2) جاسئ

38 10 17
                                    


في ظل هذه العتمة، وبينما الناس نيام، أوقف السائق سيارته أمام مغفر الشرطة، ترجل الراكب في الخلف وعلى وجهه أماراتٌ غاضبة، وعينا السائق العجوز توخزانه توقًا للفراش، ظن أن الآخر سيقاضيه ويغادر لسبيله لكن آماله تحطمت بجملته.

"انتظرني هنا رجاءً."

لم يلبث دقائق حتى عاد بصحبة أخيه ذي الوجه الدامي، وبعد تلك الرحلة القصيرة الصامتة، استطاع المغادرة لفراشه الدافئ تاركًا أخوين يصارعان بعضهما بالصمت.

لم يؤنسهما سوى صلصلة المفاتيح والباب يُفتَح، ولج الأكبر صاحب الشعر الكستنائي يسبق لوجام_ الزاحف_ لشدة ما به من كدْح، ألقى بها فوق المنضدة الدائرية بمنتصف الردهة وبجسده الثقيل ارتمى على الأريكة المسكينة، فكان صوت احتكاكها بالأرض كزقزقةِ آنسةٍ تضحك لشدة البلاء، راح يتعمق بأنظاره في وجه الآخر الثابت مكانه رغم نعاسه.

"أيقظوك من النوم؟"

همهم لوجام كإجابة قصيرة، حكّ كيران رأسه بتملمُل من أفعال أخيه غير الشقيق، فكلما كَبُر صَغُر عقله، نظر له فإذ به يتمايل كالسكارى بعينين لا تستطيع الجزم إن كانت مغلقة أم مفتوحة، رفع قدم فوق الأخرى مردفًا بعجرفة.
"اذهب لفراشِك."

شعر ذو الشعر البني بالكسل من السير حتى غرفته، فاختار السبيل الأقرب والأيسر، ألقى بكاهله جوار كيران متخذًا من كتفه العريض وسادة صلبة، تكفهرت ملامح الأكبر ودفعه عنه باشمئزاز وهو يبتعد.

"لستُ حبيبتك أيها النتن!"

استلقى لوجام فوق بطنه غير آبهٍ لسخرية أخيه الأكبر الذي تركه متوجهًا لغرفته.

◦•●✿࿚༺.༻࿙✿●•◦.

.

في الصباح التالي، لمساتٌ لطيفة كانت تداعب شعره القصير من جسدٍ ثقيل فوق ظهره، أجبرته الأنفاس الدافئة على فتحِ خضراويه، لم يتسع لعينيه الرؤية جيدًا بعد فقدانها للوحيها الزجاجيين من بين هيكل النظارة، حاول النهوض بكلتا يديه فانزلق الجاسئ فوق ظهره مصطدمًا بذراع الأريكة الخشبيّ، التفت للخلف فإذ بها طفلة صغيرة لها وجهٌ شديد السواد، لم تكن ساعات عمل عقله قد أتت بعد فبقي مشدوهًا يتأملها وهي تبكي بصمت، كانت ملامحها مشوشة وملابسها بدت له مهلهلة، تركها مكانها منطلقًا نحو غرفة أخيه، نزع عنه الغطاء يوخزه بإصبعيه في كتفه صائحًا.
"كيران.. كيران، هناك فتاة في الخارج، كانت نائمة فوقي!"

وجمت ملامحه وبيده الخشنة أزاح وجه لوجام عنه متمتمًا بغيظ.

"ولمَ قد تخبرني بأمرٍ بذيء كهذا! استمتعا دون إصدار صوت."

تغيرت ملامح الآخر باندهاش.

"إنها طفلة أيها القذر!"
أردف بصوتٍ ناعس.

"ولم قد تأتي بطفلة؟ أتعاني من خلل عقليّ!"

رماه باحتقار وهو يبتعد.
" لا فائدة من عقلك المتسخ، عد للنوم."

◦•●✿࿚༺.༻࿙✿●•◦

خرج بغاية إحضار نظارته البديلة والتأكد أن ما رآه لم يكن هذيان، ولج حجرته يتقدم نحو المنضدة جوار الفراش فاصطدمت ركبته بحافته، انحنى يدلكها بوجهٍ باكٍ كاتمًا صياحه داخله، تجاهل آلامه وراح يعافر حتى يصل كالسلحفاة، أسوى وقفته قِبالة المرآة فالتقط عويناته وارتداها، اعتدلت ملامحه المُشوّشة، بحلق في وجهه المُصَبّغ بالألوان بازدراء، أحال أنظاره نحو الساعة فجحظت عيناه، شد خصاله بذعر.

"لم أذهب للمدرسة!"

أسرع بالمغادرة لبهوِ منزلهم حيثُ رقد البارحة، لم يجد الفتاة بل بقع حمراء مطبوعة على مفرش الأريكة، فزع وراح يفتش في غرفة أخيه فوجدها فوق ظهره تجذب شعره الطويل بين أصابعها الصغيرة، لم يفهم أيُّ نومٍ حلّ عليه كي لا يشعر بثقلٍ كهذا، وعلى غرار ما اعتقد كان يقظًا يحاول البقاء هادئًا قدر المستطاع، فإن نهض ستقوم حفلة شواء.. وكلاهما سيكون السمك!

هرع لحملها عمّن جحظت عيناه فجأة وكأنما الموت يلاقيه، رفع الفتاة بين ذراعيه فاستشعر بللًا يلامس يده، تغيرت تعبيراته وهو يرى أخيه الأكبر متصنمًا مكانه دون حِراك.

◦•●✿࿚༺.༻࿙✿●•◦

تشبث بها وقد لانت ملامحه للشفقة.
"لكنها طفلة صغيرة!"

صاح كيران بصوتٍ جلل

" تخلص منها يا لوجام وإلا ألقيتكما من النافذة!"

"أنت تدرك أنني أستطيع استخدام تهديدك هذا لصالحي."

"تهددني بالسُّلطة؟"

"بذِكر السلَطة.. أريد تعلم صنع سلطة الفواكه."



عصبWhere stories live. Discover now