24

4.4K 230 8
                                    

(سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته )






- ماذا بعد لقائك بها؟ هل تذكرت شيئا؟

- لست أدري يا دكتور... بعد أن رأيت صورها
ثم بعد أن التقيتها أصبحت أرى صورا لها في
ذهني... لست أدري إن كانت ذكريات أو مزيجا
من خيالات ناتجة عما قرأته من رسائلها ؛
وما روته لي من أحداث جمعتنا...

- هل من شيء يميز هذه الصور؟ هل تجد لها
صدى معينا في نفسك؟

ركز أحمد للحظات محاولا التذكر؛ وبعد صمت
قصير تكلم ببطء؛ كأنه يصف مشهدا يراه أمام عينيه:

- في الصور التي أراها شكلها يختلف عن صور
حفل الخطبة -وهي الصور الوحيدة التي رأيتها
لها- ترتدي ملابس عادية؛ تختلف عن الملابس
التي ترتديها اليوم. أقصد أنها ملابس تخص
اليهود أكثر من المسلمين, مع أنها تغطي رأسها أيضا...

تردد لثوان قبل أن يستطرد:

- هناك صورة محددة,؛ أجدها تعاودني بكثرة...
أراها مبتسمة... وأرى خلفية مخضرة؛ كأنها تقف
في الضيعة... قرب المنزل الريفي...

- ربما ترى تلك الخلفية لأن ظهورها في حياتك
ارتبط بالضيعة... رسائلها كانت هناك...

لكن أحمد تابع في إصرار:

- الغريب في الأمر هو أن الصورة تظهر في
ذهني ثابتة. ليست ذكريات بالمعنى الصحيح,
ولا تهيؤات... فكلها في الغالب ترتبط بأحداث, حركات, أصوات... لكن هذه الصورة؛ لا حياة
فيها... كأنها صورة شمسية!

رفع الطبيب رأسه إليه في اهتمام؛ بعد أن دوّن
كل كلمة قالها:

- ماذا أيضا؟ هل ترى أي شيء آخر؟

- بقية الصور متداخلة وغير واضحة الملامح...
من العجيب أنني لا أجد صعوبة في وصف هذه الصورة بمنتهى الدقة! ما رأيك يا دكتور؟

ابتسم الطبيب مطمئنا:

- لا يمكننا الجزم بعد... لكن التطور يبشر بكل
خير. والآن هلا استرحت قليلا ريثما أتحدث
إلى والديك؟

نهض أحمد متثاقلا وتمدد على السرير كالعادة.
لم يكن مزاجه جيدا اليوم. مستاء وعصبي.
لولا حاجته لاسترجاع ذكرياته المفقودة لما
كلف نفسه عناء المجيء إلى جلسة العلاج هذه
ربما يمكن للطبيب أن يساعده في ظل غياب
ندى المفاجئ. لماذا لم تأت؟ لماذا لم تأت؟
سؤال يلح عليه منذ البارحة. لماذا أخلفت
بوعدها وتركته ينتظر؟ هل غيرت رأيها لأنه لم
يتمكن من تذكرها؟ هل تراجعت بمثل هذه
السهولة؟ ربما لم تجده كما توقعت... ربما تغير
في نظرها بعد طول الغياب. ربما لم تجد في
نفسها المشاعر القديمة فآثرت الانسحاب.
ربما ربما ربما... لا يملك إلا تعديد الاحتمالات
وتخيل الخيارات.

في قلبي أنثى عبريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن