وداعًا مولاتي بغداد

77 5 6
                                    


حان الآن وقت السفر بغداد،فلا تنسي وجهي الحزين سيدتي،وأفتحي لي عبر الزمن أبوابك ،وأسمعي صوت الحنين بمُهجتي،وأبكي الحُسين مع اللئام القاتلين،وأبكيني فإني بمصرعي هذا مثل الحُسين، وسأبكي شوقًا من صميمي إليك.

كوليد يبكي في غمرة نومه،يرتجف من كوابيس حرب مضججة بالخراب والدمار والدماء،كعناق فاسد وخبيث بخريف أسود. ينظر الغروب بعين باكية وعين راثية،بحنين جائع وقلبً أصابه الإنقسام، يودع بلده الحبيب "بغداد" ويتلو على جرح الفراق طرائف أحزانه كرصاصة طائشة.

كانت روحه تجثو فوق كومة من دموعه الباردة، ناصعً وواضح كغيمة واسعة،حالمً ودافيء،تلاحقه أحلامه اليابسة وعلى حين غرة.. هزته لذة النوم من أعماق التعب ،نظر نظرة أخيرة وأبتسم لنافذة الطائرة وهو يعانق وطنه للمرة الأخيرة، وطنه المقسوم ذو الشهامة والكرم.

نضجت دمعة طويلة وهادئة على خده الأيسر وتقلبت نفسه كالموج الشارد بالأعماق.أخذ يمسح مسحة طويلة على خده حتى غلبه النوم وحاوط عينيه من كل زاوية تمامً كما يحاوط جراد الفتنة فراشات وطنه وكما تلتف أفاعي بني الصهيون برقبة القدس المحتلة، صعد عالياً مع النوارس وبسط ذراعيه يحتضن الفراغ، أرخى كفيه مستسلم لكوابيس الماضي الذي يطارده حتى في نومه،فهو الذي عاش الكوابيس حتى في يقظته.

مر الوقت وحطت الطائرة ولكنه كان كمن وقع بقبر أصم. نزل الجميع ولازال هو غارق..أقتربت منه ووجهها يغلبه الشفقه ،هذة المضيفة الحسناء وصوتها الناعم صارت تطعم أذنه برقتها:

_لقد وصلنا أيها السيد استيقظ من فضلك

اهتزت عينيه وارتفع غطاء أجفانها،أخذ نفس عميق وبصوت مخدوش قال:

_ ولكني لم أصل بعد حتى أنني لا أعلم هل سأصل أم لا

بادلته نظرة طويلة ويبدو عليها عدم الفهم ولكنها أبتسمت كوجبة لطيفة من طعام التوت الاحمر قائلة:

_حمدً لله على سلامتك أيها السيد

أبتسم إبتسامة فاقدة الرجاء بينما هي أنصرفت بهدوء ورقة،تنهد بضيق وهو يتوكأ على رخامة صبره ليقف، حمل أغراضه الخفيفة على كتفه ومضى حيث أصبح كالغريب، هبط من الطائرة بعين لامعة حد الدماء توشك أن تخرج منها كل ينابيع وطنه المنهوب. أخرج هاتفه النقال ليترك رسالة صوتية لصديقه

"مرحبًا ياسر لعلك بخير أخي العزيز، سوف أذهب للمكان الذي أخبرتني عنه وأنتظرك هناك. من فضلك لا تتأخر فأنا أشعر بالغربة والتيه"

ليقابله صديقه برسالة نصية مرحبًا به ويخبره أن هناك سيارة تنتظره بالخارج.

تحرك خارج أبواب المطار ليجد سيارة سوداء ورجل غلبه الشيب وأغرق رأسه يحمل ورقة مكتوب عليها" حُسين الربيعي"

المسخ المنتظرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن