( ٢٠ ) - مشاعر واهية -

ابدأ من البداية
                                    

" أصـالـة " لا رد ولكنها تنظر إلى اللاشئ بوجوم دون أن تعطي له أدنىٰ إهتمام يُذكر. فتابع " سـلـيـم " بصدق وهو يهم بالجلوس إلى جوارها واضعًا قبلة حانية أعلى جبهتها بحب وآسف حقيقي.
- أرجوكي يا أمي أنا مش هقدر على زعلك مني أكتر من كده..
قوليلي إيه اللي يرضيكي وأنا هعمله لحضرتك بس أنسي أي زعل مني وخديني في حضنك زيّ زمان..
ثم أضاف ببكاء وقهرة حقيقية واضحة في بؤرة عيناه مما جعل قلب والدته يتقطع إلى أشلاء على هيئته وبكائه لها.
- متتصوريش أنا حياتي في اليومين دول صعبة إزاي والأصعب أني أرجع البيت كل يوم ملاقكيش مستنياني وتتعشي معايا زيّ عادتك..
أنك تخاصميني ومتقعديش معايا على سفرة واحدة ده أكبر عقاب في حياتي ممكن اتعاقبه..
أرجوكي يا أمي متقسيش عليا أكتر من كده لأن القسوة عمرها ما كانت ليكي في يوم..

" أصـالـة " وهي تعتدل في جلستها وأعينها حبيسة الدمع بتأثر لحديث إبنها وحبيبها الأوحد والمفاز الوحيد لها بحياتها التي أكتسبته من الدُنيا عنوة بعدما مدت يديها تُمسح بأناملها عبراته بحزن.
- أنا مش زعلانة منك يا سـلـيـم أنا زعلانة عليك يا حبيبي..
أنا خايفة عليك لتمشي في سكة مفيش فيها رجوع ساعتها يا سـلـيـم هتبقا خسرت كل حاجة بجد..
مفيش أصعب على الأم من أنها تشوف إبنها بيتعذب ومفيش في إيديها حاجة تريحه بيها..
ثم أضافت بدموع.
- أنا حاولت عُمري كله أستقوىٰ بيك لحد ما وصلت لسن كان لازم تعرف فيه حقيقة اللي حصل وإزاي إسمك على إسم بابا مش إسم باباك زيّ أي طفل عادي في سنك..
كنت بين نارين بين أني اسيبك عايش عُمرك كله مخدوع ومش عارفة إزاي كنت هعمل كده وبين أني أصارحك عشان ده حقك..
بس في الحالتين كنت خايفة عليك وعلى صدمتك لتخليك تعمل حاجة عمرك ما أتخيلت أنك تعملها..
فتابعت بوجع أكبر.
-لكن اللي خوفت منه حصل واللي عشت عُمري كله خايفة منه أديني عايشة فيه أهووو..
أنا أستحملت حاجات كتيره أوي السنين اللي فاتت يمكن شلت فوق طاقتي وإستيعابي وأتحملت اللي مفيش بشر ممكن يتحمله بس معنديش إستعداد أخسرك ولا هتحمل أشوف فيك أي وجع..

" سـلـيـم " بوجع حقيقي عمد إلى إخفائه عن والدته إلا أن " أصـالـة " تعلم مقدارة جيدًا.
- أنا قوي طول ما أنتي معايا يا صـولا..
أنا من غيرك ببقا تايهه رغم أني كبرت وبقيت شحط كبير بس من غيرك ومن غير حبك وخوفك عليا وحنانك اللي طول عمري عايش بيه مش هقدر أكمل يا أمي..
أنت الإيد الحنينة الوحيدة اللي بتتمد ليا في وسط الدُنيا الطويلة العريضة دي كلها..
أرجوكي متقسيش عليا أنتي كمان كفاية عليا وجع قلبي مش هستحمل زعلك مني صدقيني..

" أصـالـة " وهي تجذبه إلى أحضانها بحنان ماسحة بيديها على خصلاته وجبهته بحب أمومي خالص.
- أنت حتة من قلبي يا سـلـيـم وأنا لو زعلت من الدُنيا كلها مقدرش أزعل منك يا حبيبي..
أنا بس صعبان عليا اللي أنت بتعمله في نفسك ده..

" سـلـيـم " بوجع دافين وهو يُشدَّد من إحتضانه لوالدته دافنًا رأسه في صدرها محاولًا مُدرات حزنه عنها وتخبئه عيناه منها.
- أنا كده كويس برضاكي عني صدقيني..
طول ما انتي جمبي أنا كويس..

وجوه الحبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن