في صباح اليوم التالي اقلعت الطائرة وكان يقودها ماريو بنفسه .استدار فوق المزرعة وتوجه نحو الغرب .كان ماريو يبدو مرتاحا وهو يقود .ومهما كانت تفكر بهذا الرجل الغريب ,فهي تثق به ثقة عمياء .وفي ملامح وجهه البشوشة يبدو انه عازم على الاستفادة من هذه الاستراحة غير المنتظرة ان رافقته ليندا ام لا .رمقها بنظرة ,فكانت مستقيمة بجلستها,متقلصة ,مكتفة اليدين.تعبر عن توترها الداخلي .
انحنى ماريو فوقها وقال :
"ما رأيك ببعض البهلوانيات؟"
لم تقدر ليندا ان تمتنع عن الارتجاف .فهي تشعر انه على استعداد للقيام ببعض النزوات الطائشة .
تلعثمت تقول :
"لاشكرا"
فجأة راحت الطائرة تهبط بسرعة نحو الارض .بدت الكارثة حتمية .اغمضت ليندا عينيها وضغطت فكيها ,بانتظار ان تسمع الصدمة .وراحت تصلي الى ان شعرت بالطائرة ترتفع من جديد بصورة تدريجية .
فتحت عينيها وكان ماريو يبتسم بهدوء .فصرخت به غاضبة :
"انت انسان مجنون حقا ,كدت تقتلنا ."
قهقه ضاحكا وقال :
"نعم 'لكن بطريقة جميلة ,يا عزيزتي ما أجمل ان يختفي الانسان من الوجود في شعلة من النار كأنه يلعب بالموت ."
حاولت جهدها استرجاع عقلها وقالت :
"اقتل نفسك اذا كان هذا ما ترغبه ,لكن افعل ذلك لوحدك .شخصيا افضل حياة تعيسة على موت رائع ."
تمت بقية الرحلة في هدوء تام , فقد ظلا صامتين حتى بدأت الطائرة تخفف من سرعتها استعدادا للهبوط .
قال ماريو وهو يشير نحو النافذة :
"برأيك لما تدعى هذه المدينة وادي الفردوس؟"
انحنت ليندا الى الأمام ولاحظت ان هذا التكتل الواسع له شكل المنجل والخط المنحرف يحيط المرفأ حيث رأت العديد من السفن .انحرف ماريو فوق المطار بسرعة وهبطت الطائرة بسلام.
استقر سيارة تاكسي اقلعت مسرعة على الطرقات الواسعة لمدينة فالباريزو .وبعد ربع ساعة وصلت بهما السيارة الى فينا ديل مار .اعجبت ليندا بطابعها الغريب.الشاطىء الرملي الناعم يمتد على مد النظر .ومن جهة البحر المساكن الواسعة الفاخرة التي تعود الى بداية القرن ,بجانبها الفيلات الحديثة وعربات الخيل تنتقل ذهابا وايابا بخطى الخيول الهادئة .اشجار النخيل والصنوبر. وفي كل مكان الأزهار على أنواعها بوفرة مدهشة.
مد ماريو ذراعه وفتح باب سيارة الاجرة التي توقفت أمام فندق كبير فخم.
وكأنها في حلم تبعته الى مدخل الفندق .ودخلا في المصعد الى الطابق الأخير .فقادهما الموظف الى الجناح المخصص لهما .الديكور كان أنيقا وفاخرا.النوافذ الكبيرة تطل على المحيط الهادىء.
قال لها ماريو وهو يقترب منها وهي تتأمل المنظر باعجاب :
"هل يعجبك المنظر ؟"
"إنه رائع يخطف الأنفاس بجماله "
التفتت نحوه متألقة .وظهرت في عينيها الزرقاوين زرقة المحيط الغامقة .
بدا ماريو مندهشا :هذه الصرخة من القلب اسكتته .كان ينتظر أن يراها كالعادة متحفظة وعدائية,ولم كيف ستكون ردة فعله.حدق بها مدة طويلة فاحمرت وجنتا ليندا واختفت إبتسامتها البراقة وتيقظت .خالجها شعور أنبأها الا تثق بماريو وبنزواته غير المتوقعة .
ابتعدت بعصبية عندما أعلن بصوت لامبال:
"اقترح عليك شيئا .انسي أني زوجك.ومن جهتي سأعتبرك نوعا ما رفيقة .سئمت الحرب التي بيننا .لنضع أسلحتنا ولنعتبر هذه العطلة هدنة .ما رأيك؟"
كيف بإمكانها ان تنسى مثل هذا الشيء,غير أنها هزت رأسها إيجابا .فأجابها بابتسامة عريضة :
"عظيم ,مارأيك لو نغتسل ونوضب أشياءنا ؟وبعدها نذهب للنزهة في المدينة ."
الحمام يقع بين الغرفتين .دعا ماريو زوجته أن تدخله اولا وبعد دقائق من خروجها من الحمام ,راحت ترتدي فستانا من القطن الأبيض وتسمع الماء ينهمر في الداخل وصوت ماريو يرنم أغنية معروفة .
سرحت ليندا شعرها ورفعته كذنب الحصان .وفجأة شعرت بيديها ترتجفان .ماذا يجري في داخلها ؟إثارة ؟ خوف؟ لكنها إقتنعت اخيرا ان مجرد قضاء خمسة عشر يوما في هذا المكان الاسطوري أيقظت في داخلها انفعالات غريبة من نوعها .لكن عليها أن تظل حذرة ,فلا يجب أن تنسى ذلك .
طرق ماريو الباب ثم دخل الى غرفة ليندا .كان يرتدي سروالا أسود وقميصا سوداء ,بدا وسيما جدا .
"هل أنت مستعدة؟ "
مد لها يده وهو يتأملها بشكل واضح .وكان الإكتفاء باديا على وجهه .مدت ليندا يدها ولأول مرة منذ شهورعدة تشعر بالسعادة .
ولمدة ساعة تقريبا راحا يتنزهان على شاطىء البحر كان الجو مرحا .السباحون يتداعبون مع الأمواج .اكلا بعض الفاكهة الطازجة ليخففا من حدة الجوع ثم جلسا ينظران حالمين الى البواخر الراسية.ومن وقت لآخر كانا يضحكان بصوت عال عندما يشاهدان النوارس وهي تشك بطريقة بهلوانية باحثة عن بقايا الطعام ,ثم تأبطا ذراع بعضهما البعض وعادا الى الفندق اما نظرات المتسكعين الذين اعتبروهما عاشقين .
كان الجو شديد الحرارة ,ولما دخلت ليندا الصالون الصغير في جناحهما ,بدأ العرق يتصبب من كل أنحاء جسمها .كانت متعبة وفي الوقت نفسه فرحة .وبينما كان ماريو يحضر الشراب المنعش ,شعرت برغبة في أن تشكره .قالت وهي تجلس بإسترخاء على المقعد المريح :
"كان نهارا رائعا ,افضل أن تكون رفيقي بدلا من أن تكون زوجي ."
من دون انفعال أو توتر قدم ماريو لها كوب عصير .وبينما كانت تراقب تحركاته,تساءلت ليندا اذا كان ماريو قد غير رأيه فقط من أجل أن يوهمها بشعور الأمان الخادع .إنه رجل ذو مزاج ناري ولا شك أنه لم ير كابريللا منذ وقت طويل .
ابتسم لها وقال بصراحة :
"الصداقة ,يا عزيزتي مثل الثمرة .إنها بحاجة للنضج .لكن الصداقة التي تجمعنا مازالت خضراء فجة وبحاجة الى وقت طويل لتنضج."
ابتسمت ليندا ابتسامة ناعمة وامسكت اليد التي مدها إليها .فقال وهو يلاحظ السماء التي عمها الظلام بسرعة :
"حان الوقت كي تهيئي نفسك للعشاء .من الأفضل ان نتناول الطعام باكرا,يا صديقتي .وهكذا سنتمكن من الإفادة قدر الإمكان برؤية الوادي ."

روايات احلام/عبير:خدعه مصيريهWhere stories live. Discover now