22-| ذهاب الأحبة|

ابدأ من البداية
                                    

تلك التي حافظت على ثباتها رغمًا عن كل ما شهدته من فقدٍ وحزنٍ وخيبة..

ذهبت للتو أفضل صديقة، وصاحبة.. أفضل زوجة وأم!

_____________

أثناء اقترابهم من المملكة أخيرًا، تحديدًا أثناء احتلال الظلام للنصف الآخر للسماء ظهر بالطريقة ذاتها قاطعًا عليهم السبيل..

تمتم وهو يطالعها باشمئزاز..
-" كيف حال الخائنة؟"

جحظت عيناها..
-" كنت أتطلع لهذا اللقاء منذ مدة، ولكن لا بأس فقط أريد قول أن ما تخطط له لن ينجح أبدًا سلاف!"

تسكع بالخطى وهو يقترب منهما وقال ببرود:
-" للحق كانت خطتك محكمة دارلين ولكن للأسف، هناك بئر صغير لم تنجحي في كشف موقعه لذلك قصدته على الفور.. ونجحت خطتي أخيرًا!"

اندهشت ملامح وجهها بضيق بادلته مع "فَارس" ثم التفتت له تقول بمرارة:
-" أيها الحقير!!"

كانت تنوي العراك برفقة غرابها "أوين" الذي ظهر للتو، ولكن بحركة سريعة وغير متوقعة قام "سلاف" بإصابة "فَارس" جوارها إصابة مبرحة جعلته يسقط بالحال، تركت اهتمامها بالقتال وجثت برفقة دموعها التي تساقطت بغزارة وهي تراقب تعابير وجه "فَارس" المتألمة تارة، وتارةً أخرى تراقب ذلك الجرح الغائر بمعدته، كانت تراقب  أنفاسه الأخيرة بنحيب وهي تردد اسمه..

-" اخبري قوت أنني فعلت ما بوسعي دارلين، حسنًا؟"

أومأت وهي تبكي بقوة ثم قامت بتجفيف الدمعة التي سقطت من عينيه نتيجة تألمه الشديد، وفجأة سقطت رأسه المثقلة من ساعدها، مالت أكثر بعلو جسدها على صدره العالي وظلت تبكي بقوة، لأول مرة في حياتها يشهد قلبها حزنًا كهذا، لأول مرة تفقد أحد الأحبة، لأول مرة تشعر أنها بالفعل أصبحت يتيمة!!..

ذلك السلاف ظل يضحك بعلوٍ وهو يقول بتقطع:
-" أمن كل عقلك كنتِ تظنين أنك ستنفدي بفعلتك!"

كادت أن تستجمع قواها وتقف للمحاربة ولكنها تراجعت حين رأت العديد من الظلال الخاصة به تزحف على الأرض متجهة إلى غرابها المسكين "أوين" لتقييده ثم اختفوا برفقته، أما هو فتقدم ناحيتها يطالعها بنظراتٍ شامتة وكأنه يرتوي بفعلته بها، ثم وبحركة واحدة اختفى برفقتها تاركًا جثة "فارس" بالخلاء..

هبط عليه "هيچن" الذي ظل يصيح بعلوٍ وهو يتحرك يمينًا ويسارًا عله يجد من ينجد صديقه العزيز ولكن لا فائدة، بعد محاولات عدة.. استسلم الصقر المسكين واستقر بين ذراعه الأيمن يغفو بجواره وكأنه يحاول تلاشي أمر موته وينعم بقيلولة أخيرة بأحضانه..

_______________

عاد بهم "عريق" إلى الوادي وهم مازالوا تحت تأثير الصدمة، لا شيء يعم المكان سوى غيمة سوداء كاحلة وحزينة أصابت قلوبهم الرقيقة، للأسف الشديد لم يكن خبر موت "قوت" هو السبب الوحيد، فَللتو سرد عليهم "عريق" بعد أن استعاد القليل من عافيته ما حدث لوالدة "تَيم" وابن عمته "فارس" المسكين..

سيطر عليهم جميعًا الهدوء، حتى هو -تيم- ظل فقط خارج الكهف بالقرب من "آبد" يراقب النجوم بمقلتين ثابتتين لا يتأثرن حتى بتلك السحب الشفافة التي تسقط بتمرد من عينيه، انظروا الآن إلى الطفل الصغير الذي دائمًا ما كان يبحث عن وجهة لسفينته، ومهية تحتوي شتاته، وعائلة تضم خيباته، اليوم.. والآن تحديدًا تهشمت السفينة به ولم يبقى عليها حتى جثته!

مرت تلك الليلة عل اعتاقهم كمرور الحمم البركانية على الأخضر واليابس، كانوا يتأملون الحصول على النصر انتقامًا لذهاب شخصًا واحدًا، الآن شارك رحلة ذهاب الصديق ابنته، وزوجته، وابن شقيقته..

ولا يعلمون من القادم بعد!

كل تلك الأفكار السيئة وأكثر تحوم بعقولهم المشتتة الآن، وأثناء خروج "أنس" صدفتًا من الكهف لاستنشاق بعض الهواء الطلق، لاحظ احتلال الكثير من الظلال السوداء على البقعة ذاتها التي يمكث فيها الحراس الخاصة بهم واختفت بلمح البصر، وللتو اكتملت لوحة العبوس بإختفاء آخر آمالهم!!

●◉◉●

-بعد مرور ثلاث أيام-

عم السواد على المملكة، تلك المملكة التي  كانت تزورها الشمس كل يوم أصبحت مظلمة وشاحبة، لا شيء يعم السماء سوى الضباب القاتم والغيم المحمل بالحزن الشديد عن ما يحدث بالأسفل، استطاع "سلاف" النجاح بضم الكثير إلى جانبه، واستطاع أيضًا حرق قلوب البعض الذي تمسك بمبادءه ورفض، وصل خبر موت "فَارس" إلى والداه بسبب احضار أعوان "سلاف" لجثته الشاحبة إليهم بالسجن، بقت الجثتان بالركن البارد هناك تغطيهم قطع القماش القديم الذي وجده "نيثان" تحت تأثير الحزن بصعوبة فالأركان، وجلس بالزاوية الأخرى المقابلة للجثتان وهو يحتوي زوجته بين زراعيه، الدموع هنا أكثر من أي شيء آخر، فقط دموع وهزيمة، ضعف وخراب عم القلوب ولا شيء قابل لتعمريها..

دلف أحد الحراس إلى السجن برفقة آخر يقول بغلٍ:
-" أمر الملك سلاف بإخراج الجثتان، أأكتفيتم من التحديق بهما؟"

تحركت "تالين" أسفل قدمه تتوسله:
-" ارجوك ماذا سيفعل بهم؟"

نثر الحارس قدمه وقال بنقزز:
-" بالتأكيد لن ينقش تمثالين لهما، يريد نقلهما إلى التربة المجاورة قبل انتشار راحتهما العفنة بالمكان"

توسلت "تالين" كثيرًا ولكن دون فائدة، فاعادها "نيثان" مرة أخرى إلى زراعيه يحتويها ليشاركها البكاء الصامت على فقدانه لعزيزه الغالي..

________________

يُتبع..
لِـ مَنار نَجدي.

| چُــمَاڤـــيّ | °الجزء الثاني للعالم المعكوس° ✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن