2- الحلقة الثانية

ابدأ من البداية
                                    

"قومي يالا بينادوا عليكِ، قومي"

حركت رأسها موافقةً ثم أمسكت كف صغيرتها التي كانت في شهور عمرها الأولى تقبله ثم سارت حيث المكان المطلوب وقوفها عليه، حصلت على الشهادة و الدرع الذي يحمل اسمها و شهادة تقدير في إطار من الخشب و يَحفهُ من الجوانب الزجاج الذي يُغطي الشهادة خلفه.

وقفت أمام مُكبر الصوت "المايك" تبتسم و هي ترى النظرات موجهة نحوها بالفخر و الحماس و خاصةً و هو يتابعها بفخرٍ، لم يكن الفخر كونها زوجته فقط، بل نظرة تشبه فخر الأب بصغيرته في تفوقها الدراسي، تنهدت هي بعمقٍ ثم قالت بصوتٍ هاديء:

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا طبعًا عمري ما كنت أتخيل أني أقف هنا في يوم من الأيام و اتكلم قصاد حضراتكم، زي ما عمري صدقت أني ممكن أدخل كلية الصيدلة و أنجح فيها كمان، أنا بس عاوزة اقول حاجة واحدة، إن الكف لوحده مستحيل يسقف و كذلك الانسان بدون دعم مش هيحس بمتعة اللي بيعمله، الحمد لله طبعًا اولًا و أخيرًا، بس فيه ناس تستحق التقدير و الشكر، أولهم افراد عيلتي كلهم، أخواتي و ولاد عمامي و كل فرد في عيلتي، و فيه حد تاني زي الجندي المجهول، مقدرش أجحد دوره في اللي وصلتله، علشان زي ما وراء كل رجل عظيم إمرأة....فيه كمان وراء كل ست ناجحة، زوج ناجح في كل الأدوار، الشريك الداعم و المُساعد، و اللي بيبذل مجهود أكبر من الشخص الأساسي"

كان "أحمد" يبتسم لها و عينيه تلمع بالفخر و الاعتزاز و في تلك اللحظة ودَّ لو رفع صوته للعالم بأكمله يخبرهم أنها زوجته و من يحملها بين ذراعيه ابنتهما، و قبل أن يغوص في الأفكار أكثر من ذلك، قالت هي بحماسٍ:

"أنا بهدي نجاحي و كل اللي وصلتله لأحمد الرشيد، جوزي و أبو بنتي، و الشريك الداعم اللي كان السبب في اللي وصلتله"

انشترت التصفيقات الحارة و الصيحات الحماسية، فمالت "خديجة" عليه تحمل ابنته و هي تحرك رأسها له حتى يذهب لها، بينما هو أخفض جسده يحمل باقة زهور اخفاها عنها منذ الصباح حتى يُفاجئها بها، و على الجهة الأخرى خلعت هي قبعة التخرج السوداء، فاقترب منها بثباتٍ و هو يحمل باقة الزهور و هي تحمل القبعة، حينها حمل هو القبعة يضعها على رأسها و هي تنظر له بامتنانٍ فقدم لها باقة الزهور و هو يبتسم، فاقترب منهما "حسن" يلتقط لهما صورةً بمفردهما، ثم جلب "ليلىٰ" لهما لتكون صورةً عائليةً، صورة فيها ثلاثة أفراد كلٍ منهما يشكل الحياة للأخر و صوته بهمس في أذنها بكلمة:

"مبروك عليكِ التخرج يا عز أحمد و خيره"

(عودة إلى الوقت الحالي)

تنفست بعمقٍ و هي تبتسم و كأن رحلتها القصيرة للماضي شحنتها بطاقة الحب، حيث نزلت من على المقعد و جلست على ركبتيها تُملي انظارها منهما، حيث هو يتمسك بابنته بين ذراعيه بملامحه الهادئة و لحيته المنمقة، كذلك هيبته و هدوئه كما هما بل زادا مع مرور الوقت، أما ابنته فتلك الصغيرة تشبه الملائكة الصغار، خصلاتها السوداء و غُرتها التي تغطي جبينها و وجنتيها المنتفختين و شفتيها المضموتين بهيئةٍ طفولية، حركت كفيها تعانق كف الصغيرة، ثم حركت أحدهما تمسك كف "أحمد" الذي شعر بها من رائحتها، ففتح عيناه ليكون وجهها اول ما يطالعه هو حتى تشكلت البسمة على وجهه ثم قال بنبرةٍ مُتحشرجة لازال بها أثر نومه:

يوم الجمعة (تعافيت بك)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن