الفصل السادس

ابدأ من البداية
                                    

كان الضوء خافتا وباهتا لكنه كان من دون شك نور أشعة الشمس مباشرة وبدا لــ شرلي وكان اللون قد عاد فجأة الى عالم من الأسود والأبيض وقد أضافت الظلال عمقا وإبعادا على ما كان يبدو منظرا طبيعيا سطحيا وبسيطا بدا الثلج الذي يغطي الأغصان مثلالئا وكأنه جواهر طويلة الشكل تنثر أقواس قزح صغيرة عبر منحدر التل .
تبعها سبانس الى النافدة قالت شرلي
– لن يمضي وقت طويل قبل ان تبدأ بالذوبان اليس كذلك ؟ وأمسكت ذراعه في غمرة حماسها وهزتها ثم أضافت
– ربما نستطيع الخروج اليوم .
قال
– ان استمر هذا ومال بعنقه نحو الجنوب وأضاف
– لا استطيع ان اعرف ان كانت السماء ستصفو او انه مجرد تباعد مؤقت بين الغيوم ؟
لكن وبينما هو يتكلم اختفت الظلال وأصبحت من الماضي وكأنها لم تظهر قط .
صرخت شرلي
– اللعنة ذلك ليس عدلا .
قال سبانس بصوت فظ
– لقد مضى يوم فقط ولن يستمر ذلك الى الأبد .
لاحظت فجأة أنها تركت رأسها يضطجح على كتفه فابتعدت بسرعة وقالت
– آسفة .
قال
– الحساء ساخن هل هناك المزيد من رقائق البسكويت ؟
أخذت تبحث في الخزانة ممتنة للفرصة التي أتاحت لها ان تدير له ظهرها ما الذي أصابها على أية حال ؟ أنها لا تريده أفلا تستطيع البقاء بعيدة عنه ؟
سكب سبانس الحساء في الصحنين وقال
– ماذا نفعل بعد الغداء ؟ هل تريدين الثار لخسارتك في لعبة الثمانية المجنونة ؟
ارتاحت شرلي لتغيير الموضوع فقالت – لعب المزيد من الورق ؟ لا شكرا كادت أصابعي تتقرح من كثرة الخلط . وفكرت . وقلبي أيضا من الجلوس قريبة جدا منك وأضافت
– سأنظف المكان قليلا .
نظر سبانس حوله وقال
– ولم تزعجين نفسك ؟
قالت
– حسن أني لا أتوقع ان امسح كل ذرة من الغبار لكن من ان ذكرت ذلك الوضع بأنه ... ارتجفت ثم أضافت
– من المضحك أني لم ألاحظ ذلك من قبل .
قال
– لا ان الأمر ليس كذلك فالضوء خفيف جدا هنا حتى انك لا تستطيعين رؤية حية ألا اذا دستها .
قالت
– آه ذلك مطمئن جدا اعتقد عندما كنت أتي مع مارتن الى هنا لم ألاحظ ان كان المكان نظيفا حينها ام لا لأني كنت مجرد طفلة او ربما كانت السيدة باكستر تنظف المكان بين الحين والأخر على كل الأحوال لا اعتقد ان جو من النوع الذي يدع خيوط العناكب تكبر كفاية لتخنقه .
ضحك سبانس وقال
– اعتقد أني سأخرج للبحث عن مخزن الحطب الرئيسي لا اعرف ان كنت لاحظت ذلك ولكننا استهلكنا كمية كبيرة من الحطب الموجود عن المدخل الخلفي وان تدنت الحرارة الليلة فسنحتاج الى أضافي .
لقد جعلها تنظيف المطبخ تجد عملا تقوم به على الأقل لقد شغل تفكيرها أكثر مما قد يفعله الجلوس أمام النار و اخدت تنظف الأوساخ بكثير من القوة لكن النشاط لم يوقف الصداع الذي ارعجها طوال النهار . وكانت تتوقف بين المرة والأخرى لتلتقط أنفاسها وفي كل مرة تقريبا كانت تنظر فيها عبر النافذة الى الخارج كانت ترى سبانس يحمل كومة أخرى من الحطب بين ذراعيه الى الفناء الخلفي لم يكن في عجلة للعودة الى الداخل حتى انه توقف عدة مرات ليتأمل السماء برغم الحرارة او ربما كان ينظر الى الطيور هل كان متلهفا للهروب منها كما كانت متلهفة لإبقاء مسافة بينهما ؟
حمل أخر رزمة من قطع الحطب الى الداخل مع دلو حديدي وقام بغرف الرماد بانتباه قبل ان يشعل النار من جديد .
تركت شرلي أخيرا تنظيف الأوساخ واستلقت على الأريكة وقد أغمضت عينيها كان رأسها يؤلمها بشدة ألان وشعرت بقليل من الغثيان في معدتها أيضا .
أخيرا ابتعد سبانس عن المدفأة الى الوراء فيما اشتعلت النار بابتهاج من جديد .
قال
– أسف على الفوضى التي أحدثتها .
قالت شرلي من دون ان تفتح عينيها
– لا يزعجني الأمر حتى وان نثرت الرماد في أرجاء الغرفة لقد أنهيت تنظيف المطبخ فقط .
قال
– تبدين مرهقة .
قالت
– ان عنقي متشنج قليلا وأعاني من صداع بسيط .
تجهم وجهه وقال
– من اثر السقطة ؟
هزت رأسها بعناية وقالت
– لا . لقد شعرت بوجع الرأس منذ ان استيقظت هذا الصباح تناولت بعض الأقراص المهدئة قبل بعض الوقت لكنها على ما يبدو لم تفدني كثيرا .
قال
– دعيني أضع هذا الرماد في الخارج واغسل يدي وسأدلك لك عنقك .
عندما عاد الى غرفة الجلوس كانت شرلي شبه نائمة ممددة على بطنها على الأريكة جلس عند حافة الأريكة الى جانبها وتمتمت معترضة بفتور لأنها أزعجت . تجاهل سبانس التذمر وبدا يدلك عنقها .
كانت يداه دافئتين وثابتتين وقويتين وفي الحال لقي التدليك اللطيف استجابة منها حيث انبعثت الحرارة في أعماق عضلاتها . كان ذلك مهدئا ومريحا وأصدرت صوت أنين قصيرا في داخل حنجرتها .
سكنت أصابع سبانس وسألها
– هل ألمتك ؟
كان عليها ان تبذل جهدا لتتكلم وقالت
- لا . على الأقل كان نوعا لذيذا من الألم بالإضافة الى ذلك وأضافت بصبيانية
– انه اقل شيء يمكنك القيام به وعلى اي حال انك السبب في شعوري بالحقارة .
قال
– أنا ؟ آه بسبب الطريقة التي أمسكتك بها .
هزت شرلي رأسها ثم تمنت لو أنها لم تفعل . فالدوار لم يفارقها فقالت
– اعتقد ان الأمر أكثر من ذلك أني لست مصابة بدوار فقط اشعر أيضا باني مريضة لا بد انك قد نقلت الى زكامك .
قال
- لم يكن زكاما الم تلاحظي أني لم اعد اعطس ؟
قالت شرلي بعناد
– حسن بالأمس كنت تبدو كما أبدو أنا ألان ربما كانت تلك الأنفلونزا قد أصابتك في شكل خفيف .
لكن كان عليها بذل مجهود كبير لتناقشه في ذلك اذا أغمضت عينيها ثانية وتركت نفسها تغرق في مقعد الأريكة مأخوذة بضغط أصابعه المعتدل القاسي لم تلاحظ من قبل ان يديه قويتان الى هذه الدرجة حتى ألان لم يكن قاسيا او فظا كانت أصابعه تبحث عن كل عضلة متألمة في رقبتها وكتفيها ويخرج الألم منها ولم تكن لمسته مؤلمة بل كانت رقيقة وناعمة .
فرك سبانس عنقها مرة أخيرة وسريعة وكأنه قرأ أفكارها وقال
– هذا كل ما تستطيع أصابعي ان تفعله .
هل كانت هناك نبرة غريبة في صوته ؟
واستدارت شرلي ببطء لكي تتمكن من رؤيته .
كان يفرك عينيه وكأنهما تؤلمانه وتمتم قائلا
– لابد انه قد دخل فيها بعض السخام .
قالت بنعومة
– من جهة أخرى قد لا تبدو بشعا أبدا مع ضمادة على العين مع تلك الضمادة واللحية يمكن ان تكون قرصانا ورفعت يدها من دون وعي منها تقريبا لتفرك شعيرات لحيته .
قال برقة
– شرلي .
لكن شرلي لم تسمع لهجة التحذير في صوته فقد حل عفريت صغير ثائر في تفكيرها الباطني وهمست
– كان يجب ان يكون هذا شهر عسلك . كانت تلك الكلمات وكأنها تلاوة تتردد في رأسها .
لامست برأس أصبعها الغمازة في ذقنه ووضعت راحة يدها على وجهه امسك بيدها ودفعها بعيدا لكن أصابعه تشابكت مع أصابعها وبينما كان يدفع يدها برقة الى جانبها انحنى في شكل تلقائي تقريبا نحوها .
أغمضت شرلي عينيها ببطء .
أطلق أصابعها .لكن فقط ليدخل كلتا يديه تحت كتفيها ويرفعها لتصبح شبه جالسة وضعت يديها على كتفيه مستمتعة بقوته .
قال لها
– انك جميلة جدا
نبرة صوته كانت تكاد ان تكون أكثر من همس دافئ فوق شفتيها كان عناقه رقيقا ومشتاقا .ذاك النوع من العناق الذي كان يجعلها عادة في خلال خطبتهما ترغب في نسيان ذلك العهد المزعج الذي أخذته على نفسها بالانتظار حتى يوم زفافها .
تململت أصابع شرلي عبر وجهه وفوق أذنه ومن خلال شعره ما المشين في ان تستسلم لتلك الرغبة ؟ كان يجب ان يكون هذا شهر عسلك ....
لكنه لم يكن ولسبب مهم جدا .
تراجعت الى الوراء قليلا وتركها سبانس على الفور واستدار على حافة الأريكة حتى أصبح ظهره في اتجاهها وبدا يفرك صدغيه وكان رأسه يؤلمه هو أيضا وقال لها – اللعنة يا شرلي هل أوقفت هذه الألعاب ؟
عضت على شفتها لم تستطع ان تنكر حقا الاتهام بأنها هي التي بدأت وبرغم ذلك لم يكن الأمر برمته ناتجا منها فقالت بحدة
– وافترض ان فرك العنق لم يكن متعمدا ؟
لم يجب سبانس وابتعد عن الأريكة مع ذلك كان في أمكانها ان تعرف من الأصوات الصغيرة التي أصدرها انه انحنى ليلقي قطعة حطب في النار .
سألته
– كم من الوقت تعتقد سيمضي حتى نخرج من هنا ؟
أجابها
– غدا اعتقد سنحاول ذلك على اي حال .
لأننا لا نستطيع البقاء هنا معا فترة أطول كان في أمكانها تقريبا سماعه يقول ذلك . لقد رنت تلك الكلمات في رأسها بوضوح تام او أنها قالتها هي بنفسها ؟
دفعت شرلي نفسها لتجلس على حافة الأريكة وفجأة بدا لها من المهم جدا ألا يفكر سبانس في أنها غير قادرة على السيطرة على نفسها فقالت
– أني قلقة على شارلوت أتعرف ؟ لم اخبرها أني لست ذاهبة الى المنتجع ولم أتوقف حتى لأفكر كم ستقلق ان حاولت الاتصال الى هناك وعرفت أني لم أصل بعد . لابد أني مجنونة لأني لم أفكر فيها قبل ألان .
لم يستدر سبانس وقال
– لا عجب ان كنت كذلك اعني مجنونة .
قالت
– وماذا يعني ذلك ؟
قال
– لا بد ان رغبتك في الابتعاد عن شارلوت كانت دافعك الاول .
قالت
– لماذا ؟ أني أحب شارلوت لقد أحسنت معاملتي .
قال لها
– لقد أربكتك فعلا اليس كذلك ؟ أني مندهش فبدلا من ان تنتحب على مهنتك التعليمية لم تحاول منعك من القيام بأي شيء على الإطلاق .
قالت
– لم عليها القيام بذلك ؟ وأخذت شرلي تروح وتجي عبر الغرفة الرئيسية وأضافت
– على القيام بعمل ما لأكسب عيشي .
قال بلهجة فظة
– آه حقا ؟
انقبض صوت شرلي فقالت
– حتى وان كان مارتن وشار لوت قد خططا ان يتركا لي كل قرش يملكانه الأمر الذي لست متأكدة أنهما ينويان فعله فما زلت بحاجة الى نوع العمل لقد صممت دائما على ان افعل شيئا مهما في حياتي .
اوما سبانس برأسه وقال
– بالطبع لذلك السبب كانت تعتمد الأساليب الملتوية .
سألته
– ماذا تعني ؟
أجابها
– الم يخطر لك ان خالتك العزيزة ستحب كثيرا ان تبقيك الى جانبها ليل نهار؟
قالت شرلي
– بالطبع أنها لن تفعل . أنها امرأة مريضة لكنها تكره ان تغير لي مخططاتي .
قال
–حقا ؟ لم ألاحظ قط ان مرضها يمنعها من القيام بما تريد فعلا ان تفعله .
قالت
– ذلك سخيف كادت ان تموت في الخريف الماضي .
قال
– أني لن أناقشك في ذلك لكنها ستكون بصحة أفضل في شكل عام ان نهضت وقامت بعمل ما عرضا من الاستلقاء على الأريكة وتناول حبوب الدواء والشعور بالأسى على نفسها .
أجابت
– ليس عندك فكرة كيف ...
قال
– ان كانت تريد ان تعزل نفسها عن العالم فذاك شانها لكن الأمر يختلف عندما تحاول ان تدير حياتك على أية حال فكرة من كانت أعادة إحياء كوخ البستاني .
أجابته شرلي بحدة
– فكرة شارلوت بالطبع .
قال
– وقبل ذلك اقترحت ان انتقل شخصيا الى السكن في المنزل .
قالت
– كان ذلك أمرا منافيا للعقل وقد عرفت ذلك كانت مجرد طريقة لتخبرك كم هي ترحب بك . وترقرقت الدموع في عيني شرلي وجعلها الضيق في حنجرتها تتوقف عن الكلام فقد فكرت لو ان ذلك حدث لكان أمرا رائعا .
سألها
– لكان ذلك هو السبب حقا ؟
قالت
– مناف للعقل ؟ بالطبع كان كذلك فالمنزل ببساطة ليس كبيرا بما يكفي لتسكن فيه عائلتان ...
قاطعها قائلا
– لا . كنت اعني هل انت متأكدة من أنها كانت تخبرني بتلك الطريقة كم هي سعيدة بدخولي الى العائلة ؟ أم أنها كانت طريقة لا بقائك قريبة منها قدر المستطاع ؟
قالت
– اذا فانك تقول ألان ان شارلوت عارضت الفكرة كلها ؟ ذلك سخيف وكأنك تقول أنها قد أعدت ذلك المشهد كي ادخل وأشاهدك وافسخ خطوبتنا ... ونظرت اليه برزانة وسألته
– أهذا ما تقصده ؟
تنهد سبانس وقال
– لا .
قالت حسن لأنه كان ليكون أسخف اقتراح سمعته وأدارت له ظهرها وكانت تشعر بدوار في رأسها من شدة التوتر .ربما أنها ستصاب فعلا بالأنفلونزا
– أنها بالتأكيد تعاني تلك العوارض .
قال
– شرلي . أرجوك ...
قاطعته قائلة
– هل تطلب مني ان اغفر لك يا سبانس ؟
لم يجبها في الحال وعندما أجابها كان صوته متهدجا .
فقال
– ليس تماما .
قالت بلهجة تهكمية
– لأنك لم تفعل شيئا هل هذا صحيح ؟
هل تتوقع مني ان اصدق ذلك عندما كنت هناك ؟ أني اعرف ما رأيت يا سبانس .
ألقى قطعة حطب أخرى في النار بقوة مما جعل الشرر والرماد يتطايران .
وقال
– أنا لا أتوقع منك اي شيء بعد ألان يا شرلي .
قالت
– حسن .
كان الألم في رأسها قد اشتد أكثر ألان ولم يكن ذلك مدهشا ستستلقي برهة . حتى يزول الألم ثم تتجه الى منزل أل باكستر . مسافة ميل ليست بعيدة جدا
– لا بد انه مشت أكثر من ذلك هذا الصباح أنها ستبتعد عن الكوخ على الأقل ستبتعد عن سبانس .
جلست على الأريكة وألقت رأسها على المساند الخلفية وقالت وكأنما تكلم نفسها
– كيف حدث ان اخطات في معرفتك الى هذه الدرجة ؟
أعاد سبانس صحيفة المدفأة الى مكانها وقال
– كنت اسأل نفسي ذلك السؤال أيضا .
ساد المكان سكون هادئ ومؤلم يقطعه فقط صوت النار بين الحين والأخر .

انتهى الفصل السادس ؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

روايات عبير / وحدها في شهر العسل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن