت الرحلة بدقة. تناولت ميغان الشاي وبعض البسكويت اثناء الرحلة وقرات الدليل السياحي الذي زودها به عن هولندة كان كتيب الدليل يشمل معلومات عامة وشاملة حتى لاصغر المناطق والقرى.
من الوصف اتضح ان الميتم يقع بين بيوت قليلة وكنيسة ومحل يبدو كانه مركز بريد غير بعيد عن الشاطئ ايضا, ومحاط باشجار جميلة شبيهة بغابة صغيرة. انهمك الاستاذ بقراءة بعض الاوراق التي اخرجها من حقيبته ثم نظر اليها وابتسم عندما سالته: "هل هناك حافلات الى كاستريكوم وهيمزكيرك؟"
"بالطبع هناك لكن عددها يتضاءل بالشتاء. الجميع يستعملون الدراجات الصغيرة. هل تستطيعين ركوب دراجة؟" اومات براسها: "جيد ستكون لك واحدة. وهذه افضل وسيلة للتنقل في انحاء المنطقة."
عاد يقرا اوراقه واخذت ميغان تنظر من النافذة الى المياه الهادئة تتخيل الايام اللتي ستقضيها هنا.
الجزء الاطول من رحلتهما لا يزال امامهما. انطلقا من كاليه الى كونت وانتورب, ثم وصلا الى هولندة. قاد الاستاذ سيارته بسرعة مارا بالقرى والكنائس وهذا ما اتاح لميغان مشاهدة هذه المناظر الرائعة. كان الوقت ظهرا. تساءلت ميغان كم سيكون الوقت متاخرا عندما يصلان الى الميتم؟ تمنت ان تجد وجبة طعام جاهزة ثم اخذت تفكر بالوجبات التي تحب ان تتذوقها. شعرت بالاحراج عندما قال الاستاذ: "لا بد ان تكوني جائعة, لن يستغرق الامر طويلا حتى نصل."
انعطف بسيارته الى مفترق طريق ضيقة تؤدي الى منطقة جميلة مشجرة. لا بد ان البحر اصبح قريبا الان فكرت ميغان, ولكن قبل ذلك عليهما المرور بالسدود والانفاق حسبما ذُكر بالدليل السياحي. لم تكترث للاشارات على الطريق عندما انعطف الاستاذ على الطريق وشاهدت البحر امامهما.
احست بالراحة لكنها لم تر السدود والانفاق بل شاهدت غابات صغيرة وحقول واسعة. ابطا الاستاذ اللسيارة عندما دخلا اللقرية فنظرت ميغان حولها ورات الكنيسة وساحة القرية والبيوت المتناثرة, كما رات متجران. ولكن اين السدود والانفاق؟ ادخل الاستاذ سيارته عبر بوابة مفتوحة ثم توقف امام منزل.
"يا له من مكان رائع لميتم." قالت ميغان. خرجت من السيارة وهي تنظر حولها تستكشف المكان بسرعة. كان البيت رائعا فعلا بجدرانه البيضاء ودرجه الواسع والاعشاب الخضراء المتدلية من كل مكان ونوافذه الكثيرة.
ابتسم الاستاذ: "هذا ليس الميتم يا ميغان, انه بيتي." حدقت فيه: "لا تنظري الي هكذا فالوقت متاخر لاوصلك الى الميتم هذا االمساء. سوف تتناولين وجبة طعام وتقضين الليلة هنا."
امسكها من ذراعها وقادها نحو المنزل. لكنها توقفت فجاة بعد عدة خطوات وقالت: "هذا خطا يا استاذ بلفيلد. هل تتوقع زوجتك قدومي؟ ومن ناحية اخرى فانت تريد ان تحظى بزوجتك واولادك؟"
امسك ذراعيها وهزها قليلا: "يجب ان نوضح شيئا, لا يوجدد عندي زوجة يا ميغان وليس عندي اولاد."
"لكن انا قلت... انت قلت..."
"اسكتي ودعيني انهي كلامي. لم اقل ان عندي زوجة واوولاد. اذا اخترت انت ان تتصوريني في مخيلتك بانني رجل متزوج واب فهذا شانك, وهذا نتيجة مخيلة واسعة..."
"حسنا لم يكن هناك من حاجة لجعل الامر سرا." اجابت ميغان, التقت نظراتهما. "ليس لانني اريد ان اعرف شيئا عن حياتك الشخصية." احمرت وجنتاها عندما قالت هذا: "اذا لم يكن عندك زوجة فلا يمكنني ان ابقى هنا."
اخذ بذراعها وحثهاا على السير وهو يقول: "فتاتي العزيزة خذي بعين الاعتبار انني كعضو في الهيئة الطبية, هل احب ان اعرض سمعتي للاقوال؟ تعالي تعالي لطالما اعتبرتك امراة حساسة جدا. يوجد جدتي ومدبرة منزل متزوجة في منتصف العمر, وخادمتان في البيت, والان هلا دخلت فانا جائع."
لا فائدة من المناقشة. ارادت ان تضحك. تسلقت الدرجات الى جانبه. فتح الباب رجل عجوز زادت تجاعيد وجهه عندما ابتسم واصبحا في الداخل. تبادل الرجلان بعض الكلمات في لغتهما الخاصةو قبل ان يقوم بتقديمه الى ميغان. كان اسمه ليتمان.
تصافحا: "انت على الرحب يا انسة." قال لها بلهجة انجليزية ثقيلة. وتكلم مع الاستاذ الذي وضع يده على ذراعها برفق ونادى: "سنوجي, احدى الخادمتين, سترشدك الى المكان الذي تستطيعين فيه ان تقومي بترتيب نفسك قبل ان نقابل جدتي, هيا اسرعي. سوف اكون هنا انتظرك."
دخلت الى غرفة في نهاية الصالة. نظرت الى نفسها بحماس, فشعرت باضطراب لفكرة مقابلة جدته. لكنها لا تستطيع البقاء هنا طويلا, سرحت شعرها ووضعت قليلا من البودرة على انفها وعادت الى حيث كان ينتظرها الاستاذ.
ورات في وسطها سجادة ثمينة واثرية تغطي الارضية الخشبية. كما لاحظت الكراسي والاريكتين الكبيرتين والمريحتين. انها غرفة كبيرة لكنها لا تستطيع ان تشعر فيها بالحياة.
رات في الغرفة شخص امراة عجوز تجلس على كرسي كبير منتصبة, وكان شعرها الابيض مرتبا فوق وجهها الصغير النحيف, وكانت قماشةثوبها الرمادي من النوع الجيد الذي يليق بامراة في سنها المتقدم, والذي كان ملائما للمجوهرات التي تلمع في خواتم اصابعها, كان في حضنها هر فتح عينيه عندما دخلا الغرفة ثم اغلقهما مرة ثانية. لكن الكلبين قرب المراة العجوز اخذا ينبحان ويهزان ذيليهما, تلك طريقتهما بالترحيب بالاستاذ: "روزي وسويفت." تمتم الاستاذ. امسك بها ومشى باتجاه المراة العجوز.
انحنى وقبل وجنتي المراةالعجوز وقال شيئا لها لم تفهمه ميغان. قدم ميغان لجدته, صافحت الجدة يد ميغان وقالت: "انا سعيدة بلقائك عزيزتي." كانت لغتها الانجليزية صحيحة كحفيدها ولكن اللكنة لا تزال موجودة: "ربما نتكلم قليلا قبل ان تغادري, ولكن انت الان بحاجة الى تناول العشاء. سوف اذهب الى غرفتي الان. هل تاتي لرؤيتي قبل ان تخلدي للنوم؟ لدقائق؟"
هزت ميغان االيد المجعدة بلطف: "سوف اكون مسرورة."
كان الاستاذ يراقبها ثم قال: "سوف نتناول عشاءنا يا جدتي, وسوف اتاكد من زيارة ميغان لك بعد ساعة."
تناولا عشاءهما في غرفة صغيرة وجلسا في مواجهة بعضهما حول طاولة مستديرة وضعت عليها الكؤوس البلورية والاواني الصينية. تناولا الحساء اولا اتبعاه بطبق سمك وسلطة, ثم تناولا الجاتو المحلى بالكرز والقهوة.
قام ليتمان على خدمتهما. لم يتكلما كثيرا اثناء تناولهما الطعام, وعندما انتهيا من تناول القهوة رافقها الاستاذ الى الطابق العلوي الذي كانت فيه ممرات كثيرة, اخذها الاستاذ في احدد هذه الممرات ثم طرق على احد الابواب وجدت ميغان نفسها في الداخل. كانت الغرفة واسعة ونوافذها كبيرة تطل على مروج خضراء تستطيع رؤيتها بسهولة تحت ضوء القمر. كانت جدته تجلس على سرير واسع مغطى بالاغطية والوسادات الكثيرة, وكانت قطتها تجلس بقربها. كانت تقرا عندما دخلا, لكنها رفعت عيينيها عن الكتاب الان وقالت: "تعالي الى هنا يا طفلتي."
اشارت بيدها نحو الاستاذ: "لن ابقيك طويلا جاكي, تستطيع الذهاب الى غرفتك. مايز سترافق ميغان الى غرفتها."
بدا على الاستاذ علامات التسلية: "كما ترين يا ميغان كيف ان جدتي جدية بالنسبة للتصرف اللائق. سوف اودعكما, تصبحان على خير." اتجه نحو جدته وقبلها, وكم كانت دهشة ميغان عظيمة عندما لثمها ايضا, وخاطبها قائلا: "لا تتاخري على الفطور, رحلتنا تبدا باكرا." ثم غادر.
"اجلسي قربي على السرير يا ميغان." قالت العجوز: "ان سمعي ليس جيدا كالسابق, اخبرني جاكي انك تعملين معه في المستشفى ذاته. وفتاة جميلة مثلك بالتاكيد مرتبطة باحد ما؟"
"نعم." قالت ميغان ثم استدركت قائلة: "لا." واخذت تخبر الجدة عن بيتها وعائلتها. كانت الجدة تهز راسها علامة الرضى.
"لقد احسن جاكي الاختيار, سوف تكونين سعيدة هنا في هولندة يا عزيزتي." ابتسمت في وجه ميغان: "تستطيعين توديعي الان يا ابنتي. ستغادرين المنزل باكرا وقبل ان استيقظ بمدة طويلة, لقد سُعدت بلقائك, سترافقك مايز الى غرفتك الان."
قبلت ميغان الخد الناعم ثم توجهت الى غرفتها برفقة الخادمة.اسدلت الخادمة الستائر ثم دخلت الحمام وقالت لميغان شيئا. لم تفهم ميغان ما قالت لكن نبرة صوتها كانت لطيفة.
يا للبيت الجميل, فكرت ميغان وهي تنزلق تحت اغطية السرير. للاسف لن اشاهد الكثير منه.
لم يكن هناك وقت, تناولت الفطور مع الاستاذ ثم غادرا قبل الثامنة. لم تعرف الجهة التي توجه اليها بسيارته, ولكنها استطاعت رؤية السدود والتلال وسالته: "هل اصبحنا قريبين؟"
"نعم سوف نصل بعد ان نعبر هذه القرية." مرا قرب عدة بيوت وكنيسة: "من هذه الطريق نصل الى البحر على الجهة الاخرى من التلال."
كان مبنى الميتم مستطيلا وابيض, سقفه احمر محاطا بمروج خضراء وعدة اشجار. قطع الاستاذ الصمت: "يوجد خلف الميتم حقل واسع حيث يستطيع الايتام زراعة ما يحلو لهم في قطع صغيرة مخصصة لكل طفل."
توقف امام باب كبير. ساعدها على النزول من السيارة. قرع الجرس ثم دخلا الى قاعة واسعة حيث استقبلتهما امراة لها ملامح لطيفة ووجه بشوش, وعينان زرقاوان ضاحكتان.
تصافحت مع الاستاذ كصديق قديم. قالا بضع كلمات لبعضهما البعض قبل ان يقوم الاستاذ بتقديم ميغان.
"ميغان رودنر, كاتجي, ميغان هذه هي المديرة جوفرو بال, ستتحدثان سويا لاحقا. والان سيقوم احدهم بارشادك الى غرفتك. اريد ان اتكلم مع المديرة قبل ان ارحل, يجب ان اكون في دنهاج حوالي العاشرة والنصف."
لم تتوقع ميغان هذا. كان بيته على مسافة قريبة من هنا, وتوقعت ان تراه كثيرا قبل ان يغادر الى انجلترا. سوف يبقى هنا لعدة اسابيع لقد قال لها ذلك بنفسه. شعرت بالرهبة لفكرة بقائها وحيدة وعدم رؤيته ثانية.
بددت كلماته الاخيرة امالها: "انا متاكد انك ستكونين سعيدة هنا, فسيكون عندك خطط كبيرة للمستقبل."
حدقت اليه, عكست عيناها افكارها. لم يضف اكثر, فقط صافحها وودعها بطريقته اللطيفة المعهودة. رافقت ميغان الفتاة التي سترشدها الى غرفتها. وصلت ميغان منتصف الطريق والتفتت وراءها, نظرت اليه ولكنه لم يكن ينظر ناحيتها. راقبته وهو يرافق المديرة خارج القاعة. قاومت شعورا قويا في داخلها للحاق به لتقول له انه ليس عندها خطط للمستقبل اذا كانت هذه الخطط تمنعها من رؤيته, اخذت تقاوم هذه مشاعرها القوية التي تحسها نحوه. ادركت انها واقعة في غرام الاستاذ.
كانت غرفتها في الجهة الامامية من البيت, صغيرة لكنها جميلة مرتبة الاثاث. رافقتها الفتاة التي قدمت نفسها تحت اسم ساين. كانت اكبر عمرا من ميغان بقليل, ولها ذلك الوجه اللطيف وكانت تتكلم الانجليزية جيدا.
"سيارة جيدة." قالت ساين وهما ينظران من النافذة نحو سيارة الرولز رويس المتوقفة امام المدخل: "الاستاذ بارون فان بلفيلد ررجل ثري, وهو وسيم ولطيف كذلك..."
"بارون؟" سالتها ميغان.
"ألا تعرفين انه بارون؟" بدت ساين مندهشة.
"ربما هو استاذ فقط في انجلترا؟" اضافت ساين, وهزت ميغان راسها. ان صفة بارون جعلته بعيدا عنها اكثر من قبل.
خرج الاستاذ برفقة المديرة. تصصافحا ثم استقل سيارته وانطلق بها, لم ينظر الى الاعلى, لكن لماذا يفعل هذا؟
"حسنا." قالت ميغان: "سوف ارتب ثيابي في الخزانة. هل هذا هو الثوب الذي سارتديه؟"
هزت ساين راسها: "عندما تنتهي من ترتيب ثيابك ستنزلين لمقابلة المديرة, هل تكفيك ربع ساعة لذلك؟"
"حسنا وشكرا ساين."
تركتها ساين وحيدة اخرجت ثيابها بسرعة ورتبتهاا بعناية, ثم ارتدت ثوبها الخاص بالعمل, كان لونه ازرق منسوجا من القطن باكمام قصيرة وياقة عالية. كان يوجد عدة مراييل, لا حاجة بوضع وااحد فكرت ميغان, فساين لم تكن تلبس واحدا. سرحت شعررها ثم نزلت الى الطابق الاسفل. استطاعت سماع صوت الاطفاال وبكاء الرضع, لكنها لم تشاهد احدا. دقت على احد الابواب الذي كتبت عليه لافتة "المديرة."
كانت المديرة تجلس وراء مكتبها, ابتسمت عندما شاهدت ميغان.
"تفضلي بالجلوس انسة رودنر, يبدو المكان غريبا عليك لكنك ستعتادين عليه قريبا وتشعرين بالارتياح, سترافقك ساين في جولة على الاقسام ولمقابلة العاملين في الميتم. اما الان فسوف اطلعك على واجباتك, اتمنى ان تعملي في قسم الرضع, لدينا سبعة اطفال حاليا يبلغ اصغرهم ثلاثة اشهر من عمره واكبرهم عمرا حوالي سنة. تساعدك فتاة اخرى في المناوبة, ستكن نوبتك من الثالثة ظهرا حتى العاشرة مساء وفي الاسبوع المقبل من الساعة السابعة صباحا حتى الثالثة ظهرا, لديك يوم راحة في الاسبوع, وستشرح لك ساين التفاصيل. ستنوب عنك فتاة في فترة الطعام. توجد فتاتان للحالات الطارئة.
انه عمل متعب ولكنه يستحق لك, سيكون لديك وقت كاف لنفسك في اليوم. انت ممرضة متمرسة؟ لدينا غرفة تمريض صغيرة وارجو في حال وقوع احد الاطفال مريضا ان تشاركي بالاعتناء به. ان الاطفال اصحاء كما تعرفين, يذهب اكبرهم سنا كل يوم الى المدرسة في القرية, والرضع يبقون في الحضانة ولكن نخرجهم الى الهواء الطلق بعض الاحيان..." توقفت المديرة عن الكلام قليلا ثم تابعت: "يجب ان اخبرك اكثر أليس كذلك؟ فانت لم تكوني على معرفة بالذي ينتظرك هنا؟"
ابتسمت ميغان: "لا ابدا حضرة المديرة, انه تغيير جيد بعيدا عن لندن."
"هذا جيد, انا كنت في لندن عندما كنت صغيرة, مدينة رائعة لكنني افتقدت البحر والريف. اما الان سترافقك ساين لتناول القهوة ثم القيام بلجولة. ستبدئين العمل عند الساعة الثالثة وستساعدك احدى الفتيات, يجب ان اخبر كان الذين يعملون هنا ينادون باسمائهم الاولى وذلك افضل واسهل للاطفال. ما هو اسمك الاول انشة رودنر؟"
"ميغان."
هزت المديرة راسها: "اسم جميل." قرعت المديرة الجرس امامها: "ستاتي ساين الان لمرافقتك, ارج وان تكوني سعيدة معنا ميغان."
كان الميتم منسقا بشكل جيد ومعدا بشكل مريح. كانت الغرف مزودة باضاءة جيدة والوان جميلة مريحة لنظر.
يوجد داخل كل غرفة ثمانية او سبعة اسرة وغرفة كبيرة للعب. كانت غرف الاطفال الاكبر سنا اصغر حجما. وفي نهاية الجولة دخلت غرفة التمريض, كانت مزودة بمعدات ضرورية للحالات الطارئة. ابدت ميغان اعجابها بالغرفة فاجابت ساين:"ان اقرب مستشفى يبعد مسافة لا باس بها. لذلك فنحن بحاجة الى هذه الغرفة, وبها نكون جاهزين لكل شيء."
"هل يقوم بزيارتكم طبيب؟"
"نعم يقوم بزيارتنا اسبوعيا وفي حال حدوث طارئ."
نزلتا السلالم: "سنتناول القهوة ثم نخرج الى الهواء الطلق لالقاء نظرة."
تناولتا القهوة في غرفة صغيرة فيها عدة طاولات مربعة, وحول كل طاولة اربعة كراس, ستائر زرقاء متدلية فوق النوافذ. كان في الغرفة فتيات اكبر سنا تعرفت اليهن ميغان, ارتبكت في بادئ الامر لاسمائهن المختلفة, لكنها ارتاحت لانهن كن يتكلمن قليلا من الانجليزية. قد تتعلم يوما اللغة الهولندية, فكرت ميغان, كان يجب ان تحضر قاموسها معها.
كنت الفتيات لطيفات: "غدا." قالت ساين: "ستكونين حرة في الصباح ميغان, تستطيعين الذهاب الى القرية برفقة احدى الفتيات, وبعد ذلك يمكنك الذهاب بمفردك."
"ماذا عن الرسائل اين مكتب البريد؟" سالت ميغان.
"يوجد عندنا مكتب بريد ويوجد ساعٍ ياتي كل يوم. تستطيعين ان تعطيه رسائلك متى تشائين. يوجد ايضا هاتف يُسمح لنا باستعماله, سوف اريك."
كل الاحتياجات الضرورية مؤمنة, فكرت ميغان, انهت شرب قهوتها وذهبت الى غرفتها لاحضار ورق ومغلفات وقطع نقدية صغيرة. اتصلت بوالدتها ثم خرجت الى الحديقة. كان هناك بوابة كبيرة تفصل بين الحديقة عن التلال في الخارج. رغبت في ان تستكشف المكان اكثر لكنها تذكرت ان وجبة الغداء تقدم في الحادية عشرة, لديها الوقت الكافي لكتابة رسالة صغيرة الى عائلتها, واذا بقي لديها بعض الوقت ستكتب رسالة لبقة تشكر فيها الاستاذ على مساعدته لها, لا تعرف كيف تبدا رسالة الشكر لكنه امر لا بد منه فكرت ميغان. يجب ان تسال المديرة كيف ترسل الرسالة الى الاستاذ فهي لا تعرف عنوان بيته, لم يخبرها الاستاذ ولعله لا يريد اخبارها. ابعدت تفكيرها عن رسالة الاستاذ واخذت تكتب رسالة مرحة الى عائلتها, انتهت خلال خمس دقائق ثم ذهبت للانضمام الى الاشخاص الموجودين في غرفة الطعام.
كانت ساين موجودة برفقة فتاتين اخريين كن في انتظارها هيلين وانكي كانت الفتاة التي تساعد ميغان خلال فترة الظهر في غرفة الحضانة, وبدا انها فتاة شجاعة ذات وجه دائري جمييل وخدين ورديين.
كانت تتكلم الانجليزية قليلا وبرغم ذلك تمتع الجميع بالوقت, ثم تلا الوجبة احتساء القهوة. قالتت ساين: "هذا المساء سنتناول وجبة خاصة بالاضافة الى القهوة."
لم توضح ساين اكثر ولم تسال ميغان.
لا يزال امامها ساعتان قبل ان تبدا نوبتها. اقترحت عليها انكي ان ترافقها الى الشاطئ. قررت ميغان ان ترك رسالة الاستاذ وترافق انكي.
اجتازتا البوابة الكبيرة الى الطريق المرصوف بالحجارة الملساء بين التلال. ثم صعدتا بعض الدرجات الخشبية. امتد البحر امامهما ولمعت رمال الشاطئ تحت اشعة الشمس.
"جميل؟ " سالت انكي.
"جميل, لم اتصوره على هذا النحو. هل ياتي الاولاد الى هنا؟"
"الكبار فقط ولليس الرضع. عندما يسمح الوقت بذلك, تستطيعين ان تسيري لمسافات طويلةباتجاه هلدر او هيرلم." واضافت ضاحكة: "للكن ليس في االشتاء, فالطقس هنا بارد جدا اثناء الشتاء, لكن لن تكوني هنا."
للاسف, فكرت ميغان, السير على الشاطئ الرملي والامواج تضرب الشاطئ بمياهها, ستكون تجربة رائعة, قد يكون الامراكثر اثارة مع الاستاذ.. قطعت حبل افكارها, يجب الا تفكر بهذه الطريقة, رددت على نفسها ذلك مرارا من دون فائدة.
فكرت قليلا اثناء عملها في الحضانة, قد جعلها الاطفال من حولها مشغولة معظم الوقت. كانت انكي صبورة وقوية جدا, دقيقة في انجاز مهامها واعطاء ميغان المعلومات اللازمة عن كل طفل.
"هل جميعهم ايتام؟" سالت ميغان.
"نعم, كيف تقولينها, مهجورون, الصغير جان.." اشارت بيدها نحو الطفل الاصغر سنا الذي كانت تطعمه ميغان: "وجد داخل كيس عند التلال. كان مره عدة ايام, الان هو طفل معافى وجميل أليس كذلك؟"
حدقت ميغان الى الطفل بين يديها: "انه جميل سوف يكون سعيدا هنا."
"ليسا وجدها الاستاذ هناك على الطريق, انه يهتم كثيرا بالاطفال."
"انا متاكدة انه رجل لطيف." قالت ميغان ذلك واحمرت وجنتاها.
تركت ميغان منذ ذلك اليوم على هواها. وكانت المديرة تقوم يوميا بجولتين على الاقسام المختلفة, تمشى على مهل وتحادث الجميع عاملين واطفال, وتسال ميغان اذا كانت سعيدة في عملها, ولم تدل ميغان باي ملاحظة. لقد كان عملا شاقا ولكنها تمتعت به لانه لم يفسح لها مجالا كي تشعر بالاسى على نفسها, وفي اوقات الفراغ القليلة كانت تجد دائما من يتطوع لاخذها الى لقرية او التلال او الى نزهة على الشاطئ الرملي. استلمت في نهاية الاسبوع النوبة الصباحية, وهكذا وجدت نفسها حرة بعد ظهر كل يوم. استعارت في اول يوم عطلة دراجة وذهبت الى كستريكوم كانت مدينة هادئة وتحتوي على متاجر قليلة ومطعم يقع في شارع دوريس حيث تناولت طعام الغداء قبل لان تتابع طريقها في اتجه الشمال الى اجموند, حيث ركنت دراجتها على جانب الطريق وتناولت. احست بالنشوة فعل الهواء العليل وعادت ادراجها الى الميتم ببطء. كانت تفكر بالاستاذ وتتمنى من كل قلبها لو كان معها الان. فكرت بحزن, لا شك انه نسي امري الان, ولكنه كان محقا باقناعي كي اتي الى هنا, انا منهمكة جدا كي افكر بنفسي وعندما اكون حرة اشعر بالسكينة.
كتبت له رسالة استغرقت كتابتها عدة ساعات رغم قصرها. قرا الاستاذ الرسالة, ابتسم قليلا وطواها بعناية ووضعها بجيب معطفه, انه باق بهولندة عدة اسابيع ولديه الوقت كي يذهب الى الميتم ويقابلها, ولكن رغم رغبته بالقيام بذلك لك يفعل, انه رجل يستطيع الانتظار واستغلال عامل الوقت لمصلحته, الى ان تدرك ميغان لمن يخفق قلبها.
نشات صداقة سريعة بين ميغان والفتيات الاخريات, استطاعت تعلم بعض الكلمات الهولندية, وشجعتها الفتيات اللواتي كن ياخذنها معهن في اثناء فترة راحتها, اما للتجول على الدراجة او المشي على الشاطئ الذهبي, او الذهاب الى القرية لارسال الرسائل. كتبت رسائل كثيرة لعائلتها واصدقائها في الريجنت.
ارسلت بطاقة بريدية الى اوسكار تمجد فيها جمال المنطقة وكم تحب عملها الجديد, اما الشخص الوحيد الذي لم تكتب له فكان الاستاذ. لقد كتبت له مرة واحدة بارشاد من المديرة التي زودتها بالعنوان الى مستشفى لايدن, لم تتوقع ان ياتيها الرد لكنها تمنت لو يرد على رسالتها.
في منتصف الاسبوع الثاني لوجودها هناك, وكانت مشغولة باطعام الاطفال, عندما دخلت المديرة الى الحضانة برفقة شاب متوسط الطول شعره جميل ووجهه مبتسم ويرتدي بنطالا وسترة وقميصا ياقته مفتوحة.
قدمته المديرة لميغان: "الدكتور تيموس انه يقوم بزيارتنا بانتظام وفي حالات الطوارئ." ابتسمت بوجه ميغان: "هذه ميغان التي اتت من انجلترا لفترة قصيرة لتحل مكان بين التي ذهبت الى كندا.
" اومات براسها للاثنين: "الان سوف اترككما لتقوما بجولة في الحضانة, ميغان لا تخافي فهو يتكلم الانجليزية."
"هل وجدت اية فرصة لتعلم اللغة الهولندية" سال الدكتور تيموس.
ضحكت ميغان: "تقريبا لا, هل يتكلم الجميع الانجليزية في هولندة؟"
"لا لا ليس الجميع, لكن معظمنا يتكلم الانجليزية, فنحن نجد متعة كبيرة عندما تتاح لنا فرصة للتحدث بها." ابتسم: "الان من ين سنبدا؟ هل لديك اية مشكلة؟"
"حسنا لا لا اظن ذلك, يانتي ليس طفلا سعيدا ربما لانه ترك في ككيس ورق. انه ياكل جيدا ويحب ان يدلل, ووزنه يزداد باستمرار."
حملت الطفل بين يديها, بدا الطفل سيء المزاج لكنه لم يبك عندماا حمله الدكتور: "يا للطفل المسكين." قال الدكتور تيموس: "كيف حال ليسا؟ كانت مريضة جدا عندما احضرها الاستاذ, لقد التقيته أليس كذلك؟"
احست بالحرارة في وجهها: "نعم انا كنت اعمل في الريجنت في لندن, فهو الذي وجد هذ العمل لي."
"انه رجل طيب... قاس قليلا لكنه ذكي." ارجع يانتي ثم قاما بجولة. عندما انتهيا قال لها: "عندي تمرين في كاستريكوم, ربما عندما تجين نفسك حرة نستطيع ان نقوم بجولة في انحاء القرية."
"شكرا ساحب ذلك."
حسنا لنجعل هذا اليوم قريبا." اوما براسه مودعا ثم غادر الحضانة.
عادت ميغان لاطعام الاطفال والعناية بهم. نسيت الدكتور كليا, لكنها لم تستطع ابعاد تفكيرها عن استاذ قاس ام لا, لا تريد رجلا اخر غيره في هذا العالم.

الأستاذ الهادئ - بيتي نيلزحيث تعيش القصص. اكتشف الآن