الحلقة الثالثة

1.8K 32 0
                                    

....كانت شمس أثناء قيادتها مستغرقة فى تفكير عميق...هى تشعر أنها تمقت عبير هذه....ولا ترى لذلك سببا....ولكنها كانت تشعر أنها غير ودودة كما هى تبدو أوكما تحاول أن تبدو.

وصلت شمس إلى ورشة تصليح السيارات...وما إن وقفت حتى رأت جميع العمال فى حالة انشغال كاملة... تفحصت ببصرها الورشة جيدا....ذهبت إلى أقرب عامل إليها وقد انهمك فى تصليح إحدى السيارات.

شمس ببرود وهى تقف خلف هذا الشخص:" يا أنت"
التفت هذا الشخص إليها....بهتت شمس للحظة مما تراه كانت ترى أمامها شابا وسيما....طويل القامة...قمحى اللون...أسود الشعر....

رفع هذا الشخص النظارة المخصصة للعمل من فوق عينيه وهو يقول:"أى خدمة يا آنسة"

تنحنحت شمس وحاولت أن تخرج من حالة انبهارها ثم قالت بلهجة حاولت بها أن تكون باردة وهى تشير بيدها إلى سيارتها:"عربيتى اللى واقفة هناك دى"

-"مالها"

شمس بشئ من العصبية:"يعنى إيه مالها؟..عايزة تصليح....المحرك فيه مشكلة"

وهنا اقترب منهم شخصا ما وهو يقول:"فى إيه يا باشمهندس؟ماتكمل تصليح"

التفت له الشاب:"حاضر"

ثم التفت لشمس وهو يقول بلا مبالاة:"أسف يا آنسة أنا مشغول دلوقتى زى ما أنتى شايفة..ممكن تطلبى من عماد" (قالها وهو يشير إلى عامل يقف على مسافة أمتار منه ويتناول كوبا من الشاى)

وبدون كلمة إضافية التف الشاب إلى السيارة....وتابع التصليح.... مما أثار حنق شمس بشدة....

فقالت وهى تغرز اصبعها فى كتفه:"وأنا مش ماشية من هنا إلا لما أنت نفسك تصلحلى عربيتى"

الشاب بدون أن ينظر إليها:"يبقى تستنى حضرتك لغاية لما أخلص"

شمس بحدة:"أنت يا بنى أدم معندكش نظر....أزاى تسيبنى واقفة لوحدى وسط محل كله عمال وقرف"

التفت الشاب لها وقد بدا أن صبره قد نفد:"بقولك إيه....قلتلك لو مستعجلة تروحى عند عماد....وبعدين إيه عمال وقرف دى؟..هما العمال دول مش بشر زيك ولا كائنات فضائية"

شمس بعصبية زائدة:"أنت أزاى تكلمنى بالأسلوب ده؟...هو أنا واحدة من الزبالة اللى بتشوفهم كل يوم؟...أنت ماتعرفش أنا بنت مين يا أستاذ؟"

الشاب وقد ارتفع صوته:"ما يهمنيش أعرف يا آنسة..هو أنتى جاية هنا تجرى شكل ولا إيه؟...دى حاجة غريبة والله"

شمس بنفس العصبية وبنبرة توعد:"بقى كده...أنا بقى هعرفك أنا ابقى مين"

وبنفس العصبية ذهبت فى خطوات سريعة إلى مكتب إدارة الورشة.

مط الشاب شفتيه فى لا مبالاة ثم عاد إلى العمل...وما هى إلا لحظات حتى سمع صوت الفتاة يحتد فى الكلام وهناك من يحاول تهدئتها....ترك الشاب السيارة والتفت ليرى شمس وقد جاءت بنفس الخطوات السريعة ومعها منصور صاحب الورشة.

شمس بحدة بالغة:"أهو هو ده الحيوان اللى بقولك عليه"

الشاب وقد اختنق وجهه بحمرة الغضب فقال بأعلى صوته:"ما تحترمى نفسك يا بت أنتى....هو محدش قادر عليكى ولا إيه"

شمس بنبرة الغير مصدق لما تسمعه:"أنت...أنت إزاى تكلمنى كده...أنت ما...."

قاطعها الشاب بتهكم مقلدا نبرة صوتها:"...متعرفش أنا بنت مين"

اشتاطت شمس غضبا لما تسمعه وهمت بقول شئ ولكن قاطعها صوت منصور:"ماتحترم نفسك يا علي.... أنا علمتك تتعامل مع الزباين بالشكل ده؟"

علي بحنق:"يا باشمهندس....أنا. عاملتها بأدب بس هى اللى طولت لسانها"

شمس بحنق:"مااهى الأشكال اللى زيك لازم الواحد يعاملها كده"

علي بغيظ:"شوف يا باشمهندس....شوفت الأنعرة بتاعتها...وبعدين أنت علمتنى أنى لازم أخلص الزباين بالدور....وهى جت وكنت بشتغل فى عربية...قلتلها تروح لعماد علشان فاضى وهى اللى مارضيتش"

شمس بغيظ:"أيوة....ومفيش غيرك هيصلحها"

منصور:"صلوا على النبى يا جماعة....ولم الدور يا علي وروح صلحلها عربيتها....وسيب عماد يشوف العربية دى"

علي بلهجة حاول بها أن تكون هادئة:"أنا أسف يا أستاذ منصور.... بس أنا مش همد إيدى فى عربيتها بعد ما غلطت فيا...وأعلى ما فى خيلها تركبه"

منصور وقد اقترب من علي وهمس:"يا علي لم الدور وبلاش الالاطة دى....ده باباها راجل واصل...وممكن يقفلنا المحل ده من بكرة لو قالتله على المشكلة"

علي بلا مبالاة:"خلاص....لو وجودى هيسبب مشكلة استقيل"

منصور:"لا يا علي....أنا عارف أنك محتاج للشغلانة دى زى ما احنا محتاجينلك....أنا بقولك لم الموضوع أحسن..."

وهنا قطع صوته صوت شمس وهى تقترب منه وتناوله هاتفها المحمول وعلى شفتيها ابتسامة ساخرة:"بابا عايزك"

ارتجف منصور وتناول الهاتف بيد مرتعشة:"أيوة...."

ثم تنحنح وتابع بلهجة حاول أن ينتزع منها أى توتر:"أيوة يا صدقى باشا....خير.....إيه؟....لا والله يا أفندم....أنا ماعملتش حاجة.....طب ليه طيب قطع الأرزاق....حاضر حاضر يا باشا...."ثم نقل بصره إلى علي بتوتر وهو يتابع:"حاضر يا أفندم....اللى عايزه هيكون"

أغلق منصور الهاتف وعلى ملامحه نظرات التوتر...ثم   نظر إلى شمس والتى كانت ترمى علي بنظرات الشماتة...ثم التفت إلى علي وقال بلهجة مشفقة:"أسف يا علي... صدقى باشا بيهدد أنك لو ما صلحتش العربية بنفسك يبقى تقدم استقالتك..        ياإما.."وصمت لحظة ثم تابع وهو يطأطأ رأسه فى أسف:"وإلا هيقفل الورشة"

نظر علي إلى شمس ليجدها رافعة رأسها بشموخ وفى عينيها نظرة استعلاء وشماتة وعلى شفتيها نفس الابتسامة الساخرة ثم قالت بتهكم:"صلحها بقى يا باشا.....علشان تعرف أن طلباتى لو ماتعملتش بالذوق هتتعمل بالعافية"

نظر لها علي نظرة حنق وهو يقول بلهجة قاسية ضاغطا على كل حرف من حروف كلماته:"اعتبرنى قدمت استقالتى يا بشمهندس"

ثم أدار ظهره لهما واتجه إلى غرفة تبديل الملابس بخطوات متعالية وكأنه لم يكن فى معركة خاسرة منذ قليل أدت إلى طرده من العمل.

أما شمس فلكم أن تتخيلوا حجم غضبها عندمارأت رد الفعل هذا والذى لم يكن غير متوقعا البتة....فبالرغم مما فعلته لم تتحقق لها رغبتها...وهذه كانت تعتبر سابقة فى تاريخها....سابقة مؤلمة لا تتحملها.

رواية الحب بين الماء والنارحيث تعيش القصص. اكتشف الآن