19 & 20

68.4K 1.1K 24
                                    

*19*
-انت عاوز اية..!
اقترب منها بخطواطه الغامضة , كانت تنظر له برهبة تود ان تعرف ما يدور داخه , سكن امامها و اسند بمرفقه علي المكتب و هو يقول :
-عاوز اقعد شوية مع مراتي ينفع !
نظرت اليه بتفحص لملامحه , كانت عينيه تحمل حسرة وندم , و كأن يوجد فيضان دموع و لكن كبرياءه كرجل يمنعه..
تجاهلته , و جلست علي كرسيها و قد اصطنعت التركيز في دراستها..سحب كرسي اخر بجانبها و جلس جاورها..
تسلل بيده الي يدها الصغيرة و امسكها برفق , حاولت تملص يدها بهدوء لكنه رفض و ضغط بيده بأقوي..
-انت عاوز اية سبني..
مازن بحزم :
-سمر قوليلي ان مفيش حاجة من الي شوفتها صح..
شعرت بشعلة نار داخلها , أ مزال يصدق تلك الاكاذيب المُرة علي زوجته , لم تجيب و صمتت بسكينة , ليسأل بضيق مكتوم :
-قولي عشان اسامحك..
قهقهت بقوة و حاولت تمالك ضحكتها التي تريد التحول الي بكاء لكن صمدت مكانها و نظرت اليه بتكبر :
-مكنتش محتاج لمسامحتك عشان اعيش علفكرة..
وثب واقفًا و عقد حاجبيه الكثيفين :
-انتي عاوزة اية..انا اسف عن الي عملته بس حطي نفسك مكاني..انا عرفت امسك اعصابي بالعافية و مرتكبتش جريمة فيكي..
-مازن حد قالك قبل كدة انك بارد..
اقترب منها اكثر و امسك بيدها الناعمة ليضعها علي ذقنه التي لم تحلق مذ اسابيع :
-انا بارد و واطي و حيوان بس انتي سمر طيبة و بتحبيني ..
سحبت يدها مسرعة و قالت بحنق :
-انا طيبة مش هبلة عشان اسامحك بالسهولة دية..
ثم اكملت بانفعال :
-انا اصلا ممكن ارفع عليك كذا قضية و احط تاتش كمان انت شكلك نسيت انت متجوز مين..انا سمر يا مازن..و عشان كنت بحبك كنت بسامحك بس انا بردو مبنساش..
جذبها اليه بقوة و اللصقها بجسده و هو يحاصرها بين ذراعيه و يقول بغضب :
-قصد بأيه كنتي بتحبيني..انتي لسة بتحبيني بس تقاومي..
صرخت به و هي تدفعه عنها :
-اوعي..اوعي من عني..
دفعته عنها بكل ما تملك من قوتها , ليتركها باستسلام , فقضبت حاجبيها بغضب :
-والله انا ممكن اهرب و عمرك ما هتلاقيني و مش هتفرق معايا عشان انا اصلا طهقت منك..
مازن بخبث :
-طب اهربي و انا مش همسكك..
اولته ظهرها و نظرت من النافذة ذات الزجاج المشقوق كـ قلبها الضعيف , بكت بصمت و هي تحاول حبس دموعها مرة اخري , ياليتها لم تحبه لتكن بذالك الضعف , مسحت دموعها و عقدت ذراعيها ببعضهما لتقول بشفتي مرتجفة :
-تعرف...اعرف بس مينفعش!!
فجأة جذبها بقوة و استدارها نحوه بعنف , و قد تأكدت انها تبكي الان..
تأوهت بألم , نظر الي عينيها الباكية بصمت و تأثر , كانت تريد الفرار و الرحيل علي الفور , صوت نبضات قلبها كاد يخلع من ضلوعها , عينيه الحزينة تشعرها بالذنب و تخيفها , سمعت صوته و هو يهمس لها :
-بتعيطي لية !
سمر باعتراض :
-عشان مش عاوزاك..
-قصدك عشان بتحبيني و متلخبطة !
سمر بحزن :
-بس انا صح..انا مش عاوزاك..انت واحـ..
حاوط خصرها بقوة , لتصمت و لا تجيب و لا تقاوم..كان كلما اقترب منها تتوتر و تكبر رغبتها في الهروب , قبلها بقوة و هو يمسك ذالك الوجه البرئ بين يديه و يزيد بقبلاته علي وجهها , لا تعرف ما بها لما لا تعارضه و تصفعه اهذا ضعف ام شوق منها..
ابتعد عنها بهدوء و ضمها اليه , لم تخضع اليه تلك المرة فمزالت متمجدة , اعترف لها بضعف :
-انا بحبك..
سمر بتوتر :
-و انا لا..
-لا انتي بتحبيني..
-هيفيد باية !
وضع يده علي ظهرها و ضمها اكثر له و هو يقول :
-طيب بصي في عيني و قوليلي بكرهك..
نظرت الي عينيه لثوانٍ معدودة , لكن ابعدت وجهها لاتجاه المعاكس وضعت يدها علي صدره و كأنها تريد دفعه بقوة و لكن لا حول و لا قوة لتلك العصفورة الضئيلة , طبع قبلة علي عنقها , اغمضت عينيها بخوف , شعرت بانفاسه المضطربة..
تركها اسيرته حرة و حرمها من عناقه اللعين , قائلًا بحزن :
-وحياه اغلي حاجة في حياتك..سامحيني و انا اوعدك اني مش همد ايدي عليكي تاني..
ابتلعت لعابها قائلة بتوتر :
-مش عارفة..
ثم تماسكت قائلة :
-انا بحبك..بس مش عارفة اسامحك الي عملته مش سهل..
-و الي شوفته مكنش سهل برضه !
ساد الصمت لمرة الثانية , بكت مرة اخري و هي تبعد وجهها لناحية المعاكسة , مد يده و مسح تلك الدموع بلباقة و قال :
-بحبك..
كأنه يريد سحرها بتلك المرة , يكررها كل دقيقة لكن كانت تشعر بها بكل مرة و كأنها اولي المرات التي  تقع علي مسامعها , احجبت وجهها بيدها و بكت بقوة تلك المرة بشهقات متعددة , احتضنها و زرع قبلته فوق رأسها و هو يترجي بألم :
-سامحيني..
همست بصوت خافض و ضعيف :
-اسامحك ! طيب سامحتك..!
طار قلبه من السعادة , شعر بعودة الاكسوجين الي رئتيه , شعر بشعور المسافر العائد لاحضان وطنه , زرع قبلةةعلي كتفها و هو يضمها بعنفه المعتاد..تركت نفسها بين ذراعيه , و كأن شهوتها كأنثي تقودها لاحتضانه بقوة هي الاخري تشتهي حبه و حنانه..هو لها الان , هي له الان..
دفنت رأسها علي صدره و تركت العنان لدموعها لبكاء بقوة اقوي , وضع يده علي رأسها و هو يود الاعتذار بكل لغات العالم و يقبل جبهتها امام الكل معترف بعشقه الفصيح لها , تمسكت به و لم تود تركه مبتعد عنها , تشبتت باحضانه و قالت بصوت باكي كالاطفال :
-سامحتك مش عشانك انت..عشان انا بحبك و مجبورة اسامحك..عشان مش حابة اقعد يوم بعيدة عنك..سامحتك عشان انت الامان بتاعي..!
ارتسمت بسمة علي شفاهه لتقتلها هي بقولها :
-بس مش هنسي الي حصل يا مازن..
ابتعد عنها بقوة و نظر الي عينيها بقوة و قال بتعجب :
-لية كدة!!
اردفت و كأنها لا تسمع اليه :
-و موقفي مش هيعجبك لو حصل كدة تاني..
و بحركات يدها قالت ساخرة :
-بوووم هختفي من حياتك..
صمت لفترة قليلة ثم جذب يدها اليه مشاكسًا و قال بخبث :
-و لو عشان خاطري..و لة مليش خاطر عند حبيبتي
حركت شعرها بغنج و دلال قائلة :
-انت الحب..
رفع احدي حاجبيه و قال باستغراب :
-دلوقتي انا الحب !
هزت رأسها معترضة :
-انت علطول الحب بس مانت اتعصبت عليا في مرة فكان لازم اخد حقي رغم اني مخدتهوش كويس..
-نعم...مخدتهوش كويس ازاي..اومال الي كنتي بتعملي فيا دة اية..
رفعت كتفيها و قالت :
-كنت بشاكسك بس..
طبع قبلة علي جبهتها و قال هامسًا :
-اوعدك مش هتتكرر تاني..
اماءت رأسها بالايجاب , لتجده يقترب منها اكثر و هو يقول بسعادة طفل :
-مش مصدق انك رجعتي ليا تاني..
ابتسمت بسمة صغيرة متوترة , اخذ يقبلها في رقبتها قبلات متعددة , كانت مستسلمة تمامًا حتي ظهر امام عينيها مشهد و هو يلقيها داخل الغرفة المظلمة , فجأة بدون ارادة قامت بدفعه , ابتعد عنها بدهشة من تغيرها المفاجاء , بررت فعلتها بقولها :
-مازن انا عاوزة ابقي لوحدي شوية..
ثم ترجته بخوف :
-لو سمحت
قد فهم انها لم تسامحه من داخلها بعد , لوي شفاهه و تفهم موقفها ليستأذن بحزن :
-اه طب ماشي..
اولها ظهرها , جلست علي طرف الفراش و حاولت تمالك اعصابها , عادت بخصلة لخلف اذنها وعاودت التفكير , تشتاق له لكن مزالت تخاف من وجوده بجانبها..
حبست دموعها و همت واقفة منادية :
-مازن..
التفت لها بكامل جسده و نظر لها بتعجب , ليجدها تبتسم له بين تلكَ العينين البارقة , فجأة اسرعت له بالركض , لتقفز في احضانه مرة اخري و هي تحاوط رقبته و تصرخ بسعادة :
-وحشتني يا مازن..وحشتني اوي..
قبلت خده بقوة , لم يصدق انها عادت بالفعل , عانقها بشدة و رفعها علي الارض , لتطير كالفراشة في سماء عشقه..
فقد عفوت تلك السيدة الصغيرة بالفعل , استطاعت النسيان للحظات لكي تعود حياتها الي طبيعتها,,عادت الي احضانه التي تشتاق اليها دومًا..لم تكن يومًا من سماتها مقاومة ذالك العشق الكبير التي استولت عليه بكل جدارة..
و احتليت قلبي يا هذا
و مع الاسف,,لست فلسطيني
لاقاوم..!
                            ***
داعب خصلات شعرها الكستنائية بعدما قبل جبهتها برفق , اقتربت منه و قالت بتحدي و هي تنظر اليه بتمرد :
-حاسب يا مازن علي افعالك بعد كدة,,المرة الجية بجد ههرب و هسيب البيت و امشي..
جذب رأسها الي احضانه و قال بلهجة امرية :
-نامي يا سمر..
-ههرب يا مازن..
-نامي !
-ههرب انا بكلم جد علفكرة..
أكد علي جملته قائلًا :
-نامي..
اغمضت عينيها بضيق :
-حاضر..
ثم ضمها الي صدره بقوة , رفعت رأسها اليه و فتحت جفنيها ما ان تقابلت اعينهم ليبتسم كل منهما بسعادة , فتوسدت قلبه الكبير و ضمته اليها بقوة و قد اغلقت جفنيها لنوم بين احضانه..
                          ***
في صباح اليوم التالي
فتحت الزهرة اوراقها و اعتدلت جالسة و هي تنظر لذالك النائم بجانبها , كم اشتاقت الي براءته في النوم , مالت عليه بدلال و قبلت خده , لينسدل شعرها علي وجهه , شعر بالضيق و فتح جفنيه بحنق ليجدها محبوبته الصغيرة تداعبه اثناء نومه..
امسك كفها و اقربه الي فمه ليزرع قبلته الهادئة علي راحتها , تأمل بسمتها الرقيقة و شفتيها و هي تهمس له برقة :
-صباح الخير يا حبيبي..
جلس معتدلًا و قال بتثاوب :
-صباح الفل..
و اردف مندهشًا و هو يجد عقرب الساعة يدق علي التاسعة صباحًا :
-اية دة ! الساعة 9...يلا قومي عشان وراكي درس الساعة 11
سمر باعتراض طفولي :
-لاا بقي انا مش قادرة و مش عاوزة اروح..
-يلا يا سمر مبهزرش..
هزت رأسها بالنفي و ارتمت علي الفراش مصطنعة النوم و قالت بمشاكسة :
-بص انا نايمة اهوة..
مازن بمكر :
-خلاص انتي الي جبتيه لنفسك..
حملها بخقة و رشاقة , لتصيح :
-خلاص خلاص يا مازن هروح , سبني..
و كأنه لا يسمع لندائتها , اسرع الي المرحاض قائلًا :
-هرميكي في المية السقعة و انتي الخسرانة..
رسمت وجه عابس مصطنع و قالت :
-خلاص اهوة سبني بقي..
تركها بسلام , لتقول بضجر :
-يارتنا ما تصالحنا..
حملها مرة اخري و قال بمرح :
-والله طيب..
فتح صنبور المياه و اللقاها في "البانيو" برفق لتصرخ من برودة المياه و هي تحاول الفرار , قهقه علي انفعالها الطفولي , ثم خرج من المرحاض مبتسمًا و البسمة تعلو وجهه , مزال لا يصدق انها بالفعل عادت اليه مرة اخري , و لكن بأي قلب عادت..؟
*
*
*
*
*
يتبع
*20*
فتحت باب منزلها و هي تهتف ببهجة و سعادة :
- مازن..مازن..ميزو
اللقت حقيبتها علي الاريكة باهمال و سارت صوب مكتبه و هي تقرع الباب بخفة و لم يختفي اسمه من شفاتيها بعد فأخدت تناديه :
-مازن..مازن..
فتحت الباب بهدوء و اطلت برأسها بمكر لتراقبه دون ان يشعر ، وجدته يهاتف احدهم علي الهاتف ، انفلتت منه بسمة من ثغره و لوح بيده محي صغيرته الفاتنة بسعادة باهرة ، لم يلبث ان عاد ليكمل محاثته الهاتفيه بتهكم و قد علت ملامحه الغضب ، تسللت اليه بهدوء و وقفت جاوره و هي تحمل بيدها شيئًا ما خلف ظهرها..
انهي محادثته الهاتفية و دس هاتفه في جيب سرواله الاسود الانيق ، التفت لها مبتسمًا بعذوبية و قد تحولت نبرة صوته اثائرة الي صوت هادي لبق :
- ازيك يا سمورتي..
اشرقت ضحكة واسعة علي شفاهها و مدت يدها بزهرة بيضاء كانت تخفيها خلف ظهرها عن انظاره ، نظر لزهرة باستغراب و قد تأكد ان تلك المشاغبة قطفتها من حديقة جارهم ، عقد حاجبيه مندهشًا اللتقط الزهرة من بين اصابعها و ابتسم ابتسامة صفراء متوترة..
فقالت مسرعة حينما لاحظت ملامح الدهشة علي وجهه :
- لقيتها و عجبتني..
ثم اردفت بخجل :
-عارفة ان المفروض الولد يهديها لبنت..بس انا و انت واحد..فقولت ادهالك انا..
ثم وقفت علي اطراف اصابعها برشاقة و تركت قبلة هادئة علي شفاهه ، سعد سعادة بالغة و احاط خصرها الأهيف بذراعيه احتضن عصفورته بحنو بالغ هامسًا بنبرة سعيدة :
-ربنا ما يحرمني منك يا حبيبتي..
تركت رأسها خالدة علي اوطان احضانه ، ليزرع قبلته علي جبينها ، اهداها ذاك الوسيم اغلي زهرة الان ، فما اغلي قبلته المشحونة بمشاعر فياضة بالحب لها..!
                            ***
و مع شمس جديدة التي اطلت الذهبية بأشعتها بجراءة في غرفة العاشقين..
بثت واقفة حينما دخل الي دورة المياه و هتفت قائلة :
-مااازن..انا نازلة اشتري حاجات..
قد فتح صنبور المياه ليستحم فلم يستمع لصوتها العالٍ ، لم تحاول ان تخبره مرة اخري لتمسك بمفاتيح سيارته السوداء مسرعة و تبتسم بسعادة خبيثة ، فقد طلبت منه ليلة امس ان تقود سيارته كبعض صديقتها لكنه رفض معللًا خوفه عليها و علي سيارته الباهظة الثمن..!
كانت مصرة علي قيادة السيارة و لو علي سبيل التجربة ، اللتقطت مفتاح السيارة بين يدها و ركضت خارج المنزل مستعدة لتحقيق حلمها البسيط..فتحت باب الجراچ فوجدت سيارته السوداء تنير بلمعان تحت اضاءة اشاعة الشمس ، اسرعت إليها و ضغطت علي زر الذي طلما ضغط عليه عزيزها لتشغيل سيارته..اسرعب بالركوب عليها ببهجة و جلست علي المقعدة بثقة و كبرياء كما يفعل ، تأكدت من وضع حزام ألامان ليحيط بها جيدًا ، استطاعت استعادة تعاليمه السرية لتحريك السيارة و خروجها من الجراچ ، كانت السيارة تسير علي نحو هادئ و بطيء ، شعرت بانجاز من داخلها و اخذ قلبها ينبض بقوة من فرط السعادة و الخوف..
حتي لاحظت في مرآه السيارة احمر الشفاه الخارج عن مصار شفاتيها شهقت بقوة و بطرف اصابعها الرقيق حاولت امحاء هذا الخطأ الغير مغفر في عهدها الانثوي ، و بدون حسبان للأمر صدمت السيارة بشجرة و خرجت السيارة هي الاخري عن مصار الطريق ، شهقت بصدمة و فتح ثغرها الصغير و هي تضع يدها علي فمها..لاحظت هذا الدخان الصادر من سيارة زوجها ، كادت تبكي لكن فور ما خرجت من السيارة و نظرت بكبرياء مصطنع الي بواب احدي العمارات..
لوحت يدها اليه فأنتبة لها و تسائل بنظراته عما تريد لتقول بصوت عالٍ نسبيًا :
- عمو ناصر رجع العربية الجراچ..
اعطته مفاتيح السيارة و هو مزال تحت اثار الدهشة من فعلتها التي بدت له مصيبة غير سارة لـ مازن ، سارت بثقة عمياء و هي تطلق صفيرًا مزعجًا و كأن شيئًا لم يكن..
اغلقت باب المنزل لتجد زوجها يعقد رباط حذاءه ، يا الله لم يسمع صوت الصدام ، ابتسمت بتوتر و اقتربت منه قائلة برقة :
- حبيبي استني اعملك فطار..
مازن بأعتراض :
- لا لا انا ورايا اجتماع كمان ربع ساعة و متأخر..يلا سلام يا سمورتي..
هم واقفًا ، كانت مذهولة و تحت تأثير صدمة قوية ، قبل كلتا خديها بلطف و هو يقول :
- سلام خلي بالك من نفسك..
كان ذهابًا لكن ابدت اعتراضها تلك الصغيرة القصيرة و وقفت امام طريقه و هي تمنعه عن الذهاب ، كان كلما اتجه لناحية اليسار تسرع هي الاخري بسرعة فائقة و تصبح عائقًا لطريقه و كلما اتجه الي اليمين تكرر نفس الشيء ، ليقول مازحًا :
- جرا اية يا سمر هنرقص تانجو و لة اية..يلا ابعدي يا ماما هتأخر..
هزت رأسها بالنفي و طوقت رقبته بذراعيها قائلة بغنج و دلال :
- حبيبي ما تقعد معايا انهاردة،،انت وحشني اوي و عاوزين نكلم و ا...
قاطعها بوضع يده علي ثغرها الثرثار و قال :
- هششش اية راديو جوة..سلام يا سمر هرجع بدري مش هتأخر والله..
ذمت شفاتيها بحزن مصطنع قائلة :
- مانا عارفة انك مش هتتأخر والله..
قبل جبهتها برفق و تركها في طريقها بمفردها..المسكين يظن انها خائفة من تركها وحدها في المنزل ، ضحك برفق علي تصرفاتها الطفولي ، استقل بالمصعد و ضغط علي زر الدور السفلي ليهبط المصعد ببطء...
توقف المصعد في الدور الاخير كما أمره ، فخرج و هو يسير بهدوء و يغلق الزر الرابع من معطفه القماش الذي يعطيه ثقة غير عادية كلما ارتداء يشعر و بأنه امير عصره..
دلف الي الجراچ لكي يتفاجئ بسيارته المتحطمة ، اتسعت عينيه بصدمة عندما وجدها بهذا الوضع اسرع لها واضعًا يده علي سيارته بأسي و عينين غير مصدقة فجأء وجدها ساخنها هذا يعبر انها صدمت لتو..خرج من الجراچ و هو يبحث بعينه عن اي احد في الطريق ، لم يجد الا البواب المدعي بـ ناصر..
اقترب منه بقلق و تسائل بأستغراب :
- عم ناصر..شوفت عربيتي حصل فيها اية..! هو انت حاولت تسوقها...
اسرع ناصر بتبرير موقفه و قال :
- لا لا والله يا بيه..دة لسة مراتك خارجة منها و طلبت مني ادخلها الجراچ..
سبها في باله و هو يضرب بيده علي جبهته حينما تذكر طلبها ليلة امس ، استأذن من ناصر الذهاب ، فأسرع مهرولًا الي منزله و بأقصي سرعة فتح باب المنزل بقوة ليجدها تجلس علي الكرسي امام التلفاز و تلتهم فطيرة بين يديها ، نظر لها بعينين تضخ نارًا ، ابتسمت بخبث و اسرعت بالركض إلي غرفتها بفزع و هي تقفز علي الارائك لتختصر الطريق..
كان سيلحق بها لكن لم يحالفه الحظ تلك المرة ، اغلقت بابها بالمفتاح و تأكدت جيدًا انه اغلق بإحكام ، طرق الباب بكف يده صارخًا :
- اية الي انتي هببتيه دة..حرام عليكي الموضوع مفيهوش هزار..
حاولت إسكات ضحكتها لكن لم تفلح فتصاعدت اكثر و توصلت الي اذنيه فصاح بها غاضبًا و توعد لها بقوله :
- بتضحكي!! ماشي يا سمر ماشي..لينا كلام بس ارجع بس..
سمعت اغلاق باب المنزل ، فتأكدت برحيله لتقهقه بقوة كلما تذكرت معالم وجهه حينما صدم بـ سيارته المتحطمة من فعلتها..
                                   ***
بينما تدلي الليل بستائره و نجومه المتلألأة في كبد السماء يترأسهم جمالًا القمر الساطع ببدره ، دلف هذا الثائر الغاضب الي المنزل ، فوجدها تجلس علي الاريكة متربعة بقدميها و تتمتع بمشاهدة فيلم كوميدي و بيدها الفشار..
تركت ما بيدها و ركضت إليه بمرح ، قفزت بخفة و طبعت قبلة قوية علي خده و هي تدندن بدلال :
-مال حبيبي ماله..قوليلي ايش جراله امبارح كان ينبغيني و اليـ..
مازن بحنق و هو يقتضب ملامحه :
- بس كفاية صداع..
قرصن خده بقوة و هي تقول بخبث قاصدة النيل منه :
- مالك بس يا بيضة..
رمقها بطرف عينه و تمالك اعصابه هذا الطفل الغاضب ، كان يود دفعها بقوة كي تهدئ اعصابه لكن فضل تركها قبل ان يجن من افعالها الطفولية..
دلف الي غرفته بصمت ، لتتبع خطواطه بخبثها و تقف جواره ، خلع قميصه بعصبية فظهر صدره العريض الحديدي و ذراعيه المكتزين بعضلات..
امسكت احدي خصلات شعرها و راحت تداعبها بين اصابع يدها و كأنها وتر في احدي المعزوفات و قالت بدلال :
-فدايا يا ميزو فيها اية يعني الله فوكك بقي يا راجل..
لم يجيب عليها ، و امسك بقميصه ليرتديه ، لكن تفاجئ بها تجذبه من يده مشاكسة ، استدار برأسه اليها و قال باقتضاب :
- هاتي القميص لو سمحتي..
هزت رأسها معترضة :
- توء..قولي الاول انك مش زعلان مني..
- اخلصي يا سمر بطلي لعب عيال..
- توء..
تجاهلها ، و بحث عن قميص اخر لتشعر بالاحراج و تمد يدها بقميصه مبتسمة بتوتر و هي تقول برجاء :
- ميزو متزعلش مني بقي..
سحب القميص من يدها و نظر لها بتفحص ، ابتسمت بتوتر قائلة بحزن :
- مكنش قصدي والله..
ثم مدت شفتيها السفلي الي الامام فبرزت ملامح دقنها كالاطفال ، نظر لها مطاولًا و قال بابتسامة عذبة في هذا الوجة الثائر..
ما اجمل ابتسامته في لحظات غضبه !
- طب اعاقبك دلوقتي ازاي..
ثم امسك كفها ليطبع قبلة في باطنه و يجذبها إليه برفق ، فألقت برأسها علي صدره و هي تحاوط خصره بذراعيها ، احتضنها بقوة و ضحك قائلًا :
- ماشي ياستي عمومًا مفيش حاجة..
ابتسمت سمر بخبث فنجح اصطناع الحزن لرق قلبه إليها مرة اخري ، قالت ببسمة خبيثة علي شفاهها :
-هة هتعلمني السواقة بقي..!
قبل رأسها بلطف قائلًا :
- عيوني انتي تؤمري..
كادت ان ترفرف من السعادة البالغة التي تملكتها ، فازدات به تمسك :
- بحبك اوي..
وضع يده علي شعرها و مرر يده عليه بحنان أبوي ، لتتذكر شيئًا ما و تشعر بالخوف يعاودها مرة اخري كادت تلتهم انمالها ، اغمضت كلتا عينيها و توترت شفاتيها و هي تتفوه قائلة :
- مازن اللاب بتاع وقع عليه نسكافية..
تمالك اعصابه و اشتدت الملامح علي وجهه سوءًا كأنه يود قتل من بين ذراعيه الان لكن صمت حينما رفعت إليه عينيها الملاكية الساحرة و قبلت شفاتيه برقتها المعتادة و هي تهمس بمشاكسة :
- فدايا يا حبيبي..
ذم شفاتيه بحسرة و ندم :
- فداكي يا حبيبتي..
ضحك كلاهما بقوة و ازداد كل منهما تمسك بحبهما القوي الذي لا يقهر..
حب جبار ولد بين شاب في اوائل الثلاثين و فتاة مراهقة لم تتعدي العقد الثاني بعد،،
لم يكن اختلاف العمر الكبير سبب يومًا في هزيمة و هدم حبهما..فالحب علاج ، و هما مريضان لا يتعافا..
مرت السنين واحدة تلو الاخر و الحب لم يتراجع عن محله ، مزال صامد في مكانه لا يهتز عرشه مع الصدمات و الخلافات التي قلت كثيرًا بعدما استطاع مازن تمالك اعصابه و مرعاة صغيرته التي مرضت بـ السكر...
كان واقفًا امام مبني جامعي خاص بطلاب الهندسة الوافدون من كل انحاء المحافظات ، عقد ذراعيه بملل فقد تأخرت اليوم في الامتحان عن اي يوم ، قلق ان اصابها اي مكروه حاول تجميد ملامحه رغم القلق المتسرب من عينيه التي تخفيها نظارة الشمس..
وجد اميرته الصغري التي لم يزداد طولها بعد تقترب منه و الابتسامة علي ثغرها ، تلك التي اصبحت امًا لطفله الان ، وقفت امامه تلك النحيلة التي تحفظت بجمال رشاقة جسدها حتي بعد الولادة..
قبل كلتا خديها بشوق و سألها بقلق :
- اتأخرتي لية !
زفرت سمر بحنق :
- الدكتور اتأخر في تسليم الورق فطلبنا وقت زيادة..
تنهد براحة و امسك بيدها التي بردت من التوتر :
-طب عرفتي تحلي..
سمر بتوتر :
-الامتحان كان صعب بس الحمدلله هعدي ان شاء الله..
مازن مداعبًا اياها ليخفف عن توترها :
- نقول كدة عروستي كبرت و بقيت في رابعة..
سمر ببهجة نبضت علي وجهها :
- ايوة الحمدلله انهاردة خلاص انتهيت من السنة القذرة دية..
ثم ركبت السيارة و هي تردف حديثها :
- صحيح هنعدي علي ماما مني ناخد ياسين بقي..دة معاها طول امتحانتي..
غمز لها مازن بمكر و اعترض قائلًا :
- لا خليه عندها انهاردة كمان..
ضحكت بحرج قائلة بملامح مسكينة :
- توء بقي..ياسين وحشني الله..
اقترب منها قائلًا بخبث :
-مانتي كمان وحشتيني..
قرصت انفه بخفة و قالت برقة :
-و انت كمان وحشتني اوي يا حبيبي
عاد لوضعه في المقعد و امسك بيدها ليقبلها بقوة حانية ، تصاعدت الحمرة الي وجنتها و توردت بخجل حينما نظر اليها زملائها فهمست باستحياء :
-مازن في ناس بتبصلنا..
رد بجراءة قائلًا :
-ما يشوفوا هو انا بعمل حاجة غلط..
لم بما تحيب لكن شابكت يدها بيده قائلة بسعادة :
-انت الحب..
نظر الي عينيها المبرقة ببحبور و قال بسعادة :
-و انتي الحياة..
                                   ***
امسك بملل هاتفه الذي لا يكف عن الرنين و ضغط علي زر الاستجابة ليرد بتماسك علي المتصل المزعج ، لكن فورًا ما هب من الفراش و حدق عينيه بصدمة و هو لا يستطيع تصديق ما وقع علي مسامعه لتو ، التفتت له سمر بتعجب و قالت بنعاس :
-اية يا مازن مين بيتصل..
اغلق هاتفه المحمول و هو لا يزال مصدوم ، نظر لها قائلًا باطمئنان :
-انا هروح اجيب ياسين نامي انتي يا حبيبتي..
ثم انحني علي وجنتها ليزرع قبلة صغيرة عليها ، فتسائلت بتعب و إرهاق :
-استناك..!
هب معترضًا :
-لا لا نامي انتي..انتي اصلا شكلك تعبان
و قام من الفراش بقلق و اتجه صوب خزانته ، تناول قميصه الابيض و ارتدي ملابسه علي عجلة من امره..
و هو لا يعرف ماذا عليه ان يفعل في تلك المصيبة التي وقعت عليه ؟
ماذا يجب ان يكون رد فعله تجاه هذا المعتوه ؟
لم يكن خائف فقط الا علي صغيرته البريئة من تلك الوحوش التي عادت ربما لتنتقم..
                                     ***
بعد ثلاث ساعات
عاد بقميصه الابيض الذي تناثر عليه بقع دماء اثار هذا الشجار الذي دار بينه و بين المغفل ، كان طفله "ياسين" يحمله بين يديه هذا الطفل الذي اخذ الشبة الكامل لبراءة سمر الا بعد الملامح التي لم تظهر بعد ، طفل لم يكمل ربيعًا بعد اصبح هو اقوي سبب في تعلقهما ببعضهما البعض..
وضعه علي الفراش بجانب والدته ، ثم تسلل الي دورة المياه خائف من يقظة زوجته و ان تراه بهذا المنظر فقد اصاب ببعض الضربات في وجهه الوسيم..مزال يتذكر صيحة والدته به عندما رأته بهذا المنظر المرعب..
نظر الي المرآه و دقق علي تلك الجروح السطحية التي ملءت وجهه ، شعر بالضجر كان يجب قتله و فتكه بين يديه..
كلما تذكر ما فعله بصغيرته يشعر بحرارة الغضب تندلع في صدره..
اغتسل جيدًا و التفكير في الامر لا يغادره بتًا و كأنه متعمد في مضايقته ، لم يستطع النوم ليلتها الا في بداية مطلع الشمس ، غالبه النعاس بكل جيوشه..
فتحت عينيها علي رنين جرس الباب المتواصل ، زفرت بحنق و هي تقوم من نومها ، ارتدت عبائة و امسكت بحاجبها لترتديه بطريقة عشوائية ، فتنفلت منها احدي الخصلات التي لم تلحظها..
فتحت الباب بكسل و النوم لا يغادر عينيها بعد لكن فجأة عندما وجدتهما الاثنين يقفان بجانب بعضها ، احدهما قد يظن البعض انه خرج من معركة مع الهكسوس و الاخر يظن البعض انه مات مذ سنوات و عاد الي الحياه مرة اخري بهذا المنظر البشع الهذيل..
لم تعرف ما عليها الفعل لكن انتطلقت من شفاتيها صرخة قوية :
-مااااازن..ماااازن..
قفز من فراشه علي صياحها ليتذكر ليلة امس و ما حدث ، تأكد ان الغبي قد جاء بدون اللقاء ميعاد او محادثة سمر في الامر ، سيقتله لكن لاحقًا بعدما يهدئ صغيرته المذعورة من عودة فارس و والده..
*
*
*
*
يتبع

زوجتي طفلتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن