اقتباس الخامس

68 13 3
                                        


كانت الغرفة قد هدأت قليلًا بعد خروج الجميع… إلا أن الصمت هذه المرّة كان يحمل شكلًا آخر، شكلًا يشبه تلك اللحظة التي يقف فيها القلب على حافةٍ بين الرجاء والخوف.

الضوء الأبيض المنبعث من المصباح الطبي فوق سرير الفحص كان ينسكب على بشرة ...... كأنه يحاول أن يطمئنها، بينما الممرضة تُعدّ الأدوات:
قفّازان، إبرة صغيرة، زجاجة شفّافة، وشريط مطاطي يُربط حول الذراع.

أعتدلت في جلستها قليلا ، ويدها تمتدّ ببطء لتسند نفسها، وقد بدا عليها الإرهاق كأن جسدها لم يعد يحتمل حتى وزن الهواء.

والدتها تحرّكت لتقف خلفها، وصيدقتها إلى جانب السرير، أمّا ..... فكان واقفًا في الخلف، يحاول أن يبدو هادئًا بينما عيناه تتنقلان بين ..... و ..… كأنه يراقب مشهدًا يعرف أنه أخطر من أي تحليل طبي.

وأمام السرير.......كان ....... واقفًا، كتفيه مشدودان أكثر مما ينبغي، يداه معقودتان خلف ظهره، وكأنه يقف أمام محكمة لا أمام سرير فحص الممرضة قالت بنبرة عملية:
لو سمحتي، مدّي دراعِك شوية.

مدّت .... ذراعها…
لكنّ عينيها لم تمدّا نظرهما سوى في اتجاه واحد هو ذالك العاشق الذي سرق قلبها........

لم يقل كلمة لكنه كان يحدّق.... بهذه الطريقة التي يعرفها جيدًا، تلك الطريقة التي تتحوّل فيها نظراته إلى شيء يشبه موجة سوداء تضرب القلب دون صوت.

تقترب الممرضة بالإبرة.... وترتفع كتلة القلق على وجه عقاب، كتلة واضحة لدرجة أن الممرضة نفسها ترددت قبل أن تلمس جلد ريمان.

كان انزعاجه ظاهرًا..... فاضحًا..... شديدًا إلى حدّ جعل صديقتها ترفع حاجبها بخبث:

— على فكرة..... الإبرة صغيرة.... مش هتاكلها.

لم يردّ هو لم يسمعها أصلًا كان يسمع شيئًا آخر صوت ضميره.

الذنب كان يقف إلى جانبه، كظلّ ثقيل، يضغط على صدره وهو يُعيد في داخله الحقيقة التي يحاول إخفاءها:
أنه خدعها، خدعها قبل ساعات فقط، وخدع قلبها دون أن تقصد هي أن تمنحه هذا القلب.

لكن هي  رأت شيئًا آخر تمامًا، رأت القلق في وجهه، فاصفرّ قلبها بدلًا من أن يصفرّ وجهها.
رأت انقباض حاجبيه، والوتر المشدود عند جبينه و فكّه، كأنه يخشى أن تلمس الإبرة شريانًا من شرايينها.
ورأت يده اليسرى تُقبض في نفسه خطوةً بعد خطوة كلما اقتربت الإبرة فقال قلبها… بلا صوت:
“هو بيحبني.”

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Nov 26 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

أنتظروني قريباً Where stories live. Discover now